مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 02-03-2004, 04:09 AM
د. سليمان الخضاري د. سليمان الخضاري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2002
المشاركات: 27
إفتراضي نهضة الحسين : رؤية مغايرة

نهضة الحسين : رؤية مغايرة *


صالحي نجف آبادي **


في تلك الايام التي كنت في مدينة قم اتابع دراستي، كنت ايضاً القي محاضرات.


في ايام عاشوراء كنت اتلقى دعوات لالقاء محاضرات في اماكن مختلفة. كانت افكاري آنذاك تتوجه نحو البحث والتحقيق أولا، ومن ثم إذا اتضح لدي صواب موضوع ما فإنني كنت أقوم بطرحه في المحاضرات.


لغة المنطق والرجوع الى العقل اشتد لديّ أكثر فأكثر، فأصبحت لا أتقبل أي شئ إذا لم يتقبله عقلي، فقد أصبح هذا التوجه مبدأً ثابتاً عندي.


إن قضية الامام الحسين بن علي بن أبي طالب كانت تتمتع لدي بنفس الأهمية طبعاً، وكان عليَّ ان اقوم بالبحث والدراسة حول القضية بالشكل الذي يتقبله العقل. فالكلام الذي كان يقال على المنابر في الحسينيات حول الامام الحسين وكان ينشر في الكتب ايضاً لم يكن يتقبله عقلي. كان يقال في كل مكان وكنا نسمع باستمرار بأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يرى الحسين مقتولا وأن يرى أفراد أسرته سبايا. هذا الكلام لم أتمكن أساسا من استيعابه، ففي الوقت الذي كانت الكتب غالبا تتحدث نفس الشيء فإن الخطباء على المنابر كانوا يتحدثون نفس الشيء أيضا لهذا اضطريت أن أتصفح جميع المصادر التاريخية ذات العلاقة بقضية الحسين. لقد صرفت وقتاً كثيراً للبحث والتحري في هذا الموضوع حتى تبين لدي تماماً بان الطريق الذي يسلكه هؤلاء السادة وهذه الصورة التي يقدمونها لقضية الحسين عليه السلام، على إنه ذهب لكي يقتل ويقع أهل بيته في الاسر، هذه لايمكن ان يتقبلها العقل أبدا.


هناك علماء كبار من الاجيال الماضية كانوا يعتمدون على منطق العقل في فهم القضايا والمواضيع المختلفة.


أحد هؤلاء الكبار هو الشيخ المفيد، كما ان السيد المرتضى والشيخ الطوسي هما من ضمن هذه المجموعة.


كانوا يعيشون قبل ألف عام تقريباً ولكن لا تزال كتبهم موضع بحث ودراسة.


الرجوع الى العقل والاعتماد عليه كان سمة بارزة جدا لدى هؤلاء العلماء الثلاثة الكبار الذين كان كل واحد منهم مرجعاً للتقليد لدى الشيعة في زمانه.


في قضية الحسين عليه السلام تقبلت رأي السيد المرتضى الذي كان متطابقاً مع ما كتبه الشيخ الطوسي وكذلك مع وجهة نظر الشيخ المفيد في ارشاده. لا أحد ينهض ويعمل بهذا الشكل فينقل أهل بيته من الحجاز باتجاه العراق حتى يقتلوا!.


كتاب تنزيه الانبياء للمرحوم السيد المرتضى وكتاب تلخيص الشافي للشيخ الطوسي بحثا قضية الحسين وقدما تفسيراً مهما لها، تماماً مثل ما قمت انا بكتابة هذا الموضوع في كتابي «الشهيد الخالد» ولكن هذين العالمين الكبيرين تناولا هذه القضية باختصار.


عندما قرأت هذين الكتابين فإنني في الواقع حصلت على كنز كبير للغاية أدى الى انفتاح الطريق أمامي، وتبين لي أن طريق البحث والتحقيق حول قضية الإمام الحسين في الاساس هو نفس الطريق الذي سلكه السيد المرتضى والشيخ الطوسي. اتجاه هذين العالمين يتعارض 180 درجة تماماً مع ما كان يتم تناوله في تلك السنين (ولا يزال) على المنابر والمنتديات وفي الكتب.


من جانب آخر نجد أن الدكتور علي شريعتي (المفكر الإيراني الذي قتل قبل الثورة الاسلامية في إيران والذي يصفه الإيرانيون بأنه "معلم الثورة") الذي يعد عالماً ينتهج منطق العقل في معالجته الفكرية للقضايا، عند مواجهته لقضية الحسين وقع تحت تأثير المشاعر وتقبل الفكرة القائلة بان الحسين ذهب ليفدي نفسه ويعرضها للقتل ويحول أهل بيته الى أسرى!. وبصفتي باحثا فقد وجهت نقداً لموقفه هذا.


الدكتور شريعتي يستند الى رواية تقول ان الإمام الحسين ذهب لكي يستشهد وانه نهض ليقتل نفسه ويعرض أهل بيته للأسر. هذه هي الأجواء التي جعلت شخصاً مثل الدكتور شريعتي، الذي تلقى علومه في الغرب وعاش فترة طويلة في فرنسا وكان يتمتع بفكر منفتح ومنطقي، يتأثر بها ولا يستطيع أن يخلص نفسه من تلك الافكار التي كانت سائدة آنذاك (في المجتمع الايراني). كان ذلك مثيراً للدهشة والاستغراب!.


معارضتنا للدكتور شريعتي كانت أساسية، لماذا؟ لأن موقفنا يختلف معه بمقدار 180 درجة. أنا أقول ان الامام الحسين لم يذهب حتى يعرض نفسه للقتل بل إنه نهض من أجل ان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويواجه الظلم والفساد، وان الهدف من قيامه هو مواجهة نظام الحكم السائد آنذاك وإحداث تغيير جذري في سلوك تلك الحكومة.


لقد استند الذين انتقدوا وجهة نظري الى رواية جاءت في كتاب «اللهوف» وكتب اخرى طبعت من بعده. تقول تلك الرواية إن الإمام الحسين قد قال بأن جده النبي محمد (ص) طلب منه الذهاب إلى كربلاء لأن الله سبحانه وتعالى كان يريد ان يرى الحسين مقتولاً. وعندما سألوا الإمام لماذا تصطحب معك أهلك وأطفالك رد عليهم قائلا: ان الله يريد ان يراهم أسرى وسبايا.


إنني، ومن خلال ما قمت به من دراسات وابحاث وتحقيقات، لم اعثر على سند موثق أو أسس متقنة لهذه الأقوال بتاتاً. فإذا كان الله يريد ان يرى الحسين مقتولاً فيزيد بن معاوية وشمر بن الجوشن وعمر بن سعد حققوا في واقع الأمر رغبة الله سبحانه وتعالى، فلماذا إذاً يستحقون اللعن؟ هؤلاء لم يرتكبوا عملاً سيئاً. قاموا بعمل أراد الله ان يتحقق فتحقق، بل ويجب منحهم جائزة ويجب تشجيعهم! .. ما هذا المنطق؟!


انهم يقولون ان الرسول (ص) قال للحسين، في منامه أو في صحوته، ان إرادة الله هي ان تقتل أنت وتسبى حرمك وأطفالك!.. كانوا يكررون هذا الكلام باستمرار.


نعم، حتى ابن طاووس يقول في الرواية التي ينقلها في كتابه بأن الحسين كان يعلم بأنه سيقتل، ومن اجل ذلك انتفض. ان ابن طاووس يؤيد هذه الفكرة في كتاب اللهوف. كانت الاجواء في تلك الفترات هكذا. كما ان ابن طاووس أورد هذه الرواية في مؤلفاته ولم تدون في كتب أخرى قبل ابن طاووس.


أدركت بانني لا استطيع ان اتقبل مثل هذه الامور، مع تلك المفاهيم التي تعلمناها ضمن دروسنا، وفهمت بان العقل لو لم يكن المعيار فبماذا يمكن ان تقاس وتعرف أحقية الاشياء؟. فإذا لم يستطع العقل أن يشخص الأمور والقضايا، إذاً أي شئ يستطيع ان يشخص الأمور؟


كان ذلك حافزا ودافعاً لي كي أتابع هذه القضية، فكلما كنت أتقدم إلى الأمام، كلما كانت تتضح لي الحقائق اكثر فأكثر.


حصيلة فهمي واستنباطي لكتب هؤلاء العلماء العظام امثال السيد المرتضى والشيخ الطوسي وكذلك التقرير الذي أورده الشيخ المفيد في ارشاده يمكن اختصارها في الآتي:-


أن الحكومة آنذاك هي التي بدأت بخلق العراقيل في بداية الأمر. فلم يكن الامام الحسين هو البادىء في رفض أوامرها. الحكومة شرعت في خلق المشاكل بوجه الحسين.. منعته من أن يبقى في وطنه وفي بيته وان يستمر في العيش هناك.


السلطة الحاكمة توجهت إليه وطلبت منه ان يعلن بيعته لها والا فان حياته قد تتعرض للخطر. إذاً الانطلاقه كانت من عند حكومة يزيد. والامام عليه السلام من جهته لا يمكن ان يبايع يزيد بن معاوية، ولهذا لم يكن هناك حل أمام الإمام سوى ان يترك وطنه المدينة المنورة ويغادرها مختفياً ليلاً مع أهل بيته وأطفاله ليلجأ إلى مكة، كي ينجوا من شر هذه الحكومة.


لقد لجأ الحسين إلى مكة كي يتخلص من شر الحكومة، وعندما علم أهل العراق، وخاصة أهل الكوفة، التي كانت حكم عاصمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، عندما علموا بأن الحسين امتنع عن إعطاء البيعة ليزيد وأنه وصل إلى مكة، اغتنموا الفرصة وقالوا: لقد آن الأوان لكي ندعوه ليأتي إلى الكوفة ويتولى قيادتنا ويقف بوجه تلك الحكومة.


كان معاوية بن أبي سفيان متوفياً تواً، وقد تنفس الناس الصعداء وقالوا ان الوقت قد حان كي نستفيد من هذا الفراغ السياسي الموجود، وأن ندعو الإمام الحسين للقدوم إلى الكوفة ليشكل حكومة هنا، مثلما كان يتولى والده الحكم في هذه المدينة، وينطلق في معارضته لحكومة الشام المركزية ويبدأ العمل لمعارضة حكم يزيد، فتكون الكوفة المحطة الاولى لهذه الحركة، فإذا تحررت هذه المدينة سوف تتهيأ الأرضية اللازمة للتقدم نحو دمشق ومن ثم الاطاحة بيزيد.


في البداية تمعن الحسين عليه السلام القضية ودرس أمرها كثيراً، وتلقى رسائل دعوة كثيرة من الكوفة، ولكنه لم يكن متأكداً تماماً من ذلك، فقال ربما ان الناس تغلبت عليهم مشاعرهم وأحاسيسهم، وان هذه الرسائل لو كانت مبنية على هذه المشاعر والأحاسيس فإنه لا يمكن الاعتماد عليها. فأرسل ممثله الشخصي الخاص إلى الكوفة للقيام بتحقيق ميداني بصورة سرية وخفية على أن يقدم له تقريراً عن الأوضاع هناك. كان ممثل الحسين هو مسلم بن عقيل، وقد قام بتحقيق ميداني استمر 40 يوماً، وكانت نتيجة هذا التحقيق إيجابية، حيث اطمأن خلالها بان الظروف تعتبر جيّدة للغاية ومساعدة، فكتب رسالة إلى الإمام دعاه فيها إلى الإسراع فوراً، وقد أبدى قلقه من إمكانية ضياع هذه الفرصة مطالبا الإمام بالتوجه إلى العراق فور وصول رسالته إليه.


بعد كل التحقيقات التي أجراها الإمام الحسين بنفسه شخصيا والمشاورات التي أجراها بهذا الخصوص، وبعد استلامه تقريرا ايجابيا من مسلم بن عقيل، اتخذ قراره بالتوجه نحو الكوفة لكي يحل محل أبيه ويشكل هناك الحكومة المركزية.


التريث لمدة 40 يوماً كان من أجل إجراء التحقيق اللازم، فكانت النتيجه هي الاستقرار في الكوفة وتشكيل حكومة مركزية فيها. كانت هذه المرحلة هي الثانية من نهضة الامام الحسين.


ان نهضة الحسين لها أربعة مراحل، المرحلة الأولى كانت مرحلة الدفاع، أي الابتعاد عن منطقة سيطرة حكومة يزيد واللجوء إلى بيت الله، كي يعيش آمناً من شر الأعداء، وإجراء دراسة وتقييم لمعرفة الإمكانيات والظروف المهيئة للتحرك من عدمه.


المرحلة الثانية هي مرحلة اتخاذ القرار الصائب للتوجه نحو الكوفة وتشكيل حكومة هناك. وعندما تحرك الحسين فإن تحركه كان مباغتاً، فاجأ خلاله حكومة يزيد لأنها كانت تترصده في مكة لاعتقاله. في مكة نفسها قام الإمام بعمل مباغت. لقد تحرك في اليوم ما قبل يوم عرفة أي في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة الذي يتوجه فيه الناس من مكة الى جبل عرفات. في ذلك اليوم عمل الإمام الحسين مثل ما يعمل بقية الحجاج بربط الإحرام حول أنفسهم، فاعتقد الناس بأن الحسين يتوجه مع الحجيج إلى عرفات، ولكن الحسين كان ينوي أداء العمرة لا الحج.


لقد أدى الحسين العمرة ونزع الإحرام ثم غادر مكة فوراً.


عندما خرج الحسين من مكة، كانت الأجهزة الأمنية لحكومة يزيد تجهل ذلك. ابتعد الإمام مسافة 3 أميال عن مكة، عند ذلك علمت حكومة يزيد بأن الحسين طليق وبأنه قد خرج عن قبضتها.


إن الحسين لم يذهب أصلاً إلى عرفات، و دعاء عرفة المعروف عنه يعود إلى ذلك الوقت الذي كان فيه معاوية بن أبي سفيان حياً، حيث حج الحسين آنذاك وقرأ هذا الدعاء في يوم عرفة.


أرسلت حكومة يزيد رتلاً عسكرياً من أجل إعادة الحسين الى مكة. والتقى قادة الرتل بالامام وسألوه عن المكان الذي ينوي التوجه إليه وعن أسباب مغادرته بيت الله الحرام.


أجابهم الحسين قائلاً: ان الناس دعوني وأنا الآن أتوجه نحوهم إلى الكوفه.


لقد أراد عسكر يزيد إعادة الحسين عنوة ولكنه قال لهم: إما أن تتركوني وشأني أو إذا تصرفتم متجبرين فأني سأدافع عن نفسي. وأضاف قائلاً: لا تفكروا في أن استسلم لكم أبداً.


أرسلت حكومة يزيد رتلاً من أجل أن يعود الإمام الحسين. وعندما أدركت بان عملها هذا لم يؤد إلى نتيجة عاد العسكر ولكن الإمام واصل سيره. في نفس اليوم الذي غادر فيه الحسين مكة، اعتقل مسلم بن عقيل واستشهد. لذا يعتبر يوم عرفة هو اليوم الذي يصادف اعتقال واستشهاد مسلم بن عقيل، لكن الإمام لم يكن يعلم بهذا النبأ.
__________________
أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله
  #2  
قديم 02-03-2004, 04:10 AM
د. سليمان الخضاري د. سليمان الخضاري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2002
المشاركات: 27
إفتراضي

عندما تلقى الإمام الحسين نبأ استشهاد مسلم بات مترددا ومتسائلا ما الذي يجب أن يفعله الآن؟!. في مثل تلك الظروف والتطورات وفي الوقت الذي قتل فيه مسلم فإن سؤالاً بات يطرح نفسه: أين تكمن مصلحة المسلمين؟ وهل يواصل الإمام الحسين طريقه باتجاه الكوفة؟ أم يعود؟. لقد تشاور الحسين حول هذا الموضوع، وكانت وجهات النظر مختلفة. البعض قال إن الذهاب إلى الكوفة بعد هذا التطور الذي حدث ليس في صالح الإمام. والبعض الآخر، وهم الغالبية، قالوا: إن الحسين ليس كمسلم بن عقيل، وان القوات مستعدة هناك، وان الإمام إذا حل في الكوفة فإن الناس سيتوجهون نحوه اكثر مما توجهوا نحو مسلم، وليس من المصلحة أن يعود الإمام، وأن الأمل ما زال قائماً في انتصاره على اعدائه.
ان الأسلوب الطبيعي لمعالجة مثل هذه المواقف هو نفس الأسلوب الذي انتهجه الإمام الحسين عليه السلام. علينا ان نقيّم ما يقوم به الإمام وفق الأسس والمعايير الطبيعية والاعتيادية حتى يكون قدوة لنا نقتدي به، ولكن عندما نقيم هذه الأعمال على أسس ومعايير غير طبيعية فإنها لن تكون لنا قدوة، بل يكون الأمر إعجازاً يخرج عن دائرة الرغبات الاجتماعية والأحداث الطبيعية فلا يمكن لنا تحقيق ذلك ولا يمكن أن يكون هذا العمل نموذجا نقتدي به.
صحيح ان قائدا قد قتل ولكن القوات في العراق مع من ستكون؟ إن هؤلاء لم يتخلوا عن عقيدتهم. إن قوة ظالمة قد قتلت ممثل الإمام، ولكن ماذا عن الشعب كله؟. إن القوات مستعدة للدفاع عنك، إنهم يعشقونك أيها الإمام وليس من المصلحة ان تعود. حتى إن هذه العودة لم تكن تخلوا من الأخطار. ففي عودة الإمام مخاطر أيضاً. فإذا عاد الحسين إلى مكة سوف لن يكون آمنا هناك. وفي المدينة أيضاً سيكون الوضع هكذا. فهو لم يكن متأكداً من وضعه الأمني في مكة، كما أن حياته في المدينة لم تكن مستقرة وهادئة.
لقد مارسوا الضغوط عليه لأخذ البيعة منه. وفي مكة كانوا على أهبة الاستعداد لاغتياله أو اعتقاله، كلتا المنطقتين، مكة والمدينة، لم تكونا آمنتين للإمام، ولكن القاعدة التي قد تمنحه الأمان هي الكوفة في ظل وجود قوات يصل عددها إلى ما لا يقل عن مائة ألف مقاتل متطوع. القوات المحلية هناك لم تكذب ولم تنوي خداع الإمام مثلاً، فالكوفة لم تكن غير وفية بل كانت هناك قوات وفية حقاً. إن الأوضاع قد تغيرت بالفعل وخرجت عن نطاق إرادتهم، لكن الإمام واصل مسيرته. ونحن إذ ما نزال نتحدث عن المرحلة الثانية من نهضته. إلا أن التوجه لدى الإمام لا يزال يسير باتجاه تشكيل حكومة في الكوفة.
استمر هذا الوضع حتى وصل جيش بقيادة الحر بن يزيد الرياحي الذي فرض حصارا على الإمام لاعتقاله وإحضاره الى ابن زياد في الكوفة.
في البداية، بذل الإمام الحسين جهداً كبيراً لإقناع الحر الالتحاق به، حيث كان معه ألف مقاتل جاءوا من القادسية.
عندما وصل هؤلاء كان الإمام الحسين قد نزل قبلهم في منطقة واستقر وأخذ قسطاً من الراحة. وعندما وصل الحر مع قواته لم يكن يعرف من هم هؤلاء المستقرين وماذا يريدون. ان هذه القوات كانت قد وصلت تواً، وكانوا هم وفرسانهم عطاشا لذا أمر الامام بسقي القادمين وحيواناتهم جميعاً. وقد تم حمل كميات كبيرة من المياه إليهم واستضافوهم. اقترب الحر من مقر الإمام وقال له ولصحابته وأهل بيته بأن مهمته تكمن في إغلاق الطريق أمامهم وعدم السماح لهم بمواصلة السير إلى ان يصل أمراً آخر من الحكومة المركزية (حكومة يزيد)، وقال الحر بأنه إذا استطاع فسيقوم بنقلهم إلى الكوفة لتسليمهم إلى ابن زياد، فرد عليه الإمام الحسين قائلاً: خذوا الآن قسطاً من الراحة.
ومع اقتراب الظهر قام الإمام إلى الحر وقال له: قم وصلي مع جنودك ونصلي نحن مع أصحابنا. فقال الحر: لا، نحن في الصلاة نقتدي بكم، لماذا نصلي منفصلين عن البعض. أقيمت صلاة الجماعة وأم الإمام الحسين المصلين ثم ألقى خطبة قبل تكبيرة الإحرام. وكان الإمام يهدف من ذلك بذل الجهود من أجل انضمام الحر إليه. أشبع الإمام حديثه بالدليل المنطقي وقال لهم: انظروا لمن يجب أن تكون قيادة هذه الأمة؟ هل تكون لأشخاص مارسوا الظلم والجور والاعتداء على حقوق الناس، أم لنا نحن أهل بيت النبوة ومنبع العدالة ومجريي أحكام الإسلام؟ نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر.
ثم قال الحسين: إن تحركي نحو العراق كان تلبية لدعوات أهلها حيث وجه الرأي العام في الكوفة والبصرة الدعوات لي لقدومي، وأنا وافقت على هذه الدعوات بعدما تأكدت من وجود الأرضية المناسبة، فتحركي كان مبنياً على رغبات ودعوات الناس ولا يستند إلى الأهواء، والناس لو عدلوا عن رأيهم الآن ولا يريدونني فأنني سأعود حتماً.
انظروا كيف يتحدث الإمام الحسين بعدل وإنصاف كي يقنع الحر. إنه الآن محاصر وارتباطه بقواته مقطوعة، واتصالاته بالقوات المتواجدة في الكوفة مقطوعة أيضاً، أي أن الحسين بقي من دون قوات. وفي هذه الظروف التي يواجه فيها حصاراً عسكرياً اتخذ قراراً حازما بالرجوع لعدم تمكنه من إقناع الحر، وبالتالي فإن ذهابه إلى الكوفة يعد أمراً غير منطقي.
وإذا أراد الحسين ان يعود فإلى أين يذهب؟ لذا بات يفكر في منطقة تجلب له الأمن اكثر كي يقرر العودة إليها.
أقيمت صلاة الظهر، ثم ذهب المقاتلون ليأخذوا قسطا من الراحة، وذهب الحسين إلى معسكره ليستريح. عندما حل العصر، أذن المؤذن مرة أخرى لصلاة العصر. وقد أم الحسين عليه السلام أصحابه وأصحاب الحر أيضاً. وكان الإمام قد ألقى خطبة قبيل صلاة الظهر، ولكن خطبته هذه المرة ألقاها بعد صلاة العصر، وقد تشابهت مع الخطبة الأولى وأكد فيها الإمام على نفس المواقف التي تحدث عنها سابقا. قال لهم الإمام: انتبهوا جيدا وفكروا جيدا من الذي أولى بتولي الحكومة. إن الإمام كان يتحدث عن شؤون الحكم ومن هو أولى بقيادة هذه الأمة: نحن أهل بيت النبوة نستحق القيادة .. أم هذه الفئة الحاكمة التي تمارس الظلم ضد الناس.
كان الإمام الحسين يحاول، من خلال استدلالاته المنطقية، أن يقنع هؤلاء. لكن الحر رغم اقتناعه في داخل نفسه بكلام الإمام، إلا أنه كان يخاف أن يفقد منصبه الذي كان فيه.
في نهاية الأمر لم يتمكن الإمام من إقناع الحر. وبعد الانتهاء من صلاة العصر أصرّ الإمام في خطبته على العودة. اتخذ الحسين عليه السلام قراره النهائي بشأن ذلك وأصدر الأوامر لقافلته لتجميع الخيام ومساعدة النساء ليركبن مراكبهن. كان ذلك قراراً صعباً. استعدت القافلة للتحرك وأمرها الإمام بالعودة إلى أرض الحجاز.
بدأت مقدمة القافلة بالعودة فعلاً نحو الحجاز في الوقت الذي كان الحر وأصحابه ينظرون ماذا سيفعل الحسين، وقد أدركوا بأن الإمام اتخذ قرار العودة حقا.
إن الإمام كان جادا دون أدنى شك في قراره بالعودة.
منذ هذه اللحظة بدأت المرحلة الثالثة من نهضة الحسين عليه السلام، والتي تمثلت في عدم الاستسلام وبذل الجهد من أجل الابتعاد عن القتال.
لقد كرر الحسين دعوته بالعودة مرتين، ماذا يعني ذلك؟
ان القصد من ذلك هو الابتعاد عن الاقتتال. المرة الأولى كانت قبيل إقامة صلاة الظهر، والمرة الثانية كانت بعد إقامة صلاة العصر.
دعا الحر أصحابه إلى الوقوف بوجه الإمام الحسين وسد الطريق أمامه وعدم السماح له بالعودة. القضية تعتبر غامضة. ماذا يعني عدم السماح له بالعودة؟ إن العسكر لا يستطيعون تغيير الأوامر الصادرة لهم من قبل قياداتهم، عليهم تنفيذ أوامر الحر، لذلك جاءوا ووقفوا في طريق الحسين. الإمام قال للحر: ماذا تقصد من عملك هذا؟ فأجاب الحر قائلاً: عندي أوامر باعتقالك وتسليمك إلى ابن زياد وأنا مسؤول عن تنفيذ ذلك وإن سمحت لك بالعودة أكون قد خالفت مهمتي. فرد عليه الإمام قائلاً: لن استسلم إليك أبداً. فقال الحر: وإني أيضا لا أتركك طليقاً.
لقد تكرر هذا المشهد ثلاث مرات. أصبح الحر الآن لا يدري ماذا عليه ان يفعل وأي قرار يجب أن يتخذه كي لا يندلع القتال بين الجانبين. قال الحر: لي اقتراح لكم إن كان مفيداً فاقبلوه: اختاروا طريقاً لا ينتهي إلى الحجاز ولا إلى الكوفة، ذلك لأنني أود ان اصطحبكم معي إلى الكوفة وأنتم ترفضون ذلك، إذاً سأرافقكم وأبعث برسالة إلى ابن زياد أقول له هكذا هو حال الحسين فما هو أمركم؟
وافق الإمام على الاقتراح، ولم يكن أمامه خيارا آخر.
كتب الحر رسالة سلمها إلى رسول خاص قال فيها انه يرافق الحسين في مسيرته غير المنتهية إلى الحجاز لا إلى الكوفة.
اختار الحسين طريقاً غير سالك باتجاه اليسار، فبدأ يسير على هذا الطريق حتى وصلت رسالة الحر إلى ابن زياد الذي بعث الرد إلى الحر في وقت وصل فيه الحسين إلى منطقة تسمى كربلاء. في هذه الأثناء وصل الرسول القادم من ابن زياد حاملاً رسالة إلى الحر تقول: عندما تصلك رسالتي هذه قم بإنزال الحسين بن علي بن أبي طالب قهراً وكرهاً في أرض ليس فيها ماء ولا زرع ولا ملجأ حتى يصلك أمرنا التالي، وأن حامل الرسالة هذه يعمل جاسوساً لدي وسوف يطلعني إن كنت قد نفذت أمري أم لا.
لقد أطلع الحر الحسين على الرسالة وقال: ان هذه رسالة الأمير وهذه أوامره.
قال الحسين: ان هذه الأرض صحراء، وفي الأرض الصحراوية لا يمكن للنساء والأطفال النزول فيها، وهناك قرى بالقرب من هذه المنطقة فاسمح لي على الأقل بالنزول في إحدى هذه القرى، فأجاب الحر قائلا: لا إذن لي بذلك لأن هناك جاسوساً يراقب أعمالي وسوف ينقل ذلك إلى ابن زياد. لم يوافق الحر على ذهاب الإمام الحسين إلى إحدى القرى القريبة، كما أنه لا يوجد أمام الحسين حلا آخر. أما الدخول في نزاع معهم فهو لا يرغب في ذلك، فهو سعى من أجل الابتعاد عن أي نزاع أو اقتتال قد يحدث بين الجانبين.
لقد مرت سبعة أو ثمانية أيام من شهر محرم، كان المعسكران جاثمين جنباً إلى جنب حتى اليوم التاسع من محرم دون ان يعتدي أحد على الآخر. بدأ الجيش المعادي للحسين منذ اليوم السابع بمراقبة ضفاف نهر الفرات عبر نشره 500 عنصر لإفشال أية محاولة تستهدف نقل المياه إلى معسكر الإمام.
لقد أرسل ابن زياد في اليوم الرابع من محرم قوة إضافية مؤلفة من 4000 مقاتل، ووصلت رسالة ابن زياد الجديدة في اليوم التاسع. كان المعسكران مرابطين أمام البعض ولا يعلمان ماذا عساهما ان يفعلا. لم تصل الأوامر بعد.
عندما وصل عمر ابن سعد، فإن أول عمل قام به هو أن بعث رسولاً إلى الحسين يسأله عن سبب نيته التوجه إلى الكوفة. ان عمر هو نجل سعد بن أبي وقاص. رد عليه الإمام قائلاً: ان الناس بعثوا إليّ برسائل وواجب عليّ التوجه إليهم فإذا لم يرغبونني سأعود وسوف لن أوافق على الاقتتال.
فرح عمر بن سعد كثيراً عندما شعر بأن الحسين يدعوا إلى السلام لا الحرب، ذلك لأنه كان يعلم بأن الحرب لو اندلعت فان عواقبها ستسيء إلى سمعتهم.
__________________
أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله
  #3  
قديم 02-03-2004, 04:13 AM
د. سليمان الخضاري د. سليمان الخضاري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2002
المشاركات: 27
إفتراضي

بعث عمر برسالة إلى ابن زياد قال فيها: ان الله منحنا وسيلة لتحقيق السلام والمودة كي لا تسفك الدماء في الأمة الإسلامية، إننا تباحثنا مع الحسين وانه على استعداد للعودة. عندما قرأ ابن زياد الرسالة اعتبرها شئ جيد بقبول الإمام الحسين العودة، ووافق على ذلك وقال: لا نريد ان نقاتلهم لأي شيء، سوف نتركه وشأنه.. كان شمر بن الجوشن حاضراً آنذاك في مجلس ابن زياد، فنهض وقال: ان رأيك السماح للحسين بالعودة غير صائب، انه في قبضتكم الآن فإذا صار طليقاً سيصبح قوياً اكثر فأكثر وتصبحون أنتم أضعف فأضعف. استمر شمر في حديثه حتى استطاع أن يغير رأي ابن زياد.
انظروا لدعوات الحسين نحو السلام وكيف استطاع التأثير على ابن زياد كي يقبل بهذا الرأي ولا يلجأ إلى السلاح واندلاع الحرب وإراقة الدماء. وهي دلائل قاطعة تثبت جدية دعوات الإمام السلمية.
كتب ابن زياد في نفس اللحظة رسالة إلى ابن سعد وأعطاها إلى شمر ليسلمها إليه وبعث معه قوة، وقد قال فيها: إنني لم أبعثك لتجري مباحثات مع الحسين وتقيم معه السلام والمودة، وعندما تصلك رسالتي هذه اقترح على الحسين ان يستسلم من دون أية شروط (هو وأصحابه وأهل بيته)، جردهم من السلاح ومن ثم إبعثهم إليّ، فإذا لم يوافقوا ابدأهم الحرب، وقال لشمر أيضاً: إذا لم ينفذ عمر بن سعد أوامري أضرب عنقه وتولى قيادة القوات بدلاً عنه.
لقد انزعج عمر بن سعد كثيراً من هذا التصرف الذي قام به شمر وقال له: لقد أججت فتنة، فقد بذلت أنا مجهودا لكي لا تندلع الحرب. فرد عليه شمر قائلاً: إذا كنت مستعداً لإطاعة أوامر الأمير فنفّذ وإذا لا فسلمّ لي القيادة. عند ذلك شعر عمر بن سعد بأنه إن لم يوافق على تنفيذ الأوامر فسوف يضرب شمر عنقه.
خلافاً لرغبته ومن أجل أن لا يضربوا عنقه قال عمر بن سعد: أنا أنفذ الأوامر.
لقد بذل الإمام الحسين مجهوداً كبيرا كي لا تندلع الحرب ولكنها لم تفلح في وقف النزاع العسكري. استمر الأمر حتى صبيحة يوم العاشر من شهر محرم حيث أصدر ابن سعد الأوامر بالهجوم. كان أعداء الحسين ينوون مهاجمته عصر يوم التاسع من محرم عند صدور أوامر الهجوم، ولكن الحسين طلب وقف الهجوم ليلة واحدة فقط وتأجيل ذلك إلى يوم آخر فوافقوا على ذلك.
عزز الإمام الحسين مواقعه الدفاعية التي قد يتمكن العدو خلالها من إحراز نصر في هجومه المرتقب شنه. فالحسين لم يكن طالب حرب أبداً ولكنه أعاد ترتيب مواقعه الدفاعية بطريقة صائبة وبالشكل الذي يمكن من خلاله الخروج من المواجهة منتصراً.
في بداية الاشتباك انفصل الحر مع 30 مقاتلاً من قواته عن معسكر ابن سعد والتحقوا بمعسكر الامام. هذا الانفصال لو كان مستمراً فإن قوات ابن سعد كانت ستنهار وكان عدد الموالين للحسين سيزداد اكثر فأكثر.
اندلع القتال في يوم عاشوراء، لكن الحسين قدم اقتراحاً بالعودة، ففي خطبة له دعاهم إلى تركه وشأنه كي يعود إلى أرض توفر له الأمن متسائلاً إياهم: لماذا ترغبون في سفك الدماء من دون وجه حق، دعوني انصرف إلى مأمن من الأرض. لكنهم لم يوافقوا. من اللحظة هذه بدأت المرحلة الرابعة من نهضة الحسين. في هذه المرحلة صدرت الأوامر بالهجوم العسكري من قبل معسكر ابن زياد باتجاه معسكر الحسين، فقام الإمام عليه السلام بالدفاع مضطراً ومجبراً. لقد دافع دفاع الأبطال واستشهد بكل فخر واعتزاز في هذا الدفاع المقدس.
كانوا يرددون باستمرار بأن الحسين قد خرج ليعرض نفسه للقتل.
هذا النمط من التفكير لم يكن سائداً في زمان السيد المرتضى والشيخ الطوسي.
أصبح هذا النمط رائجاً بصورة كبيرة منذ القرن السابع انطلاقاً من ابن طاووس في كتاب اللهوف.
* من نص لقاء مع الكاتب نشر في شهرية "آفتاب" الإيرانية الفكرية، وقد قام مركز "الحوار" بترجمة اللقاء وتحويله، بتصرف، إلى مقال.
** أحد فقهاء الشيعة الإيرانيين ويعيش في إصفهان بإيران. ونجف آباد هي مدينة قريبة من إصفهان وينتمي إليها العديد من الفقهاء الشيعة الكبار من أمثال آية الله حسين منتظري
__________________
أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م