لماذا يحرمون زيارته صلى الله عليه وسلم

[المستبصر]

تحريم الحشوية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويروا القصد لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) الشريف غير جائزة، ونظرتهم هذه مبنية على زعم شيخهم ابن تيمية بأن زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) والأنبياء عامة حرام[1]، ويراها شركاً زيَّنه الشيطان للناس[2]، وأن اللات وهي صنم كان سبب تعظيمها عبادة رجل صالح[3]، وهذا أحد أسباب استحلالهم دماء المسلمين.
وكيف لا تجوز زيارة قبره الشريف (صلى الله عليه وسلم) مع أن زيارة القبور مأمور بها في قوله (صلى الله عليه وسلم) (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا…) رواه مسلم والنسائي والترمذي وأبو داود وأحمد. وروى النسائي بإسناد قوي: (… وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزُورَ فَلْيَزُرْ وَلا تَقُولُوا هُجْرًا) وروى مالك قريباً من لفظه. وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلاثٍ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلْتَزِدْكُمْ زِيَارَتُهَا خَيْرًا…)[4]، وقد كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يزور قبر أمه مع أنه لم يؤمر بالاستغفار لها كما ثبت في الحديث: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي)[5]. فإذا كان أمر الزيارة والترغيب فيه عاماً لجميع القبور، فكيف يستثنى خير قبر في الوجود؛ ألا وهو قبره (صلى الله عليه وسلم)؟!
وهذا بلال بن رباح (رضي الله عنه) يرى الرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم) في منامه وهو بالشام يقول له (ماهذه الجفوة يا بلال، أما آن لك أن تزورنا؟) فانتبه حزيناً فركب إلى المدينة في خلافة عمر (ر)، لا يقصد إلا زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، فما إن يصل حتى يقصده ويجعل يبكي عنده ويتمرَّغ عليه.[6]
وقد أورد أحمد بن حنبل في مسند الأنصار بسند صحيح ما يدل على ترغيب الرسول الكريم لمعاذ بن جبل في زيارة قبره (صلى الله عليه وسلم) ساعة وداعه له عند خروجه إلى اليمن حيث قال له (يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا أَوْ قَبْرِي فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا). و(لعلَّ) في أغلب أحوالها للرجاء، وإذا دخلت (أن) على خبرها تمخَّضت للعرض والرجاء، فالجملة تنطوي بصريح البيان على توصية معاذ بأن يعرج عند رجوعه إلى المدينة على مسجده (صلى الله عليه وسلم) وقبره للزيارة ليسلم عليه[7].
أما الاحتجاج بحديث (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ (صلى الله عليه وسلم) وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى) فليس فيه حجّة على منع شدِّ الرحال إلى قبره (صلى الله عليه وسلم) البتّة، فهو خاصٌ بالمساجد، وإلا لامتنع قياساً على هذا القول شدُّ الرحال لزيارة الأرحام وطلب العلم والجهاد وطلب الرزق وهذا ما لم يقل به عاقل، وهذا الاحتجاج دليل على قصور التأمل والقياس عند الحشوية.
وللعلماء آثار عظيمة في فضل زيارة المصطفى منها (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) للإمام السبكي، و (خلاصة الوفاء) للسمهودي، و(المواهب اللدنية) للقسطلاني، و(تحفة الزوار والجوهر المنتظم) لابن حجر، وقد جاء عند الترمذي بعد ذكره لأحاديث الزيارة "وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لا يَرَوْنَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ بَأْسًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ.)اهـ. ولكن لا أظن خوارج العصر يقنعون بهؤلاء لأن ابن تيمية وابن القيم لم يحشرا بين هؤلاء العلماء!
هذا ومن عجائب ضلال الوهابية وتناقضهم ما يلي: أن الأب الروحي الأول لهؤلاء هو ابن تيمية، الذي اشتهر التبرك به فقد جاء في العقود الدريَّة للحافظ ابن عبدالهادي ص 369-371 أنه قد (حضر جمعٌ إلى القلعة (عند وفاة ابن تيمية) فأذن لهم بالدخول، وجلس جماعة قبل الغسل، وقرأوا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله ثمَّ انصرفوا. وحضر جماعة من النساء ففعلن ذلك ثمَّ انصرفن، وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم للتبرك، وشرب جماعة الماء الذي فضل عن غسله واقتسم جماعة السدر الذي غسل به. وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهم، وقيل إن الخيط الذي فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل، دفع فيه مائة وخمسون درهما. ويضيف: وتردد الناس إلى قبره أياما كثيرة ليلاً ونهاراً) فهل يستثنى ابن تيمية في نظر أتباعه الجدد أم أنهم يتهمون أتباعه القدامى بالشرك؟!
--------------------------- [1] ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، 1/142، مجموع الفتاوى 4/520 [2] يراجع ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم) ص 457 [3] نفس المصدر ص 333 [4] رواه مسلم والنسائي وأبو داود وأحمد والترمذي. [5] رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد. [6] ابن الأثير، أسد الغابة، ج1 ص 208، وقد ذكر هذه الزيارة أيضاً ابن عساكر بإسناد جيد. [7] للرد المفصل على دعوى ابن تيمية وحزبه التنفير من السفر للسلام عليه (صلى الله عليه وسلم) راجع د. محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السير النبوية، ص 560 وما يليها، ط 10
--------------------------------
ولا تنسى أمنية الصحابة وعمر رضي الله عنه في الدفن قربه (صلى الله عليه وسلم)
-----------------------------------
ولا تسى قول الحافظ ابن حجر في الفتح تعليقا على كلام ابن تيمية انه من اشنع ما نقل عنه

والله اعلم

[طالب]

أخي الكريم
أشكرك على هذه المقالة .
و عندي سؤال : هل فسر العلماء لماذا منع الرسول الاستغفار لأمه كما نقلت ؟

[المستبصر]

لا تاخذ على ظاهرها والعياذ بالله هناك تعليلات كثيرة اورد ما ذكره السيوطي


لا يلزم من عدم الاذن في الاستغفار كفرهما بدليل انه كان في صدر الاسلام ممنوعا من الصلاة على من عليه دين وهو مسلم فلعله كانت عليها تبعات غير الكفر فمنع من الاستغفار لها بسببها

وهناك تعليلات كثيرة وهذا للاختصار