غنيُّ بلا مال
قال الإمام محمد بن إدريس الشّافعيّ رضي اللّه عنه :
1 - بَلَوْتُ بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ فِيْهِمُ=سِوَى مَنْ غَدَا وَالبُخْلُ مِلءُ إِهَابِهِ
2 - فَجَرَّدْتُ مِنْ غِمْدِ القَنَاعَةِ صَارِمَاً=قَطَعْتُ رَجَائِي مِنْهُمُ بِذُبَابِهِ
3 - فَلاَ ذَا يَرَانِي وَاقِفَاً فِي طَرِيقِهِ=وَلاَ ذَا يَرَانِي قَاعِدَاً عِنْدَ بَابِهِ
4 - غَنِيُّ بِلاَ مَالٍ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ=وَلَيْسَ الغِنَى إِلاَّ عَنِ الشَّيءِ لاَ بِهِ
5 - إِذَا طَالَمَا يَسْتَحْسِنُ الظُّلْمَ مَذْهَبَاً=وَلَجَّ عُتُوّاً فِي قَبِيحِ اكْتِسَابِهِ
6 - فَكِلْهُ إِلَى صَرْفِ اللَّيَالِي فَإِنَّهَا=سَتُبْدِي لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ
7 - فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا ظَالِمَاً متَمَرِّداً=يَرَى النَّجْمَ تِيْهاً تَحْتَ ظِلِّ رِكَابِهِ
8 - فَعَمَّا قَلِيلٍ وَهُوَ فِي غَفْلاَتِهِ=أَنَاخَتْ صُرُوفُ الحَادِثَاتِ بِبابِهِ
9 - فَأَصْبَحَ لاَ مَالٌ وَلاَ جَاهَ يُرْتَجَى=وَلاَ حَسَنَاتٌ تَلْتَقِي فِي كِتَابِهِ
10 - وَجُوزِي بِالأَمْرِ الَّذِي كَانَ فَاعِلاً=وَصَبَّ عَلَيْهِ اللّه سَوْطَ عَذَابِهِ
<******>doPoem(0)******>
[line]
1 - بلوت: اختبرت وجربَّت وامتحنت. قال تعالى في سورة الأنبياء الآية 35: {وَنَبْلُوَكُم بِالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنَةً}. الدنيا: الحياة الحاضرة التي تقابل الآخرة، الجمع: دنا، والنسبة إليها: دنيوي.
غدا: نقيض راح. البخل: ضد الجود، وهو إمساك المال عما لا يصح حبسه عنه. الإهاب: الجلد المغلِّف لجسم الحيوان، أو ما لم يدبغ منه، الجمع: أُهُبٌ.
2 - جرَّدتُ: جرد العود: قَشَرَهُ وأزال ما عليه، وجرده من ثوبه: عراه. الغمد: غلاف السيف. القناعة: رضا الإنسان بما قسم له. الصارم: السيف القاطع، الجمع: صوارم. ذبابه: ذباب السيف: حدَّه الذي يُضرب به.
3 - ذا: اسم إشارة للمفرد المذكر القريب، وتلحقه كاف الخطاب الحرفية متصرفة على حسب أحوال المخاطب. فيقال: ذاكَ، وذاكِ، وذاكما، وذاكم، وذاكنَّ. وقد تتقدمه (ها) التنبيه، فيقال: هذا، وهذاك، وقد تتوسط لام البعد بينهما وبين الكاف فيقال: ذلك.
4 - الغنى: الاكتفاء واليسار.
5 - الظلم: انتقاص الحق. المذهب: المعتقد الذي يذهب إليه. ستبدي: ستُبَيِّن وتُوضِّح.
6 - كله: وكَّل إليه الأمر: اعتمد عليه فيه وفوضه إليه. صرف الليالي: نوائبها وحدثانها، قال الشاعر:
فَلَمْ أَرَ كالأَيَّامِ لِلْمَرْءِ وَاعِظاً * وَلاَ كَصُروُفِ الدَّهْرِ لِلْمَرْءِ هَادِيَا
7 - النجم: أحد الأجرام السماوية المضيئة بذاتها. تيه: تاه في الأرض تيهاً وتيهاناً: ضل الطريق وذهب متحيراً، فهو تائه، والتيه: الضلال. الظِّلُّ: هنا بمعنى الضر والمنعة والكَشَفُ. الركاب: يقال: هو يمشي في ركابه؛ أي: يتبعُه.
8 - غفلاته: غفل عن الشيء: غفولاً وغفلة: سها عنه أو تركه إهمالاً من غير نسيان، فهو غافل، الجمع: غفولٌ، وغُفَّلٌ. أناخت: أقامت. وأناخ به البلاد أو الذل: حلَّ به ولزمه. يقال: أنخت الجمل؛ فبرك. قال الأَعشى:
مَتَى مَا تُنَاخِي عِنْدَ بَابِ ابنِ هاشِمٍ * تُرَاحي وَتَلْقَيْ مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى
الحادثات: المفرد: الحادث، وهو ما يجدُّ ويحدث.
9 - الجاه: والجاهة: القدر والمنزلة. يقال فلان ذو جاه. يرتجى: رجاه: رجاء، ورجواً، ورجاوة: أَمَّله، فهو راج، والشيء مرجوٌّ، وهي مرجوة. والإرجاء: الأمل (نقيض اليأس). كتابه: أجله، وقدره، وحكمه.
10 - جوزي: جاز القول جوزاً وجوازاً ومجازاً: قُبِلَ ونَفَذَ. صبَّ: صب عليهم العذاب: أَرسله. سوط عذاب: عذاب شديد مؤلم دائماً. قال تعالى في سورة الفجر الآية 13: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}.
[مصدر هذه الأبيات من: المستطرف في كل فن مستظرف: 2/59، وتنسب الأبيات أيضاً - (محرز بن خلف): من نسل أبي بكر الصديق، مؤدب تونسي من كبار الزهاد، تهافت عليه الناس للتبرك به وسماع كلامه، كان في شبيبته يعلِّم القرآن بأريانة، وسكن مرسى الروم (قرب القيروان)، ثم استقر في مدينة تونس يقرىء القرآن والحديث والفقه، ولد سنة 340هـ الموافق 951، وتوفي سنة 413هـ الموافق 1022م. وكان سلفياً سمع في أحد أسواق القاهرة رجلاً يسب السلف، فأمسك بطرف ثوبه، وصاح: أيها الناس، إني لا أرضى، فتهاووا على الرجل حتى تقطع لحمه بين أيديهم وهم يقولون: قال محرز: لا أرضى. وكان فصيحاً لا يلحن، وينسب له شعر، وهو أول من سنَّ بإفريقية قراءة القرآن بعد الصبح عوضاً عن الذكر، وكان لأهل المراكب البحرية اعتقاد راسخ فيه فإذا مروا بقبره أخذوا شيئاً من ترابه، وإذا هاج ألقوا التراب فسكن.
انظر: مناقب محرز بن خلف ضمن مجموع أوله مناقب الجبنياني: 89-174، والأعلام: 5/284.
[line]