بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم .
الحَمْدُ لِلَّهِ َربِّ العَالمِين وَلاَ عُدوَان إلاَّ على الظَّالمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِدِنَا مُُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِين وإمام المُتَّقِين وَ عَلَى آلِهِ وَ صَحْبِهِ أجْمَعِين.
______
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
أما بعد ،
و تتواصل رحلة المسك و العطر ...
للصلاة على سيد الخلق و البشر ...
1 - فلتسمح لي الأخت صاحبة الموضوع ، الأخت الكريمة ((
مسلمة )) أن أتفاعل مع السؤال الأخير الذي طرحه الأخ الكريم
((
الدكتور أبو المجد )) حين قال :
إقتباس:
سؤال لأهل التخصص : لماذا قرنت الصلاة على الرسول بالصلاة على نبي الله إبراهيم ؟0000
|
و لئن لست من أهل التخصص ، فليعذرني الأخ الدكتور على هذه المداخلة ،
فقد ورد في كتاب صحيح البخاري الحديث التالي :
حديث 6431 - الدعوات - صحيح البخارى. حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ أَلاَ أُهْدِى لَكَ هَدِيَّةً إِنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ قَالَ «
فَقُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ».
و قد جاء في شرح هذا الحديث :
1 - في فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ما يلي :
قوله (كما صليت على آل إبراهيم) اشتهر السؤال عن موقع التشبيه مع أن المقرر أن المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه لأن محمدا صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من آل إبراهيم ومن إبراهيم ولا سيما قد أضيف إليه آل محمد، وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره، وأجيب عن ذلك بأجوبة:
الأول أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم، وقد أخرج مسلم من حديث أنس"أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية، قال: ذاك إبراهيم"أشار إليه ابن العربى وأيده بأنه سأل لنفسه التسوية مع إبراهيم وأمر أمته أن يسألوا له ذلك فزاده الله تعالى بغير سؤال أن فضله على إبراهيم.
وتعقب بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد أن علم أنه أفضل.
الثانى أنه قال ذلك تواضعا وشرع ذلك لأمته ليكتسبوا بذلك الفضيلة.
الثالث أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر فهو كقوله تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح) وقوله (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) وهو كقول القائل أحسن إلى ولدك كما أحسنت إلى فلان ويريد بذلك أصل الإحسان لا قدره، ومنه قوله تعالى (وأحسن كما أحسن الله إليك) ورجح هذا الجواب القرطبى فى"المفهم".
الرابع أن الكاف للتعليل كما فى قوله (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم) وفى قوله تعالى (فاذكروه كما هداكم).
وقال بعضهم: الكاف على بابها من التشبيه ه ثم عدل عنه للإعلام بخصوصية المطلوب.
الخامس أن المراد أن يجعله خليلا كما جعل إبراهيم، وأن يجعل له لسان صدق كما جعل لإبراهيم مضافا إلى ما حصل له من المحبة، ويرد عليه ما ورد على الأول، وقربه بعضهم بأنه مثل رجلين يملك أحدهما ألفا ويملك الآخر ألفين فسأل صاحب الألفين أن يعطى ألفا أخرى نظير الذى أعطيها الأول فيصير المجموع للثانى أضعاف ما للأول.
السادس أن قوله"اللهم صل على محمد" مقطوع عن التشبيه فسيكون التشبيه متعلقا بقوله"وعلى آل محمد"وتعقب بأن غير الأنبياء لا يمكن أن يساووا الأنبياء فكيف تطلب لهم صلاة مثل الصلاة التى وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله؟ ويمكن الجواب عن ذلك بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التى كانت سببا للثواب، وقد نقل العمرانى فى"البيان" عن الشيخ أبى حامد أنه نقل هذا الجواب عن نص الشافعى، واستبعد ابن القيم صحة ذلك عن الشافعى لأنه مع فصاحته ومعرفته بلسان العرب لا يقول هذا الكلام الذى يستلزم هذا التركيب الركيك المعيب من كلام العرب، كذا قال، وليس التركيب المذكور بركيك بل التقدير اللهم صل على محمد وصل على آل محمد كما صليت إلى آخره فلا يمتنع تعلق التشبيه بالجملة الثانية.
السابع أن التشبيه إنما هو للمجموع بالمجموع فإن فى الأنبياء من آل إبراهيم كثرة، فإذا قوبلت تلك الذوات الكثيرة من إبراهيم وآل إبراهيم بالصفات الكثيرة التى لمحمد أمكن انتفاء التفاضل.
قلت: ويعكر على هذا الجواب أنه وقع فى حديث أبى سعيد ثانى حديثى الباب مقابلة الاسم فقط بالاسم فقط ولفظه"اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم".
الثامن أن التشبيه بالنظر إلى ما يحصل لمحمد وآل محمد من صلاة كل فرد فرد، فيحصل من مجموع صلاة المصلين من أول التعليم إلى آخر الزمان أضعاف ما كان لآل إبراهيم، وعبر ابن العربى عن هذا بقوله: المراد دوام ذلك واستمراره.
التاسع أن التشبيه راجع إلى المصلى فيما يحصل له من الثواب لا بالنسبة إلى ما يحصل للنبى صلى الله عليه وسلم، وهذا ضعيف لأنه يصير كأنه قال اللهم أعطنى ثوابا على صلاتى على النبى صلى الله عليه وسلم كما صليت على آل إبراهيم، ويمكن أن يجاب بأن المراد مثل ثواب المصلى على آل إبراهيم.
العاشر دفع المقدمة المذكورة أولا وهى أن المشبه به يكون أرفع من المشبه، وأن ذلك ليس مطردا، بل قد يكون التشبيه بالمثل بل وبالدون كما فى قوله تعال (مثل نوره كمشكاة) وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى؟ ولكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئا ظاهرا واضحا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة، وكذا هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورا واضحا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآل محمد بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآل إبراهيم، ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله"فى العالمين " أى كما أظهرت الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين، ولهذا لم يقع قوله فى العالمين إلا فى ذكر آل إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما وقع فى الحديث الذى ورد فيه وهو حديث أبى مسعود فيما أخرجه مالك ومسلم وغيرهما، وعبر الطيبى عن ذلك بقوله: ليس التشبيه المذكور من باب إلحاق الناقص بالكامل بل من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر.
وقال الحليمى: سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت فى بيت إبراهيم (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) وقد علم أن محمدا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال: أجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك محمد وآل محمد كما أجبتها عندما قالوها فى آل إبراهيم الموجودين حينئذ، ولذلك ختم بما ختمت به الآية وهو قوله"إنك حميد مجيد".
وقال النووى بعد أن ذكر بعض هذه الأجوبة: أحسنها ما نسب إلى الشافعى والتشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة أو للمجموع بالمجموع.
وقال ابن القيم بعد أن زيف أكثر الأجوبة إلا تشبيه المجموع بالمجموع: وأحسن منه أن يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس فى تفسير قوله تعالى (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) قال: محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلى على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقى كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا، ويظهر حينئذ فائدة التشبيه، وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ.
ووجدت فى مصنف لشيخنا مجد الدين الشيرازى اللغوى جوابا آخر نقله عن بعض أهل الكشف حاصله أن التشبيه لغير اللفظ المشبه به لا لعينه، وذلك أن المراد بقولنا"اللهم صل على محمد"اجعل من أتباعه من يبلغ النهاية فى أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة" كما صليت على إبراهيم"بأن جعلت فى أتباعه أنبياء يقررون الشريعة، والمراد بقوله"وعلى آل محمد"اجعل من أتباعه ناسا محدثين بالفتح يخبرون بالمغيبات كما صليت على إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيبات، والمطلوب حصول صفات الأنبياء لآل محمد وهم أتباعه فى الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم، وهذا محصل ما ذكره، وهو جيد إن سلم أن المراد بالصلاة هنا ما ادعاه، والله أعلم.
وفى نحو هذه الدعوى جواب آخر: المراد اللهم استجب دعاء محمد فى أمته كما استجبت دعاء إبراهيم فى بنيه، ويعكر على هذا عطف الآل فى الموضعين.
قوله (على آل إبراهيم) هم ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جماعة من الشراح، وإن ثبت أن إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون لا محالة.
ثم إن المراد المسلمون منهم بل المتقون، فيدخل فيهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون دون من عداهم، وفيه ما تقدم فى آل محمد.
2 - في موطا الإمام مالك رضي الله عنه :
قيل: ما وجه تشبيه الصلاة عليه بالصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم، والقاعدة أن المشبَّه به أفضل، وأجيب عنه بأجوبة:
أحدهما: ما قاله النووى، وحكاه بعض أصحابهم عن الشافعى أن معناه صلِّ على محمد، وتمّ الكلام.
ثم استأنف وعلى آل محمد أى وصلِّ على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فالمسؤول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد لا نفسه،
الثانى: أن معناه اجعل لمحمد وآله صلاةً منك كما جعلتها على إبراهيم وآله، فالمسؤول المشاركة فى أصل الصلاة لا قدرها.
الثالث: أنه على ظاهره، والمراد اجعل لمحمد وآله صلاةً بمقدار الصلاة التى لإِبراهيم وآله، والمسؤول مقابلة الجملة بالجملة، ويدخل فى آل إبراهيم خلائق لا يُحْصَوْن من الأنبياء وغيرهم، كذا فى "التنوير".
و الله أعلم و احكم .