كبرياء من عهد السفن
على ظهر الأمواج تطفو سفينة
يحيط بها الإعصار يرقبها الصخرُ
تسير فلا الإعصار بدل دربها
وليس بها ممن حولهــا الضجـرُ
تسير وعرض البحر ملعب لها
لها في كل صولاتها النصـــرُ
شراع له الأنواء بالليل رُصَّعت
شهيد على كبريائها البـــــدرُ
فيسطع كي يلقي على صدرها السنا
يقول لها منــي ذلك المهـــرُ
يسير بطول الليل حارساً لهـــا
يسامرها في الليل أنجمه الزُّهــُر
بها دون المرجان واللــؤلؤ الذي
يموج به البـحر يفتخـر البحـرُ
لها زورق الإعياء قد مد كفـــه
فمدت له الكفين بغيتها الأجـــرُ
تروح وما منت يوماً بطـــيبٍ
لزورق قد ضمته واتسع له الصـدرُ
تحن لها الدنيا بعذب ومالـــح ٍ
فيشتاقها البحر أو يشتاقها النهــرُ
صبور على الآلام والجرح والضنا
فمن شدة الطعنات يحمرُّ الظهــرُ
ففي عتمة الإظلام يطعنها بــردٌ
وفي لفحة الإصباح يصفعها الحـرُّ
ولو لم تك الحيتان تخشى هجومها
وتعلم كم ذا في مقدورها القهــرُ
لما بيتت لها من ليـــلها الأذى
ولا كانت لها بالسفـــن الـغدرُ
وتدنو من الشطآن يحــتفي بها
مستبشراً بالعود من سكنى له البـرُّ
***
ألا أيها العملاق في البحر ما الذي
يكون إذا ما اشتد أو ضاق الأمرُ ؟
وأصبح فوق الأرض شر من الذي
رأيت من الأمواج يلعنه الشــرُ؟
.. وحيد على الأشواك أحنى جبهة
له من دون الناس يحسده الشعـرُ
له بين السير والقلب صامدٌ
يؤذن طير الموت والأفق المــرُّ
يسير إلى يمن يسير ليسرةٍ
ففي باطن ليل ٌ ،ظاهره الفجــرُ
يحيط به سرب شبيه حمائم
إذا ما جن الليل كلهم الصقـــرُ
له بحر الأشواك مادٌّ ذراعه
وقد نمت الأعواد وانتشب الظُّفـرُ
تعلم منه الصبر بأسه فمـا
يكون له من بعد محنته ضـــُر
***
هنالك في الميناء حطت سفينة
يتوق لها الملهوف يملؤه الـبِشرُ
يقول لها هوناً شراعك ناحـلٌ
يئن من الآلام يكتمه الكــبرُ
وإن لك الميناء لينٌ وراحة
وفي باطن الأخطار كم صرخ العمرُ
لنهنأ بعد الكدح والغم ساعة
فبين حرير الكف لا البحر الأسرُ
وهل تلكم الأيام للموج صاحبٌ
فبعد صخور العسر ينبجس العسرُ ؟
فقالت يا بن البر ما أنا اللتي
بهمتها الواحات والربى الخُضـرُ
ولا أنا في الشطآن عمري معطلٌ
ولا وجهتي الأصحاب والأوجه الغــرُّ
أسير وفي الآفاق موت مجهّزٌ
وفي كل شبر من خطوتي قبــرُ
سأبقى بطول الليل جفني مسهَّدٌ
فإن أغمضت الجفنَ فارقني السَّيرُ
***