رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فعن محمد بن كعب القرظي ، قال : «كان ممّن يختم القرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيّ : عثمان ، وعليّ ، وعبدالله بن مسعود» (1).
وقال الطبرسي : «إنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود وأُبي ابن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عدّة ختمات» (2).
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم « أنّه قد أمر عبدالله بن عمرو بن العاص بأن يختم القرآن في كلِّ سبع ليالٍ ـ أو ثلاث ـ مرّة ، وقد كان يختمه في كل ليلة » (3). وأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سعد بن المنذر أن يقرأ القرآن في ثلاث ، فكان يقرؤه كذلك حتى تُوفي (4).
5 ـ كان الصحابة يدوّنون القرآن في صحف وقراطيس ولا يكتفون بالحفظ والتلاوة ، فلعلك قرأت ما روي في إسلام عمر بن الخطّاب «أنّ رجلاً من قريش قال له : اختك قد صبأت ؛ أي خرجت عن دينك ، فرجع إلى اخته ودخل عليها بيتها ، ولطمها لطمة شجّ بها وجهها ، فلمّا سكت عنه الغضب نظر فإذا صحيفةٌ في ناحية البيت ، فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم * سبّح لله مافي السموات والاَرض وهو العزيز الحكيم... (الحديد57: 1) واطّلع على صحيفة أُخرى فوجد فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم * طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى...) (طه20: 1) فأسلم بعدما وجد نفسه
____________
(1) الجامع لاَحكام القرآن 1 : 58 .
(2) مجمع البيان 1 : 84 .
(3) سنن الدارمي 2 : 471 ، سنن أبي داود 2 : 54 ، الجامع الصحيح للترمذي 5 : 196 ، مسند أحمد 2 : 163 .
(4) مجمع الزوائد 7 : 171 .
--------------------------------------------------------------------------------
بين يدي كلامٍ معجزٍ ليس من قول البشر» (1)، وهذا يدلّ على أنهم كانوا يكتبون بإملاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن هذا المكتوب كان يتناقله الناس .
6 ـ جمع القرآن طائفة من الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هم أربعة على ما في رواية عبدالله بن عمرو ، وأنس بن مالك (2)، وقيل : خمسة كما في رواية محمد بن كعب القرظي (3)، وقيل : ستة كما في رواية الشعبي (4)، وكذا عدّهم ابن حبيب في (المحبّر) (5)، وأنهاهم ابن النديم في (الفهرست) إلى سبعة (6)، وليس المراد من الجمع هنا الحفظ ، لاَنّ حفّاظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أكثر من أن تُحصى أسماؤهم في أربعة أو سبعة ، كما تقدّم بيانه في الدليل الاَول ، وفيما يلي قائمة بأسماء جُمّاع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي حصيلةٌ من جميع الروايات الواردة بهذا الشأن ؛ وهم :
1 ـ أُبي بن كعب . 2 ـ أبو أيوب الاَنصاري . 3 ـ تميم الداري . 4 ـ أبو الدرداء . 5 ـ أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان . 6 ـ زيد بن ثابت . 7 ـ سالم
____________
(1) الموسوعة القرآنية 1 : 352 .
(2) مناهل العرفان 1 : 236 ، الجامع لاَحكام القرآن 1 : 56 ، أُسد الغابة 4 : 216 ، الجامع الصحيح 5 : 666 .
(3) طبقات ابن سعد 2 : قسم 2 | 113 ، فتح الباري 9 : 48 ، مناهل العرفان 1 : 237 ، حياة الصحابة 3 : 221 .
(4) طبقات ابن سعد 2 : قسم 2 | 112 ، البرهان للزركشي 1 : 305 ، الاصابة 2 : 50 ، مجمع الزوائد 9 : 312 .
(5) المحبر : 286 .
(6) الفهرست : 41 .
--------------------------------------------------------------------------------
مولى أبي حذيفة . 8 ـ سعيد بن عبيد بن النعمان ، وفي الفهرست : سعد . 9 ـ عبادة بن الصامت . 10 ـ عبدالله بن عمرو بن العاص . 11 ـ عبدالله بن مسعود . 12 ـ عبيد بن معاوية بن زيد . 13 ـ عثمان بن عفان . 14 ـ عليّ بن أبي طالب . 15 ـ قيس بن السكن . 16 ـ قيس بن أبي صعصعة بن زيد الانصاري . 17 ـ مجمع بن جارية . 18 ـ معاذ بن جبل بن أوس . 19 ـ أُمّ ورقة بنت عبدالله بن الحارث ، وبعض هؤلاء كان لهم مصاحف مشهورة كعليّ عليه السلام وعبدالله بن مسعود .
7 ـ إطلاق لفظ الكتاب على القرآن الكريم في كثيرٍ من آياته الكريمة ، ولا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ، بل لابدّ أن يكون مكتوباً مجموعاً ، وكذا ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله ، وعترتي » (1)، وهو دليلٌ على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قد تركه مكتوباً في السطور على هيئة كتاب .
8 ـ تفيد طائفة من الاَحاديث أنّ المصاحف كانت موجودة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الصحابة ، بعضها تامّ وبعضها ناقص ، وكانوا يقرأونها ويتداولونها ، وقرر لها الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم طائفةً من الاَحكام ، منها :
عن أوس الثقفي ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة ، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة » (2).
____________
(1) صحيح مسلم 4 : 1873 ، سنن الترمذي 5 : 662 ، سنن الدارمي 2 : 431 ، مسند أحمد 4 : 367 و 371 و 5 : 182 ، المستدرك 3 : 148 .
(2) مجمع الزوائد 7 : 165 ، البرهان للزركشي 1 : 545 .
--------------------------------------------------------------------------------
وعن عائشة، عن رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « النظر في المصحف عبادة »(1)
وعن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « أديموا النظر في المصحف » (2).
وعن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أعطوا أعينكم حظّها من العبادة ، قالوا : وما حظّها من العبادة ، يا رسول الله ؟ قال : النظر في المصحف ، والتفكّر فيه ، والاعتبار عند عجائبه » (3).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أفضل عبادة أُمّتي تلاوة القرآن نظراً » (4).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من قرأ القرآن نظراً مُتّع ببصره مادام في الدنيا » (5). وكلّ هذه الروايات تدلّ على أنّ إطلاق لفظ المصحف على الكتاب الكريم لم يكن متأخّراً إلى زمان الخلفاء ، كما صرحت به بعض الروايات ، بل كان القرآن مجموعاً في مصحف منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
ونزيد على ماتقدّم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لديه مصحف أيضاً ، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عثمان : «فدخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألته مصحفاً كان عنده
____________
(1) البرهان للزركشي 1 : 546 .
(2) مجمع الزوائد 7 : 171 .
(3) كنز العمال 1 : حديث 2262 .
(4) كنز العمال 1 : حديث 2265 و 2358 و 2359 .
(5) كنز العمال 1 : حديث 2407 .
--------------------------------------------------------------------------------
فأعطانيه» (1)، بل وترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصحفاً في بيته خلف فراشه ـ لاحسبما صرحت به بعض الروايات ـ مكتوباً في العسب والحرير والاَكتاف، وقد أمر عليّاً عليه السلام بأخذه وجمعه ، قال الاِمام عليّ عليه السلام : «آليت بيمينٍ أن لا أرتدي برداء إلاّ إلى الصلاة حتّى أجمعه » (2). فجمعه عليه السلام ، وكان مشتملاً على التنزيل والتأويل ، ومرتّباً وفق النزول على ما مضى بيانه .
وجميع ما تقدّم أدلّةٌ قاطعة وبراهين ساطعة على أنّ القرآن قد كتب كله على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدويناً في السطور علاوة على حفظه في الصدور ، وكان له أوّل وآخر ، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يشرف بنفسه على وضع كلّ شيءٍ في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه ، إذن فكيف يمكن أن يقال إنّ جمع القرآن قد تأخّر إلى زمان خلافة أبي بكر ، وإنّه احتاج إلى شهادة شاهدين يشهدان أنّهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
____________
(1) مجمع الزوائد 9 : 371 ، حياة الصحابة 3 : 244 .
(2) كنز العمال 2 : حديث 4792 .
--------------------------------------------------------------------------------
|