مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 06-05-2002, 04:07 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي الجزء الثاني ( حقيقة كفر وجرم حزب الله في لبنان فضحه الله)

الأطوار المنسوخة
=============

مر المنهج الشيعي بأطوار يختلف بعضها عن بعض بشكل كبير؛ فبعد وفاة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري بغير ولد اضطرب الشيعة وتفرق جمعهم؛ لأنهم أصبحوا بلا إمام، ولا دين لهم بلا إمام؛ لأنه هو الحجة على أهل الأرض، وبالإمام عندهم بقاء الكون؛ إذ «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» وهو أمان الناس «ولو أن الإمام رُفِعَ من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله» ولكن الإمام مات بلا عقب، ولم يحدث شيء من هذه الكوارث، فتحيرت فرق الشيعة واختلفت، فادعت طائفة منهم أن الحسن له ولد غائب حفاظاً على المكاسب الأدبية والمادية، وأن له نواباً هم الواسطة بينه وبين الناس، وكانوا أربعة، وكانوا يجمعون الأموال من الناس لإيصالها لهذا الغائب، وكانت لهم الطاعة، فلهم ما للإمام، ولقولهم صفة القداسة والعصمة، وهم مخوَّلون كذلك بالتشريع، ثم كان أن توفي رابع النواب، ولم يوص بنائب خامس بعده، وأخرجوا مرسوماً موقعاً من الإمام الغائب يقول فيه: «أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله». فانتهت بذلك ما تسمى الغيبة الصغرى وبدأ تطور جديد بتفويض أمر النيابة عن الإمام المنتظر إلى رواة حديثهم وواضعي أخبارهم بعد النواب، وقد أفاد هذا التطور الشيعة في تخفيف التنافس على منصب البابية وبدأت الغيبة الكبرى(1).

وكل هذا العنت كان لربط الناس بأحلام مستمرة عن قيام دولة شيعية، وكلما اقتربت مرحلة التخدير النفسي من النهاية بدأ تطور آخر وأحلام أخرى حتى لا يتفلت الناس من هذه البدع ، وإن كان هذا قد حدث بالفعل مع نهاية كل مرحلة وبداية كل تطور جديد.

وكانت نظرية «ولاية الفقيه» التي تنازل فيها الفكر الإمامي عن شرط العصمة والنص في الإمام، وسمح بالنيابة الواقعية للفقهاء عن الإمام، والتي تسمح لهم بممارسة القضاء وتوجب التقاضي إليهم، وهو ما كان محرماً عندهم من قبلُ، وفتح باب الاجتهاد الذي كان محرماً كذلك، والقول بالقياس، وانسحبت أشكال التطور أو «التبديل» على كافة محرمات «نظرية الانتظار» كالعمل المسلح «الثورة» والإمامة والجهاد والحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة؛ فقد طالت غيبة الإمام وتوالت القرون دون أن يظهر، والشيعة محرومون من دولة شرعية حسب اعتقادهم، فبدأت فكرة القول بنقل وظائف المهدي تداعب أفكار المتأخرين؛ فهذا الخميني يقول: «قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة، فهل تبقى أحكام الإسلام معطلة يعمل الناس من خلالها ما يشاؤون ؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؟ القوانين التي صدع بها نبـي الإسلام ( صلى الله عليه وسلم ) وجهد في نشرها، وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثـة وعشرين عاماً، هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسـوأ في نظـري مـن الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ». ثم يقول: «إذن فإن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها، وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف»(2).

ويقول: «وبالرغم من عدم وجود نص على شخص من ينوب عن الإمام حال غيبته، إلا أن خصائص الحاكم الشرعي موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر؛ فإذا أجمعوا أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير»(3).

وإذا كانت حكومة الآيات والفقهاء لا مثيل لها في العدل ـ كما يقول ـ فما حاجتهم بخروج المنتظر إذاً ؟. ويرى الخميني أن ولاية الفقيه الشيعي كولاية رسـول الله صلى الله عليه وسلم. فيقول: «فالله جعل الرسول ولياً للمؤمنين جميعاً ومن بعده كان الإمام ولياً، ومعنى ولايتهما أن أوامرهما الشرعية نافذة في الجميع» ثم يقول: «نفس هذه الولاية والحاكمية موجودة لدى الفقيـه، بفارق واحـد هـو أن ولاية الفقيه على الفقهـاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم أو نصبهم؛ لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية»(4).

«وإن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمام المعصوم»(5).

هذا الانقلاب يعتبر نسخاً لكل ما انبنى عليه دين الإمامية، أو على حد قول من قال:« إن الخميني أخرج (المهدي المنتظر) عند الروافض»(6).

---------------------------
(1)انظر: د. ناصر عبد الله القفاري، أصول مذهب الشيعة، ج/2/847 ، 892 ـ 897.
(2) الحكومة الإسلامية، ص 26 ـ 27.
(3) المصدر السابق، ص 48 ـ 49.
(4) المصدر السابق، ص 51.
(5) المصدر السابق، ص 113.
(6)د. ناصر القفاري، أصول مذهب الشيعة، ج3، ص 1169.

من الانتظار إلى الثوار

إن الفكر السياسي الإمامي هو فكر ثوري بطبيعته، وانتقامي من نشأته إلى منتهاه، وكما يقول قائلهم: «الشيعة هم التيار الثوري على مدار تاريخ المسلمين، لديهم عقدة ذنب متأصلة منذ مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب في كربلاء على يد زبانية يزيد بن معاوية ثاني حكام الدولة الأموية، عقدة سببها أنهم تخلوا عن الحسين الذي خرج يطلب الإمارة، وخذلوه؛ بل وسلمه نفر منهم إلى عدوه اللدود، ليمثل بجثته ويسبي أهله وذويه، وقد أتاح لهم الزمن «عدواً جديداً» يعوضون في جهاده وقتاله والثأر منه ما اقترفوه في كربلاء؛ وبالفعل هم يقاتلون بكل الهموم والآلام والأحزان والاضطهاد الذي جثم على صدورهم طيلة ما يقرب من 1300 سنة، يجاهدون ضده بعقيدة متماسكة وشعار حاد «كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء»، وإذا لم تكن الدماء قد جرت في كربلاء دفاعاً عن الحسين، فلتَسِلْ أنهاراً يغسلون بها العار عن الأرض ويستعيضون بها عن الشرف الضائع!»(1).

وتمت المبالغة في تحويل نظرية «الانتظار» السلبية إلى نظرية ثورية، كما قال عبد الهادي الفضلي: «إن الذي يُفاد من الروايات في هذا المجال هو أن المراد من الانتظار هو وجوب التمهيد والتوطئة بظهور الإمام المنتظر... وإن التوطئة لظهور الإمام المنتظر تكون بالعمل السياسي عن طريق إنارة الوعي السياسي والقيام بالثورة المسلحة!!»(2).

وإن كانت الدولة النبوية في المدينة التي أقامها المصطفى ( صلى الله عليه وسلم )هي أمنية الأماني التي يُسعى لتحقيقها باعتبارها نموذجاً ومثالاًَ يُقتفى أثره ويُرجى الوصول إلى صورته؛ فإن هذا النموذج لم يكن هو المثال والهدف الذي يسعى إليه الإمامية؛ بل كان مثالهم دائماً ـ وحتى يظهر مهديهم المنتظر ـ هذه «المصيبة» الكربلائية التي هي دائماً ماثلة أمامهم.

«فالأمة الحسينية أمة متصلة قوام اتصالها بـ «المصائب» المتعاقبة عليها، ومواقف الثورة الكربلائية التي لم تنقطع، هناك تدرك تماماً أنك تعرفهم فرداً فرداً منذ آلاف السنين، قاتلت معهم وقاتلوا معك، واستشهدتم سوياً في كربلاء، هناك تدرك تماماً أن المهدي ليس بعيداً وأنه في مكان ما على الجبهة»(3).

«وإذا غدا استمرار الثورة ودوامها من بعد حدوثها إنجاز الثورة الأعظم أوجب تجديد الإعجاز كل يوم، والقيام بالثورة من غير انقطاع ولا تلكؤ، ولا يُرتب تجديد الإعجاز حين تتصل الثورة الإسلامية الخمينية بين كربلاء وبين ظهور المهدي، إلا إظهار الدلائل على قيام الثورة، وحفظ معناها، والحؤول بين هذا المعنى وبين الاضمحلال والضعف. ولا يتم ذلك إلا بالإقامة على الحرب وفي الحرب. وينبغي لهذه الحرب أن تكون الحرب الأخيرة، ولو طالت قروناً؛ لأنها تؤذِن بتجديد العالم كله، وبطيِّ صفحة الزمان»(4). «فلم تكن الحرب بضواحي البصرة وعلى ساحل شط العرب إلا مقدمة حروب كثيرة أوكلت إليها القيادات الخمينية الشابة التمهيد لـ «فَرَج » المهدي صاحب الزمان من غيبته الكبرى، ولبسطه راية العدل على «الأرض» كلها، وتوريثه ملك الأرض للمستضعفين»(5).

وقد أعلن الخميني عن مقصده وخططه وعزمه، من أن انتصار قواته ـ الذي كان يأمله ـ سيضم الشعب العراقي المضطهد إلى الشعب الإيراني، ليقيما معاً ـ حسب أمانيهما ـ دولة إسلامية، وإذا توحد البلدان فإن الدول الصغيرة الأخرى في المنطقة ستنضم إليهم، وقد كان الطريق إلى لبنان يمر عبر العراق(6). واعتذر نائب وزير الخارجية الإيراني محمد عزيزي عن ضعف مشاركة القوات الإيرانية في القتال بلبنان؛ بأن الطريق إليه «تمر عبر العراق»!! فلا تصبح قوات إيران حرة تماماً في أن تلعب دوراً جوهرياً في لبنان إلا بعد سقوط النظام العراقي(7).

وهذا المفهوم الثوري المستمر كان له في الحركة السياسية الشيعية اللبنانية نصيب وافر؛ فقد ترجمه خطباء الحركة الخمينية بلبنان ونقلوه إلى «اللبنانية»، أو الكلام السياسي اللبناني، بعبارة «الحالة الجهادية» أو «الثورية أو الإسلامية»، وهي تعني الخروج من كل أشكال الإدارة التي تمتُّ بصلة إلى الدولة ومؤسساتها وقوانينها عامة، وإلى كيانها الحقوقي خاصة. لذا يحرص أبناء «حزب الله» على استمرار التشرذم والتجاذب والتخبط حرصهم على حدقات عيونهم، ويرفعون هذه الحال إلى مرتبة المثال. ويخاطب محمد حسين فضل الله جمهور المصلين في مسجد بلدة النبي عثمان قائلاً: «وعلينا أن نخطط للحاضر والمستقبل؛ لنكون مجتمع حرب!!» ويضيف: «إن الحرب هذه (مفروضة)، شأن كل الحروب التي يحل خوضها للإماميين، ولا يحل لهم خوض غيرها»(8)، والحرب «المفروضة» هي النظير الإيراني لحرب التطويق السوفييتية: فكلُّ ما يوقف توسع أصحاب مجتمع الحرب عدوانٌ عليهم.

--------------------------
(1) مجلة المقاومة، العدد: (35)، ص 16.
(2) في انتظار الإمام، ص 57 ، 67.
(3)دولة حزب الله، ص 287.
(4)المصدر السابق، ص 276.
(5)المصدر السابق، ص 231.
(6)انظر: المصدر السابق، ص 313، 315.
(7)انظر: المصدر السابق، ص 227.
(8) جريدة النهار، 14/5/1986م.

تابع انشاء الله
__________________
khatm
  #2  
قديم 06-05-2002, 04:10 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي

بين بداية القرن ونهايته
=============

كانت الحالة الدينية السياسية الشيعية في بداية القرن العشرين الميلادي حالة منكمشة إلى حد كبير، وكان هناك تهميش واضح للشيعة باعتبارهم «طائفة»، وكان ذلك التهميش الذي عاناه «جبل عامل» والشيعة عامة خلال فترة الانتداب على لبنان وفترة بناء الدولة والاستقلال حال دون احتلال مواقع في الدولة تسمح أو تدفع بالمشاركة في سباق ادعاء رموز تاريخية مؤسسة لها من الطائفة الشيعية(1).

وعلى مستوى الحالة الدينية فقد ضعف دور العلماء وعزف الشيعة اللبنانيون عن العمامة ـ أي طلب العلم الشيعي الديني ـ وانزوى المسجد، وقد شهد أحدهم على هذا الواقع فقال: «فهذه القرى العاملية لا تذكـر اسم الله ـ تعالى ـ في ليل ولا نهار، برغم سخاء المهاجرين على بناء المساجـد؛ وكان يوجـد وقتها [1920 ـ 1930م] ما يزيد على الأربعمائة مسجد بين مسجد كبير وصغير»(2).

وتزامنت هذه الحالة الرثة والهامشية مع تغيرات عالمية ضخمة، فكان سقوط الخلافة العثمانية، وبدايات الدعوة إلى القومية العربية عقب الدعوة الطورانية التركية، والحرب العالمية الأولى، ثم كانت الدولة البهلوية «العلمانية». وكانت هذه الظروف وغيرها مجتمعة أدت إلى بدايات النهضة الحديثة للشيعة الإمامية التي انتهت في 1979م، بقيام الجمهورية الإسلامية ورغبة في قيام جمهوريات أخرى على غرار المثال الأم.

وبين هذه النهضة في بداية القرن وقيام الدولة وسعيها إلى إنشاء دول أخرى، خاصة في لبنان كانت هناك جهود كبيرة لذلك، وكان «حزب الله» مرحلة من مراحل ينبغي أن نقف عليها.

---------------------------
(1)انظر: د. وجيه كوثراني، مصدر سابق، ص 79.
(2) دولة حزب الله، ص 177.

من هامش الحياة إلى نسيجها

«النظام اللبناني غير شرعي ومجرم» و «من الضروري تسلم المسلمين الحكم في لبنان كونهم يشكلون أكثرية الشعب»(1). فتويان: الأولى خمينية، والأخرى خامنئية، وضعتهما الحركة الشيعية في لبنان في بؤرة القلب وبؤبؤ العين، ورفعتهما إلى مرتبة الهدف الذي يُسعى لتحقيقه. كما أفتى رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مهدي شمس الدين بذلك أيضاً حين قال:« إن الدولة وجدت نتيجة لعقد، هذا العقد تبرمه الأكثرية من المواطنين بإرادتهم الحرة، فينتج عن إبرامه كيان الدولة، ومن المؤكد أن التنازل عن الهوية الثقافية والدينية ومظاهرها في المؤسسات والقوانين يتنافى مع موجبات هذا العقد، ولا يؤثر على موجبات هذا العقد موقف الأقلية التي توافق على التنازل عن هذه الهوية؛ فإن على الأقلية في هذه الحالة أن تخضع للأكثرية»(2) (*)

وفي معرض رده على الأسئلة الموجهة إليه في أحد البرامج قال محمد حسين فضل الله: «لم يكن هؤلاء الذين حكموا العالم الإسلامي في الماضي يحكمون باسم الإسلام فنحن لا نعتقد ـ على سبيل المثال ـ أن الحكم العثماني كان عادلاً وحراً وإسلامياً!!»(3).

وهكذا يُخرج الفقهاء الشيعة فتاويهم دون اعتبار لعامل التاريخ أو الجغرافيا ومن دون تقية كذلك. ولأثر التبديل فقد احتل الفقهاء والآيات والحجج مكانة عالية بلغت درجة التقديس، وأضحت الفتاوى، بل الكلام المجرد من القداسة الدينية ارتفع إلى مرتبة القداسة في النفوس.

وقد دأب الفكـر الإمامـي على ربط الأمة الجعفـرية برمـوز غير قابلة للنقد أو التجريح، وأعطاهم ـ أو أعطوا لأنفسهم ـ صلاحيات وصلت إلى خصائص الإمام الغائب المعصوم المعيَّن من قِبَلِ الله ـ تعالى ـ!! ولقد تجاوزت هذه الصلاحيات ما كان معطى للشاه المستبد الطاغية الدكتاتور عميل الإمبريالية والصهيونية!! فقد أقر مجلس الخبراء الإيراني على إعطاء الولي الفقيه صلاحيات تفوق ما كان مخولاً به الشاه السابق، ونص على ذلك في المادة (107) من الدستور الإيراني(4). كما تنص الفقرة (110) من الدستور نفسه على منح الفقيه سلطات واسعة لتعيين المسؤولين الكبار الآخرين، والموافقة على المرشحين لمنصب الرئاسة، وعزل الموظفين غير الأكفاء وتولي القيادة العامة للقوات المسلحة، مع تعيين قادة الجيش النظامي والحرس الثوري أو عزلهم وتنظيم مجلس الدفاع الأعلى الذي يعتبر أعلى هيئة لصنع القرار في القوات المسلحة الإيرانية(5).

«الثورة الإسلامية في لبنان» هذه العبارة هي آخر ما تقرؤه على عَلَم «حزب الله» في لبنان. والثورة بهذا الوصف محاولة استنساخ للثورة الأم في قم وكلتاهما ثورة آيات، أي أن العِلم الديني الإمامي هو أساس التصور والحركة؛ فالثورة ـ حسب المعلن ـ ثورة دينية، إمامها فقيه، رئيسها فقيه، وزيرها فقيه؛ فالمثال الذي ينبغي وضعه نصب العين هو إرادة الفقهاء؛ ولهذا فقد كان للحوزات والحسينيات دور هام في غرس مفاهيم التقديس، ودورها كذلك في إمداد الثورة بالوقود البشري

------------
(1)انظر مقال: صادق الموسوي، مجلة الشراع، 17/5/1993م. وانظر: وضاح شرارة، دولة حزب الله، ص 342.
(2)د. وجيه كوثراني، المسألة الثقافية في لبنان، الخطاب السياسي والتاريخ، ص 20 ـ 1.
(* ) ورد في الموسوعة العربية العالمية، ج 21/71 أن عدد السكان الشيعة في لبنان في عام 1990م بلغ مليون ومئتي ألف نسمة، أي بنسبة 54% من السكان المسلمين الذين يمثلون 62% من سكان لبنان. كما تذكر مصادر أخرى أنهم يشكلون 50% من نسبة السكان كما ورد ضمن حلقات الإسلام والكونجرس، مجلة المجتمع، العدد: 928، ص29، كما أوردت مجلة المجلة في العدد: 795/13/4/1995م أن عدد الشيعة في لبنان يبلغ 42% من مجموع سكان لبنان.
(3)قراءة في فكر زعيم ديني لبناني، ضمن حلقات الإسلام والكونجرس الأمريكي، د. أحمد إبراهيم خضر، مجلة المجتمع، العدد: 953، ص 45.
(4)انظر: بهمان بختياري، المؤسسات الحاكمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضمن مجموعات أبحاث تحت عنوان: إيران والخليج، البحث عن الاستقرار، إعداد: جمال سند السويدي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط 1، 1996م، ص 75.
(5) كينيث كاتزمان، الحرس الثوري الإيراني، نشأته وتكوينه ودوره، ص 60.

تابع انشاء الله
__________________
khatm
  #3  
قديم 06-05-2002, 04:11 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي

الملالي.. ومدارج المعالي

مع نهاية الغيبة الصغرى المدَّعاة للمهدي وجد علماء الشيعة أنفسهم في حيرة شديدة، وذلك خوفاً من انكشاف حقيقة أمر الغيبة والمهدي ودعاوى أخرى كثيرة لا تصل إلى الحق بسند ولا نسب، فأخرجوا مرسوماً منسوباً إلى مهديهم الغائب يقول فيه: «أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله» ثم تبعوه بمرسوم آخر يقول فيه: «أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً مولاه، فللعوام أن يقلدوه»(1). ولهذا فقد وسع إمامهم المعاصر أن يقول: إن الفقهاء «هم الحجة على الناس كما كان الرسول ) صلى الله عليه وسلم ( حجة عليهم، وكل من يتخلف عن طاعتهم فإن الله يؤاخده ويحاسبه على ذلك، وعلى كل فقد فوض الله إليهم «أي الأنبياء» جميع ما فوض إليهم، وائتمنهم على ما ائتمنوا عليه»(2). « والله جعل الرسول ولياً للمؤمنين، ومن بعده الإمام ولياً، ومعنى ولايتهما أن أوامرهما الشرعية نافذة في الجميع، نفس هذه الولاية والحاكمية موجودة لدى الفقيه بفارق واحد، هو أن ولاية الفقيه على الفقهاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم أو نصبهم»(3). «فإذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي ) صلى الله عليه وسلم (، وجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا»(4). وقد نسب إلى النبي ) صلى الله عليه وسلم ( أنه قال: وعلماء أمتي كالأنبياء السابقين(5) بل لقد وسعه أن يقول: «الفقيه الرافضي بمنزلة موسى وعيسى!!»(6).

ولهذا لم يكن مستغرباً أن يقول أحد المسؤولين الإيرانيين: إن الخميني أعظم من النبي موسى وهارون(7) وترتفع وتيرة التجاوزات في إعطاء الصلاحيات لفقهاء المذهب حين كتب آية الله آزاري قمي يقول: «ليس لدى الولي الفقيه أية مسؤولية أخرى غير إقامة نظام الحكم الإسلامي، حتى لو اضطره ذلك إلى أمر الناس بالتوقف مؤقتاً عن الصلاة والصيام والحج.. أو حتى الإيمان بالتوحيد!!»(8).

ويورد محمد باقر الصدر، أحد أئمتهم المشاهير في العصر الحديث، والذي أُعْدِمَ في العراق، يورد حديثاً منسوباً إلى الإمام السابع موسى بن جعفر يقول: «إن الفقهاء هم حصن الإسلام، وهم مثل سور المدينة يحمونها ويذودون عنها، ويصدون أي هجوم يستهدفها»(9).

ويستمر التضليل بمحاولة الإقناع بأن الفقهاء لا دخل لهم في وظائفهم وخصائصهم بل إن «الفقهاء معينون ضمناً من قِبَلِ الله»(10) وبذلك تكون سلطة الفقيه سلطة إلهية فـ «إن مصدر السلطة في القيادة الإسلامية وفي الدستور الذي يحكم الأمة ليس هو الأمة، وإنما هو الله، أما سلطة نائب المعصوم وولي الأمر في عصر الغيبة فهي الأخرى لا تُستمد من الأمة، إنما سلطته أيضاً إلهية، بحيث إن الراد عليه راد على الإمام المعصوم، والراد عليه كالراد على الله»(11).

وبهذه المراسيم والقوانين والتحذيرات والتهديدات، أصبحت سلطة الفقهاء فوق كل السلطات ولا تخضع لأي سلطة كانت، وكما يقول الخميني: «وإذا كان السلاطين على جانب من التدين فما عليهم إلا أن يصدروا في أعمالهم وأحكامهم عن الفقهاء، وفي هذه الحالة، فالحكام الحقيقيون هم الفقهاء، ويكون السلاطين مجرد عمال لهم»(12).

ولم يخرج محمد حسين فضل الله عن هذا الخط الساخن الرافع أقدار الفقهاء فوق منازل النبيين، فيورد حديثاً منسوباً إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول فيه «مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء الأمناء على حلال الله وحرامه» ثم يقول: «وإذا فهمنا أن دور الأنبياء هو إقامة العدل بين الناس، وأن العلماء ورثة الأنبياء، فذلك يعني أن دور العلماء هو إقامة العدل في الأرض، وإقامـة العدل في الأرض لا تتم إلا من خلال الحكم؛ لأن الحكم هو الأساس في تنظيم حركة العدل في الحياة، وبهذا نستفيد أن العلماء عليهم أن يقودوا المسيرة تماماً كما كان الأنبياء»(13). ويضيف: «إن رأي الفقيه هو الرأي الذي يعطي للأشياء شرعية بصفته نائباً عن الإمام، والإمام هو نائب النبي ) صلى الله عليه وسلم ( ، وكما أن النبي ) صلى الله عليه وسلم ( هو أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فالإمام هو أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، والفقيه العادل هو أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم»(14). «فالواقع أن شرعية كل الأمور تنطلق من إمضاء الفقيه لها؛ وهذا يعني أن رئيس الجمهورية لا يستمد سلطانه من الشريعة الإسلامية، أو الدولة الإسلامية من انتخاب الناس له، وإنما من إمضاء الفقيه لرئاسته، والأمر ذاته يطبق بالنسبة للنواب في مجلس الشورى والخبراء في مجلس الخبراء وغيره من المؤسسات الدستورية في الدولة»(15).

وقد حرصت السياسة الإيرانية على الاستحواذ الكامل في إعداد رجال الدين الشيعة في لبنان، كما حرصت على إيلائهم دوراً متصدراً في الساحة اللبنانية؛ فهؤلاء وحدهم يبدون مضموني الولاء للقيادة الإيرانية ولسياستها، كما يَظهرون وحدهم قادرين على صبغ المجتمع الشيعي اللبناني بصبغة عميقة تحصنه من التأثيرات المخالفة للنفوذ الإيراني والمنافسة له، وتتوسل طهران وقم بالتعليم الديني إلى تأطير الاجتماع الشيعي اللبناني تأطيراً متيناً، فتحل نخب ثقافية جديدة محل النخب المدنية التي تدين بعقائد سياسية أخرى.

وبهذا فقد تحقق نجاح كبير في إنجاز أحد أكبر الأهداف وهو تأطير الأمة الشيعية بسياج الآيات وتجييشها تحت قيادة واحدة، وعليه فلا عجب أن نرى قوافل الشباب الكثيرة يضحون بأنفسهم في سبيل طاعة الفقهاء، وهذه الطاعة والسيطرة المطلقة كانت نتيجة لجهد كبير بذله الفقهاء على مر التاريخ الإمامي، فيقول د. موسى الموسوي معللاً كيفية سيطرة الفقهاء الشيعة على الأمة الإمامية: «لقد استغلّت الزعامات المذهبية والفقهاء عبر التاريخ ـ ومنذ أن بدأت تحكم علينا الطوق ـ سذاجتنا نحن الشيعة الإمامية وحبنا الجارف لأهل بيت رسول الله ) صلى الله عليه وسلم (، فأحدثت في مذهبنا بدعاً وتجاويف وتجاعيد كل واحدة منها تخدم مصالحهم وفي الوقت نفسه تضربنا بل تنسفنا نسفاً، إن كل واحدة من هذه البدع أدخلت في عقيدتنا، نحن الشيعة الإمامية، لإحكام طوق العبودية علينا والتحكم فينا كما يشاء الفقهاء، إذن السذاجة وحدها لم تلعب الدور الكافي، بل استغلال الفقهاء حبَّ الشيعة لأهل بيت رسول الله ) صلى الله عليه وسلم ( مضافاً إليه البدع التي أحدثوها في العقيدة جعلت من الشيعة أداة طيعة للفقهاء، يضحون في سبيل مآربهم في ساحات الوغى مرة وفي ساحات البلاء مرة أخرى، ولم يكن الفقهاء وحدهم هم الذين لعبوا هذا الدور الخطير في انحراف الشيعة عن نهجها الصحيح القويم المتمثل في تبعيته لفقه الإمام الصادق، بل كان للفقهاء أجنحة أخرى استمدّوا قوتهم منها وهم الرواة ورجال الحديث والمفسرون الذين نسبوا إلى أئمتنا الكرام زوراً وبهتاناً روايات وأحاديث كلها تؤيد البدع والتجاويف والتجاعيد التي أدخلوها في العقيدة الشيعية لصالحهم وتفسير الآيات القرآنية حسب أهوائهم بصورة تخدم أهواء الفقهاء، وبهذين الجناحين استطاع الفقهاء أن يحكموا قيود الاستغلال والاستبداد على أعناق الشيعة عبر التاريخ. كان فقهاؤنا على علم كامل بالنفسية الشيعية التي كانت مهيأة للخضوع إلى ما يطلب منها في عهد الظلام فنصبوا أنفسهم أولياء وأوصياء عليهم. ولكي تكون الحجة دامغة في نظرهم نسبوا روايتين إلى الإمام المهدي تقول إحداهما: (أما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى فيها رواة أحاديثنا). وتقول الثانية: (أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه). وهاتان الروايتان حتى وإن صح صدورهما فهذا لا يعني وجوب التقليد بالصورة التي رسمها فقهاؤنا، ولا تعني أبداً أن للفقهاء الحق في أن يأمروا الشيعة بالقيام بكل ما يرونـه من حق وباطل، ولا يعني أبداً أن لهؤلاء حق الولاية، ولا يعني أبداً أن من لم يأخذ برأيهم في مسألة فقهية أو غير فقهية فعمله عاطل باطل. لقد استخرجوا من هاتين الروايتين ـ وحتى إن صح صدورهما عن الإمام المهدي ـ مفاهيم ومضامين تتناقض تناقضاً تاماً مع منطوق الروايتين ولكن عندما تحكم السذاجة العقل الإنساني ويواجه هذا العقل الساذج دهاء المخططين فحينئذ يسهل الوصول إلى ما يصبو إليه المخططون الدهاة، وأعتقد جازماً أن فقهاءنا لم يقصدوا من استعبادنا ـ نحن الشيعة الإمامية ـ السيطرة الروحية والفكرية علينا فحسب، بل كانوا يخططون لأمرين كل واحد منهما أخطر من الآخر، كانوا يخططون للسيطرة على أموال الشيعة ومن ثَمَّ الاستيلاء على مقاليد الحكم. فأدخل الفقهاء تلك البدعة الكبرى في العقيدة الشيعية وفسروا الآية الكريمة التي تقول: {واعًلّمٍوا أّنَّمّا غّنٌمًتٍم مٌَن شّيًءُ فّأّنَّ لٌلَّهٌ خٍمٍسّهٍ ولٌلرَّسٍولٌ ...} [الأنفال: 41]، بأن هذه الآية نزلت في أرباح المكاسب؛ في حين أن المفسرين وأرباب الأحاديث والفقهاء أجمعوا على أنها نزلت في غنائم الحرب ولا علاقة لها بأرباح المكاسب، ثم أفتوا بوجوب تسليم هذا الخمس إلى يد الفقهاء، وأضافوا أن الشيعة إذا لم تسلم خمس أرباحها إلى يد المجتهد أو الفقيه فإن صلاتهم باطلة وصومهم باطل وحجهم باطل وهكذا دواليك، وخضعت الشيعة المسكينة إلى هذه الفتوى التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وهاهم عبر التاريخ يقدمون إلى الفقهاء خمس أرباح مكاسبهم، ولم يحدث قَطُّ أنَّ نفراً منهم قد سأل هؤلاء الشركاء الذين لا يشاركون الشيعة في رأس المال ولا في التعب والكد والجهد بل يشاركونهم في الأرباح فقط، من الذي جعلكم شركاء في أرباحنا؟ وما الأدلة التي تستندون عليها؟ ولماذا نكدح ونكافح نحن وأنتم قاعدون تجنون ثمار تعبنا؟ لقد خضعت الشيعة لهذه الضريبة الجائرة بلا سؤال ولا ضجر فاحتلبهم الفقهاء كما تُحتَلَبُ الناقة الطيعة. ولم يقنع الفقهاء بمشاركتهم في أرباح الشيعة، بل زعموا أنهم ولاة عليهم يجب إطاعتهم، ومن خرج عليهم فقد خرج على الله، ومن رد عليهم فهو كالراد على الله يجب قتله وقمعه من الوجود. فخضع كثير من الشيعة لهذه الفاجعة الفكرية وقبلوا وآمنوا بها، وضحوا بأنفسهم وأولادهم في سبيل هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم السلطة الإلهية وبدون أن يساندهم دليل أو يقف معهم برهان، بل إن الذي يدعونه لا يتناقض مع عقيدة التوحيد والشريعة الإلهية فحسب، بل يتناقض مع مبادئ العقل والبدهيات الأولية، حقاً إنه من الأمور المحزنة أن تواجه الشيعة محنة فكرية كهذه، وكثير منهم يؤمنون بها، ويتفانون في سبيلها»(16).

-------------------------------
(1)انظر: أصول مذهب الشيعة، للقفاري، ج 2/894، وانظر: تطور الفكر السياسي الشيعي 419 ـ 437.
(2)الحكومة الإسلامية، الخميني، ص 80.
(3)المصدر السابق، ص 51.
(4)المصدر السابق، ص 49.
(5)انظر إيران: تحديات العقيدة والثورة، د. مهدي شحادة، د. جواد بشارة، مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي، ط/ 1، 1999م، ص 19.
(6)الحكومة الإسلامية، ص 95.
(7)انظر: د. موسى الموسوي، الثورة البائسة، ص 147.
(8)انظر: مهدي نور بخش، الدين والسياسة والاتجاهات الأيديولوجية في إيران المعاصرة، ضمن: إيران والخليج، البحث عن الاستقرار، ص 48.
(9)محمد باقر الصدر، الإسلام يقود الحياة، ص 165.
(10)الحكومة الإسلامية، ص 54.
(11)إيران: تحديات العقيدة والثورة، د. مهدي شحادة، د. جواد بشارة، ص 21 ـ 22.
(12) الحكومة الإسلامية، ص 54.
(13)محمد حسين فضل الله، ولاية الفقيه، ص 46.
(14)المصدر السابق، ص 55.
(15)المصدر السابق، ص 24.
(16)يا شيعة العالم استيقظوا، ص 16 ـ

تابع انشاء الله
__________________
khatm
  #4  
قديم 06-05-2002, 04:13 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي

لا عزاء للملة.. ولا للملالي
==============

لم يستثمر الفقهاء تلك السلطة التي صنعوها لأنفسهم، والأموال التي يجنونها من عامة الشيعة في تغيير الحال العلمية والاجتماعية الرثة إلى حد بالغ في جنوب لبنان، وقد استمرت هذه الحالة إلى ما يقرب من قرن كامل من الانحطاط والبؤس، إذ اعتُبِرَ شيعة لبنان منذ زمن طويل أكثر الطوائف اللبنانية حرماناً،فوفق أغلب ـ إن لم يكن كافة ـ المقاييس التي تحدد الحالة الاجتماعية والاقتصادية يأتي الشيعة في أدنى درجات السلم بالمقارنة مع الطوائف الأخرى.

«فاستناداً إلى إحصاءات 1972م نجد أن معدل دخل «العائلة» الشيعية كان ـ 5432 ليرة لبنانية (كان الدولار في العام 1976م يعادل ثلاث ليرات لبنانية) بينما يبلغ دخل «الفرد» ـ من غير الشيعة ـ 6247 ليرة لبنانية، وإنهم يملكون أكبر نسبة مئوية من العائلات التي يبلغ مدخولها أقل من 1500 ليرة لبنانية. وهم الطائفة التي تضم أقل عدد من العاملين في الحقول التالية: المهني والتقني، النشاط التجاري أو الصناعي وإدارة أعمال، الوظيفة المكتبية والأعمال الحرفية، وأكبر عدد من العمال والمزارعين والباعة المتجولين. ولقد وجد (مايكل هدسون) في دراسته التي أجراها عام 1968م أن نسبة التلاميذ إلى السكان في المنطقتين اللتين تعيش فيهما أغلبية شيعية (البقاع والجنوب) والبالغة حوالي 13% تقل بـ 5 % عن المحافظات الثلاث الأخرى. ووجد (رياض طيارة) في تحليله للفروق التعليمية أنه في 1971م كان 6,6% فقط من الشيعة قد نالوا تعليماً ثانوياً وما فوق؛ مقابل 15% و 17% على الأقل للسُّنَة والمسيحيين على التوالي.

ووجد (حسن شريف) أنه بناء على إحصاءات الدولة الرسمية لعام 1972م فإن الجنوب الذي يبلغ عدد سكانه 20% تقريباً من عدد السكان العام لا يحظى بـ 0.7% من ميزانية الدولة. ويظهر وصف (شريف) للتخلف في الجنوب الظروف التي كان على العديد من الشيعة أن يعيشوا في ظلها: «يحظى الجنوب بأقل نسبة من الطرقات المعبدة سواء بالنسبة للفرد أم بالنسبة للكيلو متر المربع. والمياه الجاريـة لا تزال مفقودة في كل القرى والبلدات رغم أنه تم في أوائل الستينيات تمديد الأنابيب إلى العديد من المناطق، وكذلك مدت شبكة الكهرباء في الوقت نفسه تقريباً، إلا أنها ظلت لا تعمل في معظم الوقت. ولا توجد تجهيزات لتصريف المياه إلا في المدن والبلدات الكبيرة، ويغيب الهاتف كلياً خارج المراكز الكبيرة اللهم إلا من كابينة يدوية واحدة هي في العادة معطلة. ويزور الأطباء القرى مرة في الأسبوع وأحياناً مرة في الشهر كله. ولا توجد المستوصفات إلا في القرى الكبيرة، إلا أنها لا تعمل بانتظام، بينما لا توجد المستشفيات والصيدليات إلا في المراكز الكبيرة. أما التعليم الابتدائي فيجري عادة في بيت قديم غير صحي تقدمه القرية نفسها. أما المدارس التكميلية فقد أدخلت إلى البلدات الكبيرة في منتصف الستينيات».

وبناء على بحث «نورثون» الميداني في لبنان عامي 1980م ـ 1982م فإن وصف (حسن شريف) لا يزال محتفظاً بصحته بشكل عام؛ فالظروف التي يصفها لا تزال في غالبيتها على الأقل سيئة بالمقدار نفسه، بل لعلها قد ازدادت سوءاً في مجالات عدة عبر سنوات الحرب الأهلية والتفتت الاجتماعي(1).

ولقد وصف أحد الرحالة (دافيد أوركهارت) في منتصف القرن التاسع عشر الشيعة بأنهم شعب خامل خانع يتمتعون بالقذارة والفساد، وحتى بعد ذلك بقرن من الزمان، كان هذا الوصف لا يزال صحيحاً في نظر العديد من المؤلفين: «يلبسون جميعاً أسمالاً بالية، باستثناء بعض المشايخ، وجميعهم متسولون. يتحلقون حول النار التي يطهى عليها الطعام في الهواء الطلق، وإذا طلب من واحدهم أن يحضر بعض البيض هز كتفيه. وإن قيل له أنه سيجزى مالاً لقاء تعبه (في إحضار البيض) يجيب «لا يوجد». إن قذارتهم تثير الاشمئزاز حتى تكاد تظنهم يتفاخرون بخروجهم عن القانون والشريعة، فهم لا يحافظون لا على نظافة أنفسهم ولا على نظافة قراهم»(2). ويصف محمد جابر آل صفا حال بني قومه من الشيعة في جبل عامل في الفترة التي عاصرهم فيها فيقول:«انتشر الفقر والخراب وكذا الغش والتزلف والنفاق والوشايات، فساءت الأخلاق، وفسدت النفوس، وتنافرت القلوب. ولم تزل آثار هذه الأخلاق تفتك فتكاً ذريعاً في أدبيات البلاد ومعنوياتها. وانقرض أبناء ذاك الجيل، جيل العز والمنعة والإباء، وخلفهم جيل اتخذ التزلف والخداع والأثرة ديدناً له، فكان أسوأ خلف لخير سلف. نعم الجدود ولكن بئس ما ولدوا... وإن القلب ليحزن والعين لتدمع على المصير المحزن، والعاقبة الوبيلة التي وصلت إليها الطائفة، وكيف تبدلت الحال غير الحال والأرض غير الأرض»(3). «وفتحت أبواب السلب والرشوة على مصراعيها. وقلَّما كنت ترى أو تسمع بموظف نزيه عفيف إلا ما شذ وندر. وكان كبار الموظفين يضغطون على صغارهم فيدفعونهم دفعاً لنهب الأهلين وسلب أموالهم. وكانوا في الغالب لا يسمعون لمظلوم شكوى في حق أحد الموظفين»(4). «وانتشرت الأخلاق الفاسدة، والميول الشريرة، وامتدت أيدي اللصوص وقطاع الطرق إلى مال الشعب البائس، فاختل الأمن وسادت الفوضى ووقعت البلاد في فقر مدقع وضنك شديد»(5).

«هذا وصف موجز للحالة الإدارية في جبل عامل في ذلك العهد: تجارة كاسدة، وأمن مختل، وزراعة بائرة، وفقر مدفع، وعيش أنكد»(6). «ولا يسع المنصف إلا أن يرسل دمعة سخية على المصير المحزن الذي وصلت إليه هذه البلاد، منبت الأبطال، ومهبط العبقرية، وكيف هوت للحضيض، وتدهورت في مهاوي الانحطاط»(7).

وبالرغم مـن الإحكام الشديد لطوق السيطرة الدينية الشيعية على الناس، إلا أن الوضع الديني والاجتماعي والتعليمي بلغ في لبنان وضعاً مزرياً؛ فهذا أحد أشهر العلماء الشيعة في ذلك الوقت، وأكثرهم حسرة على واقعهم يقول: «فهذه القرى العاملية لا يذكر فيها اسم الله ـ تعالى ـ في ليل ولا نهار، ولا فرق عند أهلها بين رمضان وشوال. أما مكانة عالم الدين فانحطت إلى أسفل الدركات: فهذا يموت جوعاً ولا يشعـر به إنسان، وذاك تتجهم السفهاء على كرامته، فلا يجد ناصراً ولا معيناً، وآخر يتحزب للبيك والنائب ليأكل الرغيف»(8).




تابع انشاء الله
__________________
khatm
  #5  
قديم 06-05-2002, 04:15 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي

وشيعة لبنان لم يرثوا سلكاً من العلماء واسعاً ومتماسكاً، وثمة مناطق في لبنان الجنوبي ومن لبنان الشرقي ترك أبناء الشيعة فيها طلب علم الدين منذ عقود، وأدى هذا الانصراف عن الدراسة على كبار مشايخ الشيعة في النجف إلى ضعف ترتيب رجال الدين رتباً ودرجات، فلم يبرز بين العلماء اللبنانيين من يقر لهم أقرانهم بالصدارة والتقدم على من سواهم؛ فهم مشتتون لم تجتمع كلمتهم على ما فيه صلاحهم، وتفكك جسم العلماء المحلي والوطني ولم تبق له صفة الجسم الواحد وقد دفعت هذه الحالة الحاج سليمان البزي ـ أحد وجهاء الجنوب ـ إلى الشيخ محمد حسين الكاظمي ـ أشهر علماء العرب في العراق وقتها ـ بطلب أحد اثنين: السيد إسماعيل الصدر، أو السيد مهدي الحكيم، وقَبِلَ الحكيم المجيء على أن يُرسَلَ له مئتا ليرة عثمانية ذهباً؛ وطَلبُ هذا المبلغ الكبير أمارة على علم الطالب بعزيز مكانته، وقبولُ وفائه علامة على الاحتياج إلى العالم. كما عزف أبناء علماء كبار أمثال: محسن الأمين، وعبد الحسين شرف الدين وغيرهم عن طلب العلم الإمامي، بل وقد خلع بعضهم العمامة ولم يكمل العلم الشرعي وانصرف لغيره. ولا يخفي جواد مغنية مرارته حين يقول: «إن ثلة من خيرة الشباب العاملي قضوا في طلب العلم والدين سنوات طوالاً، وبعد أن اجتمعت لهم الشروط تحولوا عنه مغتبطين حين وجدوا الفرصة للتحرر والانطلاق، هذه الظاهرة آيات بينات على عدم الثقة بمصير العلم ورجال الدين»(9).

وقد وصف أحد أتباع الصدر في الستينيات حال رجال الدين الشيعة فقال: «إن رجل الدين بيننا قد لبس عباءته ووضع رأسه على يده، ومضى إلى النوم، وهو لا يستيقظ إلا ليقول للآخرين أن يناموا. إن حياتـه عـاطلة، فلا يخدعنكم أنه يتحرك، ذلك أنه يتحرك للرجوع، ورجل الدين هذا يسيء بصورتين: عندما يرجع إلى الوراء، وعندما يجر الآخرين وراءه، لقد امتلأ عقله بأكثر الخيالات التي لا تقبل التصديق»(10).

وقد خاطب أحدهم يوماً عبد الحسين شرف الدين، كبير العلماء الشيعة في جبل عامل قائلاً: «هل كان هناك من يرد لك كلمة أو يعصي لك أمراً، كان الجميع مذعناً خاضعاً بين يديك يتخذ قولك الحد الفاصل بين الحق والباطل، ولو شئت أن ترمي بهم في البحر لما عصوا لك أمراً؛ فهل كانوا مقصرين في السمع والطاعة والإذعان بين يديك، وهل لك أن تعتذر بأن القوم لم يسمعوا ولم يطيعوا؟! كان ذلك إشارة إلى التقصير الشديد للقيادة الدينية في التحرك بمهام الطائفة مع الرغم من توفر ما يعين على ذلك.

لقد كانت الزعامة الدينية في تلك المرحلة عاجزة عن مقارعة الزعامة السياسية والسلطة، وذلك بسبب عجزها عن قيادة الجماهير والتأثير السياسي؛ إضافة إلى قناعتها بأن مجال عملها في الحقل الديني والتوجيه الاجتماعي»(11). «وكان طالب العلم في النجف يقيم مدة تؤهله لإصلاح إحدى القارات الخمس، فإذا عاد إلى بلده لم يحصل له من المال ما يتناوله حارس أو موظف بريد، فانحطت مكانة عالم الدين الاجتماعية والأدبية انحطاطاً ذريعاً، حتى لقد أخذ بعضهم على أهل جبل عامل ضنهم على العالم بالرغيف!!»(12).

وقد تسببت هذه الحالة في حسرة ومرارة شديدة لدى الشيعة، حيث مثلت هذه الحالة حائطاً كبيراً أمام تحقيق الأحلام المنشودة، ولهذا يقول وضاح شرارة: «ولا شك أن انصراف طلبة العلم الديني الإمامي إلى غيره وإحجام أبناء من استووا أعلاماً على التشيع، ليس في جبل عامل أو لبنان وحده، بل العالم العربي والإسلامي «الشيعي» كله عن اقتفاء سنة آبائهم، ظهر ذلك بمظهر تنكُّب تاريخ برمته، ولما كانت الجماعة العاملية التي جرى مثقفوها من علماء وأفندية وأساتذة على تسميتها بـ «الأمة» أناطت بتشيعها وببلائها وبلاء علمائها في حفظ التشيع ورعايته واستمرارها واستقلالها، وقع انقطاع المنقطعين عن طلب العلم النجفي عليها وعلى مثقفيها وقوعاً قاسياً وأليماً»(13).

وقد كان من أسباب اضمحلال التعليم الإمامي في لبنان والعزوف عنه أنه كان يؤخذ على جامعة النجف ـ إضافة إلى البعد المكاني ـ انزواؤها وانكفاؤها، وبعدها عن العالم المحيط بها ومشكلاته وقضاياه، وإذ تركها من تركها منهم أقبل على السياسة وعلى الحياة السياسية إقبال النهم وباشرها كتابة ودعاوة وتظاهراً وتنظيماً، أما من لم يتركها فقدم الدعوة إلى الإصلاح. واعتبر بعضهم أن أصل البلاء: هو عجز العلماء عن مماشاة العصر، وقال: «تطورت الحياة وجمدنا، وتكلم العصر وخرسنا، إن على العالم أن يتصل بجميع طبقات الشعب اتصالاً وثيقاً ويحيط بأحوالها مباشرة، ويسير بحسب التطور مع المحافظة على الدين الحقيقي»(14).

وبهذا فقد تمثلت المأساة الإمامية في لبنان في أمور عدة نوجزها بالآتي:

1 ـ غياب القيادة الدينية التي تمثل مرجعية واعية لتحقيق أحلام الطائفة.

2 ـ انكفاء العلم الإمامي على نفسه وعدم مواكبته لمتطلبات العصر.

3 ـ انحطاط مكانة العلم والعلماء بين عامة الناس وخواصهم.

4 ـ بُعد المدارس الدينية الشيعية الكبرى والذي يتطلب شد الرحال إليها والتحصيل منها مبالغ مالية كبيرة، وهو ما لم يكن في مستطاع الكثير من الناس وقتها.

5 ـ انصراف أبناء العائلات الدينية الكبيرة والمشتهرة بـ «بيوت علم ودين» عن طلب العلم الإمامي لأسباب مضت.

وهكذا اكتملت صورة المأساة للواقع الشيعي في لبنان، ولكن مع نهاية منتصف القرن العشرين الميلادي كانت هناك بدايات جديدة لحياة جديدة.

------------------------------
(1) أمل والشيعة، 47 ـ 48، وراجع الجنوب اللبناني في الجغرافيا والتاريخ، هاني فرحات، مجـلة الباحث، العـددان، 20، 21، ص 109 ـ 127، وهو عدد مزدوج خاص بعنوان: الجنوب اللبناني.. قضية وتاريخ.
(2)أمل والشيعة/ 43.
(3)تاريخ جبل عامل/ 106.
(4 ، 5) المصدر السابق، ص 168، 301.
(6)المصدر السابق، ص 168.
(7)المصدر السابق، ص 107، وراجع: هاني فرحات، الجنوب اللبناني في الجغرافيا والتاريخ، مصدر سابق.
(8) محمد جواد مغنية، الوضع الحاضر في جبل عامل، ص 58، نقلاً عن دولة حزب الله، ص 26.
(9)جواد مغنية، المصدر السابق، ص 24 ـ 29.
(10)الإسلام الشيعي، ص 189.
(11) راجع: غسان الشيخ علي، السلطة السياسية في جبل عامل بعد سنة 1920م، مجلة الباحث، العـددان، 20، 21/ يناير ـ فبراير 1982م، ص 102 ـ 103.
(12)الوضع الحاضر في جبل عامل، ص 47 ـ 48، 232.
(13)دولة حزب الله، ص 30 ـ 31.
(14)الوضع الحاضر في جبل عامل، مغنية، ص 43.

التثويـر قبل الثـورة
==========

دفعت هذه المرارة بعض علماء الشيعة إلى النظر بجدية للواقع اللبناني، كما كان النظر منصرفاً لحال بقية الأمة الشيعية؛ فخلال الفترة السابقة للثورة كانت الأفكار الثورية حول الحكم تتطور وتُفَصَّل في أوساط القوى المعارضة للشاه في عملية ملحوظة من التفاعل الشيعي الشامل. لقد مثلت المدارس الدينية في قم بإيران وفي النجف بالعراق _وخاصة الأخيرة_ دوراً جاذباً ونقطة التقاء للعلماء والفقهاء من إيران ولبنان والعراق؛ حيث أُرسِيَت الأسس من أجل رؤية عالمية مماثلة ـ وإن لم تكن متطابقة تماماً ـ وشبكة من الصداقات الشخصية والولاءات السياسية الدينية التي كان لها أثر هام على المنطقة ككل. كان من بين رجال الدين الشيعة اللبنانيين الذين برزوا من هذه الشبكة الإمام موسى الصدر، ومحمد مهدي شمس الدين، ومحمد حسين فضل الله. وقد سبق أولئك النفر جميعاً في الاهتمام بحال الشيعة المتردية والسعي إلى إصلاحها محمد جواد مغنية(1) الذي كانت علاقاته تشوبها التوتر مع موسى الصدر.

«أما قائمة العلماء الناشطين الآخرين فكانت تضم محمد باقر الصدر الذي تابع تشكيل (حزب الدعوة) في العراق والذي كان الحزب البشير لحركات شيعية أخرى في المنطقة، ومن خلال توليه منصباً تدريسياً في النجف بين عامي 1965، 1978م كان آية الله الخميني وزملاؤه المتمركزون في إيران في قلب هذا المرجل الفكري والسياسي. إن العلاقة بين الإمام الصدر ورجال الدين الشيعة اللبنانيين الآخرين والخميني قد ساعدت في تأسيس الروابط التي سوف تسهِّل فيما بعد دخول إيران الثورية إلى الساحة اللبنانية، وعلى الرغم من الطبيعة الشيعية الخاصة بمدرسة النجف فإن هذه التجمعات ربما تكون بذلك قد ساعدت على التخفيف من حدة الطائفية الضيقة للعقيدة الثورية الجديدة»(2).

وهكذا فقد مثلت المدارس الشيعية الكبرى بؤراً أساسية لتجميع الملالي وتوحيد الأفكار الثورية، والتي كان على رأسها دولة شيعية كبرى تضم إيران والعراق ولبنان في بداية الأمر(*)

وعندما نظر علماء هذه المدارس إلى الحالة اللبنانية التي هي أحد أضلاع مثلث الحلم، كان لا بد من تذليل العقبات الكبرى التي تواجه تحقيق هذا الحلم، وكان التركيز العلاجي متوجه لحل الإشكاليات الخمس السابقة الذكر، وكان ذلك بسلوك خطين متوازيين في وقت واحد، يلتقيان في مرحلة ما فيشكلان نقطة انطلاقة واحدة، وكان الخطان هما: التثوير السياسي، والتثوير العلمي الديني، ثم ينتهيان إلى الثورة المسلحة.

---------------------------
(1)راجع ترجمة له في: الإسلام الشيعي، ص 190 ـ 192.
(


--------------------------------------------------------------------------------

) سوريا وإيران: تنافس وتعاون، أحمد خالدي، حسين .ج. آغا، ترجمة: عدنان حسن، دار الكنوز الأدبية، ط 1/1997م، ص 19 ـ 20.
(* ) بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وبعد الإحساس بتوطيد القدم الشيعي بشكل أكبر في لبنان وفي إحراز مكاسب كبيرة للطائفة، كتب أحد أبناء هذه الطائفة يقول: لقد وضعتنا المقاومة الإسلامية وأجبرتنا على التعامل مع «الميدان أولاً» كأساس في الصراع مع الاستبداد والهيمنة والديكتاتورية، الأمر الذي يدفعنا إلى مزيد من العمل على تأكيد مبدأ «الميدان أولاً» لإزالة القمع الممارس ضد أهلنا وشعبنا في العراق. انظر: ماجد الأسدي، حزب الله مشروع لتحرير الأرض والإنسان، جريدة العهد، العدد: 582، 2/6/2000م.
__________________
khatm
  #6  
قديم 06-05-2002, 04:17 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي

التثوير السياسي

عندما توفي المرجعية العلمية لشيعة لبنان عبد الحسين شرف الدين (1958م) طلب آل شرف الدين أحد أقربائهم المجيء إلى صور لخلافة عبد الحسين في هذه المرجعية؛ حيث إنه قد نص على هذا الشخص لخلافته، «وكان جد هذا القادم هو عبد الحسين العاملي من بين مجموعة من علماء جبل عامل الذين التحقوا ببلاط الدولة الصفوية ليساعدوها في ترسيخ المذهب الشيعي في إيران، ولد هذا المرجع في قم بإيران عام 1928م، ووافق آية الله محسن الحكيم على إرساله إلى لبنان»(1)، كما كان والده أحد الآيات الكبار في إيران، وتخرج هذا «المرجعية العلمية» من جامعة طهران، كلية الحقوق والاقتصاد والسياسة، وبالرغم من ذلك فقد حصل على لقب «الإمام».

كان هذا الرجل هو موسى الصدر(2)، وكانت تربطه صلة مصاهرة مع الخميني، فابن الخميني أحمد متزوج من بنت أخت الصدر، وابن أخت الصدر مرتضى الطبطبائي متزوج من حفيدة الخميني. كما يُذكر أن الصدر تتلمذ على يد الخميني في قم، وعندما قدم الصدر إلى لبنان وكان ذلك في عام 1958م، أي كان لديه ثلاثون عاماً فقط، عندما قدم حصل على الجنسية اللبنانية مباشرة بناء على قرار جمهوري أصدره الرئيس شهاب (1958م ـ 1964م)(3) وكان هذا القرار فريداً من نوعه؛ لأن إعطاء الجنسية اللبنانية لغير النصارى أمر في غاية المشقة، فكان ذلك القرار بمثابة التمكين لأقدام الصدر في لبنان. «وكانت شخصية الصدر وبداياته ودوره وتحالفاته مثار كثير من التساؤلات؛ إذ أحاطها الغموض الشديد وعلامات الاستفهام الكثيرة؛ فهذا كامل الأسعد ـ وهو شيعي ـ في حديث نشرته مجلة الحوادث اللبنانية في 3/1/1975م يقول: إن هناك أكثر من علامة استفهام تدور حول الخطة التي ينفذها موسى الصدر والأشخاص الذين يؤيدونه هنا وفي الخارج، وأبعاد هذه الخطة في لبنان وفي الخارج»(4).

«وكان يُذكر للشاه محمد رضا بهلوي أنه كان يقمع الحركات الأصولية داخل إيران، ويدعم توسعها خارجها، وقد دعم الشاة حركة الدعوة (محمد باقر الصدر) في العراق، وموسى الصدر في لبنان»(5). «وقد ذكر شهبور بختيار الذي قلده الشاه السلطة في إيران حينما تركها أن الشاه محمد رضا بهلوي كانت له أحلام توسعية كبيرة، فأرسل موسى الصدر إلى لبنان من أجل تعزيز مشروع إنشاء دولة شيعية تضم إيران والعراق ولبنان، ووعده الشاه بخمسمائة ألف دولار مقابلاً لذلك»(6). واللافت للنظر والذي يؤكد التواطؤ الواضح لتنفيذ مشروع الدولة الشيعية الكبرى، هو ذلك التوافق الزمني للبدايات في الدول الثلاث؛ فالخميني في إيران، ومحمد باقر الصدر في العراق، وموسى الصدر في لبنان، فهكذا كانت الأمور مرتبة ومعدة.

والآن نقف على الإنجازات التي حققها موسى الصدر للشيعة في لبنان، فقد حقق الصدر لشيعة لبنان عدة إنجازات تحولوا بها من هامش الحياة السياسية اللبنانية إلى متنها، بل وإلى عناوين موضوعاتها، وكان من أهم تلك الإنجازات:



انشاء الله سيكون الجزء الثالث يوم غد .

khatm
__________________
khatm
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م