مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 03-04-2005, 05:07 PM
mohd_1954 mohd_1954 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 98
إفتراضي طريفة الاسلام في فهم الاحكام






إن عمل الجماعة أو الحزب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلق بإقامة الدين لا بد من أن يقوم على العلم الشرعي المطلوب، لأنه كما بيّنا سابقاً لا عمل قبل العلم ولا عبادة لله إلا بعلم مع إخلاص النية له سبحانه.
فما هي حدود العلم الشرعي المطلوب من هذه الجماعة، وما هي الثقافة التي يجب أن تتثقف بها، وتبني شبابها على أساسها وتهيء الأمة لها ؟.
إنه بناءً على هذا العلم الشرعي المطلوب من الجماعة والتقيد به يجري الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من هذه الجماعة أو الحزب. فإن هي خالفت ما هو مطلوب منها شرعاً نُصحت، وإن اعوجت قُومت، وإنه ليطالها من هذه الفريضة ما يطال غيرها. والأمر كله تقيد واتباع، ولا تجوز المخالفة. والنصيحة تطال الجميع.
والذي يجدر البدء به في هذا المجال هو أن هناك طريقة ثابتة للتوصل إلى استنباط الأحكام الشرعية كلها، سواء منها الأحكام الشرعية المتعلقة بحمل الدعوة أو بالعبادات أو بالمعاملات أو العقوبات أو بالمطعومات أو بالملبوسات أو بالأخلاق...
وهذه الطريقة الثابتة أملاها الإسلام وطبيعته، لا عبقرية المسلمين وذكاؤهم. ذلك أن العقيدة الإسلامية تملي على المسلم أن لا يأخذ، ولو حكماً واحداً، من خارج الشرع، وأن يتقيد باستنباطه بحدود ما تدل عليه النصوص. فكان لا بد من الطريقة التي تحفظ عليه هذا المنحى، وتضبط فهمه بحيث يقتصر على الوحي فقط، وبحيث تتكامل النظرة إلى العقيدة مع النظرة إلى الفقه وضوابطه.
وهذه الطريقة الثابتة في الاجتهاد هي من الأهمية بحيث تأتي في المرتبة الأولى من ثقافة الجماعة أو الحزب. فهي التي تؤدي إلى استنباط الأحكام. فإن كانت طريقة الاستنباط صحيحة أدت إلى وجود الأحكام الشرعية الصحيحة، على غلبة الظن، ووجد الأجر عليها. وإلاّ فلا عبرة بأي رأي لا يقوم على طريقة الاستنباط الشرعية الثابتة، وإن سمى شرعياً زوراً. فليست العبرة بالتسمية بل بالواقع الذي يصح أن تطلق عليه هذه التسمية. لذلك فهي مُلْزِمة.
ونحن اليوم أحوج من الأمس للتمثل بهذه الطريقة التي تمنع المسلمين من التأثر بالفكر الغربي وطريقة استنباطه، وهو مرض العصر الذي وقع فيه كثير ممن يسمون بالعلماء. حيث صارت اجتهاداتهم وفتاويهم متحللة من الضوابط، تسير مع الهوى الغربي وليس مع الهدى الرباني.
إذاً فلجوء المسلم إلى الشرع له طريقة ثابتة في الاجتهاد يجب أن يجتمع عليها كل المسلمين وإن اختلفت نتيجة اجتهاداتهم، ونحن هنا سنعرض لهذه الطريقة بإجمال. وهي كما كانت طريقة للسلف كذلك يجب أن تكون للخلف ولخلفهم حتى قيام الساعة.

فهم الواقع:
وطريقة الإسلام هذه تقوم على فهم المشكلة الحادثة فهماً عميقاً، ثم الإتيان بالأدلة الشرعية اللازمة لمعالجة هذه المشكلة وفهمها ودراستها، ومن ثم يصار إلى استنباط الحكم من هذه الأدلة.
فوجود الجماعة أو الحزب الذي يعمل للتغيير مرتبط بالواقع الذي وجد فيه، من حيث أنه يجب أن يتبنى الأحكام الشرعية اللازمة لتغيير هذا الواقع.
وفهم الواقع يقتضي وضع دراسات مستفيضة عنه.
وفهم الشرع يقتضي تحديد مصادر الأدلة الشرعية، وتحديد قواعد الأصول وهي القوانين التي يجري بحسبها الاستنباط. وعملية الاستنباط هذه تحتاج إلى المجتهد الذي يملك المقدرة على إنزال الأحكام على وقائعها وإجراء الأحكام على عللها.
إذاً فقيام أية جماعة أو حزب مرتبط بالواقع الذي نشأ فيه، فهو يريد أن يغيره فيجعله موضع التفكير، وموضع التغيير. من هنا كان على الحزب أو الجماعة أن تدرس الواقع دراسة عميقة، ودقيقه، وتحدد المشاكل التي يجب معالجتها. والمشاكل الكثيرة يجب أن يميّز بينها: هل هي مشاكل ناتجة عن مشاكل، أو مشاكل ناتجة عنها مشاكل. وهذا يتطلب التمييز بين المشكلة وظواهرها، وبين المرض الأساسي وعوارضه. وبهذا الفهم يتحدد واقع المرض الأساسي، وما نتج عنه من عوارض مرضية، وبعد الانتهاء من تشخيص الداء ينتقل إلى تشخيص الدواء.
وهنا يلفت النظر إلى أن الطبيب الماهر يجب أن لا تخدعه العوارض عند تحديد المرض الأساسي، فإذا كان مرض في المعدة عند إنسان ما، أدى إلى وجود حساسية عنده، وبالتالي أدت هذه الحساسية إلى طفرة جلدية مع وجود بعض الحرارة، فإن الطبيب إذا اكتفى بمعالجة الطفرة الجلدية والحرارة بأن أعطى الدواء المناسب لهما وغفل عن معالجة المعدة، فإن مثل هذا العلاج قاصر، ومثل هذا الطبيب فاشل. فلا بد أولاً من معالجة الأصل الذي هو مرض المعدة. حتى إذا عولج ذهب المرض وذهبت معه عوارضه، ومن ثم يحدد هذا الطبيب الماهر إن كانت هذه العوارض تذهب بمعالجة أو من غير معالجة. فقد تذهب تلقائياً بمجرد معالجة السبب الذي أنتجها. وقد تترك آثاراً لا بد من معالجتها. ولكن تبقى معالجة العوارض جزئية. وهكذا..
كذلك الواقع الذي نعيش فيه اليوم. فإننا نعلم أن فيه مشاكل أساسية نتجت عنها مشاكل فرعية كثيرة. فمن المشاكل الأساسية التي تصيب الأمة اليوم البعد عن تمثل حاكمية الله في حياة المسلمين. وأنتج هذا كثيراً من المشاكل الجزئية الناجمة عنه ( كالفقر الناجم عن الظلم، والجهل، وفشوّ الأخلاق السيئة وتحكم العلاقات الفاسدة... ) وفي هذا يقول تعالى مبيناً السبب الأساسي في ذلك: ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ﴾.
وهذه المشاكل الجزئية وجدت بوجوده، ومعالجتها الجذرية الدائمة لا تكون إلا عن طريق تغييره أولاً، فما لم يصبّ العمل على استئناف الحياة الإسلامية، وذلك بجعل العقيدة الإسلامية عقيدة سياسية تسيّر أعمال المسلم كلها في الحياة بحسب أوامر الله ونواهيه، وتدفعه لإقامة الحكم بما أنزل الله، فإنه ما لم يصبّ العمل على هذا فلن يقضى على كل آثار التحاكم لغير ما أنزل الله تعالى.
لذلك لم تكن المشكلة الأساسية تعليمية ولا أخلاقية ولا اقتصادية، ولا الموضوع الرئيسي هو موضوع استنقاذ حقوق المسلمين، ولا تدعيم مواقعهم الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. بل الموضوع هو موضوع الحاكمية بجانبيه العقائدي والعملي. وأَنّ هذه الحاكمية هي لله وحده. فمن حيث الواقع يجب إعادة ثقة المسلمين بأحكام إسلامهم، وذلك بإعادة ما فقدته العقيدة في نفوسهم من الاهتمام بإيجاد النظام المنبثق عن هذه العقيدة في حياتهم، ومن التطلع إلى الجنة والشوق لها، والخوف من جهنم والفرار منها، ومن الاهتمام بأحوال المسلمين جميعهم، بل بأحوال الناس كل الناس من خلال العقيدة الإسلامية.
لذلك فإن الجماعة، بهذا الإدراك، تحدد المرض الأساسي وتعلم حقاً وصدقاً أنه متى تمّتْ معالجة هذا المرض تم القضاء على كل عوارضه. ومن هنا تتبيّن لنا أهمية الوعي على الواقع.
وهذا ما يسمى عند الأصوليين بالمناط. فلا بد من تحقيق المناط قبل الشروع في جمع الأدلة الشرعية.
والوعي على الواقع والتفقه فيه أصعب من التفقه في الأحكام المتعلقة به. ويتطلب الدقة، لأننا إذا فهمنا الواقع بشكل خاطئ، وانطبع في ذهننا هذا الفهم الخاطئ للواقع، ثم ذهبنا نتلمس الأدلة الشرعية التي تعالج الواقع فإننا لا بد سنأتي بالأدلة التي تعالج الواقع الخطأ الذي انطبع في ذهننا وليس الواقع المعاش ، لذلك فإننا سنورد الأدلة في غير محلها.
وفهم الواقع والتفقه فيه يحتاج إلى العقل. ولا يجوز اعتبار الواقع مصدراً للتفكير، ولا ينشأ من الواقع أي حكم بل يفهم الواقع كما هو على حقيقته.

فهم الشرع:
ثم بعد معرفة الواقع على حقيقته بواسطة العقل تأتي المعالجة الشرعية لهذا الواقع، المستنبطةُ من الأدلة الشرعية. ولا يجوز استعمال العقل في المعالجة كحَكَم أو كمصدر، وإنما عمل العقل هنا هو أن يفهم المعالجة الموجودة في الأدلة الشرعية.
وفهم الشرع يقتضي معرفة المصادر التي تستقي منها الجماعة الشرع، ومعرفة القواعد الأصولية التي تعتمد عليها في فهم الشرع الذي تريد أن تغير الواقع السيئ به. وبالتالي تعطي التصور الصحيح بنظرها للواقع الذي تريد نقل الناس إليه ومعرفة الطريقة التي تتبعها في عملية الاجتهاد أي طريقة الاستدلال.

مصادر الشرع:
فليس هناك حكم إلاّ وله مصدر صدر منه، لذلك يجب تبني المصدر بعد البحث والاقتناع القطعي به. ومعلوم أن المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي وهي الكتاب والسنة غير مختلف عليهما، أما المصادر التبعية كالإجماع والقياس والاستحسان ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا فهذه كلها مختلف فيها. وتَبَيُّنُ ما يصلح لأن يكون دليلاً عند الجماعة يعطي صورة عن اتجاهها في أخذ الشرع.
ومعلوم أن تبني المصادر التبعية يعتمد على أدلة قطعية، أي يجب أن يأتي من القرآن والسنة ما يثبت قطعاً أنها أدلة شرعية يعتمد عليها كمصدر للتشريع، أي أن المصدرين الأساسيين قد ارشدا إلى الأخذ بهذا المصدر أو ذلك بشكل قطعي. ولا يكفي في أخذ المصادر الشرعية بالتقليد، فهي من الكليات التي يجب فيها القطع , والتقليد لا يوصل إلى القطع.
فإذا حصرت مصادر التشريع عرفنا أي الينابيع التي تعبّ منها هذه الجماعة، وأياً منها التي لا يجوز الأخذ منها. وتحديد المصادر من الأهمية بمكان لأن الخطأ في واحد منها فقط يؤدي إلى الخطأ في كل الأحكام المتعلقة به. وتحديد المصادر يجب أن يسبق تحديد الأحكام الشرعية المتعلقة بعمل الجماعة، فليس مقبولاً أن تقوم جماعة تحمل رسالة الإسلام من غير تبنٍ للمصادر الشرعية.
وليس مقبولاً أن تتبنى كل المصادر التبعية ظناً منها أنها بذلك تحمل الخير الكثير، بل ستحمل بذلك الغث والسمين وتخلط بينهما، وسيؤدي بها هذا إلى إخضاع الشرع للواقع أو للعقل أو للأهواء أو للعواطف أو للمصلحة، ويكون عند ذلك الدليل في خدمتها وليس العكس كما هو مطلوب.
فالأصل في الجماعة أن تحدد مصادرها قبل أن تعطي رأيها في تغيير الواقع، وبعيداً عن التأثر بالواقع، بل تتأثر بالنصوص فقط ودلالاتها القطعية في إثبات المصادر أو عدم إثباتها. ثم إن ما تثبته الجماعة من مصادر تثبته لنفسها وتكون أصولاً بحقها ولا تلزم الآخرين بها، بل تناقش الآخرين بما عندها لتحملهم عليه بالحجة والإقناع، خصوصاً أن ما عندها قطعي في نظرها، وإلا فإنها تضييق على نفسها وعلى الآخرين.

يتبع

آخر تعديل بواسطة mohd_1954 ، 03-04-2005 الساعة 05:13 PM.
  #2  
قديم 03-04-2005, 05:16 PM
mohd_1954 mohd_1954 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 98
إفتراضي

أصول فهم الشرع:
وبعد أن تثبت الجماعة المصادر التي تستقي منها الشرع تنتقل إلى معرفة كيفية التعامل والأخذ من هذه المصادر. أي تنتقل إلى معرفة القواعد التي يوصل البحث فيها إلى استنباط الأحكام من مصادرها، ولا شك أن الفقيه حين يعرض ليأخذ حكماً شرعياً يكون في ذهنه قاعدة من قواعد الأصول يبني عليها حكمه. فلا علم من غير أصول سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة.
والنصوص الشرعية فيها العام والخاص، وفيها المجمل والمفصَّل، وفيها المطلق والمقيد، وفيها الأوامر والنواهي، وفيها الناسخ والمنسوخ وفيها مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، وفيها المنطوق والمفهوم والمعقول من النص، وفيها خبر الواحد وأين يحتج به وأين لا يحتج به …الخ. والجماعة يجب أن تحدد قواعدها الأصولية وتتبناها وتُعرف بها.
إن هذه القواعد الأصولية هي في معظمها خلافية. ومعلوم أن كل قاعدة يتشعب عنها كثير من الفروع. وبما أنها خلافية فيجب أن تخرج من دائرة الخلاف بالتبني فيها لما تراه الجماعة أنه الصواب، وبعد تبنيها يجري الفهم للفروع بحسب هذه القواعد.
وبعد معرفة الأصول والقواعد الأصولية تكون الجماعة قد ملكت القدرة على فهم الشرع من مصادره، وليس عليها بعد ذلك إلا أن تتبع طريقة الاجتهاد المعروفة الثابتة. وهذا ما يجب أن تمتاز به الجماعة عن غيرها. وهذا ما يجب أن تخرج به للناس عن طريق تثقيف شبابها به. وهذا أول ما يجب أن تقوم هذه الجماعة على أساسه.
نعم إن عمل المجتهد كعمل الطبيب. أول ما يفعله أنه يسمع للمريض وصف حاله. ثم بعد هذا يحدد المرض الأساسي الذي يشكو منه هذا المريض بعد أن يبعد عنه التأثر بأعراض المرض. ثم بعد هذا يعود بالذاكرة إلى العلم الذي اكتسبه أيام الدراسة، وقد يراجع الكتب التي تعينه على وصف العلاج، ثم بعدها العلاج أي إنه انتقل إلى الناحية النقلية في وصف العلاج.
نعم إن الجماعة التي تريد التغيير وتقوم به، إذا كانت جماعة إسلامية فيجب أن يكون تغييرها إسلامياً. وأن يكون التغيير بناء على الدليل الشرعي وليس بناء على الرأي الشخصي ولا الهوى ولا المصلحة العقلية ولا الواقع والظروف. بل الشرع هو الذي يجب أن يملي على الجماعة الحكم الشرعي. وليست محبة الإسلام والغيرة على أوضاع المسلمين هي التي تُملي على الجماعة أي حكم، فمصلحة المسلمين يحددها الشرع. والشرع جاء بمصلحة المسلمين. وهنا لا بد من بعض التفصيل الذي يجلو نظرة الإسلام إلى المصلحة. ومتى تكون المصلحة معتبرة شرعاً.

المصلحة:
المصلحة هي جلب منفعة أو دفع مضرة، وهي إما أن يقررها العقل، وإما أن يقررها الشرع. فإن ترك تقريرها للعقل استغلق على الناس تقرير المصلحة الحقيقية، وذلك أن العقل محدود. وهو لا يستطيع الإحاطة بكنه الإنسان وحقيقته. فلا يستطيع أن يقرر ما هو مصلحة له لأنه لا يدرك حقيقته حتى يدرك أن هذا الشيء هو مصلحة أو مفسدة. ولا يدرك حقيقة الإنسان إلاّ خالقه. ولا يمكن أن يقرر مصلحته على وجه التحقيق إلاّ خالقه، وهو الله سبحانه وتعالى. نعم إن الإنسان يمكنه أن يظن أن هذا الشيء مصلحة أو مفسدة ولكنه لا يمكنه الجزم بذلك. لذلك كان ترك تقرير المصلحة بناء على الظن يؤدي إلى الوقوع في المهالك. إذ قد يظن الشيء مفسدة ثم يظهر أنه مصلحة، فيكون قد أبعد الخير عنه. وقد يظن الشيء مصلحة ثم يظهر أنه مفسدة، فيكون قد أوقع الضرر بنفسه. وقد يحكم العقل اليوم على الشيء أنه مفسدة ثم يتبين له غداً أنه مصلحة، أو يتبين له أنه مفسدة اليوم بعد أن كان حكم عليه بالأمس أنه مصلحة. وهذا لا يجوز في الحكم على الشيء. وهذا ما تشتهر به الأنظمة الوضعية، فواضعوها من البشر يتوخون بها الخير للناس. فإننا نراهم دائمي التغيير والتعديل في القوانين، حتى أصبح تطوير النظام من مستلزمات حلهم لمشاكلهم، لأنهم في الواقع لم يستطيعوا حتى الآن التوصل إلى الحكم على الأشياء والأفعال الحكم النهائي الصحيح. ومن هنا حكمهم بأن الذي لا يطور نظامه فهو جامد متحجر، ومن هنا نرى تأثر المسلمين بالكفار في هذه الناحية. فدفاعاً عن أنفسهم ودينهم، ولبعدهم عن الفهم الصحيح لطبيعة الإسلام نراهم ينساقون مع عدوهم في تبني طبيعة التفكير هذه.
إن الخالق وحده هو الذي يدبر أمر الإنسان ويحل له مشاكله الناشئة عن حاجاته وغرائزه ويشبعها الإشباع الصحيح. والمطلوب هو المعالجة الصحيحة المنطبقة على الواقع الذي يراد معالجته. وبما أن واقع الإنسان هو هو لا يتغير فتكون معالجاته ثابتة لا تتغير، فالرجل من حيث هو رجل يحتاج بحسب طبيعته الثابتة إلى إشباع ميله نحو المرأة. وبما أن الرجل والمرأة كواقعين هما ثابتان لا يتغيران، فالأصل في العلاقة أن تبقى ثابتة فليس من المقبول أن نضع نظاماً يحدد علاقة الرجل بالمرأة ثم نعود ونغير هذا النظام بعد فترة بحجة التطور طالما أن واقعهما لم يتغير. وهكذا.
فالخمر كواقع هو هو لم يتغير، فما الدافع لتغيير حكمه كلَّ حين ؟.
والمسير كواقع هو هو لم يتغير، فما الدافع لتغيير حكمه كلّ حين ؟ وهكذا...
لذلك فإن التطور والمرونة والعصرنة هي من مواصفات الأنظمة الوضعية التي لا تهتدي إلى الحق، فهي ستستمر في عملية التغيير الذي يعبر عن عجز الإنسان في الاهتداء من عند نفسه إلى النظام الصحيح، وهي ستعبر عن هذا العجز بتذويق لفظي من مثل التطور. ومن هنا رفض القاعدة المسماة شرعية ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان والمكان ) بل ينكر.
ومن هنا فإن حكم الله في المسألة الواحدة واحد لا يتعدد. فإن تغير واقعها تغير الحكم تبعاً لتغير الواقع. فالعنب يأخذ حكم الإباحة، ومتى تغير واقعه بأن أصبح خمراً تغير حكمه وصار محرماً، ومتى تحول إلى خل احتاج إلى حكم آخر وهو الإباحة أيضاً، ولا عبرة بالمكان ولا بالزمان. فلا يحرم الشيء في مكان ويحل في مكان آخر، وكذلك لا يحل الشيء في زمان ويحرم في زمان آخر. فلا تأثير للزمان والمكان على الحكم الشرعي.
والشريعة الإسلامية حاوية لأحكام الوقائع الماضية كلها، والمشاكل الجارية جميعها، والحوادث التي يمكن أن تحدث بأكملها، حيث لا تقع واقعة ولا تطرأ مشكلة ولا تحدث حادثة إلا ولها محل حكم، فقد أحاطت الشريعة الإسلامية بجميع أفعال الإنسان إحاطة تامة شاملة.. قال تعالى: ﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء ﴾ فهي إما أن تنصب عليه دليلاً من لقرآن والحديث، أو تنبه على الباعث على تشريعه، وهذا يحتاج إلى ذكر علة يدل عليها النص أي علة شرعية، وليس علة عقلية. وهنا يجب الوقوف قليلاً لبيان الفرق بين القياس العقلي والشرعي.

القياس العقلي:
إن العقل يقضي التسوية في الحكم بين المتماثلات أو المتشابهات، لذلك يجعل القياس موجوداً بين كل أمرين بينهما وجه شبه. ويفرق بين المختلفات أي يعطي أحكاماً مختلفة بين الأمور المختلفة.
وهذا على خلاف القياس الشرعي لأن الشرع كثيراً ما فرق بين المتماثلات وجمع بين كثير من المختلفات. فالشرع فرّق في المتماثلات بين الأزمنة ففضل ليلة القدر على غيرها من الليالي، وفرّق في المتماثلات بين الأمكنة كتفضيل مكة على المدينة، وكتفضيل المدينة على غيرها، وفرّق في الصلوات بين الرباعية والثلاثية في القصر فرخص في الرباعية ولم يرخص في الثلاثية ولا في الثنائية. وكل هذه لا مجال للعقل أن يماثل فيها. وأوجب الغُسلَ من المني الطاهر والتطهير من المذي النجس مع أنهما نزلا من مكان واحد. وجعل عدة المطلقة ثلاثة قروء وعدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً مع استواء حال الرحم بينهما. وجمع بين الماء والتراب في الطهارة مع أن الماء ينظف والتراب يوسخ، وجعل القتل عقوبة الزاني المحصن وعقوبة القاتل العمد وعقوبة المرتد مع وجود الفرق بينهم.
وكذلك بين الشرع أحكاماً لا مجال للعقل فيها فحرم بيع الذهب بالذهب بالتفاضل أو نسيئة، وحرم لبس الذهب على الرجال دون النساء، وكذلك الحرير. وحرم الربا وأحل البيع، وأجاز شهادة الكافر في الوصية وشرط أن يكون الشاهد مسلماً في الرجعة.
من هنا كان قول سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي عنه: " لو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره ".
هذه مقدمات لا بد منها للجماعة أو الحزب الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية. وكان لا بد أن يظهر في ثقافته كيف يفهم الواقع ويُبَيّنه للناس حتى يقفوا على حقيقته، وكان لا بد من تحديد المصادر الشرعية والقواعد الأصولية وتبنيها وتنشئة الشباب عليها، لأن عملية تكوين عقليتهم يجب أن تنشأ على مثل هذه القواعد. وهذا أيضاً يكون جزءاً من ثقافة الجماعة. وكذلك كان لا بد من تبني الثقافة الأصولية والفكرية التي تحافظ على نقاوة الوحي وصفاء الفكر واستبعاد كل ما من شأنه أن لا يحافظ على الوحي صافياً من مثل ( لا ينكر تغير الأحكام بتغيّر الزمان والمكان ) , ( الضرورات تبيح المحظورات ) بمعناها الشامل، ( الدين مرن ومتطور ) , ( حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله ).
نعم هذا ما يجب أن تتبناه الجماعة كأصول لها، تحكم نظرتها وفهمها للشرع قبل أن تتبنى الأحكام الشرعية المتعلقة بعملها، وليكون التقيد على ضوئها. حتى ترضي ربها.
وقد تتعدد الاجتهادات في المسألة الواحدة. فعلى الجماعة أن تتبنّى حكماَ شرعياً في المسائل الخلافية بناء على قوة الدليل وأن تثبت عليه. وتُعرَف الجماعة بعدها بأصولها وفروعها. فتبني شبابها عليها، وتنزل ساحة المعركة بها وتناقش بها، وتحمل الآخرين على تبنيها بالحجة والإقناع كما أخذتها هي لنفسها بالحجة والإقناع. وتعمل على الوصول لتحقيق غايتها بناء عليها وإلا فإنها ستضيع فكرياً وستتخبط في طريقة عملها.
وبحث المصادر والأصول مقدم على بحث الأحكام الشرعية المتعلقة بتغيير الواقع. فالجماعة سوف تعترضها مشقات وصعوبات هائلة أثناء سيرها في طريقها، فهي إن لم تتبنّ في الأصول وبشكل منضبط، وبحسب قوة الدليل، فإننا سنراها سريعة التقلب وسريعة في تغيير ما عندها. فقد تلجأ إلى الدخول في اللعبة الديمقراطية – كما يقولون – مع النظام الفاسد القائم والذي هو المشكلة والعقبة الرئيسية في وجه الدعوة، بحجة أن هناك أصلاً يوافق هذا التوجه وهو أن الإسلام فيه الشورى التي تشبه الديمقراطية. وقد تلجأ إلى مسايرة الأديان السابقة والأخذ منها بحجة ( أن شرع من قبلنا هو شرع لنا ). والذي ألجأهها إلى هذا التغيير هو صعوبة السير في الطريقة الشرعية الصحيحة. أو قد ترى أن عملها بأسلوب الجمعيات يوصلها إلى تغيير الواقع، فتغرق في الأسلوب على حساب الطريقة. أو قد تعتمد العمل المسلح لأن الظروف فرضت عليها هذا العمل وليس الحكم الشرعي.
فتبني الأصول والمصادر، واتباع طريقة الاجتهاد الشرعية الثابتة هي التي تقيّد الجماعة بما يريده الله وحده وليس بما يفرضه الواقع والظروف أو تمليه المصلحة.

--------------------------------------------------------------------------------
  #3  
قديم 03-04-2005, 05:17 PM
mohd_1954 mohd_1954 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 98
إفتراضي

وبهذا تتوصل الجماعة بعد تحديد طريقتها في التفكير الشرعي إلى تحديد طريقها في العمل. وإلا تشعبت بها السبل، ولن يعبأ الله بمن تشعبت به السبل في أي وادٍ هلك.
والحزب أو الجماعة بعد أن تحدد مصادر ثقافتها وضوابطها، لا بد من أن تنتقل إلى تحديد هذه الثقافة على ضوء هذه المصادر والأصول التي تبنّتها.
فهي في بحثها المصادر والأصول تعمل على أن لا يختلط فهمها للشرع. وتعمل على أن تبعد كل ما لا يحافظ على نقاوة الوحي، وتعمل على عدم تأثير الهوى على فهم الشرع، وعلى عدم تحكم العقل بالتشريع. ولا يمكن البحث في ثقافة الجماعة من غير بحث المصادر والأصول التي تقوم عليها.
وبناء على ما تقدم يجب أن تنتقل هذه الجماعة إلى الواقع الذي تعيشه الأمة فتدرسه وتدرس ما فيه من أفكار ومشاعر وأنظمة، لمعرفة مدى تجاوب الناس وتقبلهم لهذه الأفكار ولهذه الأنظمة. فالأمة غزيت بالأفكار الكافرة التي صورها الكافر بأنها الدسم الذي تحتاج إليه لتستعيد به عافيتها. والأمة حكمت سياسياً بحكام نواطير نصبهم الكافر المستعمر على رقاب المسلمين ليتسلط بهم على خيرات الأمة، وليمنع بهم أي عمل مخلص يهدد مصالحه، ويشكل خطراً على استعماره. وحيث أن الكافر الغربي المستعمر يعي خطورة العمل الجماعي المنظم على بقائه وتركزه، بث في الواقع أفكاراً تنفر من العمل الجماعي أو الحزبي. وعمل بالمقابل على تشجيع الناس للقيام بالأعمال الجماعية الجزئية، والتي تعالج المشاكل الفرعية، من مثل الفقر وفساد الأخلاق. وكذلك فقد زعزع هذا الكافر الغربي ثقة المسلمين بدينهم أنه هو المعالجة الصحيحة الوحيدة لمشاكل الناس، حين فصل عند المسلمين عقيدتهم عن حياتهم، وألزمهم هذا الفصلَ ومنعهم من العمل على إلغائه، وهكذا. فعلى الحزب أو الجماعة أن تدرس الواقع وما فيه من أفكار ومشاعر وأنظمة دراسة عميقة دقيقة لتعرف على أي أرض تقف. وما هي طبيعة هذه الأرض، ولتعرف فيما بعد كيف تسير عليها، وما تحتاجه من معاول وآلات لتذليل عقباتها، وما تحتاج من أسمدة ومواد لتستعيد خصوبتها. فلا بد من فهم الواقع أولاً. وهذا بحد ذاته يشكل جزءاً مهماً من ثقافة الجماعة، لأن عليها أن تتبينه وأن تبينه لشبابها وللناس حتى لا يغفلوا عنه، وحتى يدركوا فيما بعد أهمية العلاج وصوابيته.
وبعد أن يتحدد الواقع الفكري والسياسي والاجتماعي الذي تعيشه الأمة تنتقل الجماعة إلى تبني الأفكار والآراء والأحكام الشرعية على ضوء الأصول والضوابط والمصادر الشرعية التي ذكرناها آنفاً، وتبين للناس ولشبابها الطريقة التي توصلت بها إلى هذه الأفكار والآراء والأحكام الشرعية، لأن من شأن ذلك أن يوجد القناعة والوعي والشخصية الإسلامية عند شباب الجماعة بشكل مركز، وعند الأمة بشكل عام.
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م