مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 15-06-2002, 01:47 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي متى نستفيق؟ بقلم عبد السلام العجيلي

http://www.assafir.com/iso/today/weekly_culture/95.html
نخبنا سطحية لا تبحث عن أسباب تردينا.. استفاقتنا متى تكون؟
عبد السلام العجيلي
في هذه الأيام، بل في هذه الأسابيع والأشهر، وأكاد أقول الأعوام، أجدني في حيرة مع نفسي وأحيانا في نقمة عليها. العالم كله حولي في صخب وفي غضب، يهتف ويخطب ويصرخ ويصفق، وأنا أراني أغرق في الصمت وأنكمش وأتباعد عن الجموع الغاضبة والصاخبة، كأني لا أحس بما تحس به وبما يدفعها الى الهتاف والخطابة، والى الصراخ والتصفيق.
الغضب والصخب في العالم حولي، أقصد العالم العربي وبلادنا منه، لهما مبرراتهما. وأي مبررات أكبر مما نسمع به ونقرأه ونراه بأعيننا في كل دقيقة من دقائق يومنا عما يحدث في بلدنا فلسطين وعما يقاسيه فيها أبناؤنا واخواننا الفلسطينيون؟ ما من كلام يفي بوصف ما يقع في تلك الأرض العزيزة من مآس ونكبات، ومن مجازر ومذابح، ومن إذلال وانتهاك لكرامة الإنسان الفرد ولكرامة المجموع والأمة. لا غرابة إذن في ان ترتفع أصوات الصخب معبرة عن الغضب من حناجر الناس في كل البلدان العربية احتجاجا على ما تنقله مصادر الإعلام المسموعة والمرئية إلينا، والى العالم بأجمعه، من فظائع إسرائيل التي تنزلها بفلسطين سكانا وبلدانا. ومع ذلك فإن الأصوات الصاخبة الغاضبة المرتفعة من كل الحناجر في كل مكان لا تثير في نفسي إلا أسى أحسب ان قليلا من الناس حولي يشاركني فيه أو يفطن الى دواعيه. أو ان هذا الأسى هو أهم ما يثور في نفسي مما أراه وأسمعه. انه، هذا الأسى، هو الذي يدعوني الى الانكماش والى الغرق في الصمت، مخالفا بذلك سلوك الجماهير المتحمسة والثائرة والضاجة بألمها وبتنديداتها واحتجاجاتها.
هذا الأسى مبعثه ما أسمعه يتردد في صيحات الغضب والثورة حولي وفي كل بلدان العرب من شتائم متكررة وتنديدات متشابهة ولعنات موجهة الى إسرائيل والى أميركا والى حكامها، وما أراه من لافتات مرفوعة طافحة بتلك الشتائم والتنديدات واللعنات، ومن أكوام الأعلام الأميركية والإسرائيلية التي أجدها تمزق وتحرق في الساحات العامة وفي مقدمة المظاهرات. هل أنا ضد ما أسمعه وما أراه، وضد ما أطلع عليه وأقرأه، من تعابير النقمة والغليان وتصرفات الجماهير الغاضبة من بربرية أعدائنا وإجرامهم ووحشية أساليبهم في معاملة أبناء أمتنا؟ قطعا أنا لست ضد هذه وتلك من تصرفات وتعابير. ولكني ضد ان تكون ردود أفعالنا على ما ينزله أعداؤنا بنا مقتصرة على هذه التصرفات والتعابير. ليس من عمل إيجابي له قيمته نتقدم به ضد ما نستنكره من جرائم أعدائنا. كل ما نفعله هو ان نهتف ونصرخ. نكتب المقالات التي نقرأها نحن، ونلقي المحاضرات التي نستمع إليها نحن، ونسوق الحجج على ان ما يسلب هو حقنا وما تنتهك هي أعراضنا وما تغتصب هي أرضنا، كأن هناك شكا يخامرنا في صحة كل ذلك، وحدوث كل ذلك. وهنا يقول القائل: وماذا في إمكاننا أن نفعل غير هذا، وقد بلغت إسرائيل هذا المبلغ من القوة العسكرية، ونالت ما تنال من دعم أميركا لها دعما لا يبالي بحق ولا بقانون، في حين نحن على ما نحن عليه من ضعف وتفرق؟
من هذا السؤال الذي يلقيه القائل أجد الطريق الى تبيين خطل النهج الذي تسير فيه جماهيرنا الغاضبة الصاخبة بل خطر هذا الطريق. أقول الجماهير ولا أقول الحكومات والحكام. هؤلاء وتلك، وعلى مدى خمسين عاما على الأقل، هم مقدمتنا في التخبط في الطريق الخاطئ الذي أوصلنا الى هوة نجد أنفسنا ننزلق فيها يوما بعد يوم منحدرين الى غورها العميق. انحدرنا عميقا في مزالق هذه الهوة، ومع ذلك لم ترتفع في كل ما سمعته وسمعه غيري من خطب ومحاضرات وهتافات، وما قرأته وقرأه غيري من أبحاث ودراسات، كلمة تساؤل واحدة عن الأسباب الصحيحة والصريحة لتردينا فيها، كي نعالج هذا التردي ولنبحث عن وسائل الخلاص منه. أقول، في البداية، عن الأسباب ولا أقول عن المسببين. البحث عن الأسباب هو الخطوة الأولى للسعي في المعالجة. انه كالتشخيص للمرض، في كونه الخطوة الأولى للمداواة الناجعة.
لماذا نقصر كل حماسنا على الشكوى من مرارة الواقع وفظاعته، ولا نعود بتفكيرنا وبتصرفنا الى البحث عن السبيل لتغيير هذا الواقع؟ أقول تغيير هذا الواقع قبل كل شيء. ولا أتحدث، كما سلف وقلت، عن من جرنا الى الوقوع فيه.
  
لهذا السؤال الذي طرحته أجوبة متعددة. أول الأجوبة هو أننا بمجموعنا قصار النظر سطحيو التفكير، يستأثر الحاضر الذي يتمثل لأعيننا باهتمامنا، فيحول بيننا وبين النظر الى ما وراءه، وبيننا وبين استشراف ما أمامه. أقول بمجموعنا، إلا ان الواجب أن أقسم هذا المجموع الى جماهير ونخبة. ربما لا ينتظر من الجماهير أن تكون دوما باحثة دارسة متحرية عن الجذور والأسباب. لذلك قد يعطيها الإنسان بعض العذر على قصر نظرها وسطحية تفكيرها. أما النخبة التي هي طليعة تلك الجماهير، فلا عذر لها في هذه أو ذلك. إنه عيب كبير فيها، بل انه عار عليها. ولكن أهي دوما، هذه النخبة، قصيرة النظر سطحية التفكير؟ وهل هي كلها قصيرة النظر وسطحية التفكير الى درجة لا تبحث فيها عن أسباب تردينا في واقعنا المشين هذا؟ تبحث فيه كمقدمة للعمل على تخليصنا منه؟
ليس معقولا ان يكون كل أفراد النخبة في أمتنا على هذا القدر من الجهل وضعف الإدراك. ولكن ثمة عوامل ودوافع تجعل العالمين والمدركين يسكنون فلا يرفعون صوتهم بما يعرفون، وتجعلهم يقعدون فلا يتحركون في محاولة التغيير أو للسير في الطريق المستقيم. عوامل أولها إيثار أفراد من النخبة مصلحتهم الشخصية على واجب العمل لخير المجموع. الحرص على المنفعة المادية وعلى الرفعة والجاه والبروز في المجتمع تغري الكثيرين من العارفين في أمتنا على التمسك بما في أيديهم والزيادة في ما هم فيه، فيغمضون أعينهم ويعقلون ألسنتهم عن ما يرونه من شرور وأخطار تجنبا لما ينقص من مكاسبهم ومنفعتهم. هم نخبة في التفكير والإدراك، ولكنهم إمّعات وأتباع خانعون للنظم المتسلطة والمسيئة للمصلحة العامة. وربما أمعنوا في تبعيتهم فزينوا لتلك النظم تسلطها وبرروا لها في أعين الناس إساءاتها.
بعد ذلك يأتي عامل الخوف. النظم المتسلطة والمسيئة تملك القدرة على إيذاء من يحاول الكشف عن تقصيرها واعوجاج مساراتها، ولو كان المحاول غير طامع بكسب شخصي أو فائدة. للإيذاء صنوفه الكثيرة، فهو لا يقتصر على حجب المنافع وحدها، بل يتعدى ذلك الى مس الكرامة والإذلال وسلب الحرية ونيل الأهلين بالشرور، الى ان يصل الأمر الى التعذيب ثم الى الاغتيال والقتل. الخوف من مخاطر التعرض لهذا الإيذاء بمختلف أشكاله يضطر العارفين الى إغماض أعينهم والى إمساك ألسنتهم عما يجب عليهم فعله أو، على الأقل، على ما يجب قوله في ما تدلهم عليه معرفتهم من اعوجاج النظم المتسلطة وأخطائها التي كثيرا ما تدخل في تصنيف الجرائم.
وهذه النظم المتسلطة، أليست محسوبة، هي نفسها، في عداد النخبة؟ بلى، وبلا شك. بل إنها كما هو معروف ومتفق عليه تقف في رأس النخبة، ولهذا فإن مسؤوليتها تعتبر الأولى في اعوجاج مسارنا في هذه الأعوام الخمسين التي انتهت بنا الى ما نحن فيه من ضعف وتفرق، ومن خذلان وهوان.

منذ خمسين عاما، او قبلها بسنوات معدودات، فتحنا أعيننا على الخطر الذي يتهددنا والذي أخذ يتظاهر أمامنا بوضوح ودون مواربة. لنا عدو كان يتستر بمسكنته وادعائه الضعف والاضطهاد، مستثيرا العواطف الانسانية لرأفة العالم به. اكتشفنا عندما تفتحت أعيينا ان ذلك العدو ما تمسكن، في خمسين عاما سبقت هذه الخمسين الأخيرة، إلا ليتمكن. وإذا كنا، نحن العرب، لم ندرك أبعاد هذا الخطر في الخمسين الاولى من السنين فذلك لأسباب متعددة قد يكون اهمها انشغالنا، ولا سيما في أقطارنا المشرقية، بالجهاد للتخلص من قيود الحماية والوصاية والاستعمار التي كانت تكبلنا. وبعد طول جهاد بلغنا الغاية التي سعينا اليها وملكنا أمرنا، كاملا او في معظمه. وكان مفروضا بنا، بعد أن اصبحنا احرارا، ان يكون تصدينا للخطر الجديد الذي تفتحت أعيننا عليه اكثر فاعلية وأكبر حسما. غير ان هذا لم يحدث.
لم يحدث، لأن نظمنا التي قلت إنها هي رأس النخبة تلهت، في احسن احوالها، بالعمل لإيديولوجياتها وبنزاعاتها القبلية والحزبية وبالمصالح الخاصة لقادتها. وكثيرا ما كانت مصالح اولئك القادة مادية ووضيعة. هذا في أحسن الأحوال. وثمة احوال سيئة لم يكن الأمر فيها مجرد تله او نقص في الكفاءات او غفلة، بل كان اجراما متمثلا بالعمالة والخيانة. قد لا تكون هذه الأحوال الأخيرة كثيرة، ولكن النتيجة التي انتهت الامور اليها في هذه وتلك كانت واحدة.
  #2  
قديم 15-06-2002, 01:49 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

إذن فمنذ خمسين عاما استوجب الأمر ان نعمل لنبعد عن أمتنا وأوطاننا الخطر الذي تبينت لنا حدته وجديته بعد ان كان متسترا بالمسكنة يستجدي المعونة والرأفة. خطر الصهيونية ومطامحها في إنشاء دولة عبرية أعني. كانت بنا قوة هي، على محدوديتها، قادرة على التصدي لذلك الخطر واستئصال شأفته. هذه القوة تتمثل بين ما تتمثل به بكثرتنا الفائقة عدديا وبسعة أقطارنا وبضخامة مواردنا، بالنسبة الى ضآلة عدد العدو وضيق الرقعة التي يسكنها وتحدد امكانياته او، على الأقل، صعوبة ورود تلك الإمكانيات اليه من بقاعها المبعدة. غير أننا نمنا على حرير الكسل والتهاون واستبعاد الكفاءات، إذا لم نقل اضطهاد اصحابها، طيلة خمسين عاما تحول فيها عدونا القزم الى عملاق، وتحولنا نحن فيها الى اعجاز نخل خاوية. واستفقنا اليوم على فظاعة ما يجري في ارض فلسطين والجرائم التي ينزلها بأخوتنا ابناء فلسطين جيش اسرائيل وسكان مستوطناتها بسلاح اميركا ودعمها ومناصرتها.
اقول استفقنا. ولكن، أترانا استفقنا حقا؟
هذا السؤال ألقيه على نفسي وعلى كل مواطن عربي واع، لأجيب عليه بقولي: لا، ومع الأسف الشديد، لم نستفق. كثيرون الذين سيعجبون من جوابي هذا، وكثيرون الذين سيسفهون الحكم الذي اصدرته فيه. سيقولون: كأنك لم تر هياج الناس واحتجاجهم، وغضبهم وصخبهم، وكأنك لم تقرأ العناوين الضخمة في الجرائد والمقالات المطولة فيها، ولم تستمع الى الهتافات او تحضر المحاضرات التي تلقى على المنابر في كل المدن منبهة الى مطامع العدو ومؤكدة على عروبة فلسطين وحق العرب فيها. او كأنك لم تشاهد المظاهرات والمسيرات التي تتعطل فيها اعمال المكاتب والمدارس والدوائر، ولا وقعت عينك على اللافتات واللوحات العريضة المغروسة في رؤوس الشوارع حافلة باللعنات على العدو وداعية الى استمرار الانتفاضة والى دعمها. ثم كأن مشاهد حرق أعلام العدو وأعلام مسانديه في الساحات العامة وفي مقدمة كل مسيرة لم تكحل نظرك، مع ان نشرات التلفزيون في كل البلاد العربية من المحيط الى الخليج مستمرة في عرضها على المشاهدين في كل يوم، بل في كل ساعة او ربع ساعة. أتريد يا عزيزنا استفاقة اكبر من هذه الاستفاقة؟
ردي على هذه التعليقات هو أن ما نراه ونسمعه من هياج وغضب ومن استنكار واحتجاج، وحتى من دعوات الى دعم الانتفاضة والتبرع لها بالمال، ليس استفاقة وإنما هو تململ نائم رأى في نومه حلما مزعجا او أحس بلسعة ذبابة عابرة. إنها تململ ما فتئ يعاودنا بين حين وحين، وما فتئنا نعود بعد تحركنا العقيم فيه الى الرقاد الذي ذكرته آنفا. رقاد على حرير الكسل والتهاون، واستبعاد الكفاءات التي تحاول ان تنبهنا من نومنا وأن تعمل على توضيح الطريق الذي يجب ان نسلكه للخروج من مستنقعات نحن غارقون فيها الى الأذقان. إنه النوم الذي استمررنا فيه، وأستمرأناه، منذ خمسين عاما ولا زلنا فيه مستمرين.

سيقال لي: إذا كنت ترى أن ما نحن فيه اليوم لا يزال رقادا، فكيف تكون الاستفاقة؟
في رأيي أن الاستفاقة تكون حين لا نقتصر في نظرتنا وفي تأثرنا على ما تراه أعيينا في الحاضر. اذا ظللنا على هذا فكل فاعليتنا تظل منحصرة بالندب والانتحاب، وبالصراخ والضجيج، وبالاحتجاج والاستنكار. هذا لن يقدمنا خطوة في طريق الخلاص مما نحن فيه اليوم، ولن يعيننا في التوقي مما ينتظرنا في غد. الغد الذي سيكون بلا شك أسوأ مما نحن فيه اليوم اذا ظللنا في مكانك راوح.
الاستفاقة تكون حين نتأمل في ما وراءنا باحثين في العوامل التي انتهت بنا الى هذا الحال الذي نحن فيه. باحثين في العوامل، لا باحثين عن تلك العوامل، لأنها معروفة جيدا منا. فما من مواطن واع بيننا لا يعرفها جملة وكثير منا يعرفها تفصيلا، بظروفها وتسلسلها وبرجالاتها. وأنا أصر على القول بأن الاستفاقة لم تتحقق حتى الآن، لا عند جماهيرنا ولا عند النخبة من تلك الجماهير. دليل ذلك أني، في كل ما قرأت وما سمعت وما شاهدت في أيامنا الصاخبة التي نعيشها، لم أقرأ وأسمع او أشاهد كلمة عن العوامل التي أتحدث عنها. العوامل التي بلغت بنا ما بلغناه اليوم من الضعف والهوان اعني.
لماذا لا يقدم أحد في امواج الكلام المتحدث به والمهتوف به والمكتوب على قول كلمة عن هذه العوامل، ليكون ذلك مقدمة للعمل الذي نسير به الى الخلاص؟ ألسنة الجماهير التي قد تتهم بسطحية التفكير لا تتعرض بشيء اليها لأن ما من أحد ممن هم على عمق في تفكيرهم، وأعني بهم النخبة، يفتح فمه بالحديث عن اسباب وصولنا الى الوهدة التي نحن متردون فيها. هل هذه النخبة قاصرة في وعيها، او هامدة في نشاطها، او حريصة على مكاسب تخشى ان تسلبها إياها الاستفاقة؟ أم هي معقولة اللسان بالخوف من بطش الأنظمة التي قادتنا، واعية او غير واعية، نحو القاع، حتى تتجنب العمل الصحيح وتلتزم السكوت التام؟
لعل هذه الأمور مجتمعة تكاتفت ومنعت التفكير السليم والجهد الواجب اللذين يسيراننا في الطريق المستقيم. ولهذا أقول إننا، ما دمنا غير قادرين على التملي في ماضينا طيلة خمسين عاما فاتت على الأقل، فإن صخبنا ونواحنا وضجيجنا على ما تقاسيه امتنا في الحاضر، لا يعدو أن يكون تململا لنائم رأى في رقاده كابوسا مزعجا. إنه مجرد تململ، وليس الاستفاقة التي نحن في حاجة اليها.
 منذ بضعة اشهر، وفي خلال متابعة جماهيرنا في كل المواطن العربية اخبار انتفاضة الأقصى على الارض الفلسطينية والتصدي الوحشي لها من جانب اسرائيل، أنبئت أنني اخترت عضوا مؤسسا في هيئة تألفت من عاصمة بلادنا من شخصيات مرموقة في قطرنا، وأن عليّ ان احضر اول اجتماعاتها في دمشق. هذه الهيئة هي اللجنة التي اسمها <<دعم الانتفاضة ومقاومة المشروع الصهيوني>>. اعتذرت بأن ظروفي لا تمكنني من قبول هذا الاختيار ورجوت إعفائي منه. وكررت اعتذاري حين جاء بعض الأعضاء المؤسسين الى الرقة بلدتي وأرسلوا إليّ يطلبون ان اشاركهم في نشاطات هذه اللجنة.
ليس من شك في أن دعم الانتفاضة، بأي شكل كان، مطلب خطير وواجب على كل مواطن أن يساهم به حسب قدرته وإمكانياته. ولكن إقامتي في بلدتي المبعدة عن العاصمة وظروف عملي في عيادتي تجعل عسيرا عليّ ان اشارك في اجتماعات اللجنة، او اللجان. وهي اجتماعات ستكون في دمشق وستكون متكررة، وسيكون العمل فيها على ما اتصور نظريا يستطيع ان يؤديه كثيرون مثلي وخيرا مني. لذلك فإن حجتي التي قدمتها في اعتذاري كانت حجة صادقة، وقد شكرت لمن قدمتها اليهم قبولها مني، وسررت بأن اللجنة قد استمرت في عملها الثمين دون ان ينقص غيابي عنها من قيمته. على أنه لا بد من القول إن افكارا اخرى كانت قد ساورتني حين تلقيت الدعوة اليها وعززت عزمي على تقديم ذلك الاعتذار. وفي ما يلي أبسط للقارئ بعض تلك الأفكار.
اول ما اريد قوله هو استغراب قد لا يجد القارئ العادي له داعيا او يرى فيه خطورة. هذا الاستغراب أثارته في نفسي تسمية اللجنة: دعم الانتفاضة ومقاومة المشروع الصهيوني. <<دعم الانتفاضة>> تسمية في محلها، ولكن <<مقاومة المشروع الصهيوني>> ماذا تعني؟ لقد اصبح المشروع الصهيوني الذي خطط له اليهود منذ اكثر من مائة عام واقعا اسمه دولة اسرائيل، فأي مقاومة للحيلولة دون تنفيذ مشروع تم تنفيذه؟ إنها تسمية في غير محلها، بل لعلها توحي بفكرة ضالة، هي القبول باسرائيل الحاضرة كواقع، وبأن المقاومة ستكون للمشروع الذي يعده غلاة الصهيونية ويتهيئون لتطبيقه بكل السبل، أعني مشروع اسرائيل الكبرى ودولتها التي تمتد من النيل الى الفرات!
غريب أن يكون ما قلته قد غاب عن أذهان المؤسسين لهذه اللجنة السامية المرامي وكلهم، على ما قرأته في قائمة اعضائها، ذوو مراكز مرموقة في مجتمع بلادنا وفي هيئاته السياسية. اعرف بين هؤلاء المؤسسين اشخاصا يوحون بكفاءتهم وإخلاصهم ونزاهتهم كل الثقة لمن كان مثلي. غير ان بعض التساؤل قد تسلل الى تفكيري حين رأيت ان جلهم من ذوي العلاقة بالهيئات الرسمية، مع أن اللجنة في ما أعلنته هي لجنة شعبية لا علاقة للمؤسسات الرسمية بها. في هذه الحالة لا بد للمرء أن يتصور أن نشاطاتها ستكون بعيدة عن روح الاستفاقة التي نبحث عنها والتي نحن في حاجة إليها، وأنها ستظل متصفة بروح التململ التي عودتنا نظم الحكم في مختلف اقطارنا العربية على العمل بموجبها. أعني أنها تظل مرتبطة بالحاضر، تعاجل اصاباته بالمسكنات، غير قادرة الى الالتفات الى الماضي لتعرف كيف تعمل للمستقبل.
  #3  
قديم 15-06-2002, 01:50 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

ولقد قلت في ما سبق إن تسمية اللجنة التي أتحدث عنها <<دعم الانتفاضة>>، هي تسمية في محلها. في رأس ما قامت به هذه اللجنة من نشاط هو حملتها لجمع التبرعات المالية في كل انحاء قطرنا لدعم الانتفاضة. وقد لبى الشعب بسخاء الدعوة الى التبرع، على ما تنطق به الأرقام التي تنشرها الصحف عن محصول ما قدمه الشعب من كل الطبقات وفي كل المحافظات. غير ان تساؤلا آخر تبادر الى ذهني حين قرأت في احدى هذه الصحف، وفي عدد منها منشور بتاريخ 8 نيسان 2002 الخبر التالي:
<<دمشق: سلم السيد احمد عبد الكريم رئيس اللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الانتفاضة ومقاومة المشروع الصهيوني امس السيدة أنجيلا وليامز مديرة مكتب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين بدمشق <<الأونروا>> شيكا بمبلغ 30 مليون ليرة سورية دفعة جديدة وعاجلة من تبرعات جماهير شعبنا السوري لإخوتهم الفلسطينيين الذين يواجهون بقوة وصلابة الوحش الصهيوني وآلته العسكرية... الخ>>.
إذن فقد قدمت تبرعات جمعت لدعم الانتفاضة الى الأونروا. الأونروا كما نعرف هي هيئة تابعة للأمم المتحدة تقوم بتقديم الأغذية الى اللاجئين الفلسطينيين وتتعهد صحتهم وتعينهم في دراسة ابنائهم. هؤلاء اللاجئون هم اخوتنا وأبناؤنا ويستحقون كل مساعدة منا، وهذه الملايين الثلاثون تضاف الى ميزانية الأونروا، وهي ميزانية تدفع اموالها في العادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومنها دولنا العربية. ولكن الأونروا لا تنفق، ولا تجرؤ على القول إنها تنفق ليرة واحدة على دعم الانتفاضة. فلماذا يتبرع الناس لدعم الانتفاضة وتسلم تبرعاتهم الى هذه المؤسسة الدولية البعيدة عن الدعم الصحيح للانتفاضة؟
هذا هو التساؤل الذي تبادر الى ذهني عند قراءة خبر الصحيفة المنشورة أعلاه. وقد قلت في ما سبق إن الجزء الاول من تسمية اللجنة، لجنة دعم الانتفاضة، تسمية في محلها. وما أخشاه هو أن يدعوني تساؤلي هذا الى ان أعدل عما قلته، وأن اعتبر أنها كذلك تسمية في غير محلها...

كل ما تحدثت عنه في ما سلف يعيدني الى القول بأن ما نراه حولنا من صخب وضجيج، وحتى من تصرفات يخيل إلينا أنها جادة وتختلف عن تصرفاتنا في خمسين سنة فاتت، هي تململ وليست استفاقة. الاستفاقة تكون بالرجوع الى دراسة اسباب محنتنا وانهيارنا الحالي الذي تقتصر ردة فعلنا عليه بهذا الصخب والضجيج. حين نستفيق، اي حين نقرر التأمل في ماضينا في الفترة التي أتحدث عنها، ستكون خلاصة ما نقع عليه ان هناك مراحل ثلاثا جر بعضها بعضا وانتهت بنا الى هذه النهاية. المرحلة الأولى تمثلت في سوء السياسة الذي جر الى الفساد الذي جر الى الضعف والخذلان والهوان.
سوء السياسة له اسبابه المتعددة. بعض الذين تولوها وسيروها قد يكونوا أساءوا لأنهم كانوا غير أكفاء، حتى لو انهم كانوا حسني النية ومخلصين. وبعضهم أساءوا لأنهم كانوا معجبين بأنفسهم، يعتقدون بأن إخلاصهم وكفاءاتهم تجعلهم في نجوة من الأخطاء، كما أنها تعطيهم الحق بأن يحتكروا السلطة لأنفسهم، وتبرر لهم الوسائل الفاسدة ما دامت الغاية التي يعملون لها سليمة. وهناك متولون للسياسة ومسيرون لها في انظمتنا العربية، في تلك الفترة التي اريد ان تدرس، هم أخطر من هذين الصنفين اللذين تكلمت عنهما. منهم اولئك الذين يدخلون في صنف العملاء، ومنهم الطغاة المتسلطون الذين لا تدخل مصلحة الناس والأوطان في حسابهم او في تفكيرهم. هؤلاء وأولئك مجرمون أمسكوا بأزمة الأمور في بلادهم في فترات من الزمن قصرت او طالت، وساهموا في تعميم الفساد الذي هو المرحلة الثانية من مراحل انحدارنا الى الهوة.
من الذي يستطيع أن ينكر وجود الفساد في امورنا العامة وتماديه الى امورنا ومصالحنا الخاصة، ثم تناميه وتزايده يوما بعد يوم؟ إننا نشاهده ونتحدث عنه ونتطرق اليه احيانا، على استحياء، في كتاباتنا، كواقع نحن صابرون عليه ونكاد نكون متقبلين له. الصبر وشبه التقبل للفساد المعمم والمتزايد نكاد نعذر عليهما. ولكن الذي لا نعذر عليه هو عدم إدراكنا مكانة هذا الفساد وأثره في اضعافنا الى الدرجة التي نحن فيها اليوم. إنه السوس الذي نخر في أصل شجرتنا وجعلها فارغة هشة، مهددة بالسقوط لأقل نفخة ريح. وقبل ان تسقط حرمها النماء والإثمار وبسط الظل الوارف على من يعتمدون عليها في اللجوء والتفيؤ والغذاء. لو أدركنا هذا لدفعنا إدراكنا الى التفكير الصحيح بما جره علينا الفساد الذي جرته إلينا السياسة السيئة كمقدمة الى السعي للتخلص منه. ولكننا، حتى اليوم، لا نزال متوقفين في تأثرنا على ما نراه ونسمعه من احداث يومنا الذي نحن فيه، فنبكي وننتحب، او نصرخ ونصخب على الحاضر. البكاء والانتحاب والصخب والصراخ تبدو جميعها لنا نوعا من الإلهاء، او نوعا من التنفيس عن ضغط الحزن والغضب. ولعل هناك جهات معينة، مشكوكا بصدقها وإخلاصها، تساهم في صنع ذلك الإلهاء وهذا التنفيس لصرف الجماهير عن القيام برد الفعل الصحيح على ما تعيشه وتتحمله، بل في صرفها حتى عن التفكير برد الفعل الصحيح هذا.
الفساد هو المرحلة الثانية. والمرحلة الثالثة هو ما نحن فيه اليوم: ضعف لا يقاس به ضعفنا الذي كنا عليه قبل خمسين عاما، أمام قوة لعدونا لا تقاس بالقوة، بل للضعف، الذي كان عليه هذا العدو قبل خمسين عاما. واقعية ضعفنا وقوة عدونا اصبحت تقدم إلينا كمبرر لا مطعن فيه لوقوفنا منتحبين امام الكوارث التي تنزل بنا، دون ان تبدر منا بادرة مقاومة ايجابية وعملية في الحاضر، ولا في المستقبل.
لعل سائلا يسألني قائلا: ما تذكره عن الحاضر مفهوم، وقد يكون مقبولا... ولكن المستقبل، لماذا لا تكون لنا مقاومة ايجابية وعملية فيه؟ جوابي على هذا السؤال هو ان كل ما أتمناه وما أدعو اليه ان تكون لنا في مستقبلنا قدرة على المقاومة الايجابية الفعالة لما يخطط أعداؤنا لنا من شرور. ولكني لا أرى، في الحاضر على الأقل، اتجاها بينا للعمل في السبيل الذي اتمناه وأدعو اليه. الأنظمة التي اوصلتنا الى هذا الدرك، والتي تدعي أنها تتمنى الخلاص منه، لا تزال على عقلياتها السقيمة والخاطئة والعاجزة في العمل. وهذا ما يجعلني أتمثل دائما بقول الشاعر القديم:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس
نريد من سفينتنا ان تجري على اليبس، وهذا لن يقودنا قطعا الى النجاة التي نرجوها. أحد الأدلة على ذلك ما قلته وكررته في مطلع هذا الكلام من أني لم أجد احدا من الصاخبين صراخا بالكلام او كتابة في الصحف او محاضرا في الندوات، لم أجد احدا من هؤلاء وأولئك تطرق الى اسباب محننا الكثيرة لنتخلص منها، ولنصل الى النجاة المرجوة والمطلوبة. وأظل اقول إن ما يملأ ساحاتنا من صخب وضجيج إنما هو إلهاء للجماهير، وللنخبة ايضا، وتنفيس لضغوط النقمة والاستنكار والغضب.

وأظل أبحث عن الاستفاقة التي يجب ان تدفعنا اليها الانتفاضة، ببطولاتها وبمآسيها، فلا أجد إلا تململا وأحيانا تصرفات مزعجة. بعض هذه التصرفات، من بعض الجهات المنتصرة للانتفاضة والمعجبة ببطولاتها، تكاد تدعو الى الضحك الشبيه بالبكاء بالسخرية المرة التي تثيرها.
مررت في الأيام الأخيرة بمدينة حلب فلفتت نظري في ساحات متعددة من هذه المدينة الكبيرة لوحات عريضة مكتوب عليها بأجمل الخطوط وأبهى الألوان هذه الجملة: الانتفاضة يجب أن تستمر!
قيل لي إن مثل هذه اللوحات التي تحمل الجملة الداعية الى استمرار الانتفاضة وما يشبهها في معناها موجودة في العاصمة، وربما في مدن اخرى من مدن القطر. ألا يحق لنا أن نتساءل عن ناصبي هذه اللوحات الذين يدعون الى استمرار الانتفاضة، وهي مستمرة بسواعد اطفال فلسطين وفدائييها ومفجري انفسهم في مستوطناتها، أن نتساءل عن ناصبي هؤلاء اللوحات وعن مساهمتهم الشخصية في استمرار الانتفاضة؟ إنهم بلا شك جالسون وراء مكاتبهم، يلفون ساقا على ساق وينفثون دخان سجائرهم، ويدعون دعوتهم هذه بحروف على ورق او بألوان زاهية على لوحات عريضة موزعة في الساحات، صارخين: استمروا أيها الاطفال في مجابهة دبابات اسرائيل بحجارتكم، واستشهدوا يا ايها الفدائيون بأحزمة الألغام التي تلفونها على اوساطكم... نحن هنا نصفق لكم وننظم في بطولاتكم القصائد ونقيم الحفلات الخطابية في دعم انتفاضتكم المقدسة!
في أكثر من مرة قلت في احاديثي، وفي الإجابة على اسئلة طرحت عليّ في الحوارات الصحفية، إننا اليوم اصبحنا يهود هذا الزمان. يهود ذلك الزمان دعاهم سيدنا موسى الى قتال محتلي الارض المقدسة فقالوا له <<فاذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون...>>. أليس هذا ما نقوله نحن اليوم، حين ندعو الى استمرار الانتفاضة ونحن ها هنا قاعدون؟! ولهذا قلت إننا يهود هذا الزمان، وإن لم يعجب هذا القول الآمرين بكتابة تلك اللوحات الجميلة، الموزعة في ساحات مدننا الكبيرة.
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م