وما زلنا فى المستنقع الجزائرى نحاول ان نكشف بعضا من فصوله
المقدمة
لا تقضي الحرب فقط على الناس والاموال والحياة بصفة عامة ولكنها تدمر المبادئ والاخلاق والادبيات وخاصة الامل، في الجزائر هم قليلون من يستطيع مقاومة فاتني الرشوة الاخلاقية والمادية، والصحافة مثل كل جهاز استراتيجي غير مستثنى من هذه القاعدة.. منذ بداية المأساة أضاعت بعض الصحف كنهها ومصداقيتها التي اكتسبتها بثمن غال بعد أحداث أكتوبر 1988 في بلد كانت كل وسائل الاعلام في يد أصحاب القرار. هل من قبل الصدفة أن دفعت المهنة أيضا ثمنا غاليا ؟ إن القتل العنيف للصحافيين الجزائريين والاجانب كشف عزم الذين يريدون خنق الحقيقة بكل ثمن، إن سدل الستار الحديدي هي ضرورية من أجل مواصلة سياسة الرعب. سمحت هذه الشراسة بالحيادة الايجابية للأغلبية وتلوث البعض الاخر، إن الموت والتهديد والعزل (حتى لا نقول السرية والنفي) بالنسبة للأخرين سمح بتخدير العقل النقدي وشل البحث عن الحقيقة الذي ميز الصحافة الجزائرية بعد أحداث أكتوبر. إن الصحافيين الذين تزعموا بمعية الاطباء لجان مقاومة التعذيب في أكتوبر 1988(بالمشاركة المميزة للممثلة أيزابيل أجاني) والذين كتبوا مذكرات أكتوبر وأصبحوا أبواقا يصبون من خلالها جم سخطهم مرددين "أبدا هذا لن يكون"، هؤلاء أصبحوا دعاة الاستئصال وأقلام من دماء. يقال : ليس من حقنا قتل رجل لأننا لا نعرف الصور الموجودة في أعماق عينيه"، مبدأ مقدس لحق الاختلاف واحترام الغير الذي ضحى به كثير من الصحافيين باسم الحفاظ المزيف على الديموقراطية الذي يريد الارهابيون إزالتها. كيف يمكن شرح للقراء العاديين التحول الغريب من صحافة رافضة وفي بعض الاحيان متمردة في مقدمة الدفاع عن حقوق الانسان والكرامة الانسانية الى وسيلة نحس بين أيدي أصحاب القرار للغرفة السوداء. إن هذه الصحافة التي أصبحت في مهب الريح تبدل رأيها حسب أهواء الصراعات العشائرية. بالفعل في بلد خاضع لتقلبات جذرية حيث المواجهات الايديولوجية المتناقضة والمصالح المختلفة قد فتحت الطريق للوحشية القاتلة فإن المبدأ المقدس لاحترام الحياة الانسانية قد ترك المكان لصالح فتاوي أئمة أو شيوخ مزيفة جاهلة ومفتيين أميين من صنع مديرية المخابرات. ولكن الاخطر من ذلك هو أن الصحافة التي كانت الحافظة للحقل السياسي قد استكانت. والنتيجة معروفة من الجميع والكتابات في هذا الموضوع هي بعيدة عن المسكوت عنه، إن القلوب تبقى حاقدة مادامت القصاص لم يتم. لا نريد ولا ندعي محاكمة الصحافة أو الصحافيين فإن التاريخ سيقوم بذلك آجلا أم عاجلا، ولكننا حريصون على كشف ميكانزمات وخبايا التلاعبات وتبيين أن استقالة الضمائر ساهم لحد كبير في تدهور الوضع، أملنا هو أن يساهم هذا الملف ولو بالشيء اليسير في تحرير الضمائرالصحفية وتطهير الوسط الاعلامي وإعادة الاعتبار لمهنة الصحفي حتى يكون الغد أحسن للذين يشترون يوميا جريدتهم ويجدون عذباتهم قد كشفت وبالتالي يمكنهم الأمل بمستقبل أفضل.
البداية
منذ الانقلاب على الشاذلي في يناير 1992 فإن قيادة الجيش الوطني الشعبي حينذاك قد تكفلت بنشر كل المعلومات المتعلقة من قريب أو بعيد بالمؤسسة العسكرية أو الحياة السياسية للبلاد، وضعت وسائل الاعلام تحت المراقبة الصارمة بهدف ضمان مراقبة الاحداث. في الماضي كانت هذه المهمة من إختصاص مصلحة الاعلام لمديرية المخابرات والامن التي أنشأت مع مرور الزمن مصلحة متخصصة التي نسجت خيوطها حول جميع وسائل الاعلام. إن التسيير والتلاعب بالمعلومات هو سلاح حديث وخطير جدا يستعمل في تسيير حالات الأزمة وتكوين الرأي العام وحتى قلبه إذا كان مناهض للسياسة الحالية، إنه اختصاص معروف لدى جميع المصالح المخابراتية في العالم تحت اسم "تسيير وسائل الاعلام" أو "تسيير الازمات" والذي أظهر فعاليته على الخصوص أثناء حرب الخليج. في الجزائر فإن مديرية المخابرات والامن لم تبقى على الهامش والامثلة كثيرة، ولكن أشهر ممارسة هي الرقابة الكلاسيكية التي تغطي كل المجال السياسي، هذه العملية تتكلف بها مصلحة الصحافة بطرق مختلفة ولكن الهدف النهائي هو التلاعب البسيكولوجي بالرأي العام الوطني وحتى الدولي عندما يكون الموضوع ذي أبعاد دولية.
إن استغلال والتلاعب بالمعلومات يتم من طرف نيابة مديرية بمديرية المخابرات : مصلحة الصحافة والمسماة علميا "المصلحة البسيكولوجية"، فهي مكلفة "بالحرب الاعلامية"، هذه المصلحة موجودة اليوم بمركز العمليات لبلعروسي(المركز القديم: الإسناد العملي التقني) الموجود وراء حي الاسفودال ببن عكنون والمعروف في الوسط الاعلامي تحت الاسم الرمزي : CDD. إن مركز بلعروسي والمصنف حيوي جدا يديره العقيد عزيز العروف. فهو يأوي مكاتب مركز الاعلام والنشر (CDD) والذي يديره العقيد طهري زوبير المسمى حاج زوبير.
سي الحاج كما يلقب وكسابقيه مكلف بتجنيد وبكل الوسائل أكبر عدد ممكن من الصحافيين (حتى الاجانب منهم)، الهدف بسيط : الرقابة السلبية أوالفاعلة لكل ما يعتبر خبر ذات طابع أمني. إن الرقابة السلبية هي أكثر كلاسيكية وتسمح بضبط وسائل الاعلام : تلفزة - إذاعة - الصحافة المكتوبة - ومؤخرا الانترنيت (الآوون (Cerist, ANEP, Wissal وذلك عن طريق الضباط المتواجدين في عين المكان والذين يستولون على مناصب هامة (مكاتب الامن) ويتمتعون بحرية عمل غير محدودة. كل مكتب أمن لدى جهاز إعلامي مثل التلفزة والاذاعة والمحطات الجهوية (تلفزة وإذاعة) وكذا وكالة الانباء الجزائرية يحتوي على مجموعة صغيرة من الضباط تسهر 24/24 ساعة على مراقبة الاحداث، وفي بعض الاحيان يكون الضابط هو مدير المؤسسة كما هو الحال بالنسبة لمدير وكالة الانباء الجزائرية(مثل العقيد تلمات المتوفى عام 1996).
أما الرقابة الفعالة فهي أكثر أهمية لأنها تطلب وسائل بشرية هامة مثل أعوان ومتخصصون في الاعلام قادرين على خلق الاحداث وقلب وضعية إعلامية معادية. إنهم المتخصصين - في غالب الاحيان أجانب - (دكاترة في تغيير الازمات) الذين يخططون الإجراءات التي يجب اتباعها بهدف التقليل من التبعات الاعلامية لوضع كارثي(كما هو الحال أثنا مجازر 1997 و 1998). في كل الاحوال فإن مركز الاعلام والنشر يتكلف بالمهام التالية : تطوير ثقافة السر بهدف وحيد هو التلاعب بغالبية السكان الباحثة عن الحقيقة. لاشيء ولا أحد يوضع في الحسبان أمام المصلحة العليا المفترضة للدولة، الخاتم الذي باسمه قتلت كثير من الانفس وأفسدت بالمثل أخرى.
طاهري زوبير هو أحد الضباط القدماء للمديرية المركزية لأمن الجيش (DCSA)، لقد تقلد عددا من المناصب الهامة قبل أن يصبح قائدا لمركز الاعلام والنشر. لقد كان مديرا بالنيابة للنقاط الحساسة والتي تشمل أمن كل المؤسسات العسكرية على كامل التراب الوطني، لقد لعب دورا أساسيا في رحيل الجنرال كمال عبد الرحيم وفيما بعد في رحيل الجنرال محمد بتشين الذي كان هو الاخر رئيسه السابق. يساعد سي الحاج زوبير في مهامه فريق من الضباط وهم : - العقيد سماعيل حلاب من الدرك الوطني الذي يرأس مصلحة الدعم للزبير الموجودة في القيادة العامة بباب الجديد.
- العقيد كمال من مديرية المخابرات المدعم برجاله : الرائدان حمدي أمالو وعمر بوون والنقيب أمين والملازم الاول صالح من مصلحة التحليل للمخابرات.
- المقدم ميلود من DCE والنقيب حمزة من مركز العمليات "عنتر" واللذين يعملان لصالح اسماعيل العماري.
- المساعدان المباشران للزبير الرائدان جيلالي وسمير من DCSA مثله.
- النقباء جمال ومحمد وبوجمعة، الملازم الاول مجيد، المساعد الاول عبد النور خوجة والمدنية جميلة يمثلون الامانة العامة لمركز الاعلام والنشر.
إن تجنيد الاقلام يتم مباشرة عن طريق التعاون المباشر لطبقة من الصحفيين المؤمنة كلية بأطروحات المخابرات مقابل تعويضات مادية كبيرة وشهرة ينالونها بفضل حاميهم. وهناك طبقة ثانية من الصحفيين يتم تجنيدهم عن طريق تلويثهم وذلك بعد ضغوط كبيرة كالتهديد او بفضل اعتداءات مزيفة تلصق بالجماعات المسلحة
. إلا أنه يوجد صحافيون بقوا مخلصين لأخلاقيات المهنة ولكن مقابل رفضهم الرضوخ فقد دفعوا حياتهم ثمن ذلك أو اضطروا الى التخلي عن مهنة الصحافة بمغادرة الجزائر او اختيار المنفي، في كل الحالات فإن العقيد طهري زوبير مستعد الى الذهاب الى أقصى البربرية لتطبيق اوامر توفيق واسماعيل
. قبل أن يصبح قائد مركز والاعلام والنشر فقد رضخ زوبير كل الرضوخ لتوفيق الذي كفاه كثيرا على ذلك، تم الحصول على ثقة توفيق بفضل محمد بتشين، في الحقيقة مباشرة بعد تنصيبه بعد انتخاب زروال بدأ بتشين بالإتصال خفية بالإطارات الذين اشتغل معهم ب DCSA أو مديرية المخابرات لمساندته في سعيه السلمي، كثير من الضباط لحقوا فعلا به إما مباشرة الى الرئاسة أو البقاء في أماكنهم ليخبروه بما يجري بالمخابرات. لقد فعل نفس الشيء مع الرائد طهري زبير (الذي كان حينئذ نائب مدير للنقاط الحساسة ومكلفا بمهمة خاصة لدى DCSA) الذي لم يتررد في الاتصال بالتوفيق ليخبره بعرض بتشين، إن المدير السابق للمخابرات الذي اعتقد أنه نجح في قلب زوبير لصالحه وقع في اللعبة الذي رسمها، فأصبح توفيق يمرر له معلومات الذي سمحت فيما بعد بقلب كل محاولات الرئيس زروال لاسترجاع وزارة الدفاع والإقصاء المذهل لبتشين، وغني عن القول أن زوبير جوزء كما يجب عن إخلاصه الذي فتح له باب السلطة بمصرعيه.
منذ تعيينه على رأس مصلحة الصحافة بعد ذهاب العقيد فوزي الذي يشتغل حاليا كملحق عسكري بروما فقد تبع زوبير أوامر توفيق حرفيا وحقق بعض الضربات الاعلامية التي كانت لها آثار كبيرة على الحياة السياسية للبلاد وكذا على المستوى الدولي، ومن بين هذه العمليات : - الحوار الذي حققه مع صحفي الشرق الاوسط : عامر الطاهري، - التغطية الاعلامية لعملية أولاد علال، - الهجمات ضد الجنرال محمد بتشين والتي أدت فيما بعد الى استقالة الرئيس زروال، - ومؤخرا وبمساعدة خالد نزار والترقية الاعلامية لقدماء ضباط الجيش الفرنسي عن طريق العقيد محمد رابح بوتلى مؤسس حركة الضباط الجزائريين في الجيش الفرنسي، - قيادة الحملة ضد الحركة الجزائرية للضباط الاحرار. إن هذا العمل التلاعبي الجبار لم يكن ليتم لولا المساندة الهامة لأعوانه الذين يمضون باسمهم أو بأسمائهم المستعارة مقالات مكتوبة في مركز الاعلام والنشر والتي يتحصلون عليها في معظم الاحيان عن طريق الفاكس في مكاتب التحرير، إن هذه الاقلام المرتزقة تعمل على إعطاء مصداقية لأعمال أو حوادث مزيفة تم خلقها من طرف خلية التحليل لمركز الاعلام والنشر بهدف إفشال كل من يقاوم أو يحارب
__________________
قال تعالى ""
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ المائدة الآية 45