ليبيا الجريحة في سجن القذافي
لايستحق القذافي أن يُكتب حوله حرف واحد لو كانت القضايا مرتبطة به شخصياً دون بلده، لأنه رجل بقي في المزادات العلنية يتآمر، ويقتل ويبدد ثروات ليبيا وفق منظور متهور، وبالتالي إذا كان لنا من مقارنة بين ما يحدث في بلدنا، وليبيا، فإننا من موقع هذا اليوم فقط، نحاول أن نرسم خطاً بيانيا بين طرابلس والجبيل.
الأولى تعيش غبار السنين، سجون، وموارد شحيحة، وهجرة طويلة للمجهول، افتقار لأدنى معايير تنمية عاصمة لبلد غني، وأخرى لم تتجاوز عقدها الثالث، حيث تشهد الجبيل اكبر مركز صناعي عالمي للبتروكيماويات، ويضاف لها هذا اليوم بالتحديد عشرات البلايين في تنميتها البشرية والصناعية، لتصبح أهم رافد لصناعتنا الوطنية، وبثروات منتجة تتعدى ميزانية دولة بأكملها لعدة سنوات.
طريق واحد يربط المنطقة الشرقية، بالوسطى، والغربية، يساوي مجموع طرق وشوارع ليبيا بأكملها، ومجموع المتداول من الأسهم، والبيانات الاحصائية للثروات بين أيدي المواطنين، يتجاوز ميزانيات ليبيا لعدة سنوات، والخيط طويل، لكن التفكير بدولة يحكمها رجل لا يملك شيئاً من العقل، ولا مسؤوليات رجل الدولة على منصب عام، لا نعتقد أننا نعطيه ميزة الإنسان السوي، وهو الذي عجز أن يساير خط التنمية بجارته تونس التي استطاعت من خلال موارد ضئيلة أن تقفز بدخل الفرد والتنمية الشاملة ما يفوق عشرات المرات ليبيا، بلد النفط، والمساحة الهائلة، والإمكانات المفتوحة، ولعدة ملايين لا يتعدون نصف أصابع اليد الواحدة.
موضوع القذافي مع ليبيا يشبه حارس السجون، أي أن مجموع المشاهد التي يراها، والممارسات التي يطل عليها تجعله بدون حس إنساني، وفرضية أن تكون ليبيا السجن العربي بعد عراق صدام حقيقة قائمة، لأن رجل الخيمة الذي يطل من رواقها على الناس، لا يرمز إلى البساطة والتخلي عن البدائل الحضارية المتوفرة، بل لهوس مخالفة العالم، وكأنه نموذج احادي خارج التركيبة البشرية، في حين ما يصرف داخل الخيمة من بلايين الدولارات كتعويضات ورشاوى، ورواتب للحراس، والمحسوبين، يوازي مصاريف أكبر دولة محيطة به، وهذا الامر، الذي يجعل عزلته أحياناً عن كل الناس، يعطينا دليلاً أن الرجل خارج الدائرة المنطقية لحياة إنسان متوازن عقلياً وشعورياً.
الوطن العربي، هو من اخترع زعامات بهذه المواصفات لأن الاهتمام بشخص الزعيم كبديل عن الدولة، والوطن بكل مؤسساته، أعطى الحق لكل مغامر قادر أن يقود عدة دبابات ويعلن سقوط حكم، واستبداله بآخر، أن نعيش المشهد على الواقع، ولم تكن القضية أسلوب إدارة لبديل عن حكم فاشل، بل لان هذا التطور بالسلوك السياسي جاء كتقليد عن بعض دول العالم الثالث، لكن تلك الدول حين اكتشفت خطأ تلك الممارسات تخلت عن نهجها، وبقيت ليبيا وحدها قيد هذا التقليد بزعيمها الاممي والثوري، وأخيراً الرأسمالي الامبريالي.
جريدة الرياض..
|