ساوم (مزيد المديني) رجلاً في نعل، فقال صاحبها:
بعشرة.
فقال: لو كانت من جلد بقرة بني إسرائيل ما أخذتها بأكثر من درهم واحد.
فقال الرجل: ولو كانت دراهمك من دراهم أصحاب الكهف ما بعتها لك.
ذكر الأبشيهي في (المستطرف) عن التورية والكناية، فقال:
... وهذا كله مما يأتي به الإنسان من غرائب الكنايات الواردة على سبيل الرمز، ومنه ما يجده المتستر في أمره من الراحة في كتمان حاله مع لزوم الصدق، ورضا الخصم بما وافق مراده، لأن في المعاريض مندوحة عن الكذب.
كما روي في غزوة بدر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان سائراً بأصحابه يقصد بدراً، فلقيهم رجل من العرب، فقال: ممن القوم؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): من ماء.
أخذ ذلك الرجل يفكر، ويقول: من ماء، من ماء. يرددها لينظر أي العرب يقال لهم ماء.
فسار النبي (صلى الله عليه وسلم) بأصحابه لوجهته، وكان قصده أن يكتم أمره.
وقد صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قوله، فإن الله (عز وجل) قال: {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق}.
حكى الأصمعي، قال: قال لي الرشيد: يا عبد الملك؛ أنت أعلم منا ونحن أعقل منك. لا تعلمنا في ملاء, ولا تسرع إلى تذكيرنا في خلاء، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال، فإذا بلغت من الجواب حد ًالاستحقاق فلا تزد إلا أن يستدعى ذلك منك. وانظر إلى ما هو ألطف في التأديب، وأنصف في التعليم، وبلغ بأوجز لفظ غاية التقويم.