الفصل السابع
سيد قطب يقرِّرُ مذاهب الفرق الضالة ويوهم أنها مذهب عمر بن الخطاب
فإن (سيدا) إنما يقرّر هنا مذاهب الفرق الضالة من الخوارج والمعتزلة والرافضة ، ولا يلتفت إلى ما قرّره الرسول صلى الله عليه وسلم وقرّره أهلُ السنة والجماعة بناء على توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي منها ما أخرجه مسلم وغيرُه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عليك السمع والطاعة في عسرك ، ويُسرك ، ومنشطك ، ومكرهك ، وأثرة عليك))(1) .
وما أخرجه مسلم وغيرُه من حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ
قال : ((بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وعلى أن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه ، وعلى أن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)) ، وزاد مسلم بعد قوله : ((وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه)) قال : ((إلا أن تروا كفرًا بواحـًا عندكم فيه من الله برهان))(2).
وما رواه مسلم وغيرُه عن سلمة بن يزيد الجعفي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم))(3).
ومن حديث حذيفة : ((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)) قال : قلت : كيف أصنعُ يا رسول الله إن أدركتُ ذلك ؟ ، قال : ((تسمع وتطيع ، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالَك فاسمع وأطع))(4).
وحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((ستكون أثرة وأمورٌ تنكرونَها)) ، قالوا : يا رسولَ الله فما تأمرُنا ؟ ، قال : ((تؤدُّون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم))(5).
ففي هذه الأحاديث وجوب طاعة الإمام على الأمة مهما ظلم الإمام وخالف هدْي الإسلام حتى ترى الأمة في هذا الإمام الكفرَ البواح المخرج عن دائرة الإسلام .
لم يستضي (سيد) بهذه التوجيهات النبوية ، ولم يلتفت إلى مذهب أهل السنة والجماعة ، وذهب يقرِّرُ ما هو أشدُّ من مذهب الخوارج والفرق الضالة الأخرى ، ثم ينسب ذلك إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ أنه يرى هذا المذهب الرديء أنه لا يستحق طاعة الرعية إلا إذا كان في غاية العدل ، ولقد أشار إلى قصة البرود اليمانية .
وهي كما قصّها سيد في ( ص 141 ) من ((العدالة)) : ((وغنم المسلمون أبرادًا يمانية فخصّه برد ، وخصّ ابنه عبد الله برد كأيّ رجل من المسلمين ، ولما كان الخليفة في حاجة إلى ثوب فقد تبرّع له عبد الله ببرده ليضمّه إلى برده فيصنع منها ثوبـًا ، ثم وقف يخطب الناس وعليه هذا الثوب ، فقال : ((أيها الناس اسمعوا وأطيعوا)) ، فوقف سلمان فقال : لا سمع ولا طاعة ، قال عمر : ولِمَ ؟ ، قال سلمان : من أين لك هذا الثوب وقد نالك برد واحد وأنت رجل طوال ؟ ، قال : لا تعجل ، ونادى : يا عبد الله ، فلم يجبه أحد ـ فكلُّهم عبد الله ـ ، قال : يا عبد الله بن عمر ، قال : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال : ناشدتك الله ! البرد الذي اتزرتُ به أهو بردك ؟ ، قال : اللهم نعم ، قال سلمان : الآنَ مُر نسمع ونطع)) .
فهذه القصة تحمل في طيّاتها الكذب وتنطوي على رفض ذلك المنهج الذي قرّره رسول الله وتلقّاه أصحابه ، ففقهوه وعلموه الأمة .
إن هذه القصة المزيّفة تصوّر الصحابة في صورة لا يقوم عليها دين ولا دولة .
أبمجرّد أن يرى أحد من الصحابة على أمير المؤمنين ثوبـًا يحتاجه يقول : لا سمعَ لك علينا ولا طاعة ، ويقع الخليفة في قفص الاتّهام ، لا يُخرجُه منه إلاّ شاهد عدل أنه قد تبرّع بهذا الثوب ، فكيف ستكون النتيجة لو كان عبد الله بن عمر غائبـًا في غزوة أو غيرها ؟!! .
ثم ألا يرى (سيد) أن هذه القصة تخالف مذاهب عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفضيل في العطاء ، فيعطي بعضهم خمسة آلاف وبعضهم أربعة ، وبعضهم اثني عشرة ألفـًا ، وبعضهم خمسمائة وثلاثمائة على أساس الرجل وبلاؤه في الإسلام ، والرجل وقدمه في الإسلام ، والرجل وحاجته في الإسلام؛ فبلاء عمر في الإسلام وقدمه فيه وحاجته ومكانته كلُّ ذلك لم يشفع لعمر في ثوبٍ يحتاجُه لا عند سلمان ولا عندَ غيرِه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسوا كلُّهم الأحاديث الآمرة بالطاعة للأمير ما دام في دائرة الإسلام ، ونسوا ما اتّفقوا عليه من جواز التفضيل مراعاة لمنازل الرجال ؟!! .
كيف يتبنّى سيد هذا المبدأ الثوري الخطير الذي لا تعيش عليه أمة ، ولا يقومُ عليه دين على هذه القصة الباطلة ، لعلّها من صياغة أعداء الإسلام لتدمير الإسلام والمسلمين .
_________________
([1]) أخرجه مسلم في : ( الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله وتحريمها في المعصية ) : ( 35 ، ح : 1836 ) .
([2]) أخرجه البخاري في ( الأحكام ، باب كيف يبايع الإمام الناس ، ح : 7199 ) ، ومسلم في
( الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ) : ( 41 ـ 42 ، ح : 1709 ) مع زيادة ((إلا أن تروا كفرًا ...)) .
([3]) أخرجه مسلم في ( الإمارة ، باب طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق : 49 ، ح : 1846 ) .
([4]) أخرجه مسلم في ( الإمارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن : 52 ، ح : 1847 ) .
([5]) أخرجه البخاري : ( كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام ، ح : 3603 ) .
__________________
قال الله تعالى :{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } [ النساء: 145]
|