مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 04-11-2005, 04:46 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال -عليه الصلاة والسلام-: "المهديين" يعني: الذين من الله عليهم فهداهم للحق فعملوا به، قال: ( عضوا عليها بالنواجذ ) "بالنواخذ" وهي الأضراس، وأشد ما يكون الاستمساك إذا أراد المرء أن يستمسك بشيء بأسنانه أن يعض عليه بأضراسه؛ لأنها أشد الأسنان.

فقال -عليه الصلاة والسلام-: ( عضوا عليها بالنواجذ ) يعني: كونوا مستمسكين بها على أشد ما يكون الاستمساك بسنته عند الاختلاف، وسنة الخلفاء الراشدين عند الاختلاف، والتقوى والسمع والطاعة؛ فإن في هذا النجاة، وهذا مجرب في كل ما مر في تاريخ الإسلام من تقلبات وفتن، فإن من أخذ بهذه الوصية نجا في دينه ودنياه.

قال -عليه الصلاة والسلام-: ( وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ) "إياكم" هذا تحذير ونهي، ومن الصيغ التي يفهم منها النهي أو يعبر بها عن النهي صيغة إياك، وكذا كما قرره علماء الأصول، فقوله: ( وإياكم ومحدثات الأمور ) هذا في معنى قوله: لا تقربوا أو لا تأتوا محدثات الأمور، فهو نهي عن محدثات الأمور.

والمحدثات جمع محدثة، وهي: كل ما أحدث بعده -عليه الصلاة والسلام- على غير مثال سابق له، وهذه المحدثات التي أحدثت على قسمين: منها محدثات من قبيل المصالح المرسلة التي أوضحنا لكم معناها وضوابطها في أوائل هذا الشرح، فهذه لا تدخل في المحدثات المذمومة؛ لأنها محدثة لغة، ولكنها ليست بمحدثة شرعا؛ لأن لها الدليل في الشرع الذي دل على اعتبارها، وهو كونها من المصالح المرسلة، وأشباه ذلك على الضوابط التي ذكرنها في ذلك المقام.

والقسم الثاني: المحدثات التي هي في الدين بما أحدث مع قيام المقتضي لفعله في عهده صلى الله عليه وسلم وترك، فما ترك في عهده من العبادات أو مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- مع قيام المقتضي بفعله ولم يفعل، فهو محدثة في الدين، فهو بدعة.

وهذا القسم هو الذي يتوجه إليه قوله صلى الله عليه وسلم ( وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ) وهذا يعني أن نعكس الأمر، فيكون المنهي عنه هي الضلالات من البدع، وهي البدع في الشريعة البدع في الدين.

وأما البدع من حيث هي في اللغة فإنها قد تكون، ولا ينهى عنها في الشرع كما قال عمر حين جمع الناس، أو حين جمع الناس على إمام واحد، فقال: "نعمت البدعة هذه" فجعلها بدعة -يعني: في اللغة- فليست كل بدعة في اللغة بدعة في الشرع؛ لأنها قد تكون بدعة لغة، ولا تكون بدعة شرعا لدخولها في تعريف المصالح المرسلة، أو في العفو العام أو ما أشبه ذلك.

أما ما يتقرب إلى الله به من العبادات، وقد قام المقتضى بفعله في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ولم يفعل -فإنه من البدع المحدثات، ومن البدع الضلالة، فقال: ( فإن كل بدعة ضلالة ) وهذه الكلية من صيغ العموم، وهذا يدل على إبطال قول من قال: إن من البدع في الدين ما ليس بضلالة.

وهو ما أحدثه العز بن عبد السلام في الأمة من تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة، ومستحبة، ومباحة، ومكروهة، ومحرمة. فتبعه الناس على ذلك، وانتشرت البدع على هذا التعريف أو هذا التقسيم بقوله: إن من البدع ما هو واجب، ومن البدع ما هو مستحب، وأشباه ذلك، وهذا مصادم لهذا النص، وقولهم بالرأي، والقول بالرأي مذموم إذا كان في مقابلة النص ومصادمته.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لنا: ( فإن كل بدعة ضلالة ) فهذه الكلية، فمن قال: "إن ثم من البدع ما ليس بضلالة" فهو مخالف لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ( إن كل بدعة ضلالة ) فما من بدعة في الدين إلا وهي ضلالة، كما قال عليه الصلاة والسلام.

على تعريف البدعة الذي ذكرناه يخرج من ذلك المصالح المرسلة؛ لأنها لا تدخل في البدع، كما هو معروف من تعريف البدع، وتعريف المصلحة المرسلة؛ حيث ذكرنا لك ذلك مفصلا في موضعه

إنتهى شرح الحديث الثامن والعشرون

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #2  
قديم 11-12-2005, 12:23 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث التاسع والعشرون

تعبد الله ولا تشرك به شيئا

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار. قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله -تعالى- عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا قوله -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {17} السجدة ، حتى بلغ: ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {96}البقرة .
ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله.
فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

هذا الحديث فيه ذكر أشياء من أبواب الخير، وهو من الأحاديث العظيمة التي في كل جملة منها شاهد، لكل جملة منه شواهد كثيرة؛ ولهذا هو حديث حسن بمجموع شواهده لجمله المختلفة.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه ( قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار ) هذا فيه ما ينبغي التأدب به على ما ينبغي التأدب به لأهل العلم؛ لأن معاذ بن جبل -رضي الله عنه، ورحمه- من أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام، بل هو أعلم الأمة بالحلال والحرام.

فهو من أهل العلم، وهذا يدل على أن طالب العلم ينبغي عليه أن يكون حريصا على ما يقربه من الجنة، ويباعده عن النار، قال معاذ: ( يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار ) وهذا مما ينبغي لكل طالب علم أن يحرص عليه: ما يقربه إلى الجنة، وما يباعده من النار.

لأن العلم له شهوة، والعلم له عنفوان، وقد يصرف صاحبه عن السعي في الغاية من العلم، وهو ما يقرب من الجنة، وما يباعد عن النار، وقد قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى-: إن للعلم طغيانا كطغيان الماء، فالعلم يطغي إذا لم يكن صاحبه يسعى فيما يقربه إلى الجنة، ويباعده عن النار.

فالعلم له مقتضيات كثيرة، وأصحاب العلم وأهل العلم وطلبة العلم ينبغي لهم أن يكونوا ألين الناس في غير تفريط، وأن يكونوا أبصر الناس، وأحق الناس بالحكمة والأخذ بما يقربهم إلى الله -جل وعلا-؛ فهم القدوة، وهم البصراء في العلم والعمل.

لهذا سئل معاذ هذا السؤال، وذلك من حكمة الله -جل وعلا- أن يسأل ليبصر أهل العلم جميعا بما ينبغي أن يكونوا عليه، قال: ( أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار. قال -عليه الصلاة والسلام-: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله -تعالى- عليه ) .

هذا السؤال العظيم ما يقرب إلى الجنة، ويبعد عن النار، سؤال عظيم، وهو شاق من حيث الامتثال، لكنه يسير على من يسره الله عليه، فإذن نفهم من هذا أن ثم كلفة في أن يمتثل المرء بمقتضى العلم، ولكنه يسير على من يسره الله عليه.

والله -جل وعلا- إذا أقبل العبد يسر عليه الأمر، كما قال -جل وعلا- ( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} الليل .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #3  
قديم 11-12-2005, 12:25 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال -عليه الصلاة والسلام- هنا: ( وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه ) ثم فصل فقال: ( تعبد الله لا تشرك به شيئا ) "تعبد الله" يعني: أن تتوجه بجميع أنواع العبادات إلى الله -جل وعلا- وحده، فإذا دعوت دعوت الله، وإذا سألت سألت الله، وإذا صليت صليت لله، وإذا استغثت استغثت بالله، وإذا أعظمت الرجاء أعظمته بالله.

وكل العبادات القلبية، واللسانية، والعملية بالجوارح كلها تكون لله -جل وعلا- وحده، ولا يكون لمخلوق فيها نصيب، قال: ( تعبد الله لا تشرك به شيئا ) يعني: كبير الشرك وصغيره وخفيه؛ لأن كلمة شيئا نكرة جاءت في سياق النفي فتعم كل ما كان في معناها.

فلا يشرك بأي شيء: لا يشرك بالهوى، لا يشرك بالمخلوق البشر، لا يشرك بالملائكة، لا يشرك بعظيم، لا يشرك بصالح، لا يشرك بجني، بإنسي، بشجر، بحجر، بأي نوع مما خلق الله -جل وعلا-، وهذا لا شك أنه عظيم، ولكنه يسير على من يسره الله عليه.

فعبادة الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه هذه غاية إرسال المرسلين، ونفي الشرك ونبذه والتخلص منه، أيضا مما جاء به المرسلون وأقاموا رسالاتهم عليه، وهذا يتنوع، فما كان من قبيل الشرك الأكبر فظاهر وجوب اجتنابه، وأن من فعله فهو مشرك كافر تارك للدين مع اجتماع الشروط وانتفاع الموانع.

وما هو أقل من ذلك الشرك الأصغر والخفي، ينبغي على العبد أن يسعى في تجنبه -يعني: ينبغي وجوبا- يجب عليه أن يسعى في تجنبه، وأن يجاهد نفسه، والشرك الأصغر يدخل فيه الرياء -يسير الرياء-، والشرك الخفي أيضا يدخل فيها أشياء، والشهوة الخفية، والتسميع والمقاصد، وأن يكون قصد المرء الدنيا فيما يأتي ويذر، وفي الأمور الدينية وطلب العلم وأشباه ذلك مما يراد لله.

فإذن عبادة الله وحده لا شريك له، هذا حاصل -إن شاء الله- عند الموحد، لكن يخاف على الموحد من أنواع الشرك الأصغر والخفي، مما يكون من يسير الرياء والتوجه لغير الله في ذلك، فهذه عظيمة:

فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمة .... وإنــــي لا أخــــالك ناجيـــا

يعني: أن هذا الأمر شديد، ويجب أن توطن نفسك على إخراج المخلوق من قلبك، وأن يكون القلب خالصا لله متوجها لله: في تحركه، في سكناته، في أمره، في نهيه، في تصرفك مع أهلك، مع أقاربك، مع الأمور العامة، مع الأمور الخاصة، إذا كان كل شيء لله تم الإخلاص.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #4  
قديم 11-12-2005, 12:26 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال: ( وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ) وهذه الأربعة مر بيانها.
ثم قال: ( ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة ) الصوم يريد به صوم النفل؛ لأنه قدم صيام رمضان، ثم قال: ( ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة ) جنة يعني: وقاية يقي العبد مما يسخطه الله -جل وعلا-؛ لأن الصيام فيه تذكير بحقوق الله -جل وعلا- وحقوق عباده، فهو جنة من نفوذ الشيطان إلى العبد.

وكما جاء في الحديث أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ( إذا دخل رمضان -أو قال إذا جاء رمضان- فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ) وقال -عليه الصلاة والسلام- في حق من لم يجد طولا للنكاح: ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ) .

فالصيام جنة -يعني: يكون به الاجتنان؛ لأن الجنة والاجتنان هو: الحاجز الذي يقي. فالغطاء هو الجنة، ومنه قيل للجنين: جنين؛ لأنه في غطاء في استتار، وللمجن مجن لذلك... إلى آخره.

قال: ( والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) الصدقة بأنواعها تطفئ الخطايا؛ الصدقة بالقول وبالعمل، الواجبة والمستحبة، والصدقة بالمال، كل هذه تطفئ الخطايا؛ لأنها حسنات، والله -جل وعلا- قال: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {114} هود .

وقد مر معنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) فإذا فهمت معنى الصدقة العام الشامل الذي ذكرناه لك في درس مضى، فإنه كلما حصلت منك خطية فعليك بكثرة الصدقات، والخطايا لا تحصى؛ لأنه ما من حال تكون فيه إلا ولله -جل وعلا- أمر ونهي في ذلك، وقل من يكون ممتثلا للأمر والنهي في كل حالة.

فإذن لا بد من الإكثار من الصدقات؛ فهي أبواب الخير، قال: ( تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) النار إذا شبت لا يطفئها إلا الماء، فإنك تأتي بالماء فتنطفئ، وهذا مثال الحسنات بعد السيئات.

قال: ( وصلاة الرجل في جوف الليل ) صلاة الرجل في جوف الليل، يعني: أن يقوم الليل القيام المستحب، وقيام الليل على درجات، وأعلاه أن يكون كقيام المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي جاء في آخر سورة المزمل: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {20}‏ المزمل .

فأفضله ما كان بعد نصف الليل إلى الفجر، وبعده من أول ثلث الليل الآخر إلى الفجر، ثم هكذا مراتب بما يتيسر للعبد، فصلاة الرجل في جوف الليل هذه من أعظم أبواب الخير، وبها يحصل للمرء من النور في قلبه، وحسن تعامله مع ربه، وخشيته له، والتنقب عن دار الدنيا، والرغب في الآخرة ما لا يدخل تحت وصف.

أعاننا الله وإياكم على ذلك، فإن صلاة الرجل والمرأة في جوف الليل هذه يكون معها التدبر للقرآن، وحسن منجاة الله، والدمعة التي تسيل من خشية الله -جل وعلا- إذ يكون المرء في ذلك على يقين من أنه إنما قام لله -جل وعلا- وحده، فتعظم الصلة، ويعظم التعلق، ويعظم إخبات القلب، ويعظم الرجاء، وتعظم الرهبة، ويعظم الخوف، ويؤثر القرآن في القلوب تأثيرا عظيما.
فأصحاب الليل هم أهل التقوى، قال -جل وعلا-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ) ، يعني: في وصف عباده المخبتين المنيبين في سورة الم السجدة: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {17} وهذا من فضل الله -جل وعلا- عليهم.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #5  
قديم 11-12-2005, 12:27 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال: ( ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى، يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام ) لأن الأمر الذي هو الدين رأسه الإسلام، فإذا صدع الرأس فلا حياة، فإذا ذهب الإسلام فلا حياة للمرء في الدين، فقال: ( رأس الأمر الإسلام ) وهو الاستسلام لله -جل وعلا- بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.

قال: ( وعموده الصلاة ) العمود هو ما يقوم عليه البناء، فإذا كان ثم أشياء يقوم عليها البناء فإن بالصلاة يقوم البناء؛ بهذا قال: ( وعموده الصلاة ) فعمود الأمر عمود الدين الصلاة، وقال: "عموده"؛ لأن الصلاة هي الركن العملي الذي به يحصل الامتثال لمقتضيات الإيمان العملية، يعني: بركن الإيمان الذي هو العملي.

فالإيمان: قول واعتقاد وعمل، والعمل عموده الصلاة، فإذا ذهبت الصلاة فلا قيام في ذلك؛ لهذا قال عمر رضي الله عنه "ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ) .

قال -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك: ( وذروة سنامه الجهاد ) ( ذروة سنامه ) تشبيه للأمر بالجمل، والجمل أعلاه ذروة السنام، والجمل متحرك، والجهاد أيضا يبعث على الانتشار؛ فهو سبب انتشار الإسلام، وامتداد الدخول في الدين، فمثله -عليه الصلاة والسلام- -يعني: مثل الدين بالراحلة بالجمل-، وجعل الجهاد من هذه الراحلة ذروة السنام؛ لأنه بارز بين متميز.

فالإسلام تميز من بين الأديان كتميز الجمل بذروة سنامه بالجهاد، فالجمل متميز بذروة السنام -يعني: بالسنام بعامة وبذروة السنام- وهذا الإسلام تميز بالجهاد في سبيل الله، والجهاد أنواع، والمراد به هنا -الجهاد- جهاد الأعداء، وهو -كما هو معلوم- على مرتبتين: واجبة، ومستحبة، والواجب أيضا على قسمين: واجب عيني، وواجب كفائي، كما هو معلوم في مكانه من الفقه.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #6  
قديم 11-12-2005, 12:28 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال: ( ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى، يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا ) فاللسان هو أعظم الأعضاء جرما؛ لأنه سهل الحركة، كثير الخطايا، فباللسان يحصل الاعتقاد الزائف باللسان يقول المرء الكلمة لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا، باللسان تحصل العداوات.

باللسان تحصل العداوات ، وقد قال -جل وعلا -: ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً {53}الإسراء ، وباللسان يحصل الوقوع في المؤمنين والإيذاء بغير حق، قد قال -جل وعلا – ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً {58} الأحزاب ، والإيذاء أعظم أنواعه ما كان باللسان، وقد أوذيت عائشة -رضى الله عنها وأرضاها- باللسان بما بلغ بها المبلغ الذي تعلمون في قصة الإفك، باللسان يحصل نشر الخير وباللسان يحصل نشر الشر.

فإذا حاسب المرء نفسه على لسانه، حصل له ملاك هذا الأمر، وهو أنه ملك عليه دينه، وأما إذا أطلق لسانه في كل شيء، فإنه يضر نفسه ضررا بالغا ولا يملك على نفسه دينه، واللسان قد جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان شأنه، ومر معنا في حديث مضى بعض ذلك فقال: ( كف عليك هذا ) يعني: أمسك، فالكلمة إذا لم تعلم أنها من الحق الذي تؤجر عليه، فاتركها؛ لأنها عليك، وليست لك، قال : ( قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك ) ؛ لأنه لا يتوقع من معاذ، وهو العالم بالحلال والحرام الفقيه أن يسأل هذا السؤال، فقال : ( ثكلتك أمك ) يعني: استغراب من هذا السؤال الذي لم يتوقع من معاذ أن يسأله فقال: ( ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) .

يستنكف كثير من الناس، يعني: من المسلمين أن يعمل عملا محرما من الكبائر بجوارحه، تجد أنه يستنكف أن يأكل الربا، ويستنكف أن يشرب الخمر، يستنكف أن يأتي كبيرة الزنا، يستنكف أن يأتي كبيرة السحر، يستنكف أن يأتي كبيرة قذف المحصنات الغافلات، يستنكف أن يأتي كذا وكذا من الكبائر، ولكنه في كبائر اللسان يقع فيها بلا مبالاة، فيقع في النميمة من دون أن يشعر، فينقل كلاما، وبه يفرق بين المرء وبين أخيه، يقول: فلان سمعته يقول فيك كذا وكذا، وهذه نميمة أن تنقل كلاما يوقع الضغينة والشر في نفس مسلم على أخيه المسلم، وهي كبيرة من الكبائر، وهي الحالقة، ويغتاب، والغيبة محرمة، وهي عند كثير من أهل العلم كبيرة، ومدارها على اللسان، وقد قال -جل وعلا -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {12} الحجرات .

قال طائفة من أهل العلم: لما شبه الغيبة بأكل لحم الميت دل على أنها من الكبائر؛ لأن المشبه به كبيرة، فيأخذ المشبه حكم المشبه به، فدل على أنها من الكبائر.

وهكذا في أصناف شتى، فما وجدت العداوات والبغضاء إلا باللسان، وما تفرقت الأمة إلا باللسان قبل الأعمال، فاللسان هو مدار الأمر؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- : ( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ ) يعني: برأس الأمر وعموده وذروة سنامه، ( قال: بلى، يا رسول الله، قال : كف عليك هذا ) فهذه وصية عظيمة، وسبب التعذيب، تعذيب كثيرين في النار، أنهم لم يكفوا ألسنتهم عما لا يحل لهم؛ فلهذا علينا أن نحذر اللسان أعظم الحذر، فنوصي بهذه الوصية التي أوصى بها المصطفى -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ( كف عليك هذا ) .

فأوصي نفسي وإياكم بأن نكف ألسنتنا، إلا عن شيء علمنا حسنه، فإذا خاطبنا إخواننا، فلنخاطبهم بالتي هي أحسن (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً {53} الإسراء ، أحسن ما تجد من اللفظ قله لوالدك، لوالدتك، لإخوانك، لأخواتك، لأهلك، لإخوانك المؤمنين؛ لأنه بهذا تبعد مدخل الشيطان في التفريق ما بين أهل الإيمان.

وما حصل، ما حصل في تاريخ الإسلام، وفي زماننا هذا من أمور منكرة إلا بسبب إطلاق اللسان فيما لا يعلم أنه من الحق، وكل يتكلم بما شاء، فحصل ما لم يحمد، نسأل الله -جل وعلا -أن يلهمني وإياكم ما فيه صلاحنا في قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا.

إنتهى شرح الحديث التاسع والعشرون

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #7  
قديم 19-01-2006, 08:51 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

وقالت طائفة من أهل العلم -وهو قول الجمهور- :
إن الفرض والواجب واحد من حيث الدليل عليهما، ومن حيث المرتبة، فيقال : الصلوات الخمس فرائض، ويقال : هي واجبة، ويقال صوم رمضان واجب، ويقال : فرض، يقال الحج واجب وفرض، يقال : بر الوالدين واجب وفرض، وهكذا على القول الثالث، وهو القول المعروف المشهور؛ لأن الفرائض والواجبات معناهما واحد، فالفرض معناه الواجب؛ ولهذا نقول: إن قوله -عليه الصلاة والسلام- : ( إن الله تعالى فرض فرائض، فلا تضيعوها ) يعني ما أوجبه الله -جل وعلا -في القرآن فلا نضيعه، نهى -عليه الصلاة والسلام- عن تضييعه، وما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو من حيث اللزوم والإلزام بعدم تضييعه بدليل خارج عن هذا الدليل
وهو بدليل قول الله -جل وعلا -: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {7} الحشر
وبقوله -جل وعلا : - ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}‏ آل عمران ، والآيات كثيرة في هذا الباب
وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: ( ألا وإني أوتيت الكتاب، ومثله معه ) إلى أن قال: ( ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله ) في الحديث المعروف، حديث تحريم الخمر في خيبر إلى آخره .

المقصود أن قوله: ( فلا تضيعوها ) يعني: امتثلوا وأدوا هذه الفرائض، ولا تضيعوها بعدم الامتثال، فإن الله ما فرضها إلا ليمتثل، وهذا دليل على أن من ضيع أثم؛ لأنه نهى عن التضييع، وهذا داخل ضمن القاعدة أن ترك الواجب محرم.

قال : ( وحد حدودا فلا تعتدوها ) هذا اللفظ ( حد حدودا فلا تعتدوها ) يدخل فيه البحث من جهات كثيرة، لكن ألخص لك ذلك بتقرير قاعدة عامة في فهم نصوص الكتاب والسنة، التي جاء فيها لفظ الحد والحدود
وهي أنها جاءت على ثلاثة أنواع من الاستعمال:
الأول: أن يؤتى بلفظ الحدود بإطلاق، يعني: بلا أمر أو نهي بعدها، كقوله -تعالى- في سورة النساء : (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13} النساء

الثاني : أن تأتي، ويكون بعدها النهي عن الاعتداء، كقوله -جل وعلا -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً {1} الطلاق
وكقوله: ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {229} البقرة .

والثالث: أن يكون بعد ذكر الحدود النهي عن المقاربة، فلا تقربوها في آية البقرة التي فيها ذكر الصيام والاعتكاف (‏ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {187} فهذه ثلاثة أنواع في القرآن .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #8  
قديم 19-01-2006, 08:52 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

وفي السنة أتى الحد -أيضا - ويراد به العقوبات المقدرة، أو يراد به الذنوب التي عليها عقوبات، يعني: المحرمات التي يجب في حق من اقتحمها أن يعاقب.

إذا تقرر ذلك، فنرجع إلى تأصيل هذا في أن الحدود لفظ استعمل في الكتاب والسنة، واستعمل في كلام الفقهاء، وكلامي -السالف- في التقسيم إلى الأنواع، هذا إنما هو لنصوص الكتاب والسنة، وأما التعبير بالحدود في كتب أهل العلم وأهل الفقه، فهذا استعمال اصطلاحي، ليس هو استعمال الحدود في نصوص الكتاب والسنة.

إذا تبين هذا، فالنوع الأول - ذكرنا لكم ثلاثة أنواع- النوع الأول: كقوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13} النساء
أو كقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً {1} الطلاق
وكقوله: ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ... {229}البقرة
فإذا ذكر الحدود بلا كلمة بعدها، يعني: نهي عن الاعتداء، أو ذكر بعدها النهي عن الاعتداء، فإن المراد بالحدود هنا الفرائض يعني: ما أذن به، الفرائض، أو ما أذن به، فما أذن به فرضا كان، أو مستحبا، أو مباحا، فالحدود هنا المراد بها هذه الأشياء؛ ولهذا جاء بعدها ( .... وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {229}
فالذي يخرج من دائرة المأذون به إلى خارج عن المأذون به، فقد تعدى الحد، وقد خرج عنه، وهذا الحد، هو حد المأذون به، فهذا نوع.
‏ ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {187} جاءت بعد بيان ما فرض الله -جل وعلا -في التركات ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً {11}‏ الآيات في سورة النساء
يعني: هذا ما أمر الله -جل وعلا -به وشرعه، وهذا معناه أن هذه الحدود هي ما أذن به، وأمر به، هذا هو النوع الأول، فالحدود هنا ليست هي المحرمات، الحدود هي ما أذن به، يدخل فيها الواجبات والمستحبات والمباحات.

الحدود بالمعنى الثاني إذا جعلت للمحرمات فلها ضابطان:

الأول:أن يكون بعدها ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ...{187} البقرة
وأن يكون بعدها، أو معها ذكر العقوبة، وهذا يعني: أن الحدود هنا هي المحرمات؛ لهذا ناسب أن يكون معها النهي عن القربان، النهي عن الاقتراب ( تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ) يعني: المحرمات لا تقرب، ولا يقترب منها، فهذا نوع؛ ولأجل هذا النوع قيل في العقوبات التي شرعت لمن انتهك، تطهيرا لمن انتهك المحرمات، قيل لها حدود، من قبيل رؤية هذا النوع دون غيره، وهذا شائع كثير في اللغة وفي الشريعة، فإذن العقوبات التي شرعت لمن ارتكب محرما فقارب، أو انتهك حدود الله قيل للعقوبة حد؛ لأنه دخل في الحد، وقيل لها: حدود؛ لأنه اقتحم الحدود.

وأما النوع الثالث، وهو العقوبات التي جاءت في بعض الأحاديث، فهذه المراد منها ما جعل في الشرع له عقاب بعينه، فيقال: حد السرقة، حد الخمر … إلى آخره، كما قال -عليه الصلاة والسلام- : ( لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ) في حد من حدود الله، يعني: إلا في معصية جاءت الشريعة بالعقوبة فيها، ويدخل في هذا الحدود عند الفقهاء والتعزيرات عند الفقهاء، وقوله -عليه الصلاة والسلام- في هذا القسم الثالث : ( لا يجلد فوق عشرة أسواط ) يعني: تأديبا.

فلا يحل لأحد أن يؤدب من أبيح له تأديبه فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله، يعني: إلا في عقوبة جاء الشرع بها، إما أن تكون حدا على اصطلاح الفقهاء، أو أن تكون تعزيرا، وهذا بحث طويل في كتاب الحدود، ومعرفة الحدود والتعزيرات في الفقه، لكن ضبطت لك هذا على نحو ما ذكرت لك من التبسيط؛ ليجتمع لك شمل ما أراد به الفقهاء اصطلاحهم الحدود، وما جاءت النصوص بكلمة الحدود .

إذا تقررت هذه القاعدة، وهذا التحقيق في فهم هذه الكلمة التي أشكلت على كثير من العلماء؛ ولعدم فهمها ذهبوا إلى مذاهب شتى.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #9  
قديم 19-01-2006, 08:54 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال -عليه الصلاة والسلام- "نقول هنا": ( وحد حدودا فلا تعتدوها ) هنا الحدود على ما ذكرنا: هي ما أذن به، الواجبات والمستحبات وما أشبه ذلك؛ لهذا قال: ( حد حدودا فلا تعتدوها ) يعني: لا تعتد ما أذن لك، فكن في دائرة الواجب والمستحب والمباح، ولا تنتقل منه إلى غيره، فالأول: ( فرض فرائض فلا تضيعوها ) يعني: امتثل الفرائض، أد الواجبات، والثاني: كن في دائرة المستحب والمباح، ولا تتعده إلى غيره.

ثم قال: ( وحرم أشياء فلا تنتهكوها ) وهذا من العطف المغاير؛ لأن التحريم غير تعدي الحدود -كما ذكرنا لك-، من بيان فهم نصوص الكتاب والسنة في هذه المسألة المهمة، فما حرم الله -جل وعلا -نهانا -عليه الصلاة والسلام- أن تنتهكه، والتعبير بالانتهاك -أيضا- يفيد الاعتداء وعدم المبالاة ممن انتهك المحرمات، قال : ( وحرم أشياء فلا تنتهكوها ) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ( حرم أشياء ) يفيد أن هذه الأشياء المحرمة قليلة؛ ولهذا تجد أن أصول المحرمات في الأطعمة قليلة (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) الأنعام … إلى آخر الآية، أو المحرمات بعامة (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {151}‏ الأنعام ، الآيات المعروفة في الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام، أو محرمات في اللباس، فهي محدودة بالنسبة للرجال وبالنسبة للنساء، أو محرمات في الأشربة فهي -أيضا- محدودة، أو محرمات في المنازل، فهي محدودة، ومحرمات في المراكب، فهي محدودة.

لهذا المحرمات أشياء قليلة بالنسبة لغير المحرمات؛ لأن دائرة المباح -ولله الحمد- أوسع؛ لهذا قال : ( وحرم أشياء ) وهذه الأشياء قليلة، فعجيب أن تنتهك، فقال : ( فلا تنتهكوها ) فيكون هذا المنتهك لهذه المحرمات شيء في نفسه جعله ينتهك هذا القليل، ويغرى بهذا القليل؛ ولهذا لم يحرم الشرع شيئا فيه لابن آدم منفعة، في حياته حاجية أو تحسينية أو ضرورية، بل كل المحرمات يمكنه الاستغناء عنها، ولا تؤثر عليه في حياته.

فما حرم الله -جل وعلا -أو حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم من أشياء، فإنه لا حاجة لابن آدم إليه في إقامة حياته، أو التلذذ بحياته، فالمباحات والمستحبات يمكنه أن يتلذذ فيها بأشياء كثيرة تغنيه عن الحرام.

قال : ( وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ) .

"سكت عن أشياء": يعني: أن الله سكت، وهذا السكوت الذي وصف الله -جل وعلا -به ليس هو السكوت المقابل للكلام، يقال: تكلم وسكت، وإنما هذا سكوت يقابل به إظهار الحكم، فالله -جل وعلا -سكت عن التحريم، بمعنى لم يحرم، لم يظهر لنا أن هذا حرام، فالسكوت هنا من قبيل الحكم، سكوت عن الحكم، ليس سكوتا عن الكلام، فغلط على هذا من قال: إن هذه الكلمة يستدل بها على إثبات صفة السكوت لله -جل وعلا -، وهذا مما لم يأت في نصوص السلف في الصفات، وهذا الحديث وأمثاله لا يدل على أن السكوت صفة؛ لأن السكوت قسمان: سكوت عن الكلام، وهذا لا يوصف الله -جل وعلا -به، بل يوصف الله -سبحانه وتعالى- بأنه متكلم، ويتكلم كيف شاء، وإذا شاء، متى شاء، وأما صفة السكوت عن الكلام، فهذه لم تأت في الكتاب ولا في السنة، فنقف على ما وقفنا عليه، يعني: على ما أوقفنا الشارع عليه، فلا نتعدى ذلك.
والقسم الثاني: من السكوت، السكوت عن إظهار الحكم، أو عن إظهار الخبر وأشباه ذلك، فلو فرض -مثلا- أن أنا أمامكم الآن، وأتكلم باسترسال، سكت عن أشياء، وأنا مسترسل في الكلام، بمعنى أني لم أظهر لكم أشياء أعلمها، تتعلق بالأحاديث التي نشرحها، وسكوتي في أثناء الشرح عن أشياء لم أظهرها لكم، أوصف فيه بالسكوت؟

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #10  
قديم 19-01-2006, 08:55 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

فتقول -مثلا-: فلان سكت في شرحه عن أشياء كثيرة، لم يبدها لأجل أن المقام لا يتسع لها، مع أني متواصل الكلام، فإذاً لا يدل السكوت، يعني: في هذا، يعني: السكوت عن إظهار الحكم عن السكوت الذي هو صفة، والله -جل وعلا -له المثل الأعلى، فنصفه بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم .

لا نتجاوز القرآن والحديث، فنصفه بالكلام، ولا نصفه بالسكوت الذي هو يقابل به الكلام، وإنما يجوز أن تقول: إن الله -جل وعلا -سكت عن أشياء، بمعنى لم يظهر لنا حكمها، إذا تقرر هذا من جهة البحث العقدي، فنرجع إلى قوله: ( سكت عن أشياء ) بما يدل على أن هذه الأشياء قليلة.

( رحمة بكم، أو رحمة لكم غير نسيان ) السكوت بعدم إظهار بعض أحكام القضايا، رحمة لا نسيان، والله -جل وعلا -ليس بنسيٍّ، كما قال -سبحانه- : ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً {64}‏ مريم ، (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى {52} طه ، فالله -سبحانه- ليس بذي نسيان، بل هو الحفيظ العليم الكامل في صفاته وأسمائه، سبحانه وتعالى، وجل وتقدس ربنا.

فإذا هناك أشياء لم يبين لنا حكمها، فالسكوت عنها رحمة غير نسيان، أمرنا -عليه الصلاة والسلام- ألا نبحث عنها فقال: ( فلا تبحثوا عنها ) .

إذا تقرر هذا، فالأشياء المسكوت عنها أنواع:
النوع الأول : ما لم يأت التنصيص عليه من المسائل، لكنها داخلة في عموم نصوص الكتاب والسنة، داخلة في العموم، داخلة في الإطلاق، وداخلة في مفهوم الموافقة، أو مفهوم المخالفة، أو في المنطوق، أو أشباه ذلك، مما هو من مقتضيات علم أصول الفقه.
فهذا النوع، مما دلت عليه النصوص بنوع من أنواع الدلالات المعروفة في أصول الفقه، هذا لا يقال عنه: إنه مسكوت عنه؛ لأن الشريعة جاءت ببيان الأحكام من أدلتها بالكتاب والسنة، بأنواع الدلالات، فهذا النوع لا يصح أن يقال: إنه مسكوت عنه؛ ولهذا العلماء أدخلوا أشياء حدثت في عمومات النصوص، ففهموا منها الحكم، أو في الإطلاق، أو في المفهوم وأشباه ذلك، وإذا أردنا أن نسرد الأمثلة، فهي كثيرة يضيق المقام عنها تراجعونها في المطولات.

النوع الثاني: أشياء مسكوت عنها، لكن داخلة ضمن الأقيسة، يعني: يمكن أن يقاس المسكوت عنه على المنصوص عليه، وقد ذهب جمهور علماء الأمة إلى القول بالقياس، إذا كانت العلة واضحة، اجتمعت فيها الشروط، ومنصوصا عليها، فإذا كان القياس صحيحا، فإن المسألة لا تعد مسكوتا عنها.

الحالة الثالثة: أن تكون المسألة مسكوتا عنها، بمعنى أنه لا يظهر إدخالها ضمن دليل، فكانت في عهده -عليه الصلاة والسلام- هذا نوع، ولم ينص على حكمها، ولم تدخل ضمن دليل عام، فسكت عنها، فهذا يدل أنها على الإباحة؛ لأن الإيجاب أو التحريم نقل عن الأصل، فالأصل أن لا تكليف، ثم جاء التكليف بنقل أشياء عن الأصل، فلا بد للوجوب من دليل، ولا بد للتحريم من دليل، فما سكت عنه، فلا نعلم له دليلا من النص، من الكتاب والسنة، ولا يدخل في العمومات، وليس له قياس، فهذا يدل على أنه ليس بواجب، ولا يجوز البحث عنه، ولهذا أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام - على من سأله عن الحج فقال الرجل : ( يا رسول الله، أفي كل عام ؟ ) هذه مسألة مسكوت عنها، وتوجه الخطاب للرجل بألا يبحث عن هذا، فسكت عن وجوب الحج، هل يتكرر أم لا يتكرر؟ والأصل أنه يحصل الامتثال بفعله مرة واحدة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- : ( لو قلت: نعم؛ لوجبت. زروني ما تركتكم ) يعني: إذا تركت البيان، فاسكتوا عن ذلك، قد ثبت في صحيح مسلم أنه -عليه الصلاة والسلام- قال : ( إن أشد المسلمين -في المسلمين- جرما رجل سأل عن شيء، فحرم لأجل مسألته ) .

قد قال -جل وعلا -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {101} المائدة ، فإذا هذا النوع مما سكت عنه، فلا يسوغ لنا أن نبحث، ونتكلف الدليل عليها، تلحظ -أحيانا- من بعض الأدلة التي يقيمها بعض أهل العلم أن فيها تكلفا للاستدلال لحكم المسألة، فإذا كان الدليل لا يدخل فيها بوضوح، فإنها تبقى علي الأصل.

( وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها ) وهذا من رحمة الله -جل وعلا -بعباده.

أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أن يلهمني وإياكم الرشد والسداد، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يثبت العلم في قلوبنا، ويرزقنا زكاته والعمل به، وتعليمه، والإحسان في ذلك كله.


إنتهى شرح الحديث الثلاثون

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م