إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة muslima04
بسم الله نعود لكم مرة أخرى إن شاء الله..ونتابع على بركة الله..
شيخنا الكريم..قضية الإستغناء عن العلماء..قضية وللأسف الشديد يدين بها الكثير من الناس..فهناك من يعتقد و يقول هذا بحجة ان سؤال أهل العلم لا يكون إلا عند عدم فهم مسألة أو عدم فقهها مستدلا بقول الله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)..وسبحان الله..فكأنما تساوت الرؤوس..عالم نشأ على العلم وطلبه من المهد إلى اللحد وبمعرفته للأصول والفروع كلها..يتساوى مع من أخذ من هذا قليلا وهذا قليلا وقرأ من هنا وهناك دون سابق طلب للعلم الشرعي..أو هناك من كانت له تجربة سيئة مع أحد علماء الضلال فقرر الإستغناء عنهم جميعا بلا استثناء..ومنهم من ببساطة يقذف البعض بأفعال وأقوال شنيعة والعياذ بالله لمجرد انه عالم من ذلك البلد المعين أو من تلك المنطقة المعينة..وكأنه اطلع على الغيب أو قاسمهم المعيشة..ونسأل الله العافية آمين..فما نصيحتكم لهؤلاء بارك الله فيكم يا شيخنا؟؟وهل صحيح انه ممكن ان نستغنى عن العلماء؟؟
|
الجواب :
بارك الله فيك
وأعانك الله .
لا يُمكن الاستغناء عن العلماء بِحال من الأحوال
ومتى ما اسْتَغْنَى الناس عن العلماء اتَّخَذُوا رؤوسا جُهّالا ، فسُئلوا فأفْتَوا بِغير علم ، فضَلُّوا وأضَلُّوا .
وهذا من علامات الساعة ، حينما يُقبَض العِلم بِقبْضِ العلماء . كما في الصحيحين .
وأما الاستخفاف بالعلماء فهو مُذْهِب للدِّين ؛ لأن العلماء يُبلِّغون عن الله ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم .
وأما الرّجوع إلى أهل العلم وسؤالهم فهو واجِب ..
قال تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) .
فإن أهل الذِّكْر هم العلماء .
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) .
قال رحمه الله :
فأمَرَ تَعَالى بِـرَدّ المتنازَع فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وليس لغير العلماء معرفة كيفية الرَّدّ إلى الكتاب والسنة ،
ويدل هذا على صِحّة كون سؤال العلماء واجبا ، وامتثال فتواهم لازِماً .
قال سهل بن عبد الله رحمه الله : لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء ، فإذا عَظّموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم ، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم .
وفي تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا ) .
قال رحمه الله : ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) أي يستخرجونه ، أي لَعَلِمُوا ما ينبغي أن يُفْشَى منه ، وما ينبغي أن يُكْتَم . اهـ .
ثم إن الأدلة قد لا تكون صريحة في موضع فَيَسْتَنْبِط منها العلماء الدليل ، وهذا أصله في كتاب الله عز وجل .
قال سبحانه وتعالى : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) .
قال البغوي في معنى (يَسْتَنْبِطُونَهُ) : أي يَستخرجونه ، وهم العلماء .
والمريض لا يُفتِي في مرضِه ! بينما يُفتي في دِينه !
ودِينه أهمّ مِن جَسَدِه ! لأن ذهاب الجسد غايته الموت ، وذهاب الدِّين مُنتهاه الكُفر .
ومن أراد بناء بيت – مثلا – لا يَقول : سوف أكتَفِي بمعلوماتي في البناء والهندسة ! بل يُسْلِم ذلك إلى أهل الاختصاص !
بل ما هو أبسَط مِن ذلك .. لو أراد إنسان أن يشتري خبزاً ! فإنه لا يُحاول صنعه بنفسه بل يذهب ويشتريه مِن صاِنعه !
ومثله لو أراد إصلاح عطل في بيته أو في سيارته .. فإنه سيبحث عن أفضل متخصص في ذلك العمل ، أو في ذلك المجال !
وقد كان أبو حازم سلمة بن دينار يقول لجلسائه - وحلف لهم - : لقد رَضيت منكم أن يُبْقِي أحدكم على دِينه كما يُبْقِي على نعله !
وهذا سبقت الإشارة إليه هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/210.htm
ومتى ما ظنّ الإنسان أنه يستغني عن العلماء ، وأنه يستقِلّ بِنفسه ، فقد تَوَسّط لُجّـة الجهل !
وقد كان علماء الصحابة ومِن بعدهم علماء الأمة يَرُدّون بعض المسائل إلى عالِميها ، وإلى مَن هو أعْلَم منهم .
ومِن حقّ العالِم أن يُعرَف له قَدْرَه .. وأن يُنَزّل منْزِلته ..
وقد جاء في الحديث : " ليس مِن أُمّتي مَن لم يُجِلّ كبيرنا ، ويَرْحَم صغيرنا ، ويَعْرِف لِعَالِمِنا حَقَّـه " . رواه الإمام أحمد وغيره .
والله تعالى أعلم .