الأعمــدة :
المرجعية الدينية :
في أوقات كثيرة يتجنب نوع من المثقفين العرب ، التطرق للحديث بمواضيع الدين ، وان كان الكثير منهم من يلتزم بواجباته الدينية من عبادات و حسن سلوك والتزام وتحيز للإيمان ضد الكفر ، وغيرها من العلامات التي لا يصنفوا من خلالها الا مع الجانب الذي ضد الإلحاد ، أو في بعض الأحيان يعتبرون من خيرة الناس إيمانا بالله عز وجل و الالتزام بأوامره .
لكن ما يجعلهم يأخذون موقف عدم الخوض بهذا المجال من الحديث ، ينبع من عدم إلمامهم بعلوم الفقه والشريعة والاجتهادات التي حصلت بها خلال القرون الطويلة ، مما يجعلهم في موقف أضعف بالحوار بهذا المجال الواسع والمتشعب ، وبنفس الوقت قد يضعهم في جانب و كأنهم من المشككين في مسائل ، تجعلهم بنظر القراء في خانة أعداء الدين ، وتجعل من يرد عليهم ، وكأنهم حماة للدين نصبتهم انتصاراتهم في الحوار غير المتكافئ معرفيا .
ان المساجلات التي تمت بهذا المنحى من النشاط الفكري ، بالرد والرد على الرد ، لم تترك قيمة مهمة في مساعدة الباحثين عن مسالك الخلاص للأمة ، بل زادت في تشويش الباحثين ، وتمزيق تركيز الجماهير ، التي تنتظر مخلصين من أي صنف يخرجها مما هي فيه من بؤس ، و ما تلبث ان تصطف وراء الدعاة للعودة الى الدين . مما يجعل هؤلاء الدعاة يزهون بالحجم الأكبر من تأييد الناس حولهم ، ولكن بالواقع ان التفاف الناس حول هؤلاء مرده هو :
1ـ انهم استفادوا ثقافيا ، بأن كل ما كتب في تاريخ المسلمين ، يجيرونه لهم على أنهم امتداد طبيعي له ، وهم ينفردون بهذا الجانب عن غيرهم .
2 ـ انهم استفادوا تعبويا ، بأنهم يستغلون المساجد والمآتم والمناسبات الدينية للتعريف برموزهم و تأكيد مسألة ارتباطهم بجذور الأمة بقوتها ، فيتعرف عليهم الناس بخطاب يلتقي مع ما في نفوس الناس . في حين تغلق الأبواب من قبل الدولة العربية أمام غيرهم من التيارات ، والتي تسهم هذه الحركات الدعائية الدينية في تشويه صورتها أمام الجماهير ، متحالفة بذلك مع الدولة العربية !
3ـ ان الذاكرة القريبة ، خلال قرن مثلا ، لا تسجل أي تقصير على تلك الحركات ، كونها لم تمارس الحكم ، بل صنفت على أنها حركات معارضة كل تلك المدة ، مما عفا ذلك تلك الحركات من أخطاء الحكم ، وجعل الناس يدربون أنفسهم على التطلع لحصول هؤلاء على الحكم .
4 ـ من يتفحص سلوك تلك الحركات ، يجد تناقضا مع ما تطرح ، لا من خلال مهادنتها بعض الأنظمة العربية التي لا تخفي ولا تنكر علاقاتها مع أعداء الأمة ، بل تذهب أكثر من ذلك في تسلم مهام حكومية وإحالة عطاءات الدولة لها ، بالمقاولات وغيرها .. وهذا النموذج ماثل في ثلاثة أقطار عربية بوضوح .
5 ـ ان هناك من تلك الأشكال الداعية للعودة للدين ، من يتعامل مع الأعداء بوضوح ، ومن خلال أكثر من طائفة دينية ، وهذا النموذج ماثل الآن في العراق وسبقه في أقطار أخرى .
6 ـ هناك من تلك الحركات ما يدعو لعودة الخلافة الاسلامية ، منذ أكثر من ستين عاما ، ويعتمد على مركز نشاطه في دول أجنبية ، لم يسجل في تاريخ تكوينه أي عملية فدائية ، ولم يشترك في أشكال المقاومة في الأقطار التي تستدعي المقاومة ، ولم يستشهد لها عضو واحد .
لهذا وغيره من الأسباب ، رأينا ـ وعلى تردد ـ ان نلقي الضوء على هذا الجانب الهام ، وتفحص وضع صلاحيته أن يكون عمودا في البيت ..
__________________
ابن حوران
|