السياسة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
السياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً ، وتكون من قبل الدولة والأمة ، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً ، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة .
ومنذ أن هدمت الخلافة وطبقت أنظمة الكفر السياسية في البلاد الإسلامية ، إنتهى الإسلام من كونه سياسياً ، وحل محله الفكر السياسي الغربي المنبثق عن عقيدة المبدأ الرأسمالي ، عقيدة فصل الدين عن الحياة . ومما يجب أن تدركه الأمة الإسلامية ، أن رعاية شؤونها بالإسلام لا تكون إلاّ بدولة الخلافة ، وأن فصل الإسلام السياسي عن الحياة وعن الدين ، هو وأد للإسلام وأنظمته وأحكامه ، وسحق للأمة وقيمها وحضارتها ورسالتها .
والدول الرأسمالية تتبنى عقيدة فصل الدين عن الحياة وعن السياسية ، وتعمل على نشرها وتطبيق أحكامها على الأمة الإسلامية ، وتعمل على تضليل الأمة وتصور لها بأن السياسة والدين لا يجتمعان ، وأن السياسة إنما تعني الواقعية والرضى بالأمر الواقع مع إستحالة تغييره ، حتى تبقى الأمة رازجة تحت نير دول الكفر ، دول الظلم والطغيان ، وحتى لا تترسم الأمة بحال سبيلاً للنهضة . بالإضافة إلى تنفير المسلمين من الحركات الإسلامية السياسية ، ومن الاشتغال بالسياسة . لأن دول الكفر تعلم أنه لا يمكن ضرب أفكارها وأحكامها السياسية إلاّ بعمل سياسي ، والاشتغال بالسياسة على أساس الإسلام . ويصل تنفير الأمة الإسلامية من السياسة والسياسيين إلى حد تصوير السياسة أنها تتناقض مع سمو الإسلام وروحانيته . ولذلك كان لا بد من أن تدرك الأمة السر وراء محاربة الدول الكافرة ، والحكام العملاء للحركات الإسلامية وهي تعمل لإنهاض المسلمين بإقامة دولة الخلافة وتضرب أفكار الكفر ، وتعيد مجد الإسلام .
وعليه لا بد من أن تعي الأمة الإسلامية معنى السياسة لغة وشرعاً ، وأن الإسلام السياسي لا يوجد إلاّ بدولة الخلافة ، والتي بدونها يغيض الإسلام من كونه سياسياً ، ولا يعتبر حياً إلاّ بهذه الدولة ، باعتبارها كياناً سياسياً تنفيذياً لتطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها ، وهي الطريقة الشرعية التي تنفذ بها أحكام الإسلام وأنظمته في الحياة العامة ، وأن الله قد أوجب على الأمة تطبيق هذه الأحكام ، وحرم الإحتكام لأنظمة الكفر ، لمخالفتها للإسلام ولأنها من وضع البشر .
ولذلك كان لا بد من أن تثقف الأمة الثقافة الإسلامية ، ودوام سقيها بالأفكار والأحكام السياسية ، وبيان إنبثاق هذه الأفكار وهذه الأحكام عن العقيدة الإسلامية باعتبارها فكرة سياسية ، والتركيز على ذلك من الناحية الروحية التي فيها ، باعتبار أنها أوامر ونواه من الله لا بأي وصف آخر . وهذا الوصف هو الذي يكفل تمكن أفكار وأحكام الإسلام في النفوس ، ويكشف للأمة معنى السياسة والفكر السياسي ، ويجعلها تدرك المسؤولية الملقاة على عاتقها لإيجاد أفكار الإسلام وأحكامه في حياتها العملية ، وأهمية الرسالة العالمية التي أوجب الله حملها للناس كافة ، خاصة وهي ترى مدى ما وصل إليه حالها في هذا العصر لغياب دولة الإسلام وأفكار وأحكام الإسلام من حياتها ، ومدى ما وصل إليه العالم من شرٍ وشقاء واستعباد للناس . وهذا التثقيف السياسي ، سواء أكان تثقيفاً بأفكار الإسلام وأحكامه ، أم كان تتبعاً للأحداث السياسية فإنه يوجد الوعي السياسي ، ويجعل الأمة تضطلع بمهمتها الأساسية ، ووظيفتها الأصلية ألا وهي حمل الدعوة الإسلامية إلى الشعوب والأمم الأخرى .
|