مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 01-08-2003, 10:00 PM
mohammed1977 mohammed1977 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2003
الإقامة: Iraq
المشاركات: 12
إفتراضي رواية: عشية الجمعة: القسم الأول

القسم الأول

المقدّمة

لقد عاش أهلُ هذا البلد أحداثَ الحربِ غير المتكافئةِ مع قوى الاستعمار الجديد، وتابعوا تقدّم القواتِ الغازيةِ من جهة الجنوب باتجاه وسط البلد، حيث تقع العاصمةُ الحبيبةُ. وقد اعتبر كثيرٌ من الناس أنَّ هذا التقدمَ هو مسألة طبيعيةٌ. فأحدُ الطرفين قد أنهكت الحروبُ المتعددةُ، وما تبعها من حصارٍ طويل الأمد، أنهكت قدراتِه الماديةَ والبشريةَ والعسكريةَ والمعنويةَ.
أما الطرفُ الآخر فيمثّل دولتين من أقوى الدّول في العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، يسعيان إلى الهيمنة على بِقاع العالم، يدعمهما موارد ماديةٌ وبشريةٌ عظيمةٌ.
ولكن ما اعتُبر غيرَ طبيعي، هو السرعةُ التي تم بها دخولُ العاصمة، واجتياز القوات المدربة القائمة بحراستها.
إنّ احتلالَ دارِ السلام يُمثّل فاجعةً حلّت بنا، تدلّل على ضَعفٍ كامنٍ في بناءنا وفي أساسنا، وتكشفُ عن مُستقبلٍ مجهولٍ للمنطقة وللعالم ككُل.
وفي هذه الصفحاتِ القليلة التي أكتبها، أروي المشاهداتِ والانفعالاتِ التي اعترت كاتبَ هذه الصفحات وهو يروي عن الساعاتِ التي سبقت سقوطَ بغدادَ، عاصمةِ الإسلامِ لأكثرَ من خمسة قرونٍ.
محمد زهير ناجي
29/5/2003


بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كان ذلك اليومُ طبيعياً بالنسبة لي. عصراً، كنتُ أقوم بإعدادِ بعضِ الطّعام البسيط الذي اعتدتُ على إعدادهِ كلما شعرتُ بالجوع، خاصةً بعد أنْ سافر أهلي إلى مدينة آمنةٍ قريبة، حيث أقنعتهم بالسفر لسببين: الأول حفاظاً على سلامتهم وإبعادهم عن القلقِ والتوترِ اللذين يصيبانهم أثناءَ الغاراتِ الجويةِ بتأثير الصواريخِ المنفجرةِ هنا أو هناك. والسبب الثاني هو الخلاصُ من المشاكلِ التي يسببونها هم لي أثناءَ الغارة. فقد كنتُ أحاولُ أن أحتفظَ بشجاعتي ورباطةِ جأشي قدْر المُستطاع.
لم يكنْ صنعُ الطعام بالأمر الصعب، كما ظننتهُ وكما يظنّه بعضُ الرجال. وهو، وإنْ خلا من اللمسة الساحرة للمرأة، إلا أنّه يفي بالغرض خصوصاً إنْ وُجِد معه بعضُ السّلطة، وأعقبَ ذلك كلَه تناولُ بعضِ الحلوى. وكان الحافزُ على تحمّل هذه الوحدة هو استمرارُ الكهرباء رغم القصفِ.
كنتُ أنشغلُ، كثيراً من الأوقات، بتشغيلِ الحاسب وسماعِ بعضِ الموسيقى الهادئة التي تذكّرني بما مضى من أيامٍ حين كنتُ في الجيش أستمعُ إلى نفسِ الموسيقى وأنا في دائرةِ العمل.
أعددتُ الطعامَ وتناولته، ثم اتجهتُ إلى الحاسبِ فشغلتهُ واستمتعتُ باللَّعب معه لُعبة الشطرنج التي كان يغلبني فيها حي أكونُ مشغولَ البال أفكّر في بعض الأمور.
إن صوتَ الموسيقى العالي، والتركيزَ في مواجهةِ الخصم، لم يمنعا عنّي أصواتِ المدافعِ القويةِ التي بدأت بالعمل قبلَ غروبِ الشّمس بوقتٍ قليلٍ. حاولتُ تجاهل الأمر باعتبار أنهُ أمرٌ اعتدنا جميعاً عليه، مؤخراً. إلا أن أصواتِ المدافعِ في هذه المرة قد اختلفت.
خرجتُ خارج البيت. لم أرَ شيئاً غيرَ اعتيادي، رغم أني أذكرُ سماعَ صيحاتٍ نسائيةٍ سبقتْ خروجي. ولم يُثِر الشكوكَ لدي سوى رؤيةُ بعضِ الحركةِ الغريبةِ لسياراتٍ تغادر الشوارعَ الفرعيةَ متجهةً صوبَ الشارعِ الرئيسِ، تحملُ أفراداً متأبطين أسلحةً خفيفةً مثلَ الرشاشّات والقاذفات.
عدتُ إلى وضعي السّابق في مواجهة الحاسب العنيد الذي كنتُ إن أطلتُ صبري معهُ استطعتُ النيلَ منه.
لم يلِ على بدءِ الدوي الشّديد للمدافع سوى نصفُ ساعةٍ حتى دقّ جرسُ الباب. آملُ أنْ لا يكون شخصاً مملاً أُضطرُ إلى ضياعِ الوقت معه. رغم أنني كنتُ في بعض الأحيان أتجنبُ الردّ على من يثيرُ لديّ الانزعاجَ والضجرَ. لكن، في هذه المرة، كان القادمُ هو خالي. استقبلته كالعادة، بما عُرف عني من ابتسامةٍ وتَرحابٍ، قابلني هو بمثلهما مُستعجلاً ثم أردف: لقد حصلَ إنزالٌ في المدينة وربما آتي للبقاءِ معكَ في البيتِ.
لقد شعرتُ بالنّدم لعدم خروجي في صباحِ ذلكَ اليوم مع والِدتي التي كانتْ قد جاءتْ إلى البيت لتطمئنَّ عليّ وعليه، ثم تعود أدراجَها حيث الملاذُ الآمنُ. لماذا لم أرافقها، رغم أنّي كنتُ أحسُّ بحصولِ مثلِ هذا الأمرِ في هذين اليومين؟ فلقد سبق يومَ الإنزالِ هدوءٌ في العمليات، هدوءٌ سبقَ العاصفةَ. هل هي الثقة الزائدة بالنفس؟ أم هو الترددُ في ترك البيت وحيداً؟ لقد كنتُ قررتُ في نفسي أني لنْ أبرحَ البيت، والعدوُ قادمٌ لينالَ من أرضنا. لكنّ هذا القرارَ لم يلبثْ أنْ تلاشتْ قواهُ لاحقاً.
إذنْ، يجبُ أن أغادرَ الآن وبسرعةٍ. يا ترى، هل توجدُ مركباتٌ تعمل في مثل هذا الوقت، ليلاً، وفي مثل هذه الظروف؟ لا أعلم. لكنْ، يجب أن أغادر. حاولتُ الاتصال بصديقٍ يضمنُ لي الخروجَ معه، حيث عزم هو الآخر وعائلته على الخروج. لكنّ هذه المحاولة لم تنجح.
كنتُ قد أعددتُ الحقيبةَ السوداءَ الكبيرةَ التي مُلئتْ بالملابس، وبكلِ ضروري قد أحتاجه. وقمتُ بأداء بعض الأماناتِ إلى أهلها فإننا لا نعلم أنعيشُ أم نموت؟
لم يعُد أمرُ الإنزال خافياً على الناس، فلقد علِم به الأكثرون، وأصبحَ الناسُ يتناقلون خبرهُ عبرَ الهاتف. لم يعدْ أحدٌ يخشى، وهو يتكلمُ بالهاتف، أن يتجسسَ عليه غيرهُ. فمنذ هذه اللحظة أخذَ الناسُ يحسّون بطعم الحرية المفقودة. فلا أحدَ يرقبُ تحركاتِهم أو سكناتِهم، كلامَهم أو همسَهم. لقد انتهت القصة، أو أوشكت، وبدأ الجميعُ في التفكير بما سيحصلُ خلالَ الساعات القليلةِ القادمةِ.
توجهتُ بعد ذلك إلى بيتِ أحدِ الأصدقاء. تناقشتُ مع أهلهِ حولَ مسألة الخروج والتّوجه إلى مكانٍ آمنٍ. لم يكنْ يظهرُ عليهم أنهم مقتنعونَ بهذه الفكرة، وكانت حجتُهم تقول: إن كان كُتبَ علينا الموتُ فسنموتُ أينما توجهنا. لقد كنتُ أكثرَ قناعةً منهم بهذه المسألة. ولكنْ، أليسَ في الدار نساءٌ وأطفالٌ يُخشى عليهم من الفزع والانهيار إنْ أصبحت المنطقةُ أرضَ معركةٍ حقيقيةٍ؟
بالنسبة لي كانَ الأمرُ مختلفاً قليلاً. فأهلي جميعُهم بعيدون عنّي، وهم بالتأكيد سيقلقون على حالي إنْ بقيتُ أنا بعيداً عنهم. لذلك قررتُ التوجه غداً، لوحدي، أقصدَ الأمان.
رجعتُ من عندهم قبل انتصافِ الليل بساعةٍ، وكانت الشوارعُ مملوءةً برجالِ الحزبِ الذين يظهرُ عليهم الاستعدادُ لمواجهةِ أي طارئ. وربما هم قد أوقفوا أي مترجلٍ خوفاً على المنطقةِ من دُخول الغرباء.
توقفتُ قليلاً عندَ الشارع الرئيس، وقد ملأ الظلامُ أرجاءَ المدينة كلها. توقفتُ لأنظر إلى رتلٍ من مركباتِ الحِمل الصغيرة وهي تمرُّ بسرعةٍ، تحملُ داخلها وعلى ظهرها رجالاً يرتدي بعضُهم البزّة العسكرية، وبعضُهم الآخرُ بملابسه المدنية، يحملونَ ما خفّ من الأسلحة. شاهدتُ أحدَهم وقد أخرجَ من جيبهِ رُزمةً من النقود، وبدأ بالعدّ… كان عددُ السيارات تقريباً عشرين، تحثّ الرِكاب نحو أرضِ المطار، وكنتُ أحسُّ أنهم متجهونَ إلى أرضٍ تلتهمُهم فيها نيرانُ الطائرات. فهل تنفعُ هذه الأموالُ المعطاة إن حكمَ القضاءُ ونزل الموتُ؟
هؤلاءِ الرجالِ وإن بدا عليهم أنهم يحسّون بما قد يؤولُ إليه مصيرُهم –فعيونهم ملتصقةٌ بالأرض والقلقُ يبدو واضحاً عليهم- إلا أنّ الخوفَ من الموتِ لم يأخذْ منهم مأخذَه بعدُ. وهم كإخوانهم الذين أرعبوا صدورَ العدو وأدخلوا الفزعَ إلى صفوفه… فهؤلاءِ وأولئكَ سيُقاتِلون ويقاتلون… سيرمون بأجسادِهم لتكون قنابلَ تحرقُ أجسادَ العدو، وسيكونونَ سيوفاً تقطعُ رِقابهم وتُسلِمهم إلى وحوشِ الصّحراء.
لقد بدأت بوادرُ الشكّ تتعزز لديّ. أليسَ من المفروض أنْ تتمّ مجابهةُ العدو بقواتٍ ضخمةٍ، وأسلحةٍ ثقيلةٍ، تم وضعُها لمثلِ هذا الموقف الصعب، بدلاً من تلك الأفرادِ البسيطةِ التي ستبتلعها الطائراتُ كما يبتلعُ الأسدُ الضخمُ الأرنب الصغير؟
مَنْ لي بأولئكَ المساكينِ يعيد إليهم حقّهم وينتقم ممّن رماهم في تلك المحرقة؟ ومَنْ لي بأهلهم ترمّلت زوجاتُهم وتيتمت أطفُالهم وثُكلت أمهاتهم؟ لقد كان على الجميع أن يموتَ كي يعيشَ رجلٌ واحدٌ. هذه هي الخطةُ التي راهن العراقُ عليها مدةً طويلةً.
قمتُ بإعداد طعام العَشاء، لا شعوراً بالجوع، لكنْ رغبةً في المحافظة على قواي من أنْ يتغلبَ عليها الوهنُ. فتحتُ المذياعَ، وانشغلتُ بترتيب بعضِ الحاجيات استعداداً للرحيل، وأنا أستمعُ إلى آياتٍ من الذكر الحكيم كانت تحرك فيّ كوامِنَ الشجاعةِ والصّبر.
لقد كانت أصواتُ المدافع القويةُ متوقفةً خلالَ المدة القصيرة السابقة. يا تُرى، هل توقف القتالُ باندحارِ العدو؟ لا بُدّ أنّ القيادة قد وضعتْ خططها لمثلِ هذا الموقف، ولا بُدّ أنها قد وضعتْ في الحُسبان كونَ المطار هو المكانُ الأمثلُ لحصول الإنزال. قد يكون هذا الهدوءُ فترةَ راحةٍ يعقبها قِتالٌ عنيفٌ، أو أنّ المعاركَ أصبحتْ على بُعدٍ لا يستطيع معه سمعي أنْ يلتقط تلكَ الأصوات.
لم يمضِ على انتصافِ الليل إلا قليلٌ حتى بدأتُ أسمعَ هديرَ الطائرات. إذن لأذهبَ إلى أعلى البيت حتى أكونَ على مقرُبةٍ مما سيجري. لم أكنْ أبالي كثيراً للطائراتِ والصواريخِ أثناءَ الغارات، وكنتُ أحياناً أخرجُ في العراء أنظرُ إلى المقاوِمات وهي تحاول جُهدها دونَ فائدةٍ إسقاط ما يقع ضِمن مداها من أهدافٍ جويةٍ. وكان مما يدعمُ عدمَ خوفي هذا هو الرغبةُ في مشاركةٍ إخواني، مِن المقاتلينَ الواقعينَ تحتَ النيرانِ المباشرةِ، بعضَ شعورهم وإن لم أكنْ أستطيع مشاركَتهم الخندق.
كان منظرُ بغدادَ في تلك الساعة مؤلماً حقاً. الظلامُ الدامس يبسطُ رِداءهُ على جوانبِ المدينة، والهدوءُ يعمُّ المكانَ إلا من أصواتِ الطائراتِ المحلّقة في الجو. أين ذهبت المقاوِماتُ الأرضيةُ؟ هل توقفت مع انقطاع تيار الكهرباء؟ إنّ الأسلحة المقاومة التي كانت تملأ السماءَ بصُراخ قذائِفها، منذ أوَّل الحرب، لم نَعُد نسمعُ لها رِكزاً في وقتٍ نحنُ بأمس الحاجةِ إليها. وأضحتْ السماءُ مليئةً بالنجوم التي لا تطلُّ علينا بهذه الكثرة إلا حينَ وقوعِ مصيبةٍ.
إني أرى الطائراتِ كما إني أسمعُ أصواتها. إنها تطير على ارتفاعٍ منخفضٍ عما اعتادت عليه، فلم يعُد للدار من رجلٍ يحميه… أنظرُ إليها تطير أزواجاً، تدور على شكلِ دوائر قبل أن تأخذ موقِعها فوقَ أجواء المطار لتنقضَّ بصواريخها المهلكة على هذه الفئةِ القليلةِ من المُقاتلة التي لا تجدُ من يحمي ما فوقَ رؤوسها. إنها تُطلق صواريخَها، الأيمنَ ثم الأيسرَ أو بالعكس، وهي حينَ تصلُ أرضَ المطار تكونُ قريبةً منها. إن كلَ صاروخٍ تطلقهُ يضيء الفضاءَ، بعدَ أن يرتطم بالأرض وربما أهلكَ عشرين رجلاً أو يزيد، لا أعلم…
استمر هذا المشهدُ أمامَ عيني، وربما انهمرت في هذه اللحظة أو تلكَ بعضُ الدموعِ لتنزل على خَدّي. إن شعورٌ اختلط فيه الألمُ والمرارةُ على ما جرى ويجري مع إحساسٍ عميقٍ بالذنْبِ يتملكني. ألا يجبُ أن أكون واحداً من أولئك أستقبلُ بصدري نيرانَ العدو لأنالَ شرفَ الشهادة وأنتقلَ إلى الرفيقِ الأعلى؟ إنّ البعض يقول: كيف تريدُ الدفاعَ عمّنْ حاربَ اللهَ وأهلكَ الحرثَ والنسل؟ إنني إن قاتلتُ فلن أقاتلَ من أجلِ شخصٍ أو فئةٍ، بل هي الأرض تنادينا وتستغيثنا، وقد تعلقت بخوانيقنا تذرف الدمعَ وتطلبُ العونَ.
قذائفُ الدباباتِ والمدافع لم تتوقف، وهي تطيرُ في كِلا الاتجاهين. من بعيدٍ تبدو كالأنوارِ الصغيرةِ تسير بِبوطء شديدٍ حتى إذا لامست أرضَ عدوها أحدثت فيها الخرابَ والدمار. لم أعدْ أستطيع معرفة العدو من الصديق، فلقد اختلط الحابلُ بالنّابل وصار من الصعب تمييزُ الأمور.
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م