كتاب الفكر الاسلامي للإمام تقي الدين النبهاني
سم الله الرحمن الرحيم
التثقف بالثقافة الإسلامية فرض على المسلمين، سواء التثقف بالنصوص الشرعية أو بالوسائل التي تمكّن من فهم هذه النصوص وتطبيقها. ولا فرق بين التثقف بالأحكام الشرعية، أو التثقف بالأفكار الإسلامية. غير أنه من المؤلم أنه منذ غزا الغرب البلاد الإسلامية في ثقافته وحضارته، وبَسَط عليها أحكامه ومفاهيمه وسلطانه، أعرض المسلمون عن الثقافة الإسلامية نتيجة لتقلص سلطان الإسلام، وانحرافاً في الذوق السليم عن جادّته من جراء الدعايات المضللة التي تشن حملاتها على الإسلام وعلى ثقافته.
وقد رأيت أن أنشر شيئاً من هذه الثقافة الإسلامية، أملاً في أن يجد الناس بها، مسلمين وغير مسلمين، ما يثقف عقولهم، ويصحح أذواقهم، ويعالج بعض الهبوط الفكري الذي يخيّم على هذه المنطقة.
والله أسأل أن يوفق المسلمين للقيام بما فرضه الله عليهم من التثقف بالإسلام وحمل دعوته ونشر ثقافته، إنه سميع مجيب.
تقي الدين النبهاني
الإسلام طريقة معينة في العيش
الإسلام طراز خاص في الحياة، متميز عن غيره كل التميز، وهو يفرض على المسلمين عيشاً ملوناً بلون ثابت معين لا يتحول ولا يتغير، ويحتم عليهم التقيد بهذا الطراز الخاص تقيداً يجعلهم لا يطمئنون فكرياً ونفسياً إلاّ في هذا النوع المعين من العيش، ولا يشعرون بالسعادة إلاّ فيه.
جاء الإسلام مجموعة مفاهيم عن الحياة، تشكل وجهة نظر معينة. وجاء في خطوط عريضة، أي معان عامة تعالج جميع مشاكل الإنسان عن الحياة، يَستنبط منها بالفعل علاج كل مشكلة تحدث للإنسان، وجعل كل ذلك مستنداً إلى قاعدة فكرية تندرج تحتها كل الأفكار عن الحياة، وتُتخذ مقياساً يبنى عليها كل فكر فرعي. كما جعل الأحكام من معالجات وأفكار وآراء منبثقة عن العقيدة، مستنبَطة من الخطوط العريضة.
فهو قد حدد للإنسان الأفكار، ولم يَحُدّ عقله بل أطلقه.
وقيّد سلوكه في الحياة بأفكار معينة ولم يقيّد الإنسان بل أطلقه.
فجاءت نظرة المسلم للحياة الدنيا نظرة أمل باسم، وجدّيّة واقعية، ونظرة تقدير لها بقدرها، من حيث أنها يجب أن تُنال، ومن حيث أنها ليست غاية، ولا يصح أن تكون غاية. فيسعى المسلم في مناكبها ويأكل من رزق الله، ويتمتع بزينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، ولكنه يدرك أن الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار البقاء والخلود.
وجاءت أحكام الإسلام تعالج للإنسان أمور البيع بطريقة خاصة كما تعالج أمور الصلاة. وتعالج مشاكل الزواج بطريقة خاصة كما تعالج أمور الزكاة. وتبين كيفية تملك المال وكيفية إنفاقه بطريقة خاصة كما تبين مسائل الحج. وتفصّل العقود والمعاملات بطريقة خاصة كما تفصّل الأدعية والعبادات. وتشرح الحدود والجنايات وسائر العقوبات كما تشرح عذاب جهنم ونعيم الجنة. وتدلّه على شكل الحكم وطريقته بطراز خاص كما تدله على الاندفاع الذاتي لتطبيق الأحكام طلباً لرضوان الله. وترشده إلى علاقة الدولة مع سائر الدول والشعوب والأمم كما ترشده لحمل الدعوة للعالمين. وتُلزِمه الاتصاف بعليا الصفات باعتبارها أحكاماً من عند الله، لا لأنها صفات جميلة عند الناس.
وهكذا، جاء الإسلام فنظم علاقات الإنسان كلها مع نفسه ومع الناس، كتنظيمه لعلاقته مع الله، في نسق واحد من الفكر ومن المعالجة. فصارالإنسان مكلَّفاً لأن يسير في هذه الحياة الدنيا بدافع معين، وفي طريق معين محدد، ونحو غاية معينة محددة.
وقد ألزم الإسلام الناس بالتقيد في هذه الطريق وحدها دون غيرها، وحذّرهم عذاباً أليماً في الآخرة، كما حذّرهم عقوبة صارمة في الدنيا ستقع إحداهما عليهم حتماً إذا حادوا عن هذه الطريق قيد شعرة.
ولهذا يصبح المسلم سائراً في هذه الحياة سيراً معيناً، يعيش عيشة معينة، في طراز خاص، بحكم اعتناقه عقيدة الإسلام، ووجوب طاعته لأوامر الله ونواهيه بالتقيد بأحكام الإسلام.
فهذا النوع المعين من العيش في فهم معين للحياة، وسير معين في طريق معين، أمر مفروض حتماً على كل مسلم وعلى المسلمين جميعاً.
وقد جاء به الإسلام صريحاً واضحاً في الكتاب والسنّة، في العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية.
ومن هنا لم يكن الإسلام ديناً روحياً فحسب، ولا مفاهيم لاهوتية أو كهنوتية، وإنّما هو طريقة معينة في العيش يجب على كل مسلم وعلى المسلمين جميعاً أن تكون حياتهم حسب هذه الطريقة وحدها.
|