ولكن من أجل المضي في هذا الطريق يجب قلب عدد من الكليشيهات الكبيرة التي نقش عليها "و هم الأمن التام " بصياغة عمانوئيل بيلد الراحل، يجب أن نفترض أن العرب عقلانيون و ليس جمهوراً مجنوناً يريد ابادتنا بأي ثمن يجب أن نفترض أن العالم هو أكثر عقيداً قليلاً من أن يكون المهم ما يحدث في واشنطن، أما الباقون فهم معادون للسامية أصلاً، كما فرضت حكومات إسرائيلية كثيرة، يجب العمل في مبنى إدارة أخطار، لا في محاولة يائسة لإلغائها تماماً، الخلاف السياسي مع روسيا ليس كارثة و لكن عندما يأتي على خلفية تركيز على أمريكا فقط، و رؤية روسيا لا كقوة ذات مصالح، بل كمن يجب فقط محاربتها عندما تهدد بتزويد سوريا بالصواريخ أو المعلومات الذرية لإيران، و تتحول الى لعبة أخرى في سور الانعزال وضيق الآفاق للسياسة الإسرائيلية، و الطريق إلى تصريف شؤوننا أمام الدول العربية هو انشاء معادلات و موازنات و مصالح، لا الجري كفأر مسموم بعد كل صاروخ في محاولة عديمة الأمل لمنع بيعه.
*الخيار الاستراتيجي الروسي في العالم العربي.
البروفيسور أمنون سيلع الخبير في العلاقات الدولية و السياسية الخارجية الروسية كتب المقال التالي في معاريف: -
صفقة السلاح بين روسيا وسورية ليست مفاجئة و هي تعكس السياسة الخارجية المستقلة التي يبلورها بوتين منذ لحظة صعوده إلى السلطة ويدور الحديث عن تغيير استراتيجي للابتعاد عن الغرب و عن سياسة يلتسين و تخلق روسيا محوراً جديداً مع دول مثل الصين، اليابان، و الهند، الأكثر أهمية لروسيا مما يحصل في الشرق الأوسط.
سياسة بوتين الخارجية تعكس المواقف السائدة في الجيش وفي أجزاء واسعة بين الجمهور الروسي المطالبين بمكانة محترمة لروسيا و عودة إلى الأيام العظمى لروسيا كدولة عظمى و لهذه الأسباب فإن سورية هي بالفعل فقر صغيرة في الاعتبارات الروسية خلافاً لمعانيها من ناحية إسرائيل فلا يهم الروس أبداً اقلاق مضاجع إسرائيل و الولايات المتحدة، و هم يعرفون أن الصفقة لا ترضي الأمريكيين و أنها تهدد إسرائيل و لكن هذا لا يعنيهم حقاً.
وفي النظر بين إسرائيل و العالم العربي فإن مصالح روسيا تبقى كما كانت في الماضي، أي في الطرف العربي، العالم العربي أكبر و مصادره هائلة و لهذا فإن المصالح المشتركة مع سوريا و أكثر من ذلك مع ايران أهم للروس من إسرائيل و في تقدير القوى العالمية فإن روسيا ترى ما هو أهم بالنسبة لها دون أحاسيس ومشاعر تافهة.
كما أن وزير الخارجية الروسي لافروف في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، بعد المذبحة في بسلان أشار إلى أنه لا يوجد عاون بين الدولتين في مكافحة الإرهاب الدولي رغم تصريحات إسرائيل عن مثل هذا التعاون، و السبب في ذلك هو ان الدول العربية اهم بالنسبة للروس، و لا ريب ان سرائيل أيضاً تولي لروسيا مكاناً هامشياً للغاية، إسرائيل بصراحة لا ترد روسيا و لكنها تفضل الولايات المتحدة بل و حتى جزء من الدول في أوروبا عليها.
و تعبر الصفقة بصراحة عن تطور سلبي ستكون له آثار خطيرة فمجرد حقيقة أن السفير الإسرائيلي اركادي ميلمان استدعي للتشاور في إسرائيل هي ذات معنى حاد من ناحية ديبلوماسية كما أن السؤال هو ما إذا كانت هذه الصفقة ستخرج عنها صفقات أخرى، و اضح أن هذا من شأنه أن يخلق توتراً في الشرق الأوسط و لن يحث المسيرة السلمية مع سورية.
بوتين يبحث عن سبيل لخدمة ما يراه مصلحة روسية – زيادة نفوذ روسيا دون جر العالم إلى حرب باردة و في الطريق أيضاً السماح لصناعات السلاح الروسية بالربح، و اعتقد أنه ليس روسيا و لا أمريكا معنيتين بالحرب الباردة و إذا رأتا أن العلاقات تنزلق إلى هذا الاتجاه فإنهما سيوقفان الانزلاق وحسب سلوك روسيا في هذه اللحظة فإنها لا تعتزم إحراق جسورها مع الغرب، و لكنها أيضاً لا تمتنع عن إدارة سياسة خارجية استفزازية.
*الصفقة تكشف هشاشة العلاقات الروسية – الإسرائيلية.
من جهته قال المحلل عمير رففورت في مقال نشرته صحيفة معاريف أن الصفقة تكشف هشاشة العلاقات الروسية – الإسرائيلية وفيما يلي نص المقال: -
كل شيء بدأ في ساعة متأخرة جداً من الليل في العام الماضي، عندما كان الرئيس السوري غارقاً في نوم عميق، طائرات قتالية أقلعت من إسرائيل جعلت ضجيجاً تظاهرياً بالضبط فوق قصره في اللاذقية، و لكنها لم تتمكن من ايقاظه و مر يوم، يومان، دون أن يلحظ وقف في الجانب السوري من الطلعة الجوية الخاصة، و لانعدام البديل بعد أسبوع سرب الى الصحافة الإسرائيلية بلاغ، و عندها فقط فهم الرئيس السوري كم أهين.
هدف الإهانة كان التلميح للأسد بأن إسرائيل سئمت المساعدة التي يعطيها لحزب الله، و الاستضافة التي ينحها لقيادات منظمات الإرهاب في دمشق، وبالتالي فإن عليه أن يوقف الأمرين، ولسوء الحظ كان استنتاج بشار بالذات أن عليه أن يقوي نفسه عسكرياً و بشكل عاجل، فقرر المسارعة لأن يخرج إلى حيز التنفيذ صفقة، سلاح كانت على جدول الأعمال مع روسيا ولفرحته رد الرئيس فلاديمير بوتين عليه بالايجاب وعندما علم في إسرائيل أن بشار دعي إلى زيارة موسكو في كانون الثاني، كان واضحاً أن الروس يوشكون على المصادقة النهائية على الصفقة.
و الحقيقة هي أن ليس بشار الأسد ما يعول عليه في صفقة السلاح الجديدة، يمكن فهم حقيقة أن إسرائيل تبذل كل ما في وسعها كي تحبطها و لكي ينبغي اعطاء الأمور وزنها الحقيقي حتى عندما يصل السلاح، إذا وصل فليس في ذلك ما يؤثر حقاً على التوفق العسكري المطلق لإسرائيل على جارتها الشمالية و من المشكوك فيه إذا كان بوسع جهاز الدفاع الجوي السوري، الذي لم يشخص الطائرات الإسرائيلية التي قفزت للزيارة أن يكون له الخلاص بالصواريخ الجديدة.
فالجيش السوري عملياً تجمد في مكان ما هناك في التسعينات مع سقوط الامبراطورية السوفييتية و الفوارق التكنولوجية اليوم بينه و بين الجيش الإسرائيلي تشبه الفوارق بين الجيش العراقي و الجيش الأمريكي، لا يدور الحديث عن استخفاف على نمط حرب " يوم الغفران " و الطلعة الجوية فوق اللاذقية حتى لو لم تلحظ هي فقط تجسيد لهذا الفارق الهائل.
كما أن الزعم بأن الصواريخ من شأنها أن تشكل خطراً هائلاً على إسرائيل إذا وصلت الى أيدي حزب الله هو زعم مبالغ فيه يمكن القول أن الحديث يدور عن تطور غير لطيف سيجل من الصعب على سلاح الجو مواصلة الطيران في سماء لبنان بشكل حر، ولكن ينبغي الافتراض بأن السوريين لن يسارعو الى تمرير السلاح، و على أي حال فإن لرجال حزب الله منذ الآن مخزون سلاح مثيراً للانطباع في معظمه غير مستخدم بسبب الخوف من رد الفعل الإسرائيلي الشديد.
و في السطر الأخير فإنه أكثر مما عرض الصفقة إسرائيل للخطر، فإنها تشير إلى هشاشة العلاقات مع روسيا و هي دليل على سياقات مشوقة خفية عن العين، في ميزان القوى العالمي فبعد أكثر من عشر سنوات كاد فيها كل حدث في العالم يقع حسب كلمة الولايات المتحدة، تتجسد ائتلافات جديدة في أرجاء المعمورة جبابرة في أوروبا و في الشرق الأقصى يتحدونها و في هذه اللعبة بواسطة صفقة السلاح تلمح سورية بأنها هي الأخرى تصعد إلى الملعب.
*محور روسي – سوري في مواجهة الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية.
تحت هذا العنوان كتب أمير أورن في صحيفة معاريف ما يلي: -
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو صديق لرئيس الوزراء شارون، هكذا على أي حال يغري شارون الاعتقاد بتقديره أنه أقنع بوتين حتى قبل نحو سنتين للتنازل عن بيع وسائل قتالية متقدمة ضد الدبابات والطائرات إلى سوريا.
السوريون يعرفون بضعفهم العسكري، في تصديهم بالمعارك الجوية في صواريخ أرض – جو مع الجيش الإسرئيلي و لكن إسرائيل لم تكتف بهذه المعرفة و حاولت تأكيدها وهذا نموذج على السياسة الإسرائيلية التي نجحت أكثر مما ينبغي فرداً على عمليات حزب الله – و منظمات فلسطينية تتخذ من دمشق مقراً لها – درجت إسرائيل في السنوات الماضية على مهاجمة أهداف عسكرية سورية، ومنظومة الدفاع الجوي السورية، بمحطات الرادارات وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات لديها، بدت هزيلة و الأسد شخصياً أحرج جراء طلعة إسرائيلية صاخبة ( أحلام ذهبية) فوق أحد قصوره.
و كانت النية الإسرائيلية هي الضغط على الأسد بتقييد نشاطات مفوضية في الحدود الشمالية و كان من شأن النتيجة أن تكون معاكسة في تحفيزه إلى تعزيز الدفاع الجوي، و العنوان المطلوب: روسيا فالرئيس بشار الأسد الذي زار العام الماضي بكين لتعزيز العلاقات السورية – الصينية، سيصل بعد نحو أسبوعين إلى موسو في زيارة رسمية لثلاثة أيام و في هذه الفرصة الاحتفالية فإن الأسد قدر على أن يطلب من بوتين مساعدة عسكرية حيوية.
و إذا ما حصل هذا، فسيكون ذلك بمثابة صيغة متأخرة ومصغرة للقصف الإسرائيلي للعمق المصري في شاء 1969 – 1970 و الذي شجع الرئيس عبد الناصر إلى زيارة موسكو لدى ليونيد بريجينيف لحق السوفييت على إرسال طائرات حربية، بطياريها صواريخ أرض – أرض و لا سيما منظومة صواريخ مضادة للطائرات فعلت فعلها بسلاح الجو الإسرائيلي في نهاية حرب الاستنزاف و في الأسبوع الأول، المصيري، لحرب يوم الغفران بريجينيف أو بوتين سوفييت أو روس، الحكام العرب يتوقعون من موسكو لأدوات و ليس لكلمات فقط.
خطر صواريخ أرض – جو على الطائرات لم يتلاش حتى بعد نجاحات سلاح على الطائرات لم يتلاش حتى بعد نجاحات سلاح الجو حيال الدفاع السوري ( احد مصادر القلق التي لم تتحقق خطري حتى أكثر من صواريخ الكتف في غزة صواريخ كهذه لدى البدو، مواطني إسرائيل ممن استوطنوا بكثافة و في مدى اسقاط الطائرات حول قاعد سلاح الجو في النقب.
مساعدة روسية من شأنها أن تمع الأسد احساساً بالدعم، إضافة الى المظلة النووية التي سيحصل عليها من ايران، سيبدد بعضاً من ضعفه في موازين القوى مع إسرائيل.
هذه فترة الولاية الثانية لبوتين وهو يشعر أنه متحرر من التزامه تجاه من منحه السلطة (عائلة بوريس يلتسين و مقريبها) و تجاه من حظي بالولاية الثانية في واشنطن، بوتين غاضب على جورج بوش، الذي انتصر في أفغانستان و لكنه يبقي على القواعد العسكرية في دول وسط آسيا الاتحاد السوفييتي سابقاً، ولا يتحمس الروس لتوسيع حلف ناتو و الاتحاد الأوروبي نحو نطاق حدودهم، و انتصار المؤيدين للغرب عى المؤيدين للروس في أوكرانيا و هي الخطوة التي وضعت في جبهة نادرة واحدة إدارة بوش و أوروبا الغربية، أقلق بوتين والمؤسسة الأمنية حوله ( والتي جاء هو منها).
مركز البحوث السياسية في وزارة الخارجية، الفقير و الصغيربين أجهزة الاستخبارات في إسرائيل و لكن يبدو كالجهاز الواعي و الأكثر رسوخاً منا في تقديراته السياسية، حذر في الأسابيع الأخيرة من اعادة نشوء محور روسي – سوري، كوزن مضاد للتفوق الأمريكي في العالم و كمؤثر سلباً على الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، مثل هذا المحور من شأنه أن يفتح ثغرة في الجبهة المتبلورة ضد ايران النووية و بوش يفضل أن يكرس العام 2005 للنشاط السياسي و عبور المعركتين الانتخابيتين في العراق( التصويت على الدستور و الحكم الدائم بموجبه ) و فقط بعد كانون الثاني 2006 – صينية ستحثه إلى خطوة عسكرية.
القيادة التالية في وزارة الخارجية الأمريكية – كونداليزا رايس مساعد الوزير المرشح روبرت زليك و نائب الوزير للشؤون السياسية، السفير في ناتو نيكولاس بيرنز، تعد ودودة لإسرائيل أكثر من الثلاثي المنصرف ( كولين باول، ريتشارد آرميتاج و مارك غروسمان ) و هي أكثر حزماً تجاه ايران، أكثر شكاً تجاه روسيا و أكثر كفاحية تجاه سوريا - التي تجمد التوتر معها، للأسابيع القريبة القادمة، مقابل وعد دمشق بتجميد المساعدة لمعارضي في الانتخابات في العراق، و كل هذا لا يزال بعيداً عن استعادة الحرب الباردة بين الكتلتين.
هآرس و يديعوت احرنوت - 25/6/2005
http://www.asharqalarabi.org.uk/m-w/b-waha-62.htm