المشهد الثامن:
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ
في فلسطين.. قال يعقوب -عليه السلام- لمن حوله: إني أشم رائحة يوسف، لولا أنكم تقولون في أنفسكم أنني شيخ خرِف لصدقتم ما أقول.
فرد عليه من حوله: ( قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ )
لكن المفاجأة البعيدة تقع: ( فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )
هنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه: ( قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (96) قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
ونلمح هنا أن في قلب يعقوب شيئا من بنيه، وأنه لم يصف لهم بعد، وإن كان يعدهم باستغفار الله لهم بعد أن يصفو ويسكن ويستريح.
ها هو المشهد الأخير في قصة يوسف:
بدأت قصته برؤيا.. وها هو ذا الختام تأويل رؤياه: ( فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )
تأمل الآن مشاعره ورؤياه تتحقق.. إنه يدعو ربه: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )
هي دعوة واحدة.. تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
لا نريد أن نترك قصة يوسف الكريم ابن يعقوب الكريم، قبل أن نلاحظ هذه الملاحظة:
في قصة سيدنا إبراهيم، ينزع الحب الغريزي من قلبه لابنه سيدنا إسماعيل، حتى يصير القلب خالصا لله وحده.. فإذا تحقق الأمر يرفع أمر الذبح ويأتي الفداء.
وثمة مماثلة في قلب سيدنا يعقوب.. بالنسبة لابنه يوسف، أحب يوسف فابتلي بضياعه، فلما صار قلبه خالصا لله دون أغيار من يوسف وأخيه، رد الله إليه ولديه.
وثمة مماثلة في قصة الإفك.. إذ ينزع ميل سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى السيدة عائشة، رضي الله تعالى عنها، حتى يصير القلب خالصا لله دون أغيار.. بعدها تنزل براءتها وتحتل مكانتها باسم الله.. بكلمة الله.
إنتهت قصة سيدنا يوسف عليه السلام
تحياتي