وقفات..0 الوقفة الخامسة: مظاهر الاستدراج

[يوسف المغربي]

يقول تعالى "أيحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون".
وفي الحديث:روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " اذا رأيتم الرجل يعطيه الله تعالى ما يحبه وهو مقيم على معصيته , فاعلموا ان ذلك استدراج"
****************
الإستدراج بند أول في استراتيجية العقاب الإلهي , هذه الاستراتيجية التي تنبني على شقين: الشق الأول يتضمن العقاب الإلهي المباشر الذي يتفق عليه العامة و الخاصة من أهل الإيمان , وهو ذو أثر ملموس و مادي لا تخطئه العين و أمثلته عديدة أوردها القرآن في مواقع شتى, كمثل العقاب الذي أصاب فرعون و قارون و قوم لوط و عا د.
أما الشق الثاني فيتضمن عقابا من نوع خاص تخطئه الأبصار لكن تدركه البصائر, ظاهره نعمة تخدع العوام و باطنه نقمة يدركها أهل العلم و الصلا ح ومنه:
1-سلب فوائد النعم
و أدلته من القرآن عديدة منها:
أ -قوله تعالى : " لهم أعين لا يبصرون بها" و الذي يتضمن فائدة جليلة مفادها أن توافر البصر كآلة و إدراك المرئيات لا ميزة لهما مالم يقترنا بالاعتبار الذي يقود إلى إدراك الغاية من الرؤية و المرئي!
ب- قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف, والذي تسبب بطره و عجبه بما ملك في تعطيل إدراكه حين أنكر أولا قيام الساعة, ثم حين افترض أنه في حالة ماإذا كان هناك بعث و نشور , فحظه من الآخرة سيكون أفضل من حظه في الدنيا , و دليله على ذلك أن الإنعام الدنيوي مقدمة للإنعام الأخروي!! وهذا مثال بليغ على سلب فائدة العقل .
2- الإمهال:
و يعني تأخير العقوبة , مما يدفع الكافر إلى الاستزادة من الإثم,ودليله من القرآن آيات عديدة , منها قوله تعالى " و كأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها و إلي المصير".

تبقى الإشارة إلى أن المؤمن بدوره لا ينجو من هذا الإستدراج ! فإضافة الى أشكال الابتلاء المادي الظاهر التي وردت موجزة في قوله تعالى" و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع ونقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين", فهناك أشكال خفية من الابتلاء و الاستدراج التي لا يستشعرها إلا من أخلص النية لله! .
فقد ورد في الآثار أن أحد أحبار بني إسرائيل قال : يا رب كم أعصيك و لا تعاقبني؟ فقيل له : كم أعاقبك و لا تدري , أليس قد حرمتك لذة مناجاتي؟! .
أوليس سلب حلاوة الطاعة في هذا المثال من أشد العقوبات التي التي قد يبتلى بها المؤمن ؟ !
و من مظاهره كذلك ترك التوبة عند ارتكاب الصغائر تحقيرا للإثم المرتكب من جهة , و الاعتقاد بان التوبة منوطة بالكبائر من جهة أخرى ! و في هذا اغترار و غفلة و جهل بحقيقة أن ما نحسبه هينا هو عند الله كبير , و أن معظم النار من مستصغر الشرر كما يقول المثل العربي الشهير!
و للحديث بقية...
يوسف المغربي