من معجمات البلوى .. الجدال

[المشرقي الإسلامي]

بسم الله الرحمن الرحيم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه" أنا زعيم ببيت في ربض الجنة أي طرفها لمن ترك المراء ولو كان محقاً وزعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب ولو كان مازحاً "
إخواني أحبائي في الله .. إنه لمن عظيم ما نُبلى به من بلوى هذا الداء الجدال ، فالناس كثير منهم لا يتورع عن الجدل إما لكبر في نفسه أو لجهل بخطورة ما يجادل فيه أو لفراغ طويل يفعل به هذا أو لهوى يبتغيه .
والإسلام ينهانا عن الجدال وهناك آيات قرآنية كثيرة تدل على ذلك غير هذا الحديث الشريف من هذه الآيات " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" وقوله تعالى" ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " وقوله تعالى" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" وقوله تعالى"ها أنتم جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة" وهذ الجدال الذي نهى عنه الإسلام هو الذي لا يترتب عنه دفع مضرة ولا تحقيق فائدة ومن ذلك كثير ما نجده من جدل في أمور لا يحسن الجدال فيها كما في بعض القضايا الفقهية كالتي تتعلق بالزكاة وغيرهامما لا بأس فيه بالأخذ بأي رأي من الآراء ، كذلك الجدل في أمور الدنيا فيما يتعلق بالقضايا التي يعيشها الإنسان ورأيه فيها وما يتعلق بتفضيلاته لأشياء قد لا تعجب غيره يدور حولها نقاش طويل وهذا الجدال ينطبق عليه قول الشاعر :
إياك و إياك المراء فإنه
إلى الشر دعّاء ٌ وللشر جالب
كثير من الناس لا يتورعون عن خوض الجدال في أمور لن تقدم ولا تؤخر كتحليلاتهم المضحكة للوضع في العراق أو فلسطين أو أميريكا .. وفي الحكم على أعداء الله والخونة و حكمهم حول من مجاهد ومن عميل.......إلخ وللأسف الشديد قدر لي أن أتصفح وبسرعة صفحات في هذه القضايا ورأيت كم نفتقد نحن لرؤيا بعيدة النظر تتعدى الانتصار لهذا الرأي أو ذاك الرأي وكم نعاني من تضييع الوقت فيما لا نفع فيه. الناس منهم من لا يتورع عن خوض الجدال في رأيه في البيض يُؤكَل مسلوقأ أم مُحمّراً أو يأكل الجبن الأبيض أم الجبن الدانمركي .....
وللأسف الكثير من الناس من يخوض في قضايا دينية لا يكن لديه العلم الكافي ، فيكثر الخوض والاستدلال لما يوافق رأيه وتصير قضيته الأولى والأخيرة صحة هذا الرأي أم ذاك ، لا العمل على إيجاد النقاط المشتركة في الدعوة من أجل الوصول إلى أسلوب صحيح لتحسين فهم الناس للدين الإسلامي العظيم ويظن الواحد منهم أنه الغيور الأوحد على دين الله وأن من سواه متهاون . الجدال يقود للاختلاف المؤدي غلى الغضب والتشاحن، ولذا كرّه الإسلام فيه ولو تتبعنا التاريخ لوجدنا أن شيوع أفكار الجدليين من الفلاسفة وأمثالهم في الدولة العباسية أسهمت في صرف الناس عن كل ما هو مفيد لدينهم ودنياهم إلى ما يملأ الفراغ بشكل مضر بالدين وبالتالي ضعف المجتمع عن الاشتغال بما ينفع الدين وراح في دوامة انتهت إلى إضعافه و من ثم القضاء عليه لأن الفراغ من أسباب الجدال والتي يسببها الترف .
لكن عودة بنا إلى الوضع الحالي فإننا نرى الكثيرين يتجادلون في أمور خير لهم تركها مثلاً عند تكبيرة الصلاة الأولى يكون كف المصلى الرجل عندشحمة أذنه أم عند كتفه ؟ مثلاً ُينفخ في الصور مرة أم اثنتين أم ثلاث؟
وهكذا أمور كثيرة جادل الناس فيها فصرفتهم عما ينبغي عليهم القيام به.
ولا بأس بالجدال إذا أحس الفرد بأنه قد يؤتي نفعاً وقد يكون ضرورياً لازماً لإثبات الحجة وإقامتها على من يجادل ويكابر أو على الجاهل الذي يجهل ما لا يسع العلم به . أما باقي الأمور من أمور الدنيا وما شابهها فلا يحسن فيها الجدال لأنها لن تغير شيئاً . والإسلام حينما ينهى عن الجدال فالمشرع أعلم من البشر بأضراره .. فمن الناس من كفر -عياذاً بالله - بسبب جداله في أساسيات الدين ومن الناس من تعادوا بسبب الجدال في أمور الدنيا ونحن معشر المسلمين لا وقت لدينا في الجدال العقيم حول أمور لا نفع من الخوض فيها فياليتنا ننح الجدال جانباً ونعمل من أجل رفع كلمة الإسلام .. هناك ألف ألف موضوع نتفق فيه .. فلم نبحث عن قليل ما نختلف فيه لنضخمه وهوتافه ؟؟ ليتنا ندع الجدال .. وحينئذ نبدأ أول خطوات الفهم الصحيح للدين الإسلامي .