الفصــل الثاني
أعمدة البيت :
بدءا لا بد من التنويه أن هذا العمل يتم يوما بعد يوم ، ولم يكن مكتوبا سابقا ، ولم تعمل له مسودات ، ولم يتم تنقيحه لغويا ، و عليه فانه يخلو من شروط وضع العمل الطويل التي تلتزم بمقدمة و تلتزم بفهرسة وتبويب ، ولم يجر به تقميش ( أي أخذ بعض النصوص من أعمال سابقة يستوجب الاشارة لها و لمؤلفها ودار النشر وسنتها ) .. بل هو عمل يوضع للتعامل مع الشبكة العنكبوتية ، و يتلاءم طول كل حلقة مع مزاج القارئ ..
بعد أن تعرضنا سابقا لما يشبه الفقه في بناء البيت ، والذي هو كناية سياسية واضحة ، سنستمر باستخدام تلك الكناية ، بين حين وحين ، لاستكمال بناء البيت .. ولما كان البيت في القصيدة عبارة عن بيت شعر (بفتح الشين ) فاننا سنقوم باقتراح أعمدة البيت ..
حتى بيوت الشعر ، كانت الحواضر العربية مدنا و قرى كبيرة ، تقدمها لمن يطلبها من سكان البادية ، فتضع لهم منتجات من الغزل والنسيج الملائمين لغرض بناء البيت ، وتضع عصيا من خشب ، ثم تطورت تلك العصي ( الأعمدة) مع تطور الحضارة .. وتضع لهم حبالا و أوتادا في متناول يد طالبيها .
لكن في بيتنا المقصود ، سننتقي نحن الأعمدة المناسبة ، و لن نلجأ لأعمدة مستوردة ، ولا نقوم باستخدام أعمدة لا تتناسب مع العصر ، بل سنجتهد بقدر الإمكان بأن ننتقي ما يؤدي الغرض من أعمدة لها صفة الأصالة و بنفس الوقت صفة القدرة على الصمود بوجه التغيرات المناخية التي حدثت ..
وقد تعاود مسألة عدد الأعمدة للبيت بالظهور مرة أخرى ، فعمود البيت الواحد لا يوحي بفخامة البيت بل سيدل على أنه بيت متواضع ، قد يصلح لحارس في حقل صيفي يزرع به البطيخ و القثاء . وكلما زادت أعمدة البيت دلت على فخامته و سعته ، وتوحي بالعز لمن يسكنه .
سنقلب العصي التي أمامنا و اختيار أكثرها استقامة و أكثرها متانة ، ونختار عددا منها لتكون مهيأة في النهاية لحمل البيت .. وسنناقش مزايا كل عصا بشيء من الصبر ، حتى لا نضطر للتجريب بين فترة و فترة ، فنظهر أمام غيرنا بأننا أشبه بالنور ( الغجر) الذين يغيرون مكانهم و شكل خيامهم و قماشها بين حين وحين وحسب الموسم ..
بل سنحاول بناء بيت يهابه من يقبل عليه ، كبيت أحرار يجير من يستجير به و تخرج منه إشارات الذود عن حماه ، و يقدم الطعام و الحماية والكرامة لساكنيه ..
__________________
ابن حوران
|