مساكين ... ( من الإرشيف ) .
مساكين
*- عرقوب
مسكينٌ أنتَ يا عرقوب ، لقد إعتبرك الناس شاذاً لأنك كنت تَعِد ولا تفي في عصرك ، أما الآن وبعد موتك بدهور ، فقد انقلبت الموازين ، وأصبح الوفاء بالوعد من الأمور الشاذة في هذا العصر .
ما أكثر العراقيب الذين يعيشون بيننا ، في البيت ، في السوق ، وفي المكاتب ، وفي كل مكان تدخله تجد عرقوباً ينتظرك ، ويملأ نفسك بآمال ووعود لا رصيد لها : " تعال بكره ، هات لي الوصل الفلاني ، هات توصية من المكتب الفلاني ، أنا مش فاضي الآن " . وفي النهاية كلها من نوع وعودك يا عرقوب .
*- التاريخ
مسكينٌ أنت أيها التاريخ ، لأنك لا تملك أمر نفسك ، ما أكثر الحقائق التي تُزيف باسمك ، وما أكثر أعمال البطولة التي تسجلها وتحفظها لنا لأُناس لم يعملوها قَط ، ومع مرور الزمن تُلصقها بأسمائهم وكأنها من أعمالهم الحقيقية . إنك تكذب علينا أيها التاريخ .
إنك أداةٌ جامدة نسجّل عليها ما شئنا من أباطيل ، ونطمس بها ما شئنا من حقائق ، إن أكثر ما تنقله لنا أيها التاريخ خاضع للميول والأهواء . وإننا لا نكاد نفتح صفحة من صفحاتك إلا وتفوح منها روائح الأنانية والنرجسية وحُبّ الظهور ، إنك لا تكتب تاريخ نفسك أيها التاريخ ، ولو كتبته لكشفت لنا عن صفحة الزيف والرياء التي يلصقها بك بنو البشر .
إنك مغلوب على أمرك أيها التاريخ ..!
*- الثعلب
مسكينٌ أنت أيها الثعلب ، قد تكون لئيماً ، خبيثاً ، ماكراً ، ولكنك ضعيفٌ وجبان ، تفرّ وتقفز هارباً من أي حركة تسمعها .
ما أكثر الذين يشبهونك من البشر ، ويتّصفون بصفاتك أيها الثعلب المسكين .. ولكنهم إلى جانب هذه الصفات الجميلة ، من مكرٍ وخُبثٍ ودهاء يمتلكون صفات لو امتلكتها أنتَ لأصبحت ملكاً لجماعة الحيوان .
إنك لا تستطيع أن تلدغ ، ولا تقتل القتيل وتمشي في جنازته ، وثعالبنا تستطيع ذلك بسهولة ويسر . أنت لا تذرف دموعاً كاذبة لتستر بها بعض أفعالك الماكرة ، أما ثعالبنا فتستعير دموع التماسيح .
أين منك هذه الصفات أيها الثعلب المسكين ، وصدقني لو أنّ الطبيعة حَبَتْكَ بها لأصبحتَ سيّد الغاب بلا مُنازع .
*- الببغاء
مسكينٌ أنت أيها الببغاء ، فبرغم جمال ريشك الأخّاذ ، وألوانك الزاهية الجميلة ، فإننا نستعير تقليدك دون وعيٍ أو تفكير . قد يكون في تقليدك أنت نوع من العبقرية ، تعجز عنها سائر الطيور، أما نحن فنردد ما نسمع بطريقة عمياء ، دون ذرّة تأمُّل أو تفكير .
ما أكثر الشعارات التي نرددها لا لسبب ، إلا لأن زيداً من الناس كان يقولها ، وما أكثر الأعمال التي نعملها مقلّدين لا مبتكرين .
وصدّقني أيها الببغاء ان أكثر أقوالنا وكتاباتنا ، ومعظم أعمالنا وتصرفاتنا ، ما هي إلا تقليد في تقليد .
وإن عَيّركَ أحدٌ من الطيور بتقليدك ، فلَكَ في بني البشر أكبر عزاء .
*- الحمار
أنت مسكينٌ وصبورٌ أيها الحمار ، يصفونك بالبلادة والغباوة ، ولكن غباوتك نابعة من طبيعتك وسليقتك الحمارية ، أما نحن فنتغابى مُتَصنّعين ، ونَتَبَالَهُ مُتكلّفين . ونلبس ثوب الغباوة بعد أن نعدم الوسيلة في نيل بعض المصالح الشخصية .
ما أكثر الذين ينتفعون من غباوتك أيها الحمار ، ولكنهم لا يذكرون هذا الفضل لك ، وما أكثر الأصوات التي تشبه صوتك في غلاظتها ونشازها ، ولكننا نقف لها مُصفّقين .
لا تغضب بعد اليوم من غباوتك ونشاز صوتك أيها الحمار ، فلك إخوان من البشر يسيرون في مشارق الأرض ومغاربها . إنك لستَ وحيداً أيها الحمار .
|