مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 01-10-2003, 03:31 AM
علي علي2 علي علي2 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 156
إفتراضي المرأة في معركة اليرموك

و للمرأة دور نضالي فـي معركة اليرموك ـــ د.محمود الربداوي*

فـي البدء لا يملك المرء إلا أن يبدي إعجابه بالجهود العظيمة التي بذلها (الجنرال أكرم) الضابط المدرِّب المؤرخ في كلية الأركان الباكستانية (كلية كويتا) الذي ألف كتابه (خالد بن الوليد: سيف الإسلام) وترجمه إلى العربية العميد الركن صبحي الجابي، فعندما شعر
الجنرال أكرم بأن في التاريخ الإسلامي إنجازات عسكرية عظيمة، ومعارك قامت بها جيوش المسلمين، وقادة كانوا موهوبين في إدارة استراتيجية الحروب، ووجد أن إنجازات هؤلاء القادة ما زالت صورتها الحقيقية المتألقة لم تعطَ حقّها من البحث الجاد، أخذ على عاتقه أن يوقف محاضراته في كلية الأركان، وأن يرحل إلى البلاد العربية التي كانت ميدان الحملات المظفرة التي أنجزها قادة غيَّروا وجه التاريخ بانتصاراتهم على القطبين الوحيدين الفرس والروم في عالم السياسة والحرب في القرون الوسطى، وهذه المنجزات التي حققوها هي التي أخرجت العرب من عصر الظلمات إلى عصر النور، وهي التي ننعم بالعيش على مكتسباتها الآن، بعد أن انتشر العرب خارج جزيرتهم، وملكوا أصقاع المعمورة وورثوا تركة حضارتين من أعظم الحضارات التي قامت في آسيا وأوروبا، غير أن الصورة الحقيقية لتحرك هذه الجيوش العربية وتفاصيل المعارك وجزئيات ميادين القتال لم يتضمنها كتاب عصري واحد، صادق المعلومة، مبرأ من الهوى و(الشوفونية) وإنما ما زالت هذه التفاصيل- وحريٌّ بجيل الألفية الثالثة أن يعرفها لكي لا ينقطع التواصل بين الماضي والحاضر استعداداً لانطلاقة المستقبل- أقول هذه التفاصيل ما زالت مغيبة، وما زالت دفينة متفرقة في بطون أسفار التاريخ والأدب، وهذا الذي حفز رجلاً غيوراً هو الجنرال أكرم أن يتجشم عناء الارتحال والبحث والتنقيب في الجزيرة العربية والعراق والأردن وبلاد الشام ليتقرى واحدة من مسيرات الأبطال العرب ممثلة بخالد بن الوليد. تتبع تحركات خالد من المدينة إلى اليمامة إلى القادسية إلى اليرموك، إلى دمشق، ثم استقر آخر أيامه في حمص حيث وافته منيته في مطلع العقد الثالث الهجري الذي مضى عليه أربعة عشر قرناً، فلكي لا ينسى الجيل الحاضر- بفعل مرور أربعة عشر قرناً- أمجاد تاريخه نكتب له هذه الصفحات. ولما كانت منجزات ابن الوليد لا تتسع لها الصفحات ولا المؤلفات لذلك سنقتصر على صورة جزئية من جزئيات اليرموك، ذات دلالة كبيرة تحفز الرجل والمرأة على أن يدرك أن هذه الأمة العربية العظيمة أمة ليست بعقيم، وإنما هي أمة ولود، مصداق ذلك هذه الصور (الاستشهادية) التي يُقدمها الشباب والشابات دفاعاً عن الأرض التي أورثهم إياها خالد وعمر، الأرض الحافلة بالمقدسات للمسلمين والنصارى.

لقد كتب عن خالد بن الوليد الكثير من المؤلفات، ولكن الكتابة عن أيام معركة (اليرموك Hieromax) قليلة نسبياً، وما كُتب عن تلك الأيام معاد مكرَّر، وبقيت هناك جوانب أخرى مغيّبة لم تتطرق إليها المؤلفات، وحتى موقع اليرموك من جغرافية الوطن العربي لا يعرفه الكثيرون من أبناء العرب، وعلى الرغم من موقع نهر اليرموك بين سورية والأردن إلا إن نسبة قليلة جداً جداً ممن يعرف، بالضبط، أين دارت رحى المعارك الفاصلة بين العرب والروم، وأين تركزت حركة الكر والفر بين الجيشين من ضفتَيْ الوادي الذي يبلغ طول تعرجاته وروافده من (الهرير والعلاّن والرقّاد) حوالي خمسين كيلومترا، وأين تقع من شط الوادي مخاضة (الياقوصة، أو الواقوصة) التي شهدت الموقف الحاسم من الانتحار القسري الذي تساقط فيه ما يقرب من أربعين ألفاً من فرسان الروم ورجّالتهم.

النقطة التي أراها جديرة بالبحث ولمّا تُبحث من قبل إلا لماماً تتمثل بالدور العظيم الذي قامت به نساء المسلمين في اليرموك، وهو دور مشرِّف على غاية من الأهمية، على الرغم من أن المراجع التاريخية مرّت عليه مروراً سريعاً، ولم تُوفِّه حقه من التحليل. والذين كتبوا عن هذه المعركة إما مؤرخ لا يعرف استراتيجية الحرب، وإما عسكري يعرف فنون الحرب ولكنه لا يعرف تاريخ نشوء الأمم والأحداث المفصلية التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في تغيير الهويات الجغرافية وجنسيات الأعراق المسيطرة عليها.

تجمع المصادر على أن أول من فتح باب الحرب في اليرموك غلام حدَث من الأزد يرغب في الاستشهاد، فحمل على الروم وهو ينشد رجزاً، فقتل أربعة من جنود الروم، وقُتل في مبارزته للجندي الخامس، وعندها شدَّ الروم على المسلمين فكشفوا ميمنتهم، فتراجع المسلمون إلى التل المرتفع الذي ارتأى أبو سفيان على القائد العام أبي عبيدة أن تُخيّم نساء المسلمين فيه. فقال أبو عبيدة: نعم ما رأيت، فأمرهن بذلك، ففعلنَ وعلون على التل، وحصنَّ أنفسهن مع أولادهن، ومعهن الأولاد والأطفال. قال أبو عبيدة لهن: خذن بأيديكن أعمدة البيوت والخيام، واجعلنَ الحجارة بين أيديكن، وحرِّضن المؤمنين على القتال... فقالت النساء: أيها الأمير، أبشِر بما يسرك.([1]) وأن ينتشر الجيش الذي أصبح قائده العام خالد بن الوليد بين أذرعات ونهر الهرير([2])، وهذا التل المرتفع- بتقديري- هو أحد تلَّين لا ثالث لهما في هذه البقعة من سهل حوران: تل الأشعري الذي يقع في الضفة الشرقية لنهر اليرموك([3])، يمكّنه ارتفاعه من الإشراف على ضفتَيْ الوادي. ويطل على السهل الذي ينتشر فيه الجيشان، فيراقب حركتَيْ الكرّ والفر لإطلالته على السهل الذي فُرضت فيه المعركة، والتل الثاني تل الخمّان، وربما أشار أبو سفيان باختياره لتخييم النساء فيه؛ لأنه جاء في مشورته على المسلمين أن يجعلوا (أذرعات)([4]) وراء ظهورهم ليتمكن مخيَّم الجيش الإسلامي من سهولة التواصل مع دار الخلافة في المدينة لتسلُّم الإمدادات والبريد، وله خصوصية أخرى وهي عزل النساء والأولاد عن بؤرة المعركة ونقاط تحرك المتحاربين. وبالمناسبة، جديرٌ بي أن أذكر أن جيوش المسلمين- في القرن الهجري الأول- كانت فيالق، هي بدورها تتألف من سرايا- بالمعنى الواسع للسرية- والسرايا قوامها وحدة القبيلة ببطونها وأفخاذها، تأتمر بإمرة شيخ القبيلة الذي يتلقى تعليماته من القائد الأعلى للجيش، ودرج المحاربون على اصطحاب أسرهم معهم في الغزو والجهاد؛ لأن ذلك أدعى لصمود المحارب الذي يدافع عن عقيدته أولاً، وعن أسرته المعسكِرة خلفه ثانياً. ولذلك فقد اصطحب المحاربون أسرهم في غير ما غزوة قبل قدومهم إلى اليرموك، وقد سجل لنا التاريخ العربي بطولات نسائية مشرِّفة في هذه الغزوات داخل الجزيرة العربية وخارجها. وهذا ما حصل في معركة اليرموك التي يمكن أن نلخص الدور الذي قامت به المرأة الرديف للمحارب بالمهمات التالية.

1-الوقوف أمام المنهزمين من المحاربين العرب، وتشجيعهم للدفاع عن الحرمات والذراري- وهذا هو جوهر الغاية من مرافقة النساء لرجالهن في الغزوات والحملات- كالذي شاهدناه في الأيام الأولى من معركة اليرموك عندما تراجعت جيوش المسلمين حتى وصلت إلى التل الذي تعتصم فيه النساء. يقول الواقدي: "ونظرت النساء خيل المسلمين راجعة على أعقابها، فنادت النساء: يا بنات العرب! دونكن والرجال، ردوهم من الهزيمة حتى يعودوا إلى الحرب، قالت سعيدة بنت عاصم الخولاني: كنتُ في جملة النساء، يومئذ على التل، فلما انكشفت ميمنة المسلمين صاحت بنا عفيرة بنت غفار، وكانت من المترجلات الباذلات ونادت: يا نساء العرب، دونكن والرجال، واحملن أولادكنّ على أيديكنّ، واستقبلنهم بالتحريض؛ فأقبلت النسوة يرجمن وجوه الخيل بالحجارة، وجعلتْ ابنة العاص بن منبّه تنادي: قبّح الله وجه رجلٍ يفرّ من حليلته؛ وجعل النساء يقلن لأزواجهن: لستم لنا ببعولة إن لم تمنعوا عنا هؤلاء الأعلاج؛ قال العباس بن سهل الساعدي: كانت خولة بنت الأزور، وخولة بنت ثعلبة الأنصارية، وكعوب بنت مالك بن عاصم، وسلمى بنت هاشم، ونعم بنت فياض، وهند بنت عتبة بن ربيعة، ولُبنى بنت جرير الحميَريّة، متحزّمات وهن أمام النساء والمزاهر معهن، وخولة تقول هذه الأبيات[5])

يا هارباً عن نسوةٍ ثقاتْ

لها جمالٌ ولها ثباتْ

تسلّموهن إلى الهناتْ

تملك نواصينا مع البناتْ

أعلاجُ سوق فُسُقٌ عتاة

ينلن منا أعظم الشتاتْ


قال: ورجعت النساء تحرّض الفرسان على القتال، فرجع المنهزمون رجعة عظيمة عندما سمعوا تحريض النساء، وخرجت هند بنت عتبة وبيدها مزهرها ومن خلفها نساء من المهاجرين وهي تقول الشعر الذي قالته يوم أُحُد، وهو هذا:

نحن بنات طارقْ

نمشي على النمارقْ

مشيَ القطا الموافق

قيدي مع المرافقْ

ومن أبى نُفارقْ

إن تغلبوا نمالق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

هل من كريم عاشق

يحمي عن العواتق؟!


قال: ثم استقبلتْ خيل ميمنة المسلمين فرأتهم منهزمين، فصاحت بهم: إلى أين تنهزمون؟ أين تفرون من الله ومن جنّته وهو مطلع عليكم؟ ونظرتْ إلى زوجها أبي سفيان منهزماً، فضربتْ وجه حصانه بعمودها، وقالت له: إلى أين يابن صخر؟ ارجع إلى القتال، وابذل مهمتك، حتى تمحّص ما سلف من تحريضك على رسول الله (r). قال الزبير بن العوام: فلما سمعتُ كلام هند لأبي سفيان ذكرت يوم أُحُد ونحن بين يديْ رسول الله (r)، قال: فعطف أبو سفيان عندما سمع كلام هند، وعطف المسلمون معه، ونظرتُ إلى النساء، وقد حملن معهم، وقد رأيتهن يسابقن الرجال وبأيديهن العُمُد بين أرجل الخيل، وقد رأيت منهن امرأة وقد أقبلتْ إلى علجٍ عظيم، وهو على فرسه، فتعلقتْ به، وما زالت به حتى نكسته عن جواده وقتلتْه، وهي تقول: هذا بيان نصر الله المسلمين.([6]) وكان هذا الموقف من النساء من المواقف الرائعة التي أسهمت في حسم معركة يتقابل فيها جيشان غير متكافئين عدداً وعدة، ولكن مثل هذا السلاح المعنوي رجّح ميزان الجندي العربي فزاد في بسالته، فعاود الهجوم بعد الانهزام؛ لكيلا يشعر بالإهانة والمذلة أمام نساء القبيلة، ولذلك قال منهال الدوسي: "فلقد كانت النساء أشد علينا غلظة من الروم، فرجع المسلمون عن الهزيمة ونادى بعضهم بعضاً، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"([7]).
  #2  
قديم 01-10-2003, 03:32 AM
علي علي2 علي علي2 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 156
إفتراضي

وكانت النساء لا تستغل في الرجال عاطفة الأبوة، وظاهرة الدفاع عن الحُرمات، وهي قيمة أخلاقية ابتدأت في الجاهلية وتنمّت في الإسلام، وإنما لجأت النساء إلى استفزاز الرجال وتحريضهم بلمس العقائد الدينية التي أصبحت بعد انتصار الإسلام وانتشاره في العقدين الأولين من القرن الهجري الأول الدافع الأساس للجهاد، والمرغّب الأصل في الشهادة لنصرة الدين، وخاصة أن المسلمين يحاربون جيشاً يغايرهم تماماً في العقيدة فتلجأ المرأة لا إلى دالّة الزوجية وإنما للنخوة الدينية كالحالة التي رأيناها عندما هاجم بطارقة الروم قلب الجيش الإسلامي وميمنته. حيث كان لواء القلب بقيادة يزيد بن أبي سفيان، ولواء الميمنة بقيادة عمرو بن العاص فتكاثر الروم عليهما، فتراجع المسلمون حتى التصقوا بالتل الذي عليه النساء، وأحاطوا بالتل، فصاحت امرأة: أين أنصار الدين؟ أين حماة المسلمين؟ وكان الزبير بن العوام جالساً عند زوجته أسماء بنت أبي بكر، قال: يا أسماء ما لهذه المرأة تصيح: أين أنصار الدين؟ فقالت له عفرة بنت عثمان: يابن عمة رسول الله (r) انهزمت ميمنة المسلمين، حتى ألجأهم الروم إلينا، وأحاط بنا الأعلاج وهذه نساء الأنصار مستصرخة بأنصار الدين، فقال الزبير: والله إني أنا من أنصار الدين، ولا يراني الله جالساً في مثل هذا الوقت، قال: ثم طرح الخرقة عن عينه واستوى جالساً على متن جواده، فأخذ قناته وجعل يطعن فيهم طعنا متداركاً حتى ردهم على أعقابهم"([8])

ولم تقتصر هذه المواقف الشجاعة على أن تحرِّض المرأة زوجها الذي لها عليه من الدالة ما يسمح بمثل هذا التحريض المشوب باللوم، ولكنْ تعداه إلى مواقف أنثوية أكثر شجاعة حيث تقف امرأة أمام خالد بن الوليد لتذكّره بأنه القائد العام لجيش المسلمين، والقائد قدوة لجنوده، فإن ثبت في المعركة ثبت رجاله، وإن وهن انهزم رجاله. وصف الواقدي حملة القائد الرومي (قناطر) بأنها من أشد الحملات مما زعزعت صفوف جيش المسلمين، مما اضطر خالد إلى إعادة ترتيب صفوف جنده، فإذا هو يعبئ ألويته أقبلت إليه امرأة اسمها ذرعة بنة الحارث منحدرة عن التل، حتى وقفت بين يديه، وقالت: "يابن الوليد، أنت من العرب الكرام، وإنما الرجال بأمرائها، فإن ثبتوا ثبتت الرجال معهم، وإن انهزموا انهزمت الرجال معهم، فقال لها خالد: ما كنتُ من المنهزمين، وما كنا إلا نقاتل في الأعلاج، فقالت: قبّح الله وجه عبد نظر إلى أميره ثابتاً وهو منهزم"([9])

2-وقد يقلّل الباحث المنصف من دور النساء في المعركة إذا صوَّر دورهن مقصوراً على مجرد رد المحاربين المنهزمين، وتحريض المقاتلين على العودة إلى صميم المعركة تارةً باستثارة الحافز الديني، وتارة بحافز الدفاع عن الحرمات وحماية الأطفال، وإنما الحق أن يبيّن دورهن في العمليات القتالية نفسها، والاشتباك مع المحاربين الآخرين من جنود الأعداء، وقبل توضيح ذلك حريّ بنا أن نقول إن المصادر التاريخية سواءٌ عند العرب أم عند غير العرب لم تتحدث مطلقاً عن أي دور للمرأة الرومانية، لا في المعركة ولا على هامشها، على حين تحدثت مصادر الطرفين عن مشاركة المرأة العربية في الأعمال الحربية إن في العمليات (اللوجستية) أو في الاشتباكات القتالية. وليس ذلك بغريبٍ على المرأة المسلمة ذلك لأنهن، في فترة مبكرة من تاريخ الإسلام، شهدنَ مع رسول الله المشاهد الحربية، فهن يداوين الجرحى، ويسقين الماء، ويبرزن للقتال، ويقول عبد الله بن قرط: "ولم أر امرأة من نساء قريش قاتلت بين يدي رسول الله (r) ولا في اليمامة مع خالد ما قالت نساء قريش يوم اليرموك، حتى دهمهنّ القتال، وخالط الرومُ المسلمين، فضربن بالسيوف ضرباً وجيعاً، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب (رض)، وكان قد انضمت النساء المهاجرات لغيرهن وقامت الحرب على ساق، وتنادى النساء بأنسابهن وأمهاتهن وألقابهن، وجعلن يقاتلن قتال الموت، ويضربن وجوه الخيل بالعمد، ويلوّحن بالأطفال، وجعل النساء بعضهن يقاتل المشركين، وبعضهن يقاتل المسلمين حتى رجعوا إلى قتال المشركين"([10]).

ومما يلحق بإدارة (تكتيك) المعركة ذلك الموقف النفسي العظيم الذي وقفتْه النساء المخلصات من المهاجرات والأنصاريات عندما هجم الروم على مخيَّم النساء وكان فيه مجموعة من نساء لخم وجذام وخولان، وهي قبائل عربية كانت تعيش في الجولان ومشارف الشام، وتتذبذب في ولائها للروم أولاً، حتى ملكهم جبلة بن الأيهم الغساني قاد جيشاً من متنصرة الشام وحارب المسلمين في يوم اليرموك. أعود إلى الموقف النفسي الرائع الذي وقفته نساء المهاجرين والأنصار عندما لمسنَ ضعف نفسيات تلك النساء وخورهن وانهزامهن، فلاحظت المهاجرات أنه من الحفاظ على وحدة الصف العربي، وتماسك الجبهة النسوية العربية أن تُخرَج هذه النسوة الضعيفات العقيدة، المتذبذبات الولاء من الصف، فروت المصادر الموثوقة أن المحنّكات الحكيمات من نساء المؤمنين من بينهن خولة بنت الأزور، وأم حكيم بنت حكيم بنت الحارث، وسلمى بنت لؤي "وجعلنَ يضربن في وجوههن ورؤوسهن بالعُمُد، ويقلنَ: اخرجنَ من بيننا، فأنتن توهِنَّ جَمْعنا" قال الذين شهدوا المعركة ورأوا بأم أعينهم هذا الموقف: "فرجعتْ نساء لخم وجذام يقاتلن قتال الموت، وقاتلت أم حكيم بنت الحارث أمام الخيل بالسيف، وما نسمع يومئذ صوت واحدة من النساء غير صوت واعظة تعظ، وأما أم حكيم فإنها جعلت تنادي: يا معاشر العرب احصدوا الغُلف بالسيوف وأما أسماء بنت أبي بكر فإنها قرنت عنانها بعنان زوجها الزبير بن العوام، فما كان يضرب إلا ضربت مثله" قال شاهد العيان: فانقضَّ المسلمون إلى القتال على أعدائهم حين رأوا النساء يقاتلن قتال الموت، ويقول الرجل لمن يليه: إن لم نقاتل نحن هؤلاء.. وإلا فنحن أحق بالخُدور من النساء فلله در نساء قريش يوم اليرموك."([11])

ومن هذه المواقف الاشتباكية الرائعة ما حدثنا به أبو عامر، وهو جندي شاهد المعركة وقاتل فيها، قال: "وحملتْ خولة بنت الأزور على عِلج من الأعلاج كان قد حمل علينا، فاستقبلته وجعلتْ تشالشه- أي تضربه ويضربها بالسيف- فضربها العلج بسيفه على قصتها فأسال دمها، وسقطتْ إلى الأرض، فصاحت عفيرة بنت عفان، حين نظرتها صريعة، ونادت: فُجِع، والله، ضرارٌ في أخته، فأخذتْ رأسها على ركبتها، والدم قد صبغ شعرها كالشقائق- شقائق النعمان وهو زهر ورقة أحمر داكن- فقالت لها: كيف تجدك؟ قالت: أنا بخير إن شاء الله تعالى، ولكني هالكةٌ لا محالة، فهل لكِ عليَّ بأخي ضرار؟ فقالت عفيرة: يابنة الأزور، ما رأيته، فقالت خولة: اللهم اجعلني فداءً لأخي، ولا تفجع به الإسلام، قالت عفيرة: فجهدتُ أن تقوم معي فلم تقم، فحملناها إلى أن أتينا بها موضعها، فلما كان الليل رأيتها وهي تدور تسقي الرجال، وكأن ليس بها ألم قط، ونظر إليها أخوها والضربة في رأسها، فقال لها: ما بك؟ فقالت: ضربني علجٌ قتلته عفيرة، فقال لها: يا أختاه: أبشري بالجنة، فقد أخذتُ لك بثأر الضربة مراراً، وقتلتُ منهم أعداداً"([12]).

3-وثالثة المهمات التي كانت منوطة بالنساء في الحرب هي العمليات (اللوجستية) صحيح أن هذا المصطلح العسكري حديث، ولكنه من مستلزمات الحرب قديماً وحديثاً ومستقبلاً؛ لأن العمليات اللوجستية ضرورة لا بد منها للجيوش، وقد كانت النساء تقوم بنصيب وافر منها. فكانت تدخل إلى المعركة لإخلاء الجرحى والمصابين، ونقلهم من ساحة المعركة إلى معسكر النساء، وإسعاف من كانت جروحه تنزف، في زمن لم تكن هناك سيارات إسعاف، ولا مستشفيات ميدانية، فدور المستشفى تقوم به نساء خبيرات مدربات في معارك سابقة، على معالجة الجروح وإيقاف النزيف، ومداواة العيون، وخاصة في اليوم الذي عُرف في معركة اليرموك باسم (يوم التعوير) ذلك لأن رماة القوس والنشّاب في صفوف الروم كانوا قد حفروا خندقاً وتواروا فيه، وأُعطوا التعليمات بإطلاق سهامهم ونبالهم على المحاربين المسلمين عندما يقتربون من خندقهم في حالة تراجع جيش الروم، وهذا ما كان فعلاً، فما إن اقترب منهم المسلمون حتى أخذوا يطلقون ما في أقواسهم وجعبهم من السهام، وكانوا من المهارة بحيث يصوّبون نبالهم إلى عيون المسلمين فتصيبها، وقد أُصيب من المسلمين عيون سبع مئة محارب في يوم التعوير، ومنها العين الوحيدة التي كانت لأبي سفيان في معركة اليرموك، فرجع من المعركة أعمى، بعد أن كانت عينه الأولى قد ذهبت في غزوة الطائف، فكانت مهمة النساء معالجة العيون والجروح البسيطة لعل المحارب يستأنف القتال بعد تضميد جراحه.

ومن الأعمال اللوجستية المنوطة بالنساء إعداد الطعام وتهيئة المؤونة والماء، والفائض من السلاح ومخلفات الغنائم، والخيول المكتسبة في المعركة وتقديم العلف لها ولخيول المسلمين البديلة المهيأة لمن فقد فرسه، ولتسلُّم الإمدادات التي تأتي من دار الخلافة في المدينة، واختبار جاهزيتها ووضعها في تعبئة معينة بإشراف القائد العام.

ومن الأعمال العسكرية التي ساهمت بها النساء العربيات حراسة المعسكرات على الحدود الفاصلة بين الجيشين. وتُجمع كتب التاريخ على أن أشد أيام المعركة هولاً تواقف فيها الجيشان من الفجر حتى العشاء وسقوط العتمة، رجع المسلمون إلى معسكر راحتهم، بعد جهاد شاق في ذلك اليوم، لذلك لم يعيِّن أبو عبيدة أحداً من المسلمين لحراسة الجيش؛ لما نالهم من التعب. بل إنه تولى الحرس بنفسه ومعه جماعة من المسلمين، قال: فبينما هو يدور إذ رأى فارسين قد لقياه وهما يدوران بدورانه، فكلما قال: لا إله إلا الله، قالا: محمد رسول الله، فقرب أبو عبيدة منهما فإذا
  #3  
قديم 01-10-2003, 03:33 AM
علي علي2 علي علي2 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 156
إفتراضي

هما الزبير بن العوام وزوجته أسماء بنت أبي بكر الصديق. فسلم عليهما وقال: يابن عمة رسول الله (r) ما الذي أخرجكما؟ قال الزبير: نحرس المسلمين، وذلك أن أسماء قالت لي: يابن عمة رسول الله (r) إن المسلمين مثقلون بأنفسهم في هذه الليلة بما لحقهم من التعب في الجهاد طول يومهم، فهل لك أن تساعدني على حرس المسلمين؟ فأجبتها إلى ذلك، فشكرهما أبو عبيدة، وعزم عليهما أن يرجعا، فلم يفعلا ولم يزالا كذلك إلى الصباح."([13])

وعلى هامش ذلك اليوم يقال: إن خالد بن الوليد قد انقطع في يده تسعة أسياف كلما انقطع سيف استبدل به سيفاً جديداً، وقُتل في يوم التعوير نحو من أربعين ألف رومي أو يزيدون، أما الذين كانوا مربوطين بالسلاسل- وهذه القصة حقيقية، كنا لا نصدِّقها عندما نقرؤها في كتب التاريخ ونحن أطفال- فقد وطئتهم الخيل فانحطم أكثرهم، وتقدمت جيوش المسلمين فوق جثثهم، ويقول المؤرخون إن النساء كانت تحارب أمام الرجال في ذلك اليوم.

وباختصار لقد ركبت المرأة الفرس، وتقلدت السيف، وخاضت الصفوف في المعركة فحققت مع الرجل النصر على الروم، الذين كانت قيادتهم تربطهم بالسلاسل لكيلا يفروا، فخسروا المعركة إلى الأبد، ودخلت أرضُ اليرموك، وما حولها من أراضي حوران والجولان في حوزة المسلمين إلى الأبد، وهي أرض خصبة التربة تتفجر فيها عيون الماء، كانت قديماً تسمى (أهراء روما) وهي الآن تموِّن جنوب سورية بالغلال والخضار والثمار، وكأن القرآن الكريم وصف الروم عندما قال: ]كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك أورثناها قوماً آخرين، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا مُنظَرين[([14]).

هذا الذي أكتبه الآن بعضٌ من بطولات المرأة العربية المسلمة فيما حفظته لنا كتب التاريخ عن معركة اليرموك، وعن جنود خالد بن الوليد وجندياته، وشتان بين دوافع الجنديات المسلمات والجنديات الإسرائيليات والأمريكيات والأدوار الترفيهية التي تقوم بها هؤلاء الأخيرات.

وصورة المرأة العربية في واحدة من معارك المسلمين تعطينا نموذجاً عن جانب من جوانب نضال المرأة، النضال السياسي والعسكري والاجتماعي، وما حاولتُ رسم هذه الصورة إلا لأخذ العِبرة والعظة، وإن كنت لست واعظاً، كما أنني لا أريد باستعراض صور الماضي للرجوع إلى الماضي والتقوقع فيه، وإنما حسبي أن أقتبس من الماضي صوراً مشرقة أضعها بين أيدي أبناء هذا الجيل الحاضر وبناته، وتحت بصر شباب العصر وشابّاته ليكون كل واحدٍ منهم عصامياً لا عظامياً، تقدمياً لا رجعياً، شعاره قول الشاعر:

إن الفتى من يقول: ها أنذا

ليس الفتى من يقول كان أبي


وتقول الفتاة:

لسنا، وإن أحسابنا كرُمتْ

يوماً على الآباء نتّكلُ

نبني كما كانت أوائلنا

تبني، ونفعل مثل ما فعلوا


المصادر والمراجع:

1-تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج2، ص 141 فما بعد.

2-خالد بن الوليد، شوقي أبو خليل، دمشق، ص 62 فما بعد.

3-سيف الله خالد بن الوليد، الجنرال أ.أكرم، ترجمة العميد الركن صبحي الجابي، منشورات هيئة التدريب في القوات المسلحة العربية السورية، دمشق 1976.

4-الطريق إلى دمشق، أحمد عادل كمال، دار النفائس، بيروت، 1405.

5-فتوح الشام، الواقدي (محمد بن محمد)، القاهرة، 1954.

المراجع الأجنبية:

Decline and Fall of the Roman Empire, Edward Gibban, London, 1954.


--------------------------------------------------------------------------------

* رئيس تحرير مجلة التراث العربي.

([1]) تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج2/145. وفتوح الشام للواقدي، 202.

([2]) تسمي المراجع الحديثة التي لم تعرف المنطقة هذا النهر نهر الحرير تأثراً بكتابات الأجانب، وهو ليس بنهر وإنما هو سيل يجف صيفاً.

([3]) يقع تل الأشعري على بعد خمسة كيلومترات من سقوط نهر الهرير في بداية شق حفرة انهدام اليرموك في نقطة تسمى (الطيّاح).

([4]) يطلق عليها في المصادر الرومية اسم (Edrey).

([5]) فتوح الشام، الواقدي، 206، وتاريخ دمشق، ابن عساكر، ج2/152.

([6]) فتوح الشام، الواقدي، 206-207.

([7]) فتوح الشام، الواقدي، 208.

([8]) فتوح الشام، الواقدي، 213.

([9]) فتوح الشام، الواقدي، 209.

([10]) فتوح الشام، الواقدي، ص 218.

([11]) فتوح الشام، الواقدي، 218.

([12]) فتوح الشام، الواقدي، 218.

([13]) فتوح الشام، الواقدي، ص 220.

([14]) سورة الدخان، 26-30
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م