مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 13-04-2005, 09:11 AM
muslima04 muslima04 غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
المشاركات: 872
Post مطايا الأعداء

بسم اله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ومن والاهم بإحسان إلى يوم الدين،،


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،

ملخص الخطبة

للشيخ عبد العزيز آل الشيخ

1- الناس بقلوبهم. 2- القلب السليم والقلب المريض. 3- هدف المؤمن في هذه الحياة. 4- الشباب المسخَّرون للأعداء. 5- جريمة الإفساد في الأرض. 6- عقوبة المفسدين في الأرض. 7- الإشادة بجهود رجال الأمن.


الخطبة الأولى


أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله، يقول فيما صحَّ عَنه: ((إنَّ اللهَ لا ينظُر إلى صوَرِكم وأموالِكم، ولكن ينظُر إلى قلوبِكم وأعمالِكم))[1].

أجَل أيّها المسلم، فالقَلبُ محلُّ نَظرِ الله للعَبد، فمَحلّ نظرِ الله للعَبد إنما هو لقَلبِه.

هذا القلبُ متى استقام واستضاء بنور الخير والهدَى أثَّر على الجوارح في سلوكِها واستقامتها، في الحديثِ عَنه : ((ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً، إذا صلَحَت صلَحَ لها الجسَد كلُّه، وإذا فسدت فسَدَ لها الجسد كلّه، ألا وهي القلب))[2].

هذا القلبُ يكون سليمًا إذا سلِم من أمراضِ الشّبُهات والشّهَوات، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88، 89]، ولَكن هذا القلبُ قد يمرض، وقد يُصاب بالعَمَى، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10]، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

القَلبُ إذا كانَ ذا بَصيرة عَقلَ النّافعَ من الضار، وميَّز بتوفيق الله بين الحسَن والقبيح، وبين الخير والشرّ، وبين الهدَى والضلال، وكلّما قوِيَ فيه الإيمان قوِيَت فيه معرفة الله ومحبةُ الله والانقياد لطاعتِه، وكلّما انحرَف عن مسيره الصّحيح وكلّما تلوَّث بالأفكار والآراء المضلِّلة أظلَم ذلك القلبُ وانتكس والعياذُ بالله، فتنقلِب الحقائق في نظره، أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر:8]، قال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

نعم أخِي المسلم، لهم قلوبٌ ولكن هذا القلبُ فقَدَ كمالَه وصِحَّته، لا يفقَه الحقَّ ولا يدري عنه، هو قلبٌ لكنّه لا يدرك الأمورَ، لا يفقه النافعَ من الضار، ولا يدرك المصالح من المفاسِدِ، وإنما هو شريكٌ لبهيمةِ الأنعام في إدراك مأكوله ومشروبِه، بل الأنعام أهدَى سبيلاً منه، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44].

أخِي المسلم، للمؤمِنِ في هذه الحياةِ هَدفٌ يسمو إليه وغايَةٌ يأمُّها ويبتغِيها ويريدُها، فهدَفُه طاعة ربِّه والتقرُّب إليه بما يرضيه، غايته أن ينالَ ثوابَ الله وما وعَدَ الله المطيعين من الثوابِ والعطاء الجزيلِ، إذًا فهو في هذه الحياة الدّنيا يتصرَّف التصرّف الصحيح، وينطلق من خلالِ تفكيره السليم وعقلِه المستنير، فلا تراه يجني على نفسه ولا على أهله ولا على مجتمعه، فضلاً أن يجني بأفعالِه على دينه وأسُسِ إسلامه.

أيّها المسلم، للأسَفِ الشّديد أنَّ هناك فِئةً من الناس في هذهِ الدّنيا عندما تسبُر تصرّفاتِها وعندما تتأمَّل في أحوالِها تجِد أولئك المساكين يَسيرون في ديناهم على غيرِ هدَف، ويتحرَّكون بلا إرادةٍ من تلقاءِ أنفسِهم، ولكنّ تصرُّفاتِهم وإراداتهم تابعة لغيرِهم، لمن يريد بهم الشرَّ ويريد الشرَّ لأمّتهم، فهم لا يفقهون الأمرَ ولا يدركون. إذا سبرتَ حالَهم على الحقيقة وفكَّرت فيهم تفكيرًا سَليمًا جادًّا وتأمَّلتَ: هل هذه التصرفاتُ يريدون بها إصلاحَ دنياهم؟ وإنّ جوابَك أنَّ ذلك لا؛ لأنّ هؤلاء لا يسعَونَ في رزق، ولا يبتغون الرزقَ من أبوابه، ولا يطلبون المعيشةَ الطيبة بسُبُلها. إذًا فليس سعيُهم في تحقيقِ مصالحَ مادّيّة لهم؛ لأنّ تحركاتهم كلَّها نابعةٌ مِن إرادةِ غيرهم، ممّن يوجِّههم فِكرًا ورأيًا، ممن يقودهم لما يريد بهم وبأمّتهم من البلاء. إذًا فليسوا يسعَونَ في صلاح دنياهم، وإن نظرتَ: هل هذا دينٌ يتصرّفون من خِلاله وأنَ مرادَهم الإسلام وعزّه؟ كان جوابك: لا، فإنّ مبادئهم وأفكارهم وأحوالَهم وتصرّفاتهم تدلّ على فقدان الدّين من قلوبهم، فليسوا لدنيا ولا دين، ولكنّهم الفئة الضائعة، الفِئة المخدوعَة، الفِئة المغرَّر بها، الفئة التي لا تقصِد خيرًا ولا تريد خيرًا. هذه الفئة من الناس بُلِيَ بها العالم الإسلاميّ، فما نرَى بِلادًا من بلاد الإسلامِ وللأسف الشديد إلاّ وفِئة من هذا النوعِ تشقَى بها مجتمعاتُهم، يهدِّدونها بكلّ سبيل في دينها وأمنِها واقتصادها واجتماعها.

ترى تلك الفئةَ تسير على هذا المنهجِ السّيئ الذي لا غايةَ ولا مقصودَ لأهله؛ لأنهم ليس تحرُّكهم من إرادةٍ ذاتية، ولكنها إيحاءات خارجيّة وآراء أعداء اتَّخذوا أولئك جِسرًا يعبرون عليه ليدمِّروا الأمة في صميمها. لم يستطيعوا بقواهم الخارجيّة حتى سخَّروا أناسًا جعلوهم أرضيّةً لهم في بلاد الإسلام، جعلوهم ثغرةً مِن خلالها يلِجون إلى أهل الإسلام؛ ليقولوا: نحن ندبِّر وننصَح، ونحن ندعو إلى كذا وندعو إلى كذا، ويعلَم الله أنهم ليسوا لنا بناصِحين ولا بمحبِّين.

أيّها المسلم، هذه الفئات الضالةُ المخطِئة التي تتصرَّف في تصرُّفاتها بكلّ خطأ، تصرّفاتٍ لا يقرّها عقلٌ سليم، ولا يرضَى بها صاحب فطرةٍ سليمة، ينظرُ من خلال هذه التصرّفات فيجدها تصرّفاتٍ خاطئةً بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى.

أيَرضى مسلم أن يسترخِص نفسَه، ويضحِّي بنفسه في سبيلِ باطل، ويسفِك دمَه في سبيل باطل؟! أيرضَى أن يكونَ سببًا في قتلِ مسلِم على يدَيه إمّا بفعله أو بتسبّبه؟! أيرضى أن يكون سببًا في إخافه أمّته؟! أيرضى أن يكونَ سببًا في إضعاف كيان أمته؟! أيرضى أن يكونَ سببًا في إحداثِ الشرّ والبلاء؟!

إنهم يتصرَّفون هذه التصرّفات السيّئة، لا يعلقون حين يتصرَّفون، ولا يدركون ما يعمَلون، لكنّ الأعداءَ اتخذوهم مطايا لهم، غيَّروا أفكارَهم، ومسخوا فِطَرهم، وحوَّلوهم من إنسانٍ ذي إرادة وفهمٍ وإدراك إلى إنسانٍ لا إرادةَ له ولا فكرَ ولا وعيَ عنده. أثَّرت فيهم المخدِّرات، وقضَت عليهم البَطالة والخمولُ والكسل وقِلّة الوعي وضَعف الإيمان، حتى أصبحوا بيدِ الأعداء يسخِّرونهم كيف يشاؤون ويدبِّرونهم على ما يريدون.

فليتَّق المسلم ربَّه، وليتفكَّر في أمره، وليتصوَّر حقيقةَ كلِ أمرٍ يسعى إليه قبل أن يسعَى إليه: هل هذا السعيُ في سبيل مرضاةِ الله أم هو سعيٌ في سبيل الشرّ والفساد؟ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76].

إنَّ من يسعى في الإفساد ويدعو إلى الفساد وإلى سفك الدماء وإلى تدمير الممتَلَكات وإلى نشرِ الرّعب في البلاد ليس بحقٍّ مصلِحًا، ولكنّه المفسد مهما أراد، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204، 205].

أجل، إنّ الله لا يحبّ الفساد، ولا يحبّ المفسدين، ولا يصلِح حالَ المفسدين، بل المفسدون مصيرهم العذاب الأليم، وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [إبراهيم:42].

إنَّ أولئك المجرمين لو تعقَّلوا أمرَهم حقيقة لعلِموا أنَّ مسعاهم باطل، وأنهم يسعَون في باطلٍ لا في خير، وأنَّ حياتهم شقاء، وأنهم والعياذ بالله ارتضَوا لأنفسهم بهذه الحياة السيّئة وهذه الحياة الشقيّة؛ لأنهم لا يريدون بالأمة خيرًا، ولأنهم لا يدركون حقيقةَ ما أمِروا به ووجِّهوا إليه، لا يدركون، لو أَدرَكوا حقًّا لتصوَّروا الخطأ على حقيقة، لكن عمَى البصائر أحدَث فيهم هذا البلاءَ العظيم.

فلنتَّق الله شبابَ الإسلام، ولنعُد إلى رشدنا، ولنتمسَّك بديننا، ولنكُن دعاةً إلى الخير بأساليبِ الخير الذي شرِع لنا، ولنحذَر من أن نكونَ مطايا لغيرِنا أو يتَّخذنا غيرُنا لضربِ أمّتنا من غير أن نفهمَ ونفقَه، فإنَّ المسلم من يتصوَّر الأمور على حقائقها، ولا يقدم خطوةً إلا وقد علِم ما وراءَها بتوفيقٍ منَ الله والأخذ بالأسبابِ النافعة، أما الانخداع بالآراء المضلِّلة والدّعايات المغرِضة التي وراءها عدوٌّ يريد بالأمّة شرًّا.

كم نسمَع اليومَ في بلاد الإسلام هنا وهناك ماذا يحصُل على أيدي بعض أبناءِ المسلمين، ما المصلحة؟! وما الهدف؟! الهدفُ إرضاء غير المسلمين، الهدف فتحُ المجال لأعداء الإسلام ليتَّخذوا ذلك ثغرةً حتى يلِجوا منها لديار الإسلام بما يُوحون من أباطيلهم وأكاذيبهم. فلو كان الشبابُ واعيًا حقًّا ومدركًا حقًّا وفاهمًا حقًّا لرفض تلك الآراءَ المضلِّلة ولم يقبلها ولم ينقَد إليها، وأصبح فاهمًا واعيًا مدرِكًا، لا تخدَعُه الآراء الضالّة، ولا تغرِّره الأفكار المنحرِفة، بل هو يتبصَّر ويدرك، وقد بيَّن الله في كتابه أنّه يُعاقب من انصرَفَ عن الحقّ بالعقاب الأليم: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146].

كم نَصح أولئك النّاصحون، وكم حذَّرهم العلماء الصّادقون، وكم نبَّهوهم من أخطائهم، لكن المصيبة أنَّ القلوبَ في عمى وصدود عن السبيلِ المستقيم، نعوذ بالله من حالِ السوءِ، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلِّبها حيث يشاء، إذا أراد أن يقلِب قلبَ عبد قلبَه، فعياذًا بالله من زيغِ القلوب ومن تتابُع الذّنوب ومن مضِلاّت الفتن ما ظهَر منها وما بطن.

بارَك الله لي ولَكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولَكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغَفور الرحيم.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] رواه مسلم في البر (2564) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] رواه البخاري في الإيمان (52)، ومسلم في المساقاة (1599) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
  #2  
قديم 13-04-2005, 09:16 AM
muslima04 muslima04 غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
المشاركات: 872
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين،،


الخطبة الثانية


الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين.

أمّا بعدُ: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله حقَّ التقوى.

عبادَ الله، مِن نِعَم الله على الأمّة وجودُ قيادةٍ تحفَظها وتقوم بفضلِ الله بواجِبها، وترعى أمنَها واستقرارها، وتحافظ على كيانها، وتبذل كلَّ غالٍ ونفيس في سبيل أمنِ الأمّة وسلامتها، فالعيون الساهِرة على أمن الأمة وعلى اطمئنانها عيونٌ خيِّرة وتحمِل شخصيّات طيّبة ذات خلُق ودين، عيون ساهِرة على أمن الأمة، لا يرضونَ لها بمكائِدِ الأعداء، ولا يقرّون للعدوّ ضَرَره وضلاله، بل يأخذون على يده لأمن الأمة وسلامتها، والله جلّ وعلا قال لنا: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].

في عهدِ نبيِّنا وهو أرحَم الخلقِ بالخلق وأحسَن الخلق بالخلق، في عهدِه وفَدَ إليه وفدٌ من بعضِ قبائل العرب، فلما سكنوا المدينةَ استوخموها، فلم يوافِقهم مناخُها، ولم ترتَح نفوسهم بذلك، أمَرَهم أن يأتُوا إبلَ الصّدقة ليشرَبوا أبوالها وألبانها فتلك عادَتُهم في بلادهم، فلمّا فعلوا ذلك صَحّوا وسلِموا وزال كلُّ ما بهم من بلاء وعادوا على صحّتهم الكامِلة، لكن ماذا فعلوا؟ هل شكَروا نعمةَ الله عليهم بهذه العافيةِ والنعمة وهذه الرعايةِ من سيّد الأولين والآخرين وهذه الشفقة والعناية من سيّد الأولين والآخرين؟! هل قدَّروا لهذه المكرُمَة قدرَها؟! وهل عرَفوا لها مكانتها؟! لا، القلوب مريضَة، القلوبُ تطمَع في الفسادِ، النفوس جبِلَت على قطعِ الطريق والإفسادِ في الأرض ونهب الأموال وقتلِ الأبرياء.

ماذا عملوا؟ عمَدوا إلى راعي الإبل راعي النبيّ فقتلوه، كيف قتلوه؟ قطَّعوا يدَيه ورِجلَيه وكوَوا بالنّارِ عَينَيه حتّى هلك، وأخَذوا الإبلَ واستاقوها وهرَبوا وكفَروا وارتدّوا بعد إسلامهم. فعِندما بلغَ النبيَّ خبرُهم لم يمهِلهم، بل أمر بطلَبهم فأتِيَ بهم قبل ارتفاعِ النهار.

لمّا أتي بهم ماذا عمل؟ هذا محمّد أرحَمُ الخلق بالخلق، هو ذو رَحمةٍ بالعباد ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، لكن القوّةُ في وقتها والحزم في وقتِه هو رحمة أيضًا بالأمة، أمَرَ بهم ماذا؟ أمَر أن تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فقطِعَت اليد اليمنى والرّجل اليسرى، ثم ماذا؟ ثمّ أمَر بهم فسمِلَت أعينُهم بالنّار أي: كوِيَت أعينهم بالنار، ثم ماذا؟ ترَكهم في الحرّة يطلبون الماءَ فلا يُسقَونَ، ويقول لهم: ((النار النار)) حتى ماتوا عطشًا وجزعًا وألمًا من كلِّ ما حلَّ بهم[1].

هذه رحمةُ محمّد بالأمة؛ لأنَّ هذه الرحمة هي التي تحفَظ للأمة كيانها، وتحفظ للأمّة أمنَها، وتحفَظ للأمة استقرارها، وتردع المجرمين، وتوقِفهم عند حدّهم؛ لأنَّ الله أرحم الراحمين، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فلا يمكن أن يستقيمَ للأمة أمنٌ ولا يستقِرّ لها قرار ولا تطمئنّ النفوس إلاّ إذا أقيمَت حدودُ الله؛ لتكون قامعةً لكلّ مفسد، رادعة لكلّ مجرم، حدود الله التي فيها الرّحمة والشفقة والإحسان للعباد، فسبحان الحكيم العليم، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

أيّها المسلم، إنّ المسلمَ حقًّا يغار على أمّته ويغار على دينه، إنّه يرى أنَّ القائمين بالأمن لهم منّا حقٌّ أن ندعوَ الله لهم بالثبات والسدادِ والتوفيق بما يرضي الله؛ لأنهم بذَلوا جهدًا كبيرًا، وأنفقوا وقتًا ثمينًا، وعرَّضوا أنفسَهم وحياتهم في سبيلِ أمنِ الأمّة، فلهم منّا التقدير، ويسأل الله لهم التوفيقَ والسداد، وأن يكونوا دائمًا عندَ حسنِ ظنِّ أمّتِهم بهم، يكافحون ويجاهدون، ولا يدَعون للمفسدين سبيلاً. هذا واجب المسلم أن يدعوَ الله لهم بالتوفيق والسداد، وأن يوفِّق القائمين على أمنِ هذه الأمّة لما يرضيه، ويباركَ لهم في أعمالهم وأعمارهم، ويسدِّد على طريق الخيرِ خُطاهم، إنّه على كل شيء قدير.

واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كِتاب الله، وخيرَ الهديِ هدي محمّد ، وشَرّ الأمور محدثَاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلِمين، فإنّ يدَ الله علَى الجماعة، ومَن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ علَى عبدِ الله ورسولِه محمّد كما أمَرَكم بذلك ربّكم، قال تعالَى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورَسولِك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...



--------------------------------------------------------------------------------

[1] قصة العرنيين رواها البخاري في الديات (6899)، ومسلم في القسامة (1671) عن أنس بن مالك رضي الله عنه بمعناها، وليس عندهما أنهم قطعوا الراعي، ولا قول النبي : ((النار النار))، وانظر: تفسير الطبري (6/207)، وتفسير القرطبي (6/148).


اللهم صل على محمد النبي وعلى ازواجه امهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد.والحمد لله اولا وآخرا.



آخر تعديل بواسطة muslima04 ، 13-04-2005 الساعة 09:21 AM.
  #3  
قديم 13-04-2005, 01:08 PM
دايم العلو دايم العلو غير متصل
مشرف عام
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2003
الإقامة: السعودية
المشاركات: 7,232
إرسال رسالة عبر MSN إلى دايم العلو
إفتراضي

الأخت الفاضلة / مسلمة

أسأل الله أن يجزيك خيراً على وضعها هنا

ليت أولئك القوم يدركون ويعون ؟!!
ووالله إنها أثرت في نفسي أيما تأثير
لقد جعلوا من أنفسهم مطايا لأعداء الملة والدين
وحسبنا الله ونعم الوكيل

ليتهم يتفكرون ويعون هذه الكلمات :


إقتباس:
ماذا يحصُل على أيدي بعض أبناءِ المسلمين، ما المصلحة؟! وما الهدف؟! الهدفُ إرضاء غير المسلمين، الهدف فتحُ المجال لأعداء الإسلام ليتَّخذوا ذلك ثغرةً حتى يلِجوا منها لديار الإسلام بما يُوحون من أباطيلهم وأكاذيبهم. فلو كان الشبابُ واعيًا حقًّا ومدركًا حقًّا وفاهمًا حقًّا لرفض تلك الآراءَ المضلِّلة ولم يقبلها ولم ينقَد إليها، وأصبح فاهمًا واعيًا مدرِكًا، لا تخدَعُه الآراء الضالّة، ولا تغرِّره الأفكار المنحرِفة، بل هو يتبصَّر ويدرك، وقد بيَّن الله في كتابه أنّه يُعاقب من انصرَفَ عن الحقّ بالعقاب الأليم: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146].
__________________


فضلاً لا أمراً .. اضغط بالفأرة على الصورة ..
  #4  
قديم 14-04-2005, 05:34 PM
muslima04 muslima04 غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
المشاركات: 872
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن والاهم بإحسان إلى يوم الدين،،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،

اللهم آمين يا رب،،وجزاكم الله خيرا لمروركم الكريم اخي..
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م