مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 19-12-2000, 03:51 AM
Top_X Top_X غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2000
المشاركات: 25
Lightbulb الخلافة ج-1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوتي الأعزاء
أما بعد

فإنه لما للموضوع من أهمية في القضايا المصيرية للمسلمين أحببت نشر موضوع الخلافة كنظام وحيد وفريد للحكم في الاسلام .
بسم الله الرحمن الرحيم
الخلافة
الخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهي عينها الإمامة، فالإمامة والخلافة بمعنى واحد. وقد وردت الأحاديث الصحيحة بهاتين الكلمتين بمعنى واحد، ولم يرد لأي منهما معنى يخالف معنى الأخرى في أي نص شرعي، أي لا في الكتاب ولا في السنّة لأنهما وحدهما النصوص الشرعية. ولا يجب أن يلتزم هذا اللفظ أي الإمامة أو الخلافة، وإنما يلتزم مدلوله.
- وإقامة خليفة فرض على المسلمين كافة في جميع أقطار العالم. والقيام به ـ كالقيام بأي فرض من الفروض التي فرضها الله على المسلمين ـ هو أمر محتم لا تخيير فيه ولا هوادة في شأنه، والتقصير في القيام به معصية من أكبر المعاصي يعذب الله عليها أشد العذاب.
- والدليل على وجوب إقامة الخليفة على المسلمين كافة: الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
- أما الكتاب، فإن الله تعالى أمر الرسول r أن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله، وكان أمره له بشكل جازم، قال تعالى مخاطباً الرسول عليه السلام:]فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق[ وقال: ]وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك[. وخطاب الرسول خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به، وهنا لم يرد دليل فيكون خطاباً للمسلمين بإقامة الحكم. ولا يعني إقامة الخليفة إلاّ إقامة الحكم والسلطان. على أن الله تعالى فرض على المسلمين طاعة أولي الأمر، أي الحاكم، مما يدل على وجوب وجود ولي الأمر على المسلمين. قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[ ولا يأمر الله بطاعة من لا وجود له. فدل على أن إيجاد ولي الأمر واجب. فالله تعالى حين أمر بطاعة ولي الأمر فإنّه يكون قد أمر بإيجاده. فإن وجود ولي الأمر يترتب عليه إقامة الحكم الشرعي، وترك إيجاده يترتب عليه تضييع الحكم الشرعي، فيكون إيجاده واجباً لما يترتب على عدم إيجاده من حُرمة، وهي تضييع الحكم الشرعي.
- وأما السنّة فقد روى مسلم عن طريق نافع قال: قال لي ابن عمر سمعت رسول الله r يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» . فالنبي r فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية. والبيعة لا تكون إلا للخليفة ليس غير. وقد أوجب الرسول على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة لخليفة، ولم يوجب أن يبايع كل مسلم الخليفة. فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده. فوجود الخليفة هو الذي يوجد في عنق كل مسلم بيعة سواء بايع بالفعل أم لم يبايع، ولهذا كان الحديث دليلاً على وجوب نصب الخليفة وليس دليلاً على وجوب أن يبايع كل فرد الخليفة. لأن الذي ذمّه الرسول هو خلو عنق المسلم من بيعة حتى يموت، ولم يذم عدم البيعة. وروى مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي r قال: «إنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه ويُتّقى به» .
- وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي r قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» . وعن ابن عباس عن رسول الله r قال : «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» . فهذه الأحاديث فيها إخبار من الرسول بأنه سيلي المسلمين ولاة، وفيها وصف للخليفة بأنه جُنة أي وقاية. فوصف الرسول بأن الإمام جنة هو إخبار عن فوائد وجود الإمام فهو طلب، لأن الإخبار من الله ومن الرسول إن كان يتضمن الذم فهو طلب ترك، أي نهي، وإن كان يتضمن المدح فهو طلب فعل، فإن كان الفعل المطلوب يترتب على فعله إقامة الحكم الشرعي، أو يترتب على تركه تضييعه، كان ذلك الطلب جازماً. وفي هذه الأحاديث أيضاً أن الذين يسوسون المسلمين هم الخلفاء، وهو يعني طلب إقامتهم، وفيها تحريم أن يخرج المسلم من السلطان، وهذا يعني أن إقامة المسلم سلطاناً، أي حكماً له أمر واجب. على أن الرسول r أمر بطاعة الخلفاء، وبقتال من ينازعهم في خلافتهم، وهذا يعني أمراً بإقامة خليفة، والمحافظة على خلافته بقتال كل من ينازعه. فقد روى مسلم أن النبي r قال : «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» . فالأمر بطاعة الإمام أمر بإقامته، والأمر بقتال من ينازعه قرينة على الجزم في دوام إيجاده خليفة واحداً.
- وأما إجماع الصحابة فإنهم رضوان الله عليهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله r بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم. وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله r عقب وفاته واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض، ويحرم على من يجب عليهم الاشتغال في تجهيزه ودفنه الاشتغال في شيء غيره حتى يتم دفنه. والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال في تجهيز الرسول ودفنه اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن الاشتغال بدفن الرسول، وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال، وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار، وقدرتهم على الدفن، فكان ذلك إجماعاً على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت، ولا يكون ذلك إلاّ إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. وأيضاً فإن الصحابة كلهم أجمعوا طوال أيام حياتهم على وجوب نصب الخليفة، ومع اختلافهم على الشخص الذي ينتخب خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة، لا عند وفاة رسول الله، ولا عند وفاة أي خليفة من الخلفاء الراشدين، فكان إجماع الصحابة دليلاً صريحاً وقوياً على وجوب نصب الخليفة.
- على أن إقامة الدين وتنفيذ أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة الدنيا والأخرى فرض على المسلمين بالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلاّ بحاكم ذي سلطان. والقاعدة الشرعية (إن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب) فكان نصب الخليفة فرضاً من هذه الجهة أيضاً.
- فهذه الأدلة صريحة بأن إقامة الحكم والسلطان على المسلمين منهم فرض، وصريحة بأن إقامة خليفة يتولى هو الحكم والسلطان فرض على المسلمين وذلك من أجل تنفيذ أحكام الشرع، لا مجرد حكم وسلطان. انظر قوله r فيما روى مسلم عن طريق عوف بن مالك «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلّون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف، فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة» . فهو صريح في الإخبار بالأئمة الأخيار والأئمة الأشرار، وصريح بتحريم منابذتهم بالسيف ما أقاموا الدين، لأن إقامة الصلاة كناية عن إقامة الدين والحكم به. فكون إقامة الخليفة ليقيم أحكام الإسلام، ويحمل دعوته فرضاً على المسلمين أمر لا شبهة في ثبوته في نصوص الشرع الصحيحة، فوق كونه فرضاً من جهة ما يحتمه الفرض الذي فرضه الله على المسلمين من إقامة حكم الإسلام وحماية بيضة المسلمين. إلاّ أن هذا الفرض هو فرض على الكفاية فإن أقامه بعضهم فقد وجد الفرض وسقط عن الباقين هذا الفرض، وإن لم يستطع أن يقيمه بعضهم ولو قاموا بالأعمال التي تقيمه فإنه يبقى فرضاً على جميع المسلمين، ولا يسقط الفرض عن أي مسلم ما دام المسلمون بغير خليفة.
- والقعود عن إقامة خليفة للمسلمين معصية من أكبر المعاصي لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، ويتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة. فالمسلمون جميعاً آثمون إثماً كبيراً في قعودهم عن إقامة خليفة للمسلمين. فإن أجمعوا على هذا القعود كان الإثم على كل فرد منهم في جميع أقطار المعمورة. وإن قام بعض المسلمين بالعمل لإقامة خليفة ولم يقم بعضهم الآخر فإن الإثم يسقط عن الذين قاموا يعملون لإقامة الخليفة ويبقى الفرض عليهم حتى يقوم الخليفة. لأن الاشتغال بإقامة الفرض يسقط الإثم على تأخير إقامته عن وقته وعلى عدم القيام به، لتلبسه بالقيام به، ولاستكراهه بما يقهره عن إنجاز القيام به. أما الذين لم يتلبسوا بالعمل لإقامة الفرض فإن الإثم بعد ثلاثة أيام من ذهاب الخليفة إلى يوم نصب الخليفة يبقى عليهم، لأن الله قد أوجب عليهم فرضاً ولم يقوموا به ولم يتلبسوا بالأعمال التي من شأنها أن تقيمه، ولذلك استحقوا الإثم فاستحقوا عذاب الله وخزيه في الدنيا والآخرة. واستحقاقهم الإثم على قعودهم عن إقامة خليفة أو عن الأعمال التي من شأنها أن تقيمه، ظاهر صريح في استحقاق المسلم العذاب على تركه أي فرض من الفروض التي فرضها الله عليه، لا سيما الفرض الذي به تنفذ الفروض، وتقام أحكام الدين، ويعلو أمر الإسلام، وتصبح كلمة الله هي العليا في بلاد الإسلام، وفي سائر أنحاء العالم.
- وأما ما ورد في بعض الأحاديث من العزلة عن الناس ومن الاقتصار على التمسك بأمور الدين في خاصته فإنها لا تصلح دليلاً على جواز القعود عن إقامة خليفة ولا على إسقاط الإثم عن هذا القعود. والمدقق فيها يجدها في شأن التمسك بالدين لا في شأن الترخيص بالقعود عن إقامة خليفة للمسلمين. فمثلاً روى البخاري عن بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: «كان الناس يسألون رسول الله r عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنّا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال نعم، قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم، وفيه دخن، قلت وما دخنه ؟ قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت يا رسول الله صفهم لنا، قال هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» فإن هذا الحديث صريح بأن الرسول يأمر المسلم بأن يلزم جماعة المسلمين وأن يلزم إمامهم، ويترك الدعاة الذين هم على أبواب جهنم. فسأله السائل في حالة أن لا يكون للمسلمين إمام ولا لهم جماعة ماذا يصنع بالنسبة للدعاة الذين على أبواب جهنم، فحينئذ أمره الرسول أن يعتزل هذه الفرق، لا أن يعتزل المسلمين ولا أن يقعد عن إقامة إمام. فأمره صريح «فاعتزل تلك الفرق كلها» وبالغ في وصف اعتزاله لتلك الفرق إلى درجة أنه ولو بلغ اعتزاله إلى حد أن يعض على أصل شجرة حتى يدركه الموت وهو على ترك تلك الفرق التي على أبواب جهنم. ومعناه تمسك بدينك وبالبعد عن الدعاة المضلين الذين على أبواب جهنم. فهذا الحديث ليس فيه أي عذر لترك القيام بالعمل لإقامة خليفة ولا أي ترخيص في ذلك، وإنما هو محصور بالأمر بالتمسك بالدين واعتزال الدعاة الذين على أبواب جهنم، ويبقى الإثم عليه إذا لم يعمل لإقامة خليفة. فهو مأمور بأن يبتعد عن الفرق الضالة، ليسلم بدينه من دعاة الضلال ولو عض على أصل شجرة، لا أن يبتعد عن جماعة المسلمين ويقعد عن القيام بأحكام الدين وعن إقامة إمام للمسلمين.
- ومثلاً روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله r: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن» فإن هذا لا يعني اعتزال جماعة المسلمين والقعود عن القيام بأحكام الدين وعن إقامة خليفة للمسلمين حين تخلو الأرض من الخلافة، بل كل ما فيه هو بيان خير مال المسلم في أيام الفتن وخير ما يفعله للهروب من الفتن وليس هو للحث على البعد عن المسلمين واعتزال الناس.
- وعليه فإنه لا يوجد عذر لمسلم على وجه الأرض في القعود عن القيام بما فرضه الله عليهم لإقامة الدين ألا وهو العمل لإقامة خليفة للمسلمين حين تخلو الأرض من الخلافة، وحين لا يوجد فيها من يقيم حدود الله لحفظ حرمات الله، ولا من يقيم أحكام الدين، ويجمع شمل جماعة المسلمين تحت راية لا إله إلاّ الله محمد رسول الله. ولا توجد في الإسلام أية رخصة في القعود عن القيام بهذا الفرض حتى يُقام به.
- المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة خليفة
والمدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة خليفة هي ليلتان، فلا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين وليس في عنقه بيعة. أما تحديد أعلى الحد بليلتين فلأن نصب الخليفة فرض منذ اللحظة التي يتوفى فيها الخليفة السابق أو يعزل، ولكن يجوز تأخير النصب مع الاشتغال به مدة ليلتين، فإذا زاد على ليلتين ولم يقيموا خليفة ينظر، فإن كان المسلمون مشغولين بإقامة خليفة ولم يستطيعوا إنجاز إقامته خلال ليلتين لأمور قاهرة لا قبل لهم بدفعها، فإنه يسقط الإثم عنهم لانشغالهم بإقامة الفرض ولاستكراههم على التأخير بما قهرهم عليه. قال عليه السلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وإن لم يكونوا مشغولين بذلك فإنهم يأثمون جميعاً حتى يقوم الخليفة، وحينئذ يسقط الفرض عنهم. أما الإثم الذي ارتكبوه في قعودهم عن إقامة خليفة فإنه لا يسقط عنهم بل يبقى عليهم يحاسبهم الله عليه كمحاسبته على أية معصية يرتكبها المسلم في ترك القيام بالفرض.
- أما كون المدة التي يمهل فيها المسلمون للقيام بفرض إقامة خليفة ليلتين فإن الدليل عليه هو أن الصحابة باشروا الاجتماع بالسقيفة للبحث في نصب خليفة لرسول الله منذ بلغهم نبأ وفاته، ولكنهم ظلوا في نقاش في السقيفة، ثم في اليوم الثاني جمعوا الناس في المسجد للبيعة فاستغرق ذلك ليلتين بثلاثة أيام. وأيضاً فإن عمر عهد لأهل الشورى عند ظهور تحقق وفاته من الطعنة، وحدد لهم ثلاثة أيام ثم أوصى أنه إذا لم يُتفق على الخليفة في ثلاثة أيام فليقتل المخالف بعد الأيام الثلاثة، ووكل خمسين رجلاً من المسلمين بتنفيذ ذلك، أي بقتل المخالف، مع أنهم من أهل الشورى ومن كبار الصحابة، وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة ولم ينقل عنهم مخالف أو منكر ذلك، فكان إجماعاً من الصحابة على أنه لا يجوز أن يخلو المسلمون من خليفة أكثر من ليلتين بثلاثة أيام، وإجماع الصحابة دليل شرعي كالكتاب والسنة.
- انعقاد الخلافة
الخلافة عقد مراضاة واختيار، لأنها بيعة بالطاعة لمن له حق الطاعة من ولاية الأمر. فلا بد فيها من رضا من يبايع ليتولاها ورضا المبايعين له. ولذلك إذا رفض أحد أن يكون خليفة وامتنع من الخلافة لا يجوز إكراهه عليها، فلا يجبر على قبولها بل يعدل عنه إلى غيره. وكذلك لا يجوز أخذ البيعة من الناس بالإجبار والإكراه لأنه حينئذ لا يصح اعتبار العقد فيها صحيحاً لمنافاة الإجبار لها، لأنها عقد مراضاة واختيار، لا يدخله إكراه ولا إجبار كأي عقد من العقود. إلا أنه إذا تم عقد البيعة ممن يعتد ببيعتهم فقد انعقدت البيعة، وأصبح المبايَع هو ولي الأمر، فوجبت طاعته. وتصبح البيعة له بيعة على الطاعة وليست بيعة لعقد الخلافة. وحينئذ يجوز له أن يجبر الناس الباقين على بيعته لأنها إجبار على طاعته وهذا واجب شرعاً، وليست هي في هذه الحال عقد بيعة بالخلافة حتى يقال لا يصح فيه الإجبار. وعلى ذلك فالبيعة ابتداء عقد لا تصح إلاّ بالرضا والاختيار. أما بعد انعقاد البيعة للخليفة فتصبح طاعة أي انقياداً لأمر الخليفة ويجوز فيها الإجبار تنفيذاً لأمر الله تعالى. ولما كانت الخلافة عقداً فإنها لا تتم إلاّ بعاقد، كالقضاء لا يكون المرء قاضياً إلاّ إذا ولاه أحد القضاء. والإمارة لا يكون أحد أميراً إلاّ إذا ولاه أحد الإمارة. والخلافة لا يكون أحد خليفة إلاّ إذا ولاه أحد الخلافة. ومن هنا يتبين أنه لا يكون أحد خليفة إلاّ إذا ولاه المسلمون، ولا يملك صلاحيات الخلافة إلاّ إذا تم عقدها له، ولا يتم هذا العقد إلاّ من عاقدين أحدهما طالب الخلافة والمطلوب لها، والثاني المسلمون الذين رضوا به أن يكون خليفة لهم. ولهذا كان لابد لانعقاد الخلافة من بيعة المسلمين. وعلى هذا فإنه إذا قام متسلط واستولى على الحكم بالقوة فإنه لا يصبح بذلك خليفة ولو أعلن نفسه خليفة للمسلمين، لأنه لم تنعقد له خلافة من قبل المسلمين. ولو أخذ البيعة على الناس بالإكراه والإجبار لا يصبح خليفة ولو بويع، لأن البيعة بالإكراه والإجبار لا تعتبر ولا تنعقد بها الخلافة، لأنها عقد مراضاة واختيار لا تتم بالإكراه والإجبار، فلا تنعقد إلاّ بالبيعة عن رضا واختيار. إلاّ أن هذا المتسلط إذا استطاع أن يقنع الناس بأن مصلحة المسلمين في بيعته وأن إقامة أحكام الشرع تحتم بيعته وقنعوا بذلك ورضوا، ثم بايعوه عن رضا واختيار، فإنه يصبح خليفة منذ اللحظة التي بويع فيها عن رضا واختيار، ولو كان أخذ السلطان ابتداء بالتسلط والقوة. فالشرط هو حصول البيعة وأن يكون حصولها عن رضا واختيار، سواء كان من حصلت له البيعة هو الحاكم والسلطان أو لم يكن.
- أما من هم الذين تنعقد الخلافة ببيعتهم فإن ذلك يفهم من استعراض ما حصل في بيعة الخلفاء الراشدين وما أجمع عليه الصحابة. ففي بيعة أبي بكر اكتفي بأهل الحَل والعقد من المسلمين الذين كانوا في المدينة وحدها، ولم يؤخذ رأي المسلمين في مكة وفي سائر جزيرة العرب، بل لم يسألوا. وكذلك الحال في بيعة عمر. أما في بيعة عثمان فإن عبد الرحمن بن عوف أخذ رأي المسلمين في المدينة، ولم يقتصر على سؤال أهل الحل والعقد كما فعل أبو بكر عند ترشيح عمر. وفي عهد علي اكتفي ببيعة أكثر أهل المدينة وأهل الكوفة وأفرد هو بالبيعة واعتبرت بيعته حتى عند الذين خالفوه وحاربوه، فإنهم لم يبايعوا غيره ولم يعترضوا على بيعته، وإنما طالبوا بدم عثمان، فكان حكمهم حكم البغاة الذين نقموا على الخليفة أمراً، فعليه أن يوضحه لهم ويقاتلهم، ولم يكونوا خلافة أخرى.
- وقد حصل كل ذلك ـ أي بيعة الخليفة من أكثر أهل العاصمة فقط دون باقي الأقاليم إلا في مبايعة الإمام علي حين شارك أهل الكوفة في مبايعته ـ على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم يكن هنالك مخالف في ذلك ولا منكر لهذا العمل من حيث اقتصار البيعة على أكثر أهل المدينة مع مخالفتهم في شخص الخليفة وإنكارهم أعماله، ولكن لم ينكروا اقتصار مبايعته على أكثر أهل المدينة، فكان ذلك إجماعاً من الصحابة على أن الخلافة تنعقد ممن يمثلون رأي المسلمين في الحكم، لأن أهل الحل والعقد وأكثر سكان المدينة كانوا هم أكثرية الممثلين لرأي الأمة في الحكم في جميع رقعة الدولة الإسلامية حينئذ.
- وعلى هذا فإن الخلافة تنعقد إذا جرت البيعة من أكثر الممثلين لأكثر الأمة الإسلامية ممن يدخلون تحت طاعة الخليفة الذي يراد انتخاب خليفة مكانه كما جرى الحال في عهد الخلفاء الراشدين. وتكون بيعتهم حينئذ بيعة عقد للخلافة. أما من عداهم فإنه بعد انعقاد الخلافة للخليفة تصبح بيعته بيعة طاعة، أي بيعة انقياد للخليفة لا بيعة عقد للخلافة.
- هذا إذا كان هنالك خليفة مات أو عزل، ويراد إيجاد خليفة مكانه. أما إذا لم يكن هنالك خليفة مطلقاً، وأصبح فرضاً على المسلمين أن يقيموا خليفة لهم لتنفيذ أحكام الشرع وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، كما هي الحال منذ زوال الخلافة الإسلامية في اسطنبول سنة 1343 هجرية الموافق سنة 1924 ميلادية حتى يومنا هذا سنة 1415 هجرية الموافق سنة 1994 ميلادية، فإن كل قطر من الأقطار الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي أهل لأن يبايع خليفة، وتنعقد به الخلافة، فإذا بايع قطر ما من هذه الأقطار الإسلامية خليفة، وانعقدت الخلافة له، فإنه يصبح فرضاً على المسلمين أن يبايعوه بيعة طاعة أي بيعة انقياد، بعد أن انعقدت الخلافة له ببيعة أهل قطره، سواء أكان هذا القطر كبيراً كمصر أو تركيا أو إندونيسيا، أم كان صغيراً كالأردن أو ألبانيا أو لبنان. على شرط أن تتوفر فيه أربعة أمور:
- أحدها: أن يكون سلطان ذلك القطر سلطاناً ذاتياً يستند إلى المسلمين وحدهم لا إلى دولة كافرة أو نفوذ كافر.
- ثانيها: أن يكون أمان المسلمين في ذلك القطر بأمان الإسلام لا بأمان الكفر، أي أن تكون حمايته من الداخل والخارج حماية إسلام من قوة المسلمين باعتبارها قوة إسلامية بحتة.
- ثالثها: أن يبدأ حالاً بمباشرة تطبيق الإسلام كاملاً تطبيقاً انقلابياً شاملاً، وأن يكون متلبساً بحمل الدعوة الإسلامية.
- رابعها: أن يكون الخليفة المبايع مستكملاً شروط انعقاد الخلافة وإن لم يكن مستوفياً شروط الأفضلية، لأن العبرة بشروط الانعقاد.
- فإذا استوفى ذلك القطر هذه الأمور الأربعة فقد وجدت الخلافة بمبايعة ذلك القطر وحده وانعقدت به وحده، ولو كان لا يمثل أكثر أهل الحل والعقد لأكثر الأمة الإسلامية، لأن إقامة الخلافة فرض كفاية، والذي يقوم بذلك الفرض على وجهه الصحيح يكون قام بالشيء المفروض، ولأن اشتراط أكثر أهل الحل والعقد إذا كانت هنالك خلافة موجودة يراد إيجاد خليفة فيها مكان الخليفة المتوفى أو المعزول. أما إذا لم تكن هنالك خلافة مطلقاً، ويراد إيجاد خلافة، فإن مجرد وجودها على الوجه الشرعي تنعقد الخلافة بأي خليفة يستكمل شروط الانعقاد مهما كان عدد المبايعين الذين بايعوه. لأن المسألة تكون حينئذ مسألة قيام بفرض قصر المسلمون عن القيام به مدة تزيد على الثلاثة أيام. فتقصيرهم هذا ترك لحقهم في اختيار من يريدون. فمن يقوم بالفرض يكفي لانعقاد الخلافة به، ومتى قامت الخلافة في ذلك القطر وانعقدت لخليفة، يصبح فرضاً على المسلمين جميعاً الانضواء تحت لواء الخلافة ومبايعة الخليفة، وإلا كانوا آثمين عند الله. ويجب على هذا الخليفة أن يدعوهم لبيعته، فإن امتنعوا كان حكمهم حكم البغاة ووجب على الخليفة محاربتهم حتى يدخلوا تحت طاعته. وإذا بويع لخليفة آخر في نفس القطر أو في قطر آخر بعد بيعة الخليفة الأول وانعقاد الخلافة له انعقاداً شرعياً مستوفياً الأمور الأربعة السابقة، وجب على المسلمين محاربة الخليفة الثاني حتى يبايع الخليفة الأول، لما روى مسلم عن طريق عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إنه سمع رسول الله r يقول: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» ولأن الذي يجمع المسلمين هو خليفة المسلمين براية الإسلام. فإذا وجد الخليفة وجدت جماعة المسلمين ويصبح فرضاً الانضمام إليهم ويحرم الخروج عنهم. عن ابن عباس t عن النبي r قال : «من رأى من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ مات ميتة جاهلية» . وروى مسلم عن ابن عباس عن النبي r قال : «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية» . ومفهوم هذين الحديثين لزوم الجماعة ولزوم السلطان.
- ولا حق في البيعة لغير المسلمين ولا تجب عليهم، لأنها بيعة على الإسلام وعلى كتاب الله وسنة رسول الله، وهي تقتضي الإيمان بالإسلام وبالكتاب والسنة. وغير المسلمين لا يجوز أن يكونوا في الحكم، ولا أن ينتخبوا الحاكم، لأنه لا سبيل لهم على المسلمين، ولأنه لا محل لهم في البيعة.
- البيعـة
البيعة فرض على المسلمين جميعاً. وهي حق لكل مسلم رجلاً كان أو امرأة. أما كونها فرضاً فالدليل عليه أحاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام الذي رواه ابن عمر : «… ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» . وأما كونها حقاً للمسلمين فإن البيعة من حيث هي تدل على ذلك، لأن البيعة هي من قِبَل المسلمين للخليفة، وليست من قِبَل الخليفة للمسلمين. وقد ثبتت بيعة المسلمين للرسول في الأحاديث الصحيحة. ففي البخاري عن عبادة بن الصامت قال : «بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم» . وفي البخاري عن أيوب عن حفصة عن أم عطية قالت : «بايعنا النبي r فقرأ عليّ أن لا يشركن بالله شيئاً ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منّا يدها فقالت فلانة أسعدتني وأنا أريد أن اجزيها فلم يقل شيئاً فذهبت ثم رجعت» . وفي البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r : «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلاّ لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له، ورجل يبايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يُعط بها» . وروى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : «كنا إذا بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعت» وفي البخاري أيضاً عن جرير بن عبد الله قال : «بايعت النبي r على السمع والطاعة فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلم» . وروى البخاري عن جنادة بن أبي أمية قال : «دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي r قال: دعانا النبي r فبايعناه. فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأَثَرَةً علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» .
- فالبيعة لخليفة هي بيد المسلمين، وهي حقهم، وهم الذين يبايعون، وبيعتهم هي التي تجعل الخلافة تنعقد للخليفة. وتكون البيعة مصافحة باليد أو كتابة. فقد حدث عبد الله بن دينار قال : «شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك قال: كتب إني اقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت» . ويصح أن تكون البيعة بأية وسيلة من الوسائل.
- إلا أنه يشترط في البيعة أن تصدر من البالغ، فلا تصح البيعة من الصغار. «فقد حدث أبو عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي r وذهبت به أمه زينب ابنة حميد إلى رسول الله r فقالت يا رسول الله بايعه، فقال النبي r هو صغير فمسح رأسه ودعا له» .
- أما ألفاظ البيعة فإنها غير مقيدة بألفاظ معينة. ولكن لا بد أن تشتمل على العمل بكتاب الله وسنة رسوله بالنسبة للخليفة، وعلى الطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره بالنسبة للذي يعطي البيعة. ومتى أعطى المبايع البيعة للخليفة أو انعقدت الخلافة للخليفة ببيعة غيره من المسلمين فقد أصبحت البيعة أمانة في عنق المبايع لا يحل الرجوع عنها، فهي حق باعتبار انعقاد الخلافة حتى يعطيها، فإن أعطاها ألزم بها. ولو أراد أن يرجع عن ذلك فلا يجوز. ففي البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن أعرابياً بايع رسول الله r على الإسلام فأصابه وعك فقال :" أقلني بيعتي " فأبى. ثم جاء فقال " أقلني بيعتي " فأبى، فخرج. فقال رسول الله r : «المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها» . وعن نافع قال: قال لي ابن عمر سمعت رسول الله r يقول : «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له» . ونقض بيعة الخليفة خلع لليد من طاعة الله. غير أن هذا إذا كانت بيعته للخليفة بيعة انعقاد أو بيعة طاعة لخليفة رضيه المسلمون وبايعوه. أما لو بايع خليفة ابتداء ثم لم تتم البيعة له فإن له أن يتحلل من تلك البيعة على اعتبار أن المسلمين لم يقبلوه بمجموعهم. فالنهي في الحديث منصب على الرجوع عن بيعة خليفة لا عن بيعة رجل لم تتم له الخلافة.
- شروط الخليفة
يجب أن تتوفر في الخليفة سبعة شروط حتى يكون أهلاً للخلافة، وحتى تنعقد البيعة له بالخلافة. وهذه الشروط السبعة، شروط انعقاد، إذا نقص شرط منها لم تنعقد الخلافة، وهي:
- أولا: أن يكون مسلماً. فلا تصح الخلافة لكافر مطلقاً، ولا تجب طاعته، لأن الله تعالى يقول ]وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[. والحكم هو أقوى سبيل للحاكم على المحكوم، والتعبير بلن المفيدة للتأبيد قرينة للنهي الجازم عن أن يتولى الكافر أي حكم مطلقاً سواء أكان الخلافة أم دونها.
- ثانيا: أن يكون ذكراً. فلا يجوز أن يكون الخليفة أنثى، أي لا بد أن يكون رجلاً. فلا يصح أن يكون امرأة. لما روي عن أبي بَكْرَة قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله r أيام الجمل بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال: لما بلغ رسول الله r أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : «لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة» . رواه البخاري فإخبار الرسول بنفي الفلاح عمن يولون أمرهم امرأة هو نهي عن توليتها، إذ هو من صيغ الطلب، وكون هذا الإخبار جاء إخباراً بالذم لمن يولون أمرهم امرأة بنفي الفلاح عنهم فإنه يكون قرينة على النهي الجازم. فيكون النهي هنا عن تولية المرأة قد جاء مقروناً بقرينة تدل على طلب الترك طلباً جازماً، فكانت تولية المرأة حراماً. والمراد توليتها الحكم: الخلافة وما دونها من المناصب التي تعتبر من الحكم، لأن موضوع الحديث ولاية بنت كسرى ملكاً فهو خاص بموضوع الحكم الذي جرى عليه الحديث. وليس خاصاً بحادثة ولاية بنت كسرى وحدها، كما أنه ليس عاماً في كل شيء فلا يشمل غير موضوع الحكم ولا بوجه من الوجوه.
- ثالثا: أن يكون بالغاً، فلا يجوز أن يكون صبياً. لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله r قال : «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يكبر وعن المبتلى حتى يعقل» . ومن رفع القلم عنه لا يصح أن يتصرف في أمره وهو غير مكلف شرعاً فلا يصح أن يكون خليفة أو ما دون ذلك من الحكم لأنه لا يملك التصرفات. والدليل أيضاً على عدم جواز كون الخليفة صبياً، أن رسول الله r رفض أن يبايعه صبي، فقد رفض بيعة عبد الله بن هشام وعلل ذلك بصغره فقال: «هو صغير» . فإذا كانت البيعة لا تصح من الصبي ولا يجوز له أن يبايع غيره خليفة فمن باب أولى أنه لا يجوز أن يكون خليفة.
- رابعا: أن يكون عاقلاً، فلا يصح أن يكون مجنوناً لقول رسول الله r : «رفع القلم عن ثلاث» وقال منها «... وعن المبتلى حتى يعقل» . ومن رفع القلم عنه فهو غير مكلف. ولأن العقل مناط التكليف وشرط لصحة التصرفات. والخليفة إنما يقوم بتصرفات الحكم وبتنفيذ التكاليف الشرعية، فلا يصح أن يكون مجنوناً.
- خامسا: أن يكون عدلاً، فلا يصح أن يكون فاسقاً والعدالة شرط لازم لانعقاد الخلافة ولاستمرارها. لأن الله تعالى اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً. قال تعالى: : ]وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ[ فمن هو أعظم من الشاهد وهو الخليفة من باب أولى أنه يلزم أن يكون عدلاً لأنه إذا شرطت العدالة للشاهد فشرطها للخليفة أولى.
- سادساً: أن يكون حراً، لأن العبد مملوك لسيده فلا يملك التصرف بنفسه. ومن باب أولى أن لا يملك التصرف بغيره فلا يملك الولاية على الناس.
- سابعاً: أن يكون قادراً على القيام بأعباء الخلافة، لأن ذلك من مقتضى البيعة، فلا تصح خلافة العاجز عن القيام بأعباء الخلافة.
- هذه هي شروط انعقاد الخلافة للخليفة وما عدا هذه الشروط السبعة لا يصلح أي شرط لأن يكون شرط انعقاد، وإن كان يمكن أن يكون شرط أفضلية إذا صحت النصوص فيه، أو كان مندرجاً تحت حكم ثبت بنص صحيح. وذلك لأنه يلزم في الشرط حتى يكون شرط انعقاد أن يأتي الدليل على اشتراطه متضمناً طلباً جازماً حتى يكون قرينة على اللزوم. فإذا لم يكن الدليل متضمناً طلباً جازماً كان الشرط شرط أفضلية لا شرط انعقاد، ولم يرد دليل فيه طلب جازم إلاّ هذه الشروط السبعة، ولذلك كانت وحدها شروط انعقاد. أما ما عداها مما صح فيه الدليل فهو شرط أفضلية فقط. وعلى ذلك فلا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة مجتهداً لأنه لم يصح نص في ذلك، ولأن عمل الخليفة الحكم، وهو لا يحتاج إلى اجتهاد لإمكانه أن يسأل عن الحكم وأن يقلد مجتهداً وأن يتبنى أحكاماً بناء على تقليده، فلا ضرورة لأن يكون مجتهداً، ولكن الأفضل أن يكون مجتهداً فإن لم يكن كذلك انعقدت خلافته. وكذلك لا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة شجاعاً، أو من أصحاب الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، لأنه لم يصح حديث في ذلك، ولا يندرج تحت حكم شرعي يجعل ذلك شرط انعقاد، وإن كان الأفضل أن يكون شجاعاً ذا رأي وبصيرة. وكذلك لا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة قرشياً. أما ما روي عن معاوية أنه قال سمعت رسول الله r يقول : «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلاّ كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين» رواه البخاري وروي أيضاً عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله r : «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» . فهذه الأحاديث وغيرها مما صح إسناده للرسول من جعل ولاية الأمر لقريش، فإنها وردت بصيغة الإخبار ولم يرد ولا حديث واحد بصيغة الأمر، وصيغة الإخبار وإن كانت تفيد الطلب ولكنه لا يعتبر طلباً جازماً ما لم يقترن بقرينة تدل على التأكيد ولم يقترن بأية قرينة تدل على التأكيد ولا في رواية صحيحة، فدل على أنه للندب لا للوجوب، فيكون شرط أفضلية لا شرط انعقاد. وأما قوله في الحديث: «لا يعاديهم أحد إلاّ كبه الله» . فإنه معنى آخر في النهي عن عدم معاداتهم، وليس تأكيداً لقوله: «إن هذا الأمر في قريش» فالحديث ينص على أن الأمر فيهم، وعلى النهي عن معاداتهم. وأيضاً فإن كلمة قريش اسم وليس صفة. ويقال له في اصطلاح علم الأصول لقب. ومفهوم الاسم أي مفهوم اللقب لا يعمل به مطلقاً لأن الاسم أي اللقب لا مفهوم له، ولذلك فإن النص على قريش لا يعني أن لا يجعل في غير قريش. فقوله عليه السلام: «أن هذا الأمر في قريش» ، «لا يزال هذا الأمر في قريش» لا يعني أن هذا الأمر لا يصح أن يكون في غير قريش، ولا أن كونه لا يزال فيهم أنه لا يصح أن يكون في غيرهم، بل هو فيهم ويصح أن يكون في غيرهم، فيكون النص عليهم غير مانع من وجود غيرهم في الخلافة. فيكون على هذا شرط أفضلية لا شرط انعقاد.
- وأيضاً فقد أمَّرَ رسول الله r عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة بن زيد وجميعهم من غير قريش، فيكون الرسول قد أمَّر غير قريش. وكلمة هذا الأمر تعني ولاية الأمر أي الحكم. وليست هي نصاً في الخلافة وحدها. فكون الرسول يولي الحكم غير قريش دليل على أنه غير محصور فيهم وغير ممنوع عن غيرهم. وأيضاً فقد روى البخاري أن رسول الله r قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» وروى مسلم عن أبي ذر قال: «أوصاني خليلي r أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مُجدَّع الأطراف» وفي رواية: «إن أُمّر عليكم عبد مُجدَّع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا» فهذه الأحاديث نصوص صريحة في جواز أن يتولى أمر المسلمين عبد أسود. وفي ذلك ما يدل صراحة على أن الخلافة أو ولاية الأمر يجوز أن يتولاها ناس من غير قريش بل من غير العرب. فتكون الأحاديث قد نصت على بعض من هم أهل للخلافة للدلالة على أفضليتهم، لا على حصر الخلافة بهم، وعدم انعقادها لغيرهم.
- وكذلك لا يشترط أن يكون الخليفة هاشمياً أو علوياً لما ثبت أن النبي r ولى الحكم غير بني هاشم وغير بني علي، وأنه حين خرج إلى تبوك ولّى على المدينة محمد بن مسلمة وهو ليس هاشمياً ولا علوياً. وكذلك ولّى اليمن معاذ بن جبل وعمرو بن العاص وهما ليسا هاشميين ولا علويين. وثبت بالدليل القاطع مبايعة المسلمين بالخلافة لأبي بكر وعمر وعثمان، ومبايعة علي t لكل واحد منهم مع أنهم لم يكونوا من بني هاشم وسكوت جميع الصحابة على بيعتهم، ولم يرو عن أحد أنه أنكر بيعتهم لأنهم ليسوا هاشميين ولا علويين، فكان ذلك إجماعاً من الصحابة بمن فيهم علي وابن عباس وسائر بني هاشم على جواز أن يكون الخليفة غير هاشمي ولا علوي. أما الأحاديث الواردة في فضل سيدنا علي t وفي فضل آل البيت فإنها تدل على فضلهم لا على أن شرط انعقاد الخلافة أن يكون الخليفة منهم.
- ومن ذلك يتبين أنه لا يوجد أي دليل على وجود أي شرط لانعقاد الخلافة سوى الشروط السبعة السابقة، وما عداها على فرض صحة جميع النصوص التي وردت فيه أو اندراجه تحت حكم صحت فيه النصوص، فإنه يمكن أن يكون شرط أفضلية لا شرط انعقاد، والمطلوب شرعاً هو شرط انعقاد الخلافة للخليفة حتى يكون خليفة. أما ما عدا ذلك فهو يقال للمسلمين حين يعرض عليهم المرشحون للخلافة ليختاروا الأفضل. ولكن أي شخص اختاروه انعقدت خلافته إذا كانت توفرت فيه شروط الانعقاد وحدها ولو لم يتوفر فيه غيرها.
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م