الشبهة السابعة : في جواز الانتحار :
أ- الاستدلال بحديث الغلام ، والساحر ، والملك ، وقصة البراء بن مالك رضي الله عنه ؛ أما الاستدلال بقصة الغلام ، والملك ، والراهب ، فالرد عليها من أوجه :
1. أن الغلام لم يباشر قتل نفسه ، فكيف يصح القياس ؟! ، فلو باشر الغلام قتل نفسه ، لكان هناك جواب اخر
2. أن قصة الغلام شرع من قبلنا . وشرعنا حرم قتل النفس فإذا تعارض شرعُ من قبلنا مع شرعنا فالإجماع منعقد على التعبد بشرعنا ؛لا بشرع من قبلنا . وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلام نفيس ، حول حديث الغلام حيث قال: ولو تنزلنا مع الخصم وقلنا بجواز قتل النفس ، استدلالا بهذا الحديث فلا بد من حصول مصلحة عظيمة من جراء قتل النفس ؛ فإن الغلام حصل من فعله مصلحة كبرى وهي إسلام أمة بكاملها » .شرح رياض الصالحين المجلد الأول
ب - أمَّا فعل البراء بن مالك فالكلام عليه من أوجه :
1ـ القياس عليه باطل . فهو لم يباشر قتل نفسه ، فكيف يصح القياس؟ ومن شروط القياس استواء اصل وفرع .
2ـ أن مظنة هلاك البراء ومظنة نجاته محتملة ، وقد نجح في فتح باب الحصن وسلم .أما فعل هؤلاء فلا بد من قتل أنفسهم أولاً .
3 ـ أن فعل البراء خالفه قول صحابي آخر ، أفقه منه وفي كل صحابة رسول الله خير ؛ وهو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ونحن أمرنا بإتباع سنة عمر وإليك الأدلة على ذلك:
قال الشافعي رحمه الله في كتاب الأم ، فيما يجب على إمام المسلمين أن يدخل المسلمين في بلاد المشركين في الأوقات التي يرجوا أن ينال الظفر من العدو من أجل المحافظة على أرواح الجنود ، إلى أن قال: وكان عمر يكتب إلى عماله لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين لأنه شديد الجرأة ويقتحم المهالك ، ونقل رحمه الله أثراً عن عمر يبين حرصه على أرواح المسلمين يقول : والذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل ويضيع رجل مسلم ، أخرجه سعيد بن منصور في سننه. هذا فقه الخليفة الراشد ، وهؤلاء يغررون شباب المسلمين باسم الجهاد ؛ فيقتلون أنفسهم وعشرات المسلمين في عملية واحدة ، من أجل الوصول إلى شخص أو أثنين أو ثلاثة ،هم في الأصل دماؤهم معصومة ، ولا عجب أن يحرص الخليفة الراشد هذا الحرص على أرواح المسلمين ،وهو فقيه من فقهاء الأمة وله في رسول الله أسوة حسنة : ففي صحيح مسلم في غزوة الخندق أن فتى كان يستأذن رسول الله بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله فقال له رسول الله ذات مرة خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة
4- أن أقوال أفراد الصحابة وأفعالهم ليست حجة في الشريعة ، إنما الحجة الكتاب والسنة ، وقد تكون أقوالهم وأفعالهم حجة بشروط مبسوطة في كتب أصول الفقه وإذا خالف الصحابي الدليل اجتهاداً منه أو خالفه صحابي آخر ، فلا يُعلم خلاف عند أهل العلم بعدم الحجية ؛ مع حفظ مكانة الصحابة وأنهم مجتهدون ، وثوابهم يدور بين الأجر والأجرين . ورحم الله الإمام ابن عبد البر ، عند بحثه في إحدى المسائل الفقهية ،ختم تلك المسألة بقوله : (والحجة عند التنازع لمن يدلى بدليل من الكتاب والسنة ) انتهى كلامه رحمه الله .
|