اعتراف حماس بإسرائيل بين الفتوي والسياسة
GMT 21:30:00 2007 الأربعاء 17 يناير
الاهرام المصرية
د. سمير غطاس
شهد يوم الأربعاء الماضي2007/1/10 إعلانا مدويا للسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس, كان قد أصدره من دمشق ـ عاصمة الأمويين العتيدة وسوريا الحديثة.
كان مشعل قد قال في تصريحاته, إن إسرائيل حقيقة وأنه ستبقي هناك دولة اسمها إسرائيل, وقال: أنا كفلسطيني أتحدث اليوم عن مطلب فلسطيني عربي بأن تكون عندي دولة علي حدود67, صحيح أن النتيجة بالأمر الواقع تعني أن هناك كيانا أو دولة اسمها إسرائيل علي بقية الأراضي الفلسطينية.. هذا أمر واقع.
واستطرد مشعل قائلا: إن حماس ستتحدي الشروط الغربية بأن نعترف رسميا بإسرائيل لحين تلبية المطلب الخاص بإقامة دولة فلسطينية علي حدود1967, ثم اضاف قوله: إن إسرائيل حقيقة قائمة والفشل هو فشلنا اننا لم ننجح في اقامة دولة فلسطينية الي جانب دولة إسرائيل.
وحقيقة الأمر أن المتابعين عن كثب للواقع الفلسطيني الداخلي, وللتطورات, خاصة داخل حركة حماس, لم تفاجئهم تصريحات مشعل الأخيرة, التي أعلن فيها علي نحو قاطع اعتراف حماس بالأمر الواقع الذي تمثله إسرائيل, وكانت هذه التصريحات متوقعة في اطار العديد من الأسباب التي ربما كان من أبرزها الأسباب الثلاثة التالية:
أولا: أن حركة حماس, باعتبارها فرعا من حركة الاخوان المسلمين, هي حركة سياسية, وككل حركة سياسية, بحكم طموحها للاستيلاء علي السلطة ستكون مضطرة لملاءمة سياساتها وبرامجها ومواقفها بما يتناسب وحجم الأوضاع والتحديات التي تواجهها في كل مرحلة, ولهذا من الخطأ أن ينجر الناس وراء الخلط المتعمد بين ما هو ديني وما هو سياسي, فالاخوان وحماس هما حركة سياسية واحدة ليس لها أي حصانة أو قداسة دينية.
ثانيا: لان المسار التاريخي لحركة حماس نفسه يبرهن تماما علي كل ذلك, بدءا من انبثاقها عن حركة الاخوان المسلمين في السبعينيات تحت اسم المجمع الاسلامي, والدور الذي لعبته آنذاك, في ظل الاحتلال, لمواجهة التيار الغالب لمنظمة التحرير, ثم تحولها في نهاية الثمانينيات الي حركة مقاومة مسلحة, ورفضها دعوة عرفات للمشاركة في الانتخابات, أو في أي حكومة من الحكومات المتعاقبة للسلطة الفلسطينية, بدعوي تأسيس هذه السلطة علي اتفاق أوسلو الباطل شرعا, ومن ثم تحولها في المرحلة الأخيرة الي إعلان التهدئة والتمسك به منذ مارس2005 وحتي الآن, وانخراطها بكل زخم في العملية السياسية والانتخابات العامة, والتشبث بالحكومة التي شكلتها بدعوي الدفاع عن خيار الديمقراطية, التي لم تكن بالنسبة لحماس نفسها, قبل عدة سنوات, سوي بدعة غربية وحلقة في المخطط الامبريالي الصهيوني الذي يستهدف إلهاء الشعب وصرف نضاله عن مقاومة الاحتلال.
ثالثا: لان تصريحات مشعل الأخيرة ليست جديدة تماما, كان الشيخ أحمد ياسين نفسه قد أصدر تصريحات مماثلة تماما لما قاله مشعل عن قبول حماس لاقامة دولة في حدود1967.
ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار هذه العناصر الثلاثة وما يتفرع عنها, فإنه مع ذلك يبقي للمراقبين كل الحق في النظر الي التصريحات الأخيرة لمشعل عن الاعتراف بإسرائيل بكل الأهمية والجدية.
وفي تقديرنا, فإن اعتراف مشعل يندرج في سياق عدد من العوامل المهمة التي تساعدنا علي فهم هذه التصريحات وأبعادها وأهدافها ومن أبرز وأهم هذه العوامل ما يلي:
1 ـ ان إعلان مشعل عن الاعتراف الواقعي بإسرائيل صدر في هذا التوقيت علي الأخص من دمشق, وهذا العامل له دلالته المهمة في ظل اعلان سوريا الرسمي عن رغبتها الملحة للعودة الي مائدة المفاوضات المباشرة مع الجانب الاسرائيلي من دون أي شروط مسبقة, كما كان الأمر في السابق, وقد أدي هذا الموقف السوري الرسمي الي ارباك الحكومة الإسرائيلية وانقسام مواقفها وآراء أقطابها, مما اضطر أولمرت للقول مؤخرا بأنه يمانع في الاستجابة لهذا الإلحاح السوري لأن أمريكا تعارض بقوة السماح لإسرائيل بإجراء أي مفاوضات مباشرة مع سوريا.
ويأتي تصريح مشعل عن الاعتراف الواقعي بإسرائيل من دمشق بالذات, كنوع من الرسائل الاضافية التي تؤكد هذا الموقف السوري, ولإلمام كل من أمريكا واسرائيل بأن ورقة حماس الفلسطينية هي بحوزة دمشق, وأن المفاوضات مع اسرائيل يمكن ألا تقتصر فقط علي بحث مستقبل الجولان, وانما يمكنها أن تتسع لصفقة أكبر وأهم للطرفين معا.
2 ـ ومن جهة ثانية, يبدو أن تصريحات مشعل قد وضعت حدا قاطعا للتردد والتكهنات, فحماس, حسب مشعل, تعترف بإسرائيل علي أنها أمر واقع, وهي مستعدة للاعتراف الرسمي بإسرائيل فقط بعد اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حتي يكون الاعتراف الرسمي متبادلا بين دولتين.
وهذا الموقف المعلن من مشعل وحماس يعني بشكل قاطع لا لبس فيه, أن الاعتراف بإسرائيل هو ضرورة سياسية, ولا يقوم أبدا علي أساس أي فتوي شرعية أو دينية.
3 ـ ومن الوجهة السياسية, يندرج إعلان مشعل عن الاعتراف الواقعي بإسرائيل في سياق متصل بعدد من التطورات والتحركات السياسية المهمة لحماس علي الساحة الدولية والأوروبية بشكل خاص.
ومن جهة أخري, كانت المصادر الأوروبية نفسها قد كشفت النقاب يوم2006/12/24 عما يسمي بـ وثيقة يوسف, نسبة الي أحمد يوسف المستشار السياسي لاسماعيل هنية رئيس حكومة حماس.
وملخص هذه الوثيقة يتوافق مع خطة أولمرت ومشروع كوندوليزا رايس الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية بعد انسحاب اسرائيل من الضفة الغربية إلي خط متفق عليه, كما تقول الوثيقة, مقابل هدنة تعلنها حماس لمدة5 سنوات. كانت حماس من جهتها قد نفت علاقتها بهذه الوثيقة, برغم أن يوسف نفسه لم ينف أبدا زيارته لبريطانيا ولا لقاءاته مع رجل المخابرات البريطانية هناك, كما لم ينف ما ورد من بنود في هذه الوثيقة لكنه قال إنها مجرد صياغة لأفكار أوروبية وليست اتفاقا مع حماس, وأيا كانت الحقيقة في هذا الأمر, فإن الثابت الأكيد هو أن حماس تمارس حقها, كحركة سياسية في التعامل الايجابي مع الواقع الدولي من حولها.
وهناك أخيرا من يري أن إعلان مشعل الأخير عن الاعتراف الواقعي بإسرائيل يمكنه أن يفك عقدة اتفاق الأطراف الفلسطينية علي البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية, خاصة بعد أن أعادت حماس حساباتها بعد أن برهنت حركة فتح, برغم خلافاتها الداخلية, عن قدرتها علي حشد أكثر من ربع مليون مواطن في احتفالاتها في غزة بالذكري42 لانطلاقتها عام1965, وأيضا في ظل استمرار أبومازن في التلويح لحماس بالتوجه الي انتخابات عامة مبكرة.
وقد يشير ذلك كله الي ضرورة أخذ اعلان مشعل الاعتراف بإسرائيل واقعيا علي محمل الجد, ربما لأن هذا الاعتراف لم يكن المفاجأة الأولي في جراب مشعل, كما أنه لن يكون بالطبع الكلمة الأخيرة في خطاب حماس.