مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 19-08-2001, 04:57 PM
أسعد الأسعد أسعد الأسعد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2001
المشاركات: 47
Lightbulb

الأخ الكريم صالح عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من خلال تعقيبك الأخير يبدو لي أنني لم أوفق في عرض ما أردت عرضه بالأسلوب الصحيح أو بالأسلوب الذي يسهل على القارئ فهم ما كنت أود بيانه ولعل ذلك يعود لتواضع قدراتي في الكتابة مما أدى إلى عدم وضوح الفكرة لديك وفي هذه المرة سأحاول قدر الإمكان توضيح ما عجزت عن توضيحه في المرة السابقة ..

فقد أخذت عليك أيها الأخ الكريم أنك اعتبرت العقل والفكر شيئاً واحدا وفي تعقيبك التالي أضفت أن التفكير هو أيضا يأخذ نفس معنى العقل والفكر ثم أضفت موضحا أن الفكر قد يطلق على عملية التفكير وقد يطلق على نتيجة التفكير. من ذلك نفهم أنك ترى أن العقل والتفكير والفكر ( الذي هو بمعنى عملية التفكير ) شيئا واحدا.
ثم أخذت عليك أنك حصرت مجال العقل في المحسوسات.

فأما ما يخص النقطة الأولى ولتوضيح أن العقل والتفكير شيئان مختلفان أرى من المناسب أن أشبه العقل بالميزان وأشبه التفكير بعملية الوزن التي تتم بواسطة ذلك الميزان فكما أن بواسطة الميزان تتم عملية الوزن فإن بواسطة العقل تتم عملية التفكير وأنت عندما تعتبر العقل والتفكير شيئا واحدا تكون كمن اعتبر الميزان والوزن شيئا واحدا. من ذلك تستطيع أن تلاحظ أن العقل ليس عملية إجرائية كالتفكير بل هو الأداة التي بواسطتها تتم عملية التفكير وينطبق ذلك على الميزان أيضا فإن الميزان ليس عملية إجرائية وإنما هو الأداة التي بواسطتها تتم عملية الوزن .. لذلك لا ينبغي أبداً أن نخلط بين الأداة وبين العملية التي يقوم بها.

وأما تعبيري عن العقل تارة بأنه أداة وتارة أخرى بأنه ملكة وتارة ثالثة بأنه ميزان فقد كان القصد منها الزيادة في التوضيح ولكن يبدو أنني فشلت في ذلك .. وقد كنت أتوقع أنني حينما أستخدم تلك التعبيرات المختلفة أكون كمن يعبر عن الميزان تارة بأنه أداة وتارة أخرى بأنه جهاز وتارة ثالثة بأنه آلة ولا أرى في ذلك أي خلل في هذه الاستخدامات ولو عدنا إلى تلك الاستخدامات نراها على النحو الأتي : ( ملكة وأداة وميزان ) فأما استخدامي لكلمة أداة فلأنه ( أي العقل ) الشيء المستخدم لأداء عملية التفكير وأما استخدامي لكلمة ميزان ففيه تشبيه العقل بالميزان وهو كما أراه تشبيه قريب جدا وأما استخدامي لكلمة ملكة فأقصد بها أنه نوع من القدرات التي زودنا بها الخالق سبحانه وتعالى.

وفي الحقيقة فأنني لم أكن أرى أن الكلمة كانت تحتاج لتوضيح أكثر من بيان أنها نوع من أنواع القدرات وبذلك لن أستطيع أن أبين حقيقتها وكنهها وماهيتها بأكثر من ذلك فكما يملك الإنسان القدرة على الحركة والقدرة على السمع والقدرة على النطق والقدرة على الإبصار يملك أيضا القدرة على التفكير .. وكما أن أداة السمع هي الأذن وأداة الإبصار هي العين وأداة النطق هي اللسان فإن أداة التفكير هي العقل.

كما أنك أيها الأخ العزيز تستطيع أن تلاحظ الفرق بين العقل والتفكير من خلال أنك لا تستطيع أن تستخدم كلمة العقل محل كلمة التفكير في عباراتك التي تنشئها فلو كان العقل والتفكير شيئا واحدا لأمكنك أن تستخدم كل كلمة منهما محل الأخرى فيؤديان نفس المعنى.
من ذلك يتضح أن العقل والتفكير شيئان مختلفان.

وأما المثال الذي أتيت به لتوضيح عملية التفكير وهو مثال ( الكتاب ) فإنك ذكرت فيه أن العملية التفكيرية التي حصلت حينما أردت أن تجيب على ذلك السؤال جرت على النحو الآتي : ( انتقل واقع الكتاب الى دماغي بواسطة حاسة البصر على سبيل المثال، وفي دماغي يوجد قدر معين من المعلومات التي تفسر ما هو هذا الشيء الذي سألتني عنه، وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء، أي ادراك أنه كتاب، وهذا الادراك لواقع الكتاب هو الحكم الذي يصدره الدماغ على الواقع ، فهذا الحكم هو نتيجة العملية التفكيرية)

ولو تأملنا قولك هذا لوجدنا أن معظم فقراته تعاني من خلل معين أو أنها تحتاج إلى بيان أوضح وأدق ..
فأما قولك ( انتقل واقع الكتاب إلى دماغي ) فإني أتصور أنك لو قلت بدلا من ذلك ( انتقلت صورة الكتاب إلى دماغي ) لكان ذلك أدق وأسلم إذ أن واقع الشيء لا ينتقل إلى الدماغ بل تنعكس صورة منه فقط.

واما قولك : ( وفي دماغي يوجد قدر معين من المعلومات التي تفسر ما هو هذا الشيء الذي سألتني عنه ) فيفهم منه أن المعلومات السابقة هي التي تفسر الواقع وهذا ما لا يمكن قبوله فليس لأي معلومة أي قدرة على فعل أي شيء بل ينحصر دورها في أنها تكون أحد المرتكزات التي يعتمد عليها العقل في فهم الواقع فعندما يكون لدينا معلومتان على الشكل الآتي : المعلومة الأولى وهي أن ( أ ) أكبر من ( ب ) والمعلومة الثانية هي أن ( ب ) أكبر من ( ج ) ثم نسأل أيهما أكبر ( أ ) أو ( ج ) فإن العقل باستخدامه هاتين المعلومتين كمعطيات أولية أو كمقدمات أو كمعلومات سابقة يستطيع أن يدرك أيهما أكبر وبذلك تتكون لدينا معلومة ثالثة وهي أن ( أ ) أكبر من ( ج ) .. وهنا نلاحظ أننا بالعقل استطعنا أن نصل إلى المعلومة الثالثة وأدركنا العلاقة بين ( أ ) و ( ب ) وذلك بالاعتماد على المعلومتين السابقتين لا أن المعلومتين السابقتين هما اللتان توصلتا للمعلومة الثالثة أي أن المعلومتين السابقتين هما من العناصر التي اعتمد عليها العقل للوصول للمعلومة الثالثة لا أنهما بنفسهما قد توصلتا إلى المعلومة الثالثة. لذلك فإن قولك في هذه الفقرة بأن المعلومات السابقة هي التي تفسر الواقع قول خاطئ.

كما أننا من خلال هذه العبارة نفهم أنك تعتبر وجود معلومات سابقة شرطا لابد منه كي تتم عملية الفهم وهنا أتساءل ما هي المعلومات التي ينبغي أن تتوفر في الدماغ لكي ندرك أن النقيضان لا يجتمعان ؟

بل لو كان وجود المعلومات السابقة شرطا لما أمكننا معرفة أي شيء لأننا قد خرجنا من أمهاتنا وليس لدينا أي معلومة فكيف أمكننا أن ندرك تلك الأمور التي أدركناها في بداية طفولتنا ولم يكن لدينا أي معلومات سابقة ؟
كما أن اشتراط وجود معلومات سابقة كي نستطيع أن نفهم يعني أننا لا نستطيع أن ندرك أي شيء جديد لا يرتبط بالمعلومات التي في حوزتنا. والحال أننا قادرين على تعلم ونفهم أموراً كثيرة غير متعلقة بأي معلومة سابقة. فمثلا نستطيع أن نتعلم لغة جديدة حتى لو لم يكن لدينا أي معرفة سابقة بها.

وهنا لابد أن نفرق بين إدراكنا القانون أو القاعدة وبين تطبيقاتنا لتلك القاعدة فمثلا إدراكنا لاستحالة أن يطالبنا الله بالصوم والإفطار في يوم واحد يعتبر تطبيقا للقانون العقلي الذي يقرر استحالة اجتماع النقيضين فلو قلنا لأي إنسان عاقل عليك أن تصوم غدا نهارا وعليك أيضا أن تفطر غدا نهارا فإنه سيدرك أن ذلك مستحيل وسيظل مدركا لهذه الاستحالة حتى لو فشل في التعبير عنها .. كذلك لو قلنا لطفل يدرس في الصف الأول الابتدائي عليك أن تذهب غداً إلى المدرسة ولكن عليك أن لا تذهب غداً إلى المدرسة فإنه سوف يدرك أن الجمع بين الذهاب وعدم الذهاب في آن واحد مستحيل لأنه يدرك بعقله أن الجمع بين النقيضين مستحيل حتى لو لم تسعفه قدراته على التعبير بأن يوضح لماذا الذهاب وعدم الذهاب لا يجتمعان وحتى لو لم يسمع بكلمة ( النقيض ) أو بعبارة ( النقيضان لا يجتمعان ). إذن فالقوانين العقلية الأولية نستطيع إدراكها تلقائيا ودون الاستعانة بأي معلومات سابقة.

وأما قولك : ( وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع )

فإنك قد كررت قولك بأن المعلومة هي التي تقوم بالتفسير ولا أدري هل للمعلومات أي عقل أو إحساس أو أي قدرة تمكنها من تقديم أي نوع من التفاسير ؟

من هذه الملاحظات يبدو واضحا أن وصفك لعملية التفكير غير دقيق بل غير صحيح .. بل أستطيع القول أن المثال الذي أتيت به غير صالح ليكون مثالا على الفهم أو التفكير فهو لا يعدو عن كونه مثلا للاسترجاع أو ما يسمى بالاستظهار وهي عملية استرجاع أو استظهار معلومة سابقة وهذا ليس فيه أي فهم.
ولزيادة توضيح ذلك نتساءل ماذا لو أنك قد نسيت تلك الكلمة والتي هي ( كتاب ) ولم تستطع الإجابة على ذلك السؤال فهل ذلك يعني أنك لم تعرف هذا الشيء الذي أمامك ؟ بالتأكيد أننا نستطيع أن نحتمل أنك استطعت التعرف على هذا الذي أمامك ولكنك نسيت تلك الكلمة التي تدل عليه وتعبر بها عن معرفتك ؟ والعكس أيضا صحيح فقد تجيب على السؤال وتقول أنه كتاب ولكنك لا تفهم معنى الكتاب مطلقا. وهذا يحصل في كثير من الأحيان فهناك من الأجهزة الطبية مثلا لا نعرف عنها أي شيء سوى أننا نعرف أسماءها فقط فهل ذلك يعتبر فهما ؟
من ذلك يتضح أن التعرف على الأشياء لا يعتبر فهما لذلك نقول أن هذا المثال غير صالح لتوضيح عملية الفهم .. أما الفهم الذي هو إدراك معنى الشيء ( لا التعرف عليه فقط ) فإن مثالك لم يأت به مطلقا وخير مثال للتفريق بين الاسترجاع والفهم هو أن نقارن بين من يحفظ القرآن وبين من يفهمه وأرى أن الفرق هنا واضح.
بعد هذا العرض نستطيع أن ندرك الفرق بين العقل والتفكير والفكر فأقول أن العقل هو تلك القدرة التي تجعلنا قادرين على التفكير والفهم .. وأما التفكير فهو العملية التي يجريها العقل للوصول لفهم معين .. وأما الفهم فهو النتيجة التي ندركها من خلال التفكير.

وتبقى النقطة الأخرى التي أخذتها عليك وهي حصرك مجال العقل في المحسوسات فقط وسوف أقوم ببيانها قريبا إنشاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
__________________
فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني
  #12  
قديم 22-08-2001, 01:37 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

هل الامام معصوم ؟

حجتك العقلية التي اقمتها على ضرورة العصمة للامام أوردتها من خلال هذا النص :
( من المعلوم أن من الضروري أن يكون هناك إمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ومن المعلوم أيضا أن الله قد فرض علينا طاعته فإذا لم يكن هذا الإمام معصوما فمن الممكن أن يأمرنا بما يخالف شرع الله فإذا حصل منه ذلك وقد أمرنا الله بطاعته فمعنى ذلك أن الله أمرنا بتنفيذ تلك الأوامر المخالفة للشرع.. وقد تقول أننا نستطيع أن لا نطيعه إلا إذا أمر بالحق أما إذا خالف الحق فليس له علينا طاعة.. فأقول ردا على هذا القول أن الإمام العادل عندما يأمرنا بشيء فلابد أنه قد رأى ذلك حقا وصوابا . ولكن في حالة أن أصبح ما يراه الإمام حقا يراه بعض الرعية باطلا كيف بنا أن نميز من هو صاحب الرأي الصحيح ؟ ثم رأي من يكون نافذا ؟ فإن قلت أمر الإمام هو الذي يجب أن يكون نافذا فسوف نقع في نفس الإشكال الذي أوضحناه قبل قليل وهو أنه في حالة كون الإمام مخطئا فسوف تكون النتيجة أن الله قد أمرنا بتنفيذ ما يخالف الشرع ؟ كما وسينتج عندنا إشكال آخر وهو كيف يستطيع أولئك الذين رأوا الإمام مخطئا أن يطيعوه ؟ ألا يعتبر ذلك طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟
أما إذا قلت أمر من خالفه هو الذي يكون نافذا فنكون قد خالفنا رأي الإمام دون أن نجزم بخطئه فنحن لم نجزم بصحة رأي من خالفه .. ثم ماذا لو تعددت الآراء التي خالفت رأي الإمام ولم يتيسر الاتفاق ؟ هل يعمل كل صاحب رأي برأيه ؟ وباختصار فإن الإمام إذا لم يكن معصوما فلن تستقيم الأمور ولن نستطيع أن نطيع الله الطاعة الحقيقية ولن نعرف هل نحن نطيع الله أم نعصيه ..).
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #13  
قديم 22-08-2001, 01:41 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

وأما ردي فهو الآتي :

النتيجة المنطقية التي انتهيت اليها خطأ لأنها بنيت على سلسلة من القضايا المغلوطة، وحتى يتضح خطأ الاستنتاج المنطقي أرتب بعض مقدماتك المنطقية على النحو الآتي :

مقدمة أولى : ( طاعة الامام فرض )، مقدمة ثانية : ( الامام غير المعصوم قد يامرنا بما يخالف شرع الله ) النتيجة ( أن الله يأمرنا بتنفيذ ما يخالف شرع الله) .

أما المغالطة فتكمن في المقدمة الأولى ، ذلك أن طاعة الامام مقيدة وليست مطلقة، فصحيح أن الله تعالى قد أمرنا بطاعة الامام إلا أن الصحيح أيضا أن الله سبحانه وتعالى قد استثنى من الطاعة الأمر بالمعصية، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) وقال : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) أي الطاعة انما تكون في حدود الاسلام. فإذا أمر الامام بمعصية الله فلا طاعة له. على أن المراد بالمعصية المعصية التي لا توجد شبهة في أنها معصية، اما لو أمر بشيء يراه هو حلالا وتراه انت حراما فتجب طاعته، ولا يعتبر هذا أمرا بمعصية، بل هو أمر بفعل الحلال. وكما استثنى الله سبحانه وتعالى الأمر بالمعصية من وجوب الطاعة استثنى ظهور الكفر البواح من تحريم الخروج على الامام واشهار السيف في وجهه، فعن عبادة بن الصامت قال : ( دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما اخذ علينا ان بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا واثرة علينا وان لا ننازع الامر اهله الا ان ترو كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ) ، والمراد بالكفر البواح الكفر الذي قام الدليل القاطع على أنه كفر ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف بقوله ( كفرا بواحا ) بل ألحقها بقوله ( عندكم فيه من الله برهان ) وكلمة برهان لا تطلق الا على الدليل القطعي، ولهذا كان وجود الدليل القاطع على انه كفر شرطا من شروط الخروج، فإذا كانت هناك شبهة بانه ليس بكفر، أو كان هناك دليل ظني بانه كفر كحديث آحاد ولو كان صحيحا، فانه لا يحل الخروج، لان الخروج لا يحل الا اذا كان هناك دليل قطعي بانه كفر .

وعليه فكان المفروض إما أن تنص في المقدمة الأولى على هذين الاستثنائين أو أن تضع مقدمة ثالثة بالنص عليهما، ولو فعلت ذلك لما خرجت بنتيجة أن الله يأمرنا بتنفيذ ما يخالف شرع الله، وبالتالي لما أوجدت من خلال هذا السياق المنطقي المسوغ للقول بعصمة الامام .

مثال آخر : مقدمة أولى : ( طاعة الامام فرض )، مقدمة ثانية : ( الامام غير المعصوم قد يخطأ ) النتيجة ( الله يأمرنا بتنفيذ ما يخالف شرع الله) وأيضا ( طاعة الامام تكون طاعة لمخلوق في معصية الخالق) .

واما المغالطة هنا فتكمن في التسوية بين الوقوع في الخطأ وبين مخالفة شرع الله أو بين الخطأ وبين المعصية، فمع أن المقدمة الثانية نصت على كلمة " خطأ " إلا أن النتيجة نصت على كلمة " مخالفة شرع الله " وعلى كلمة " المعصية " فبدل أن تكون النتيجة ( أن الله يأمرنا بتنفيذ أمر الامام حتى لو كان مخطأ ) جعلت النتيجة ( أن الله يأمرنا بتنفيذ ما يخالف شرع الله ) وكذلك ( أن ذلك يعتبر طاعة للمخلوق في معصية الخالق ) مع أن الخطأ لا يساوي المعصية أو مخالفة شرع الله تعالى.

وأما أن الخطأ ليس هو مخالفة لشرع الله ولا هو معصية للخالق، فلا أدل على ذلك من أن المجتهد المخطأ مأجور في خطأه، قال صلى الله عليه وسلم : ( ان اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وان أخطأ فله أجر واحد ) ، فلو كان الخطأ في الاجتهاد مخالفة لشرع الله أو كان معصية لله تعالى لما استحق المجتهد المخطأ الأجر، لأن المعصية يترتب عليها الاثم لا الأجر أو الثواب. وفي يوم الأحزاب قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحدا منهم. فلو كان المخطأون منهم عاصون أو مخالفون لشرع الله لما سكت عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأن سكوته تشريع. وبعد الرسول صلى الله عليه وسلم أجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على جواز اختلافهم في فهم بعض النصوص الشرعية، ولا يمكن أن يجمعوا على مخالفة شرع الله تعالى أو على فعل المعصية لأن اجماع الصحابة يعتبر دليلا شرعيا كالكتاب والسنة والقياس.

وأما القضايا الأخرى التي وردت في استدلالك فهي الآتي :
( وقد تقول أننا نستطيع أن لا نطيعه إلا إذا أمر بالحق أما إذا خالف الحق فليس له علينا طاعة .. فأقول ردا على هذا القول أن الإمام العادل عندما يأمرنا بشيء فلابد أنه قد رأى ذلك حقا وصوابا . ولكن في حالة أن أصبح ما يراه الإمام حقا يراه بعض الرعية باطلا كيف بنا أن نميز من هو صاحب الرأي الصحيح ؟ ) .
( أما إذا قلت أمر من خالفه هو الذي يكون نافذا فنكون قد خالفنا رأي الإمام دون أن نجزم بخطئه فنحن لم نجزم بصحة رأي من خالفه .. ثم ماذا لو تعددت الآراء التي خالفت رأي الإمام ولم يتيسر الاتفاق ؟ هل يعمل كل صاحب رأي برأيه ؟ وباختصار فإن الإمام إذا لم يكن معصوما فلن تستقيم الأمور ولن نستطيع أن نطيع الله الطاعة الحقيقية ولن نعرف هل نحن نطيع الله أم نعصيه ..)

ما ورد في هذه النصوص خطأ أيضا، وذلك لما يلي :

الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ، وخطاب الشارع إما أن يكون قطعيا أو يكون ظنيا، والاجتهاد في القطعي غير وارد ، لأن الصواب في الأحكام الشرعية التي دلت عليها النصوص القطعية متعين وليس فيها إلا رأي واحد قطعي. ولا يكون النص قطعيا إلا إذا كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة. وقطعي الثبوت هو القرآن الكريم والحديث المتواتر. وأما النصوص الظنية سواء ظنية الثبوت " الحديث غير المتواتر " أو ظنية الدلالة فهي محل الاجتهاد ، وفيها تختلف أفهام المجتهدين. والاجتهاد لغة هو استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقة ، واما في اصطلاح الأصوليين فمخصوص باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه. فالحكم الشرعي يفهم من خطاب الشارع باجتهاد صحيح، أي أن اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر الحكم الشرعي، ويكون حكم الله في حق كل مجتهد هو ما أدى اليه اجتهاده وغلب على ظنه. فالاجتهاد هو استفراغ الوسع في ( طلب الظن ) وحكم الله في حق المجتهد هو ( ما غلب على ظنه ) لأن دلالة الدليل الظني على الحكم الشرعي ظنية ولا يمكن أن تكون قطعية، بل لا يشترط في الأحكام الشرعية القطع واليقين كما يشترط في العقائد.
من هنا يتبين أن الشرط فيما يأمرنا به الامام هو أن يغلب على ظنه أن حكم الله في هذه المسألة هو كذا، فنحن مأمورون بطاعته فيما غلب على ظنه أنه هو حكم الله فيها، وليس فقط في الأمور القطعية. فموضوع الحق والباطل غير وارد في اختلاف آراء المجتهدين، لأن الحكم الشرعي المستنبط من الدليل الظني لا يمكن أن يكون إلا ظنيا، فلا يستطيع أحد ان يدعي أن رأيه هو الحق وأن رأي غيره هو الباطل ما دام الرأيان مستنبطين من الدليل الظني، فلا الامام يحق له أن يقول أن رأيه هو الحق، ولا المخالفين له في الرأي يحق لهم ان يقولوا عن رأيه أنه باطل.
من هنا نجد أن أصحاب المذاهب من المجتهدين كانوا يعتبرون استنباطهم للأحكام الشرعية صوابا يحتمل الخطأ ، وكان كل واحد منهم يقول : إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط. فالحكم الذي يستنبطه المجتهد هو بالنسبة له صواب يحتمل الخطأ ، وبالنسبة لغيره خطأ يحتمل الصواب. فما يأمرنا به الامام هو بالنسبة له صواب يحتمل الخطأ وليس حقا، وبالنسبة لمن يخالفه هو خطأ يحتمل الصواب وليس باطلا .


" غير أن هذه الأحكام الشرعية اختلف فيها الصحابة، ففهم بعضهم من النصوص الشرعية شيئا غير ما كان يفهمه البعض الآخر، وكان كل يسير حسب فهمه ، ويكون فهمه حكم الله في حقه، ولكن هناك أحكام شرعية تقتضي رعاية شؤون الأمة أن يسير المسلمون جميعا على رأي واحد فيها وان لا يسير كل بحسب اجتهاده، وقد حصل ذلك بالفعل فقد رأى أبو بكر رضي الله عنه أن يوزع المال بين المسلمين بالتساوي ، لأنه حقهم جميعا بالتساوي . ورأى عمر رضي الله عنه أنه لا يصح أن يعطى من قاتل رسول الله كمن قاتل معه ، وأن يعطى الفقير كالغني ، ولكن أبا بكر كان هو الخليفة فأمر بالعمل برأيه ، أي تبنى توزيع المال بالتساوي ، فاتبعه المسلمون في ذلك ، وسار عليه القضاة والولاة، وخضع له عمر، وعمل برأي أبي بكر ونفذه ، ولما جاء عمر خليفة تبنى رأيا يخالف رأي أبي بكر ، أي أمر برأيه بتوزيع المال بالتفاضل لا بالتساوي ، فيعطى حسب القدم والحاجة، فاتبعه المسلمون ، وعمل به الولاة والقضاة ، فكان اجماع الصحابة منعقدا على أن للامام أن يتبنى أحكاما معينة ويأمر بالعمل بها، وعلى المسلمين طاعتها ولو خالفت اجتهادهم ، وترك العمل بآرائهم واجتهاداتهم ". ومن هذا الاجماع أخذت القواعد الشرعية المشهورة : ( امر الامام برفع الخلاف ) ( امر الامام نافذ ) ( للسلطان ان يحدث من الاقضية بقدر ما يحدث من مشكلات ) . فالامام وحده من له حق جعل الاحكام الشرعية حين يتبناها نافذة فتصبح حينئذ قوانين تجب طاعتها، ولا تجوز مخالفتها.

لكن لو حصل تنازع بين الامام والرعية سواء في حكم من أحكام الشرع أم في غير ذلك من المظالم التي قد تقع من الدولة على الناس فما هو العلاج ؟
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . ذلك خير وأحسن تأويلا }، ورد التنازع الى الله والرسول هو رده إلى القضاء. فالقضاء هو الذي يرفع النزاع بين الناس وبين الدولة، وحكمه نافذ .

من هنا يتبين أن الشارع قد أثبت احتمال وقوع تنازع بين الامام وبين الناس، وأثبت احتمال وقوع خلاف في فهم الأحكام الشرعية من النصوص الشرعية، وأثبت أن الامام قد يخطأ، وأنه قد يعصي أو قد يأمر بالمعصية بل أثبت امكانية أن يظهر منه الكفر البواح، فبين الحكم الواجب في كل مسألة من هذه المسائل . فهذه الوقائع التي أثبت الشارع امكانية وقوعها ووضع لها معالجات جعلت أنت من احتمال وقوعها قضايا منطقية بنيت عليها الاستنتاج بضرورة أن يكون الامام معصوما حتى لا تقع !!!

والخلاصة هي أن النتيجة التي توصلت اليها وهي القول بضرورة العصمة للامام خطأ لأنها بنيت على خطأ.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #14  
قديم 22-08-2001, 01:42 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل أسعد الأسعد
المعلومات السابقة والواقع المحسوس شرطان من شروط العملية الفكرية ، لذلك لن أناقش ما ورد في ردك الأخير حتى تنتهي من الرد على شرط الواقع المحسوس ، وذلك لأجل تسهيل عملية النقاش.

الأخ الفاضل محب الاسلام
جزاك الله خيرا، واسأله تعالى أن يزيدنا وجميع المسلمين حبا في الاسلام .
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #15  
قديم 22-08-2001, 07:34 PM
أسعد الأسعد أسعد الأسعد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2001
المشاركات: 47
Lightbulb

قبل الانتقال إلى مناقشة النقطة الثانية وهي النقطة المتعلقة بحصرك مجال العقل في المحسوسات أرى أن هناك بعض النقاط ينبغي الإشارة إليها وهي كالآتي :
جاء في تعقيبك أن الجملة الأولى في تعريفي للعقل يفهم منها أن ( التفكير هو عملية ادراك الأمور المنطقية ) وأنا في الحقيقة أستغرب منك هذا الفهم فلو رجعنا للجملة الأولى من تعريفي للعقل نجدها كالآتي : ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) ولا أعرف كيف فهمت من هذه الجملة ذلك الفهم فالجملة واضحة وصريحة وكل من يقرأها يفهم منها أنني قد حاولت توضيح معنى العقل على أنه قدرة معينة قد زودنا الله بها لنكون قادرين على فهم الأمور وإذا كان هناك من مؤاخذة على هذا التعريف فهي المؤاخذة التي تفضلت بها وهي أنني حصرت عمل العقل في الأمور المنطقية وسوف أحاول الاطلاع على هذه النقطة وفهمها أما فهمك الذي ذكرته فهو أجنبي تماما عن تلك الجملة ولا يمت لها بأي صلة.

ولزيادة توضيح خطأ هذا الفهم وتوضيح ما أقصده أنا من تعريفي للعقل سأقوم بتشبيه العقل بأنه القدرة على المشي وتشبيه التفكير بأنه عملية المشي وتشبيه الإدراك أو الفهم بأنه الوصول إلى المكان الذي نريده. فنحن عندما تكون لدينا القدرة على المشي نقوم بعملية المشي وبواسطة هذا المشي نصل إلى المكان الذي نريده ونطبق ذلك على العقل فنقول عندما تكون لدينا القدرة على التفكير نقوم بالتفكير وبواسطة التفكير نصل للفهم وندرك الأمور.

وهذا ما ينطبق على تعريفي وأما فهمك الذي يقول أن ( التفكير هو عملية إدراك الأمور المنطقية ) فليس له أي علاقة بتعريفي لأن فهمك هذا يقول أن التفكير هو إدراك الأمور المنطقية بينما يفهم من تعريفي أننا بواسطة التفكير نصل إلى الإدراك أي أن التفكير مقدمة وسبب لحصول الإدراك وليس هو الإدراك. ويتبين هذا بوضوح بالرجوع للشرح الذي ذكرته قبل قليل.

وأما ما يخص مطالبتك إياي ببيان حقيقة العقل لنضع الإصبع عليه فإنني في الحقيقة لا أجد نفسي قادرا على بيانه بأكثر من كونه إحدى القدرات التي يتمتع بها الإنسان وهذه القدرة هي التي تجعله قادرا على التفكير والإدراك .. ولكن لا بأس في أن تساعدني على تحقيق هذا الشيء وذلك بأن تبين لي حقيقة القدرة التي تجعلنا قادرين على السمع وحقيقة القدرة التي تجعلنا قادرين على النطق وعلى ضوء ذلك ربما أكون قادرا على ببيان حقيقة العقل بشكل تستطيع معه أن تضع إصبعك عليه.

وأما عبارتك ( كما لم تبين واسطة النقل ما هي ، فالشيء المنقول لم تأت على ذكره، وواسطة النقل لم تأت على ذكرها ، مع أن الشيء المنقول إلى الدماغ وكذلك واسطة نقله جزء لا يتجزأ من عملية التفكير " التوزين " ) فأنا أستغربها أيضا فما دخل واسطة النقل بعملية التفكير ولماذا هي جزء من منها .. فما دخل الواسطة التي نقلت الأشياء المراد وزنها بعملية الوزن ؟ وما الفرق بين أن تسألني شفويا فتكون الأذن هي الواسطة وبين أن تسألني كتابة فتكون العين هي الواسطة ؟ ما دخل هذا في التفكير؟
وأما ما جاء في ثالثا حيث أخذت علي أنني حصرت العقل أو التفكير بإدراك الأمور المنطقية فقط مع أن المنطق هو أسلوب من أساليب العقل فإن قولك هذا جميل وقد استفدت منه الكثير وجزاك الله خيرا على هذا التنبيه غير أنني لم أفهم عبارتك أن الإنسان يمكنه الاستغناء عن المنطق وأرجو لو توضح ذلك ولا بأس بالاستعانة ببعض الأمثلة.

أما ما جاء في رابعا فإني أحتاج لمعرفة مرادك من كلمة ( واقع ) فهل تقصد منها ذات الشيء فإذا قلت واقع الكتاب فهل تقصد ذات الكتاب الموجود في الخارج أم أنك تقصد من هذه الكلمة معنى الشيء وليس ذاته ؟ فلو فرضنا أنك تقصد المعنى الأول فإن ذلك ممتنع فالكتاب ذاته لا ينتقل إلى الدماغ ولو فرضنا أنك تقصد المعنى الثاني فإن ذلك يتعارض مع قولك بأن العقل يتعامل مع الأمور الحسية لأن الذي انتقل إلى الدماغ لم يكن شيء حسي فالشيء الحسي بقي مكانه في الخارج وأما الذي انتقل إلى الدماغ فهو معنى ذلك الشيء الحسي وهذا معناه أن العقل لا يتعامل مع الشيء الحسي بل أنه يتعامل مع معناه .. لذلك فإننا حينما نسمع كلمة كتاب فإننا ندرك معناها مباشرة ومن ثم فإن التعامل يتم مع المعنى لا مع الكلمة ذاتها وما يؤكد هذا المعنى أننا لا نستطيع أن نتعامل مع تلك الكلمة لو أننا لم ندرك معناها فالتعامل إذن يتم مع المعنى وليس مع الكلمة .. ثم أننا في كثير من الأحيان نفكر في أمور غير موجودة إطلاقا بل مجرد فرضيات وحسابات فـنقول مثلا لو عملنا كذا لنتج عندنا كذا ثم نقوم بحسابات منطقية لعدد من الفرضيات لنصل في النهاية إلى قرار معين أو نصل إلى نظرية معينة .. وهنا أتساءل ألا يعتبر هذا الجهد الذي بذلناه تفكيرا ؟ مع أننا لم نستعن بأي حاسة من حواسنا فنحن لم نر ولم نسمع ولم نلمس ولم نتذوق ولم نشم أي شيء ومع ذلك فقد قمنا بعملية التفكير .

أما ما جاء في خامسا من أن التفكير لا يتم إلا في واقع محسوس فقد أثبتنا قبل قليل خطأ هذا القول والذي يبدو لي أنك حينما تلاحظ أن كثيرا من المعاني تنتقل إلى العقل عن طريق الحواس كحاسة البصر مثلا فإن ذلك يجعلك تحكم بأن العقل يجري في محيط المحسوسات فقط لذلك لابد لك وأن تفرق بين ذات الشيء وبين معناه ثم لابد وأن تلاحظ أن العقل يتعامل مع المعنى لا مع الشيء حتى لو كانت الوسيلة التي نقلت معنى الشيء إلى العقل هي وسيلة حسية فإن ذلك لا يغير في الأمر شيء .

كما وأننا كثيرا ما ندرك الأمور غير الحسية بواسطة إدراكنا لأمور حسية ومن المفروض أن هذا لا يجعلنا نعتقد بأن إدراكنا قد وقع على شيء حسي فالشيء الحسي في هذه الحالة لا يعدو عن كونه وسيلة لأن ندرك شيئا غير حسي ومثال على ذلك لو أن أحدا أخبرنا بشيء معين وبواسطة بعض القرائن الحسية أدركنا أنه كان كاذبا كما لو أننا رأيناه في مكان آخر في نفس الوقت الذي ذكره لنا في كلامه فإن إدراكنا لكذبه جاء بعد تفكير منطقي أجريناه على الدلالات التي أدركناها واستخلصناها من تلك القرائن الحسية أي أن التفكير لا يتم في القرائن نفسها لأن القرينة هنا هي رؤيتنا له في مكان آخر في نفس الوقت الذي ذكره لنا وحاسة البصر هنا المسؤولة عن رؤيته ليست مسؤولة عن ربط ذلك بالقانون العقلي الذي يقول باستحالة وجود شخص معين في مكانين مختلفين في وقت واحد فهذا ليس من شأنها فالتفكير إذن لا يتم في ذات الأمور الحسية بل في معانيها ودلالاتها وبذلك فإن التفكير هنا لم يكن حبيس الأمور الحسية كما وأن الشيء الذي فهمناه وتوصلنا إليه وهو الكذب ليس من الأمور الحسية ولو كان كذلك لاستطاع كل إنسان أن يكتشف الكذب حتى لو كان فاقدا للعقل أرأيت الحرارة هل هناك من لا يدركها ؟ ولو ادعى أحد أن الكذب من الأمور الحسية فإننا سوف نطالبه بأن يبين لنا ما هي الحاسة المسؤولة عن الإحساس بالكذب. وعلى ذلك نقول أن الكذب من الأمور التي يتم إدراكها بالعقل وليس بالحس وإن استعانتنا بالأمور الحسية لإدراك أمورا غير حسية لا ينبغي أن يؤثر علينا ويجعلنا نعتقد بأن تفكيرنا وإدراكنا تم في محيط حسي.

وزيادة في توضيح وإثبات أن التفكير لا ينحصر في إدراك الأمور الحسية أسوق لك بعض الأمثلة على ذلك :
فأنت مثلا حينما تقرأ مقالة معينة وتحاول فهم ما ترمي إليه هذه المقالة ولنفرض أنها غامضة وصعبة الفهم فإنك أثناء تفكيرك ومحاولتك فهم تلك المقالة سوف تجد نفسك غارقا في معان تلك المقالة وبعيدا كل البعد عن كلماتها التي قد يصل عددها إلى ألف كلمة أو أكثر.

كما وأنك قد تكون مسؤولا عن تبليغ رسالة معينة شفويا ولكن قد تجد نفسك قد نسيت نص الرسالة ولكنك مدرك معناها جيدا فتقوم بتبليغ الرسالة دون استخدام أي كلمة من كلماتها الأصلية.

كما وأننا كثيرا ما ندرك أمورا من خلال عبارات معينة نقرأها أو نسمعها مع أن هذه الأمور التي فهمناها لم تكن موجودة في تلك العبارات التي قرأناها أو سمعناها فمثلا الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أف … ) نفهم منها أن الصراخ على الوالدين وضربهما شيء محرم مع أن الآية لم تذكر الضرب أو الصراخ وهذا معناه أننا حينما فكرنا في هذه الآية لم نفكر في ذات كلماتها وإنما فكرنا في معاني هذه الكلمات ودلالاتها لأن المعنى الذي توصلنا إليه لم يكن له أي كلمة في هذه الآية وهذا ما يتعارض مع قولك ( فسواء أكان المعنى له واقع محسوس أم لا فإن التفكير لم يجر في المعنى وكذلك الحكم لم يصدر على المعنى وإنما التفكير قد جرى في الكلمة والحكم قد صدر عليها ) فهنا لم يتم نقل واقع محسوس يدل على ذلك المعنى بل لم يكن له أي واقع محسوس وإنما توصلنا إلى هذا المعنى عن طريق فهمنا لواقع آخر.

كما أنك بعبارتك هذه تجعل المعنى تابعا للكلمة والحال أن المعنى هو الأصل وهو سابق على الكلمة ولم توجد الكلمة إلا للتعبير عن المعنى فهي لا تعدو عن كونها وسيلة للتعبير عن المعنى وإيصاله للآخرين.

وأنت ترى نفسك حينما تكون لديك فكرة معينة تريد التعبير عنها فإنك تستخدم الكلمات وتوظفها لتعبر بها عن فكرتك فالكلمات إذن تأتي بعد وجود المعنى بمعنى أن في أوقات معينة قد تكون لدينا أفكار وليس لدينا أي كلمة للتعبير عنها بل قد نعبر عنها بتعبيرات خاطئة أو ربما نعجز عن إيجاد الكلمات التي تعبر عن الأفكار التي لدينا وهذا معناه أن الأفكار قد توجد بلا كلمات وهذا بالطبع ينفي فكرة أن التفكير يجري في الكلمة ولو كان التفكير يجري في الكلمات لما استطعنا أن نفكر في أي شيء إلا بكلماته ولأصبح كل معنى نحمله لابد وأن نحمل معه الكلمات التي تعبر عنه.

وقد قلت أيضا أنني حسب الظاهر أخلط بين الواقع المحسوس وبين الواقع الملموس وقلت ما نصه ( أما التفكير في المعاني فإن قولك " والمعاني ليست من المحسوسات " هو نفي للحس عن كل المعاني، وهذا خطأ. والظاهر أنك تخلط بين الواقع المحسوس وبين الواقع الملموس، فكأنك تعتقد أن الواقع المحسوس هو الواقع المادي الملموس ، ولما كانت المعاني ليست ملموسة قلت أنها ليست محسوسة. مع أن الواقع خلاف ذلك فليس كل ما يحس يلمس وان كان كل ما يلمس يحس، بمعنى أن كل واقع ملموس هو واقع محسوس، ولكن ليس كل واقع محسوس هو واقع ملموس، لأن اللمس محصور بحاسة اللمس فقط، فمثلا الظلم يحس ولا يلمس، والفخر يحس ولا يلمس والشجاعة تحس ولا تلمس والعزة تحس ولا تلمس والخزي والعار يحس ولا يلمس والاهانة تحس ولا تلمس، وعظمة الله تعالى تحس ولا تلمس ، والعجز والاحتياج اليه سبحانه وتعالى يحس ولا يلمس، وهكذا جميع الأمور المعنوية والروحية تحس ولا تلمس، وأما الأشياء المادية فإنها تحس وتلمس كالرغيف يحس ويلمس والماء يحس ويلمس والتراب يحس ويلمس، فالمقصود بالواقع المحسوس ليس هو الأشياء المادية الملموسة فقط بل كل ما يحس. فالتفكير في جميع هذه المعاني هو تفكير فيما يحس.

وأود هنا التأكيد على أنني على معرفة تامة بأن الحواس التي لدينا هي خمس حواس ولا أخلط بينها ولكن حسب ما ظهر لي أنك قد خلطت بين الإحساس وبين الشعور وهذا الخلط يقع فيه كثير من الناس فالإحساس متعلق بما يحس به الإنسان عن طريق حواسه الخمس أما الأمثلة التي أتيت بها كالظلم والإهانة والعزة فهي متعلقة بالمشاعر وليس بالأحاسيس والتفريق بين هذه وتلك سهل للغاية حيث نرى أن الأمور المتعلقة بالإحساس تابعة لحاسة معينة بشكل مباشر ويستطيع كل إنسان بصرف النظر عن مستوى تفكيره بل كل حيوان أيضا أن يحس بها مادامت تلك الحاسة سليمة فكل إنسان وكل حيوان يستطيع أن يرى مادام لم يفقد بصره وكل إنسان وكل حيوان يستطيع أن يسمع مادامت أذناه سليمتين وهكذا بقية الحواس وأما الشعور فإنه غير متعلق بحاسة معينة فليست العين مسؤولة عن الشعور بالخوف لو رأينا أسدا يحاول الاقتراب منا وإنما هي مسؤولة فقط عن الرؤية أما الخوف فيأتي نتيجة إدراكنا للخطر الذي يمثله هذا المشهد لذلك فإن الشخص الذي لا يدرك خطورة ذلك الأسد الذي رآه كأن يكون مجنونا مثلا أو أن المعلومات التي يعرفها عن الأسد معلومات خاطئة بحيث جعلته يعتقد أن الأسد حيوان أليف فإنه لن يشعر بالخوف منه مع أنه قد رآه كما رأوه الآخرون ومعنى ذلك أن الخوف ليس من الأمور التي نحسها وإنما هو من الأمور التي نشعر بها وهكذا بقية الأمثلة التي جئت بها ولو كانت هذه الأمثلة من الأمور التي نحس بها لأصبح لها حواس كالحواس الخمس فكما أن حاسة البصر هي العين يجب أن يكون لكل واحد من تلك الأمثلة عضوا معينا ليكون المسؤول عن تلك الحاسة فيكون لحاسة الخوف عضو معينا ولحاسة الإهانة عضوا آخر ولحاسة الظلم أيضا عضوا معينا وهكذا..

من ذلك يتبين أن هذه المعاني ليست من المحسوسات والتفكير فيها أو إدراكها ليس تفكيرا أو إدراكا لشيء محسوس.

وأما قولك أن الأعداد ليست شيئا قائما بذاته فهذا خلاف الواقع نعم لو قلت أن الأعداد ليست شيئا ماديا فإن كلامك يكون صحيحا أما أن تنفي وجودها فهذا نفي لشيء موجود ونتعامل معه بشكل مستمر والأعداد عندما لا تكون مقترنة بأي شيء تسمى بـ ( الأعداد المجردة ) وينبغي أن نخلط بين العدد والمعدود.

وأما قولك ( فمن المعلوم بداهة أن كل ما سوى الله تعالى محدود، الأعداد وغير الأعداد ) فهو قول لم أستطع رده وفي نفس الوقت أجد نفسي لا أستطيع أن أتصور وجود نهاية للأعداد إذ أنني أفترض أن باستطاعتنا زيادة أي عدد بغض النظر عن معرفتنا له أو عدمها لذلك فأنا محتاج للبحث في هذا التعارض والسؤال عنه. ولكن في نفس الوقت أجدك قد أقررت بوجود الأعداد اللانهائية وذلك في عبارتك ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين ) وأنت هنا جمعت بين اللانهائي وبين المحدود في نفس الوقت. فإن كان اللفظان بنفس المعنى فهذا تناقض وإن كانا مختلفين بحيث من الممكن أن يكون الشيء محدودا وفي نفس الوقت لانهائيا فإن اعتراضك على قولي بأن الأعداد لانهاية لها في غير محله وخصوصا وأن اعتراضك على قولي جاء معتمدا على عبارتك ( أن ما سوى الله فهو محدود ) أي أنك عارضت كلمة ( لانهائي ) بكلمة ( غير محدود ) وهذا معناه أنك اعتبرت كلمة ( لانهائي ) مرادفة لكلمة ( لامحدود ) وهذا ما جعلك تقع في تناقض صريح حينما تقول ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين ) لأن من خلال اعتبارك أن كلمة ( لانهائي ) مرادفة لكلمة ( لامحدود ) فإننا نستطيع أن نقرأ عبارتك كالآتي : ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه نهائي لأنه يقع بين رقمين ) وهذا هو عين التناقض.

وأما قولك (أثر الخالق جزء من وجوده ) فأرى أن الجملة غير صحيحة بسبب بسيط وهو أن الوجود لا يتجزأ. ولو أنك قلت (أثر الخالق دليل على وجوده ) لكان ذلك أقرب إلى الصواب لأن هذه الموجودات وهذا الكون هي آثار تدل على وجود خالق لها مع ملاحظة أن الأثر لا يدل دائما على وجود صاحب الأثر فقد يزول صاحب الأثر ويبقى أثره قائما بمعنى أن الأثر يدل بالضرورة على وجود صاحب له في لحظة حدوثه ولكن لا يدل على وجوده حاليا وإلى الأبد.

وبناء عليه فقد تبين أن تعريف العقل بأنه ( نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسره ) غير صحيح على الإطلاق كما تبين أن القول بأن العقل والتفكير والفكر شيء واحد غير صحيح أيضا كما تبين أن القول باشتراط الواقع المحسوس في عملية التفكير غير صحيح ، وبذلك ينتفي الاحتجاج بتعريف العقل على عدم صحة الإيجاب العقلي على الله تعالى في موضوع الاستخلاف.
__________________
فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني
  #16  
قديم 23-08-2001, 05:38 PM
السحابة السحابة غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 8
Post

الأخ أسعد

بعد السلام والتحية
قرأت شيئاً مما دار بينك وبين الأخ صالح ووفهمت أنك تقول بعصمة الإمام وهو يخالفك في ذلك وأريد أن أستفسر فيما يتعلق بهذه المسألة خصوصاً وسؤالي :

أنت تقول أن الإمام معصوم ومعلوم أن الحسن والحسين سبطي سول الله صلى الله عليه وسلم هما إمامان معصومان - في مذهبك - والمطلع على كتب التاريخ يجد أن الإمام الحسين لم يتنازل عن الخلافة ليزيد بن معاوية في حين تنازل عنها الإمام الحسن فأيهما الصواب وأيهما من وافق العصمة ؟ وهل الذي لم يوافق الصواب منهما معصوم أيضاً وهل يمكن أن يكون الصواب في هذه الحادثة هو كلا الأمرين - التنازل وعدمه - ؟

.....

ولأن الموضوع الأساس هو حول الإمامة أقول :

ذكرت إن الله أشار في كتابه إلى أن علياً رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين فأين الآية الدالة على ذلك ؟
أما من الحديث فقد أشار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى استخلافه لأبي بكر اصديق رضي الله عنه في أحاديث صحاح منها أنه صلى اله عليه وسلم استخلفه في الصلاة بالمؤمنين وفي هذا إشارة قوية لاستخلافه حيث علق الصحابة رضي الله عنهم على هذا الحديث بقولهم :"رضيه الرسول صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا"


ولو سلمنا أنه ورد نص باستخلاف علي - ولم يصح في ذلك شيء - فنقول :

قد رضي علي رضي الله عنه بأبي بكر خليفة وبايعه أفلا يسعكم ما وسع إمامكم !
أم أن القضية مجرد إثارة لا طائل من ورائها ؟

ثم أينكم في عهد أبي بكر لتبينوا للناس هذا البيان ؟


وإذا أردنا أن نستدل بالعقل فلم لا نخوض في مسائل أكبر من هذه ؟
مثلاُ قولكم إن هناك مصحفاً لفاطمة اختصها رسول الله به غير الذي بين أيدينا - المنقول بالتواتر-

أفلا يترتب على هذا القول أن ينسب الرسول إلى الخيانة وعدم القيام بالرسالة حيث لم يبلغ القرآن كاملاً للناس واختص ابنته دونهم بشيء منه ؟

أسأل الله أن يدلنا وإياكم إلى درب الصواب وأن يوفق الجميع لما فيه رضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه
__________________
السحابة
  #17  
قديم 25-08-2001, 11:57 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الفاضل أسعد الأسعد

إليك ما يلي :


أولا- السؤال المطروح هو : العملية التفكيرية ما هي ؟ أي كيف نفكر ؟ ما هي شروط عملية التفكير ؟ ما هي العناصر أو الأدوات التي لا بد من وجودها حتى نفكر ؟
هذا هو موضوع البحث، وهذا بالضبط ما له علاقة مباشرة بمسألة الاستدلال العقلي على وجوب تعيين الامام. فأنت قد جعلت العقل دليلا على أن الواجب على الله تعالى هو أن يعين الامام من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه إذا لم يفعل ذلك يكون مقصرا، وأما حجتي في نقض دليلك فهي أن ذات الله سبحانه وتعالى لا تقع تحت الحس ، فلا يمكن التفكير فيها، ولا يصح قياسها على الانسان، فلا يصح أن نوجب على الله سبحانه وتعالى فعل الحسن واجتناب القبيح بحسب فهم الانسان للحسن وللقبح. وحجتي أيضا أن علم الله تعالى لا يقع تحت الحس فلا يمكن أن نعلم ان كان الله سبحانه وتعالى يريد أن يعين الامام أم أنه يريد أن يجعل امر اختياره للمسلمين، فكل محاولة للتنبأ بما في علم الله تعالى أو بما يريده الله أو بما لا يريده من دون أن يخبرنا الله تعالى به هي مجرد عملية تخيل لا أكثر ولا أقل فلا يعول عليها ولا يصح الاستناد إليها، وهذا بالضبط ما أوردته في أول تعقيب لي على طرحك، فالموضوع هو شروط عملية التفكير ، أي هل يمكن أن نفكر فيما لا يقع تحت الحس أم لا ؟ هل يمكن أن نصدر أحكاما على الله تعالى او على أفعاله او أن ندرك علل أفعاله أو حكمته من كل فعل ؟ هل يمكن أن تتصور عقولنا عللا ثم بناء عليها نوجب على الله تعالى أن يفعل أو أن لا يفعل الفعل ؟

فالسؤال المطروح هو شروط عملية التفكير أي الدماغ والواقع والحواس والمعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع ، هل يمكن التفكير بدون أي واحد منها أم لا ؟ ومصطلح العقل معناه حسب استخدامي له نفس معنى عملية التفكير، فالتعريف الذي احتججت به عليك هو تعريف العملية التفكيرية ، والنقاش حول التعريف هو نقاش حول شروط عملية التفكير، فاستعمالي للعقل وللتفكير استعمال واحد، وهذا نص ما ورد في أول ردي لي على استدلالك العقلي على ايجاب التعيين على الله تعالى :
( العقل أو الفكر هو نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع، فالعملية الفكرية لا يمكن أن توجد إلا إذا توفرت أربعة شروط هي : الدماغ الصالح للربط، الحواس، الواقع الذي يراد التفكير فيه، والمعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع . فإذا نقص عنصر واحد من هذه العناصر الأربعة لا يمكن اجراء العملية الفكرية، من هنا كان التفكير في غير الواقع المحسوس ليس فكرا ولا تفكيرا وانما هو تخيل وأوهام. فالعقل مجردا عن النصوص الشرعية لا يستطيع أن يدرك ان كانت الامامة ضرورة شرعية أم لا كما لا يستطيع أن يدرك ان كان الله تعالى سيعين الخليفة تعيينا أم سيوكل هذه المهمة للمسلمين أنفسهم أو أنه سيضع حلولا أخرى. وكل محاولة للتنبأ بما في علم الله تعالى أو بما يريده الله أو بما لا يريده من دون أن يخبرنا الله تعالى بذلك هي مجرد عملية تخيل لا أكثر ولا أقل فلا يعول عليها ولا يصح الاستناد إليها .)
فهذا النص يتحدث عن العقل بمعنى عملية التفكير، أي يتحدث عن شروط عملية التفكير، فقد ورد بعد تعريف العقل مباشرة ( فالعملية الفكرية لا يمكن أن توجد إلا إذا توفرت أربعة شروط هي : الدماغ الصالح للربط، الحواس، الواقع الذي يراد التفكير فيه، والمعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع ).

فالاستدلال ووجه الاحتجاج بالتعريف هو استدلال بشروط عملية التفكير، وقد أكدت على ذلك في ردي الثاني عليك بتاريخ 15\8\2001 فقد ورد فيه ما نصه: ( وتعريف العقل الذي ورد في تعقيبي السابق هو نفس تعريف الطريقة العقلية في التفكير أو هو بيان واقع عملية التفكير). بل أني كررت النص على ذلك في أكثر من موضع حتى يكون تعريف العملية التفكيرية هو محل البحث والنقاش لأنه الأساس في الاستدلال على خطأ الايجاب العقلي للتعيين.


ثانيا- الشرط هو : ( ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ) فمثلا كون الطهارة شرط في صحة الصلاة، معناه أنه لا توجد الصلاة اذا لم توجد الطهارة ، ولكن قد توجد الطهارة ولا توجد الصلاة. فعندما نقول أن عملية التفكير لها أربعة شروط، فإن معنى ذلك أن عملية التفكير لا يمكن أن توجد إلا بوجود الشروط الأربعة مجتمعة، فلو نقص منها شرط واحد لم توجد عملية التفكير. وعليه فإن تعريف العملية التفكيرية بأنها ( نقل الواقع الى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ) هو نص على الشروط الأربعة التي يجب توفرها حتى يوجد التفكير مع بيان دور كل شرط من هذه الشروط الأربعة في عملية التفكير. فالدماغ والواقع والحواس والمعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع هي الشروط الأربعة التي يجب توفرها حتى توجد عملية التفكير، فإذا نقص أي عنصر من هذه العناصر الأربعة لم يوجد التفكير. فطريقة اثبات صحة هذا التعريف تكون باثبات استحالة التفكير في حال عدم أي عنصر من هذه العناصر الأربعة ويكون ذلك بضرب مثل يكون خاليا من عنصر واحد من هذه العناصر، فإذا استحالت عملية التفكير يكون العنصر الغائب شرطا في التفكير، لأن الشرط يلزم من عدمه العدم.

وقد طلبت منك التفكير في مسألتين لأثبت استحالة التفكير سواء في غير الواقع المحسوس أو بدون وجود المعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع. فقد ورد في ردي عليك بتاريخ 15\8\2001 ما نصه :

( من هنا يتبين أن العملية التفكيرية التي هي نفسها العقل ليست عضوا من أعضاء جسم الانسان وإنما هي عملية تتكون من أربعة أشياء هي : الدماغ الصالح للربط، الواقع الذي يراد التفكير فيه أو الحكم عليه، حاسة واحدة على الأقل من الحواس الخمسة، والمعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع. فلو نقص عنصر واحد من هذه العناصر الأربعة فإن العملية التفكيرية لا يمكن أن تحصل .
فمثلا لو سألتك ما هو معنى النص التالي :

De wereld-ontvanger waarover u nu beschikt kan een aantal golfflengtebanden ontvangen .

فإذا لم يكن عندك معلومات سابقة عن اللغة التي كتب بها هذا النص فلا يمكن أن تدرك معناه . فمع أن الواقع محسوس ( النص ) وقد انتقل الى دماغك بواسطة حاسة البصر إلا أنك لا تستطيع التفكير فيه لعدم توفر المعلومات السابقة التي تفسره ، وبالتالي لا تستطيع ان تصدر حكمك عليه.

ومثلا لو سألتك الأسألة التالية المتعلقة بالجن :
ما هي صورة الجن ؟ هل هي كالانسان ام كالحيوان ام كالطير أم غير ذلك ؟ هل للجن أسنان وكم عددها ؟ هل التزواج والتناسل بين الجن كما هو عند الانسان ؟ الحليب هو غذاء طفل الانسان منذ ولادته وحتى فطامه ، فما هو غذاء الطفل الجني ؟ الانسان اذا جرح ينزف دما، الجني ماذا ينزف ؟

مثل هذه الأسألة المتعلقة بالجن لا تستطيع إعطاء أجوبة عليها لسببين : أولها لأن الجن واقع لا يقع تحت حس الانسان، وثانيهما لعدم وجود معلومات سابقة عن الأمور التي سألتك عنها. فكل محاولة للاجابة هي مجرد تخيل وأوهام ).

إلا أنك أخي الفاضل قد تجاهلت هذين المثالين في تعقيبيك الأخيرين تجاهلا تاما، مع أنهما البرهان الذي أقمته لاثبات شرط الواقع المحسوس وشرط المعلومات السابقة. وتجاهلهما معناه أنك قد عجزت بالفعل عن التفكير فيهما، فهذا دليل قاطع على أن الواقع المحسوس والمعلومات السابقة شرطان للتفكير. وأما الهروب من هذين المثلين من خلال ضرب أمثلة أخرى تحاول من خلالها اثبات امكانية التفكير من دون وجود الواقع المحسوس أو من دون وجود المعلومات السابقة لا قيمة له في تفنيد الحجة، لأن الدليل هو مثل تعجز عن التفكير فيه لا مثل تستطيع التفكير فيه، وأيضا جميع الأمثلة التي تأتي بها كأمثلة على امكانية التفكير بدون توفر جميع شروط عملية التفكير هي مجرد شبهة في خلوها من شرط صحة التفكير، بدليل أنني قد رددت على جميع أمثلتك التي ظننت أنها تخلو من شرط أو أكثر من شروط عملية التفكير، والشك أو الظن او الشبهة لا ترد الدليل القاطع بأي حال من الأحوال. على أن اثبات صحة تعريف العملية التفكيرية لا يتطلب وضع جميع عمليات التفكير الانساني محل بحث لأثبت منها جميعها أن الواقع المحسوس شرط أو ان المعلومات السابقة شرط أو أن نظل ننقاش هذه المسألة ما دام ذهنك أو مخيلتك تتفتق عن أمثلة جديدة، ولو قبلنا بهذه الطريقة المغلوطة في الاثبات فإننا لن نصل الى نتيجة أبدا. فالاستدلال الصحيح هو أن آتيك بمثل واحد فقط تعجز عن التفكير فيه بسبب خلوه من عنصر من العناصر الأربعة التي نص عليها التعريف فيكون عجزك عن التفكير دليلا على ان هذا العنصر هو شرط من شروط عملية التفكير لأن الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم. ومع ذلك فسوف أناقش بإذن الله تعالى جميع أمثلتك الجديدة لأبين لك أنها جميعها لا تصلح لنقض التعريف ، ونقاشي لها حتى يحصل لديك الاطمئنان فقط وليس لاقامة الحجة، لأن الحجة قامت بثبوت العجز عن التفكير في حل لم تتوفر جميع شروط عملية التفكير.

وهاك سؤال آخر حول شروط عملية التفكير ، والسؤال هو : ما هي الروح ؟ ما هو شكلها ؟ لونها ؟ وزنها ؟ أي شيء يتعلق بماهيتها ؟


ثالثا- في نفس ردي عليك بتاريخ 15\8\2001 ورد ما نصه :

(( رابعا- على الرغم من غموض تعريفاتك وعلى الرغم من الخطأ الذي وقعت فيه إلا أن التعريفات التي أوردتها في تعقيبك تشترط أيضا توفر العناصر الأربعة حتى توجد العملية التفكيرية، فقولك ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) اقرار بشرط وجود الحواس والواقع لأن المنطق يشترط انتهاء كل قضية من قضاياه الى الحس. وأما قولك ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) ففيه اقرار صريح بشرط وجود الدماغ ، وفيه اقرار ضمني بشرط وجود الواقع والحواس وكذلك المعلومات السابقة . أما الواقع فإنه إذا لم يكن هذا الذي يتم نقله إلى الدماغ هو الواقع فماذا يكون ؟ وإذا لم يكن الواقع هو ما نريد التفكير فيه واصدار الحكم عليه فبماذا سنفكر ، وعلى ماذا سنصدر الحكم ؟ وإذا لم تكن الحواس هي واسطة نقل الواقع إلى الدماغ فما هي هذه الواسطة ؟ وأيضا إذا لم تكن وحدة القياس أو وحدة التوزين هي المعلومات السابقة التي تفسر الواقع فماذا تكون ؟ فالواقع هو الذي يتم نقله الى الدماغ بواسطة الحواس ويجري التفكير فيه بربطه بالمعلومات السابقة التي تفسره فيصدر الدماغ حكمه عليه )).

فأنت من خلال تعريفك للعقل ، ومن خلال تعريفك للتفكير تثبت أن العناصر الأربعة الواردة في تعريفي هي شروط العملية التفكيرية، وهذا معناه أنك قد أسقط بنفسك حجتك العقلية على ايجاب التعيين على الله تعالى، ومعناه أيضا أنك كنت تتناقض مع نفسك في نفيك الدائم لشرط الواقع المحسوس ومع نفيك اللاحق لشرط المعلومات السابقة ولشرط الدماغ.


ثالثا- في تعقيبك الأخير تخلصت من النقطة الواردة في تعريفك للعقل والتي تدل على شرط الواقع المحسوس كشرط من شروط العقل، فقد قلت :
(وإذا كان هناك من مؤاخذة على هذا التعريف فهي المؤاخذة التي تفضلت بها وهي أنني حصرت عمل العقل في الأمور المنطقية وسوف أحاول الاطلاع على هذه النقطة وفهمها).

فأنت هنا تتخلى فقط عن جعل المنطق جزءا من تعريفك للعقل، وهي النقطة التي تشترط الحس بالواقع. واللافت للنظر أنك تراجعت عنها حتى قبل أن تطلع عليها وقبل ان تفهمها (وسوف أحاول الاطلاع على هذه النقطة وفهمها) فإذا لم تطلع عليها، بل إذا لم تفهمها فلماذا تتراجع عنها وتقر بأنها مؤاخذة على تعريفك ؟!
ولأهمية حذف هذا المقطع الذي تقر فيه بشرط الواقع المحسوس أكدت عليه مرة أخرى في نفس تعقيبك الأخير، فقد قلت :
( وأما ما جاء في ثالثا حيث أخذت علي أنني حصرت العقل أو التفكير بإدراك الأمور المنطقية فقط مع أن المنطق هو أسلوب من أساليب العقل فإن قولك هذا جميل وقد استفدت منه الكثير وجزاك الله خيرا على هذا التنبيه ) !!!

هذا بالنسبة للتراجع عما يدل في تعريفك للعقل على شرط الحس بالواقع ، أما بالنسبة لدلالة تعريفك للتفكير على شروط التفكير الواردة في تعريفي، فإنك في تعقيبيك الأخيرين قد تجاهلت الحجة التي أقمتها عليك من خلاله تجاهلا تاما . بل لم تأت على ذكر التعريف الذي وضعته للتفكير مطلقا، والتعريف هو : ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير )، ومع أنك لم تذكره إلا أنك لم تضع له بديلا. وها أنا أعيد وضعه هنا حتى يظل الاحتجاج عليك به قائما :
(( وأما قولك ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) ففيه اقرار صريح بشرط وجود الدماغ ، وفيه اقرار ضمني بشرط وجود الواقع والحواس وكذلك المعلومات السابقة . أما الواقع فإنه إذا لم يكن هذا الذي يتم نقله إلى الدماغ هو الواقع فماذا يكون ؟ وإذا لم يكن الواقع هو ما نريد التفكير فيه واصدار الحكم عليه فبماذا سنفكر ، وعلى ماذا سنصدر الحكم ؟ وإذا لم تكن الحواس هي واسطة نقل الواقع إلى الدماغ فما هي هذه الواسطة ؟ وأيضا إذا لم تكن وحدة القياس أو وحدة التوزين هي المعلومات السابقة التي تفسر الواقع فماذا تكون ؟ فالواقع هو الذي يتم نقله الى الدماغ بواسطة الحواس ويجري التفكير فيه بربطه بالمعلومات السابقة التي تفسره فيصدر الدماغ حكمه عليه )).
لاحظ أنك في تعريفك للتفكير تنص على أن شيئا ما يتم نقله للدماغ لاصدار الحكم عليه، فالتفكير يجري في شيء ما، والحكم يصدر على هذا الشيء الذي تم نقله الى الدماغ وجرى التفكير فيه، وأيضا التعريف ينص على عملية نقل، فمن أين تم نقل هذا الشيء الى الدماغ ؟ وما هي واسطة النقل ؟ ثم وحدة التوزين ما هي ؟


رابعا- في آخر فقرة من تعقيبك الآخر قلت :
(( وبناء عليه فقد تبين أن تعريف العقل بأنه ( نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسره ) غير صحيح على الإطلاق كما تبين أن القول بأن العقل والتفكير والفكر شيء واحد غير صحيح أيضا كما تبين أن القول باشتراط الواقع المحسوس في عملية التفكير غير صحيح ، وبذلك ينتفي الاحتجاج بتعريف العقل على عدم صحة الإيجاب العقلي على الله تعالى في موضوع الاستخلاف )).

فأنت هنا تقول أن التعريف غير صحيح على الاطلاق ، مع أن هذا التعريف كما هو واضح من جميع ردودي عليك هو تعريف عملية التفكير، مما يعني أنك تقول هنا أن العناصر الأربعة الواردة في التعريف ليست شروطا لعملية التفكير ، أي يمكن للانسان أن يفكر بدون دماغ ، أو بدون واقع يفكر فيه، أو بدون حواس يستعملها في نقل الواقع الى دماغه، أو بدون أية معلومات عن الواقع الذي يريد التفكير فيه . وهذا يعني أنك تتناقض مع تعريفك للتفكير المذكور أعلاه ، والذي هو: ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) .


خامسا- في تعقيبيك الأخيرين أوليت أهمية كبرى للتفريق بين العقل والتفكير، مع أن التفريق بينهما ليس له أية أهمية في الموضوع الذي نناقشه والذي هو الاستدلال العقلي على وجوب التعيين، وذلك لثلاثة أسباب : أولها أن مصطلح العقل أستخدمه بنفس معنى عملية التفكير وليس له أي استعمال آخر عندي ، فتعريف العقل بأنه ( نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسره ) هو نفس تعريف عملية التفكير. فمعنى العقل هو نفس عملية التفكير وهو الأمر الذي بينته بالنص. فكأني أستعمل لفظين للتعبير عن واقع عملية التفكير. فلا ضير عندي أن اقتصر في الاستعمال على لفظ واحد فقط هو عملية التفكير أو التفكير، لأن حجتي عليك هي مدلول عملية التفكير أي تعريف عملية التفكير وليس الكلمة سواء كلمة العقل أو كلمة التفكير. وثانيها أننا متفقان على وجود عملية التفكير، وأنها هي العملية التي تؤدي الى الفكر أو الادراك ، وحجتي عليك هي فيما نحن متفقان عليه أي بعملية التفكير وليست هي في أي شيء آخر. وثالثها أننا سواء اعتبرنا العقل أداة للتفكير أو اعتبرناه نفس عملية التفكير لا يؤثر مطلقا في الحجة عليك وهي أننا لا نستطيع التفكير فيما لا يقع عليه الحس كذات الله سبحانه وتعالى. فحتى لو اعتبرت أن العقل هو أداة التفكير أو هو المقدرة على التفكير ، وكان الواقع المحسوس أو المعلومات السابقة شرطا في عملية التفكير التي سيقوم بها العقل، فإن عدم وجود الواقع المحسوس أو عدم وجود المعلومات السابقة سيجعل العقل عاجزا عن القيام بعملية التفكير. فأساس البحث ، وموضوع النقاش، والحجة عليك هي عملية التفكير، وليست هي في تعريف العقل ولا حتى في تعريف الفكر.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #18  
قديم 25-08-2001, 12:02 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

وبناء عليه ألخص النقاط المذكورة أعلاه على النحو الآتي :

1- الحجة التي تنقض قولك بالايجاب العقلي لتعيين الامام هي أن التفكير لا يمكن أن يحصل بدون الواقع المحسوس أو بدون المعلومات السابقة عن الواقع الذي يراد التفكير فيه، فلا أهمية لكون العقل هو أداة التفكير أو أن العقل هو نفس التفكير .


2- ثبوت كون الواقع المحسوس أو كون المعلومات السابقة شرطا في التفكير يكون من خلال مثل واحد لا يتوفر فيه الواقع المحسوس ، ومثل واحد لا تتوفر فيه المعلومات السابقة، فإذا استحال التفكير فإن ذلك يكون دليلا قاطعا على أن التفكير يستحيل في غير الواقع المحسوس، ويستحيل بدون المعلومات السابقة. وهو ما يعني أن أية محاولة للتفكير في ذات الله تعالى او في علمه تعالى او في أفعاله التي يجب أن يفعلها أو التي لا يجب أن يفعلها تكون مجرد خيالات وأوهام . وأما الأمثلة التي تأتي بها للاشتباه في أنها تخلو من شرط أو أكثر من شروط عملية التفكير فلا تصلح لرد الدليل القاطع ، لأن الدليل يقوم باثبات العجز عن التفكير في حال لم تتوفر جميع شروط عملية التفكير لا باثبات امكانية التفكير ، ولأن المثل الذي تات به لاثبات امكانية التفكير هو مظنة دليل وليس دليلا ، لأن الشبهة تظل قائمة بتوفر جميع شروط عملية التفكير، وقد اتضح ذلك من خلال مناقشة أمثلتك السابقة، والظن لا يغني من الحق شيئا.


3- أوردت لك مثالين لاثبات شرط الواقع المحسوس وشرط المعلومات السابقة، وعدم قدرتك على الاجابة على الأسئلة التي طرحتها عليك من خلال المثالين يعتبر حجة عليك في أن التفكير يستحيل في غير الواقع المحسوس أو بدون المعلومات السابقة عن الواقع الذي يراد التفكير فيه. وقد اوردت لك في هذه المداخلة مثالا ثالثا عن الروح، فإذا عجزت عن الاجابة وسوف تعجز فيكون ذلك دليلا أضافيا على ما أقول.


4- تعريفك للعقل بأنه : ( الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) يقر بشرط الواقع المحسوس ، وأما تعريفك للتفكير الوارد في هذا النص : ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) فيقر ضمنا بجميع الشروط الأربعة الواردة في تعريفي، فبناء على ما ورد في تعريفيك فإن الأحكام التي أصدرتها على الله تعالى كقولك أنه سبحانه وتعالى يجب أن يعين الامام أو أنه يكون مقصرا ان لم يعينه هي أحكام غير صحيحة.


5- تراجعت عن التنصيص على المنطق في تعريفك للعقل. والراجح أنه تراجع غير مبني على قناعة، فكيف يكون تراجعك عن قناعة وأنت تقول أنك من الآن فصاعدا ستحاول الاطلاع على وجهة نظري وستحاول أن تفهمها. والحكم الشرعي في حقك هو ما يغلب على ظنك أنت لا ما يغلب على ظني أنا، فإذا كنت ترى أن المنطق جزء من التعريف فهذا يعني أنك تتبنى عدم صحة التفكير في غير المحسوس، وحجتي عليك هي في عدم صحة التفكير في غير المحسوس. على أن تعريفك للتفكير الوارد في هذا النص: ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) يتضمن الشروط الأربعة الواجب توفرها في عملية التفكير. فهذا التعريف أنت كتبته ولم تتراجع عنه بعد. وحتى لو تراجعت عن التعريفين معا فإن دليل الاثبات هو الأمثلة التي طرحتها عليك .


6- جميع أمثلتك السابقة التي طرحتها كدليل لاثبات امكانية التفكير في غير الواقع المحسوس أو الامثلة التي طرحتها على ما اسميته بالضرورات العقلية المتعلقة بذات الله تعالى رددت عليها وبينت عدم صلاحيتها لاثبات ما أردت اثباته، وسوف أقوم بإذن الله تعالى بالرد على التساؤلات أو الشبهات التي ظلت قائمة في ذهنك بخصوصها ، كما سأرد على الأمثلة الجديدة بل على كل ما أوردته في تعقيبيك الأخيرين ولم أعقب عليها هنا، هذا الى جانب توضيح بعض النقاط التي أرى أن لا بد من توضيحها فيما يتعلق بشروط عملية التفكير. وذلك حتى تصل الى قناعة تامة الى انك لن تستطيع اثبات امكانية التفكير فيما لا يقع عليه الحس أو التفكير بدون وجود المعلومات السابقة عن الواقع الذي تريد التفكير فيه. وأهمية وجود القناعة بصحة التعريف تكمن في أن نقاشنا هذا هو نقاش فكري فمن الضروري الاتفاق على شروط صحة التفكير.

أخي العزيز
إذا أردت أن ترد على الأخت التي وجهت اليك بعض الأسئلة فأرجو أن يكون ردك في غير هذا المكان.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #19  
قديم 26-08-2001, 01:54 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الفاضل أسعد الأسعد

هذا تعقيب على بعض ما ورد في تعقيبيك الأخيرين :

أولا- نحن متفقان على وجود عملية تفكير وعلى وجود نتيجة لها، ومختلفان على كلمة " العقل "، في جميع تعقيباتي العقل وعملية التفكير شيء واحد ، فليس هو شيء غير عملية التفكير، ولا هو عنصر زائد عن العناصر الداخلة في عملية التفكير. وأما أنت فتقول أن العقل شيء آخر غير عملية التفكير إذ هو حسب رأيك أداة التفكير أي الأداة التي تتم بواسطتها عملية التفكير. فليس مطلوبا مني سوى إثبات صحة تعريف عملية التفكير ، والذي هو : ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسر الواقع )، وقد بينت في مداخلتي السابقة الكيفية الصحيحة التي يجب اتباعها سواء في اثبات صحة التعريف أو في اثبات بطلانه.

وأما أخي أسعد فمطلوب منه أن يثبت وجود أداة في جسم الانسان تقوم بوظيفة التفكير، والاثبات لا يكون من خلال التشبيهات ، لأن أي انسان يمكن أن يتخيل وجود شيء في داخل جسمه ، ثم يقوم بتشبيهه بأي شيء مما هو موجود في الواقع الخارجي، فالتشبيه ليس دليلا على وجود الشيء. وأنا أزعم أن أخي أسعد يتخيل وجود أداة تقوم بوظيفة التفكير كما تقوم العين بوظيفة الابصار، وسيظل ادعاء وجود أداة تقوم بالتفكير كما تقوم العين بالابصار مجرد فرض نظري حتى تقيم الدليل على وجوده. وقد طالبتك ببيان حقيقة هذه الأداة او بيان ماهيتها او مكان وجودها إلا أنك أقررت بعجزك عن فعل ذلك، ففي تعقيبك قبل الأخير قلت: ( وفي الحقيقة فأنني لم أكن أرى أن الكلمة كانت تحتاج لتوضيح أكثر من بيان أنها نوع من أنواع القدرات وبذلك لن أستطيع أن أبين حقيقتها وكنهها وماهيتها بأكثر من ذلك فكما يملك الإنسان القدرة على الحركة والقدرة على السمع والقدرة على النطق والقدرة على الإبصار يملك أيضا القدرة على التفكير .. وكما أن أداة السمع هي الأذن وأداة الإبصار هي العين وأداة النطق هي اللسان فإن أداة التفكير هي العقل ). وفي تعقيبك الأخير قلت : ( وأما ما يخص مطالبتك إياي ببيان حقيقة العقل لنضع الإصبع عليه فإنني في الحقيقة لا أجد نفسي قادرا على بيانه بأكثر من كونه إحدى القدرات التي يتمتع بها الإنسان وهذه القدرة هي التي تجعله قادرا على التفكير والإدراك .. ولكن لا بأس في أن تساعدني على تحقيق هذا الشيء وذلك بأن تبين لي حقيقة القدرة التي تجعلنا قادرين على السمع وحقيقة القدرة التي تجعلنا قادرين على النطق وعلى ضوء ذلك ربما أكون قادرا على ببيان حقيقة العقل بشكل تستطيع معه أن تضع إصبعك عليه). فعجزك عن بيان حقيقة هذه الأداة أو عن الاتيان بأي شيء يدلنا على ماهيتها أو عجزك عن بيان كيف تقوم هذه الأداة بعملية التفكير أو أن تبين مكان وجودها كل ذلك يعتبر سببا كافيا لعدم وضع هذه الأداة المفترضة موضع نقاش وسببا كافيا لتجاهلها تجاهلا تاما. فأنت لا تعرف حقيقة الشيء الذي تتحدث عنه، ولا ما هو دور هذا الشيء في الوظيفة التي ألصقتها به وأقصد بالوظيفة عملية التفكير، فأنت لم تبين كيف يقوم العقل- بوصفه أداة التفكير - بعملية التفكير، بل لا تعرف مكان وجود هذه الأداة.

ما أريد أن أقوله هنا هو أن من يزعم وجود شيء عليه أن يقيم البرهان على وجوده، وليس من مهمة من لا يؤمن بوجوده التدليل على عدم وجود هذا الشيء، لا سيما إذا لم يكن لهذا الشيء وجود إلا في مخيلة من يقول بوجوده. وأما حقيقة العين والأذن واللسان أو ماهيتها وكيفية أدائها لوظائفها أي الابصار والسمع والنطق، وكذلك مكان وجود كل عضو من هذه الأعضاء فكل ذلك معروف، وإذا أردت التعمق في المعرفة فعليك بكتاب في الطب متخصص في بحث هذه الأعضاء.


ثانيا- المشكلة أو الخطأ الذي غالبا ما تقع فيه هو المنطق، فقد توصلت إلى القول بوجود أداة تقوم بعملية التفكير وصولا منطقيا : ( وكما أن أداة السمع هي الأذن وأداة الإبصار هي العين وأداة النطق هي اللسان فإن أداة التفكير هي العقل )، والنتجة خطأ لأن قياس التفكير على الحواس خطأ، التفكير غير السمع وغير البصر وغير اللمس وغير باقي الحواس، فهو ليس حاسة ولا هو من جنس الحواس حتى يجري قياسه عليها، وأيضا واقع التفكير غامض في ذهنك، فأنت لا تعرف حقيقته بل لا تعرف أي شيء عنه سوى أنك قمت بتشبيهه بعملية التوزين، فكيف تقيس مجهول على معلوم ؟
والدليل على خطأ قياس التفكير سواء على وظائف الحواس او على عملية التوزين هو أن ليس كل عملية تحصل توجد لها أداة أو عضو يختص بالقيام بها، فبعض العمليات تحصل من اشتراك مجموعة من الأدوات في أدائها، فمثلا عملية تغذية الانسان ليس لها أداة واحدة تقوم بها أو عضو مخصص للقيام بهذه المهمة، بل هي عملية تشترك في أدائها مجموعة من الوسائل أو الأدوات، كالفكين والأسنان واللسان والغدد اللعابية واللعاب الذي تفرزه هذه الغدد والبلعوم والمريء والمعدة والحامض الذي تفرزه المعدة ...إلخ ثم لا ننسى الطعام نفسه الذي هو المادة الغذائية. وعملية التنفس هي من هذا القبيل. ونفس الشيء يمكن أن يقال بالنسبة لعملية التفكير، إذ هي عملية يشترك في إيجادها أربعة أدوات أو أربعة عناصر، وهذه الأدوات هي : الدماغ، الحواس، الواقع، المعلومات السابقة، فليست هي نتاج عضو من أعضاء جسم الانسان، ولا هي وظيفة أداة معينة من الأدوات الموجودة في داخل جسم الانسان وإنما هي مجموع عمل هذه العناصر الأربعة . لذلك كله كان من الخطأ أن تقيس عملية التفكير قياسا شموليا على عملية الابصار أو على عملية التوزين، وخطأ القياس هو الذي أوصلك إلى النتيجة الخاطئة التي خرجت بها، والتي هي أن للتفكير أداة كما ان للبصر اداة.


ثالثا- حتى الأمثلة التي ضربتها لتوضيح وجود فرق بين العقل والتفكير أو بين التفكير وأداة التفكير لا تخدم التفريق بل تؤكد على وجوب الخلط ، فمثلا لو سألتك : ما هو الميزان ؟ وما هي عملية التوزين ؟
فهل يمكن أن تبين أو أن تشرح ما هو الميزان من دون بيان عملية التوزين ؟ وهل يمكن أن تبين واقع عملية التوزين من دون أن تربط عملية التوزين بالميزان ؟ يعني هل يمكن أن تشرح عملية التوزين من دون أن تقول أن للميزان كفتان نضع في احداها وحدة الوزن وفي الكفة الأخرى المادة التي نريد أن نزنها. أليست كفتا الميزان ووحدة الوزن التي هي تابعة للميزان جزءا لا يتجزء من عملية التوزين ؟
وأيضا عملية المشي ، هل يمكن أن نعرف عملية المشي من دون أن ننص في التعريف على قدمي الانسان باعتبارهما أداتي المشي ؟ تعريف المشي هو : السير على القدمين . هل يصح التعريف من دون النص على القدمين كأن نقول هو : السير أو عملية السير ؟ وهل يمكن أن نعطي تعريفا للقدمين من دون أن ننص على دور القدمين في عملية المشي ؟
حتى في مثال العين أو الأذن او النطق لا يمكن في التعريف أن نفصل بين الأداة ووظيفتها لا حين نريد أن نعرف الأداة ولا حين نريد أن نعرف وظيفتها، فهل يصح أن نعرف البصر من دون أن نعرف العين ومن دون أن نبين كيف تتم الرؤيا من خلال العين أو أن نبين دور العين في عملية الرؤيا ؟ أي هل يمكن أن نشرح كيفية الابصار من دون أن نبين واقع العين من الناحية التشريحية ومن الناحية الفيزيولوجية ؟ بل هل يمكن أن تشرح أو ان تفهم من دون أن نربط بين العين وبين الدماغ ؟ وفي المقابل هل يمكن ان نعطي تعريفا صحيحا عن العين من دون أن يشتمل التعريف على وظيفة العين ، وعلى كيفية قيامها بها ؟ على أن مثال العين والأذن واللسان هو أوضح ما يكون على استحالة الفصل بين الأداة ووسيلتها وذلك لأن وظائف هذه الأعضاء الثلاثة هي خواص لها فلا يمكن احداث الفصل بين العضو وخاصيته.

وعليه فإن محاولة الفصل بين العملية والوسائل التي توجد بها خطأ محض، فوق أن من شأن الفصل أن يضلل عن حقيقة واقع العملية ، كما يضلل عن حقيقة واقع الوسائل التي تتم بها.

وحتى تتأكد من استحالة الفصل انظر الى جميع تعريفاتك سواء للعقل أو لعملية التفكير، تجد أنك لم تستطع الفصل بين العقل والتفكير ، فعندما عرفت العقل نصصت في التعريف على التفكير، وعندما عرفت التفكير نصصت على العقل، : فمثلا هذا النص : ( بعد هذا العرض نستطيع أن ندرك الفرق بين العقل والتفكير والفكر فأقول أن العقل هو تلك القدرة التي تجعلنا قادرين على التفكير والفهم .. وأما التفكير فهو العملية التي يجريها العقل للوصول لفهم معين .. وأما الفهم فهو النتيجة التي ندركها من خلال التفكير ) فمع أنك في معرض التفريق بين العقل والتفكير إلا أنك قد جعلت احدهما جزءا من تعريف الآخر . وهذا النص أيضا : ( العقل هو اداة التفكير الأولى ) جعلت التفكير جزءا من تعريف العقل أي داخلا فيه . وما يجب أن تلاحظه أن لفظة العقل تختلف عن لفظة التفكير من حيث الحروف التي تتكون منها ، فعندما تنص في التعريف على اللفظتين يظهر وجود فرق بينهما، فهذا الاختلاف هو مجرد اختلاف لفظي وليس اختلافا واقعيا، فلو وضعت مكان لفظة العقل الواقع الذي يدل عليه العقل، ووضعت مكان لفظة التفكير واقع عملية التفكير لاختفى الفرق نهائيا لأنك ستضطر الى الحديث عن شيء واحد أو عن أجزاء لا يمكن الفصل بينها. فالفصل بينهما هو ناحية لفظية فقط لا واقعية أي بالكلام تقول عقل وتفكير أما في الواقع فهما شيء واحد.

وحتى تتأكد أن الفصل ظاهري وليس حقيقي أستطيع أن أقول الآتي :
العقل هو أداة التفكير لكنه لا يتكون من أداة واحدة فقط وإنما يتكون من أربع أدوات هي : الدماغ والواقع والحواس والمعلومات السابقة ، وأما عملية التفكير التي يقوم بها العقل فهي : يتم نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس، وفي الدماغ يوجد معلومات سابقة عن الواقع الذي تم نقله الى الدماغ، ومن عملية الربط بين الواقع والمعلومات السابقة بفعل خاصية الربط التي في الدماغ ندرك حقيقة الواقع أو نصدر الحكم عليه. فهنا يوجد أدوات وليس اداة واحدة ويوجد عملية تشترك في إيجاده جميع هذه الأدوات الأربعة، ولذلك تجد أن نص التعريف هو : ( نقل الواقع الى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع )، فالتعريف قد نص على الأدوات الأربعة وعلى عملها في نفس الوقت إذ لا يوجد فصل بين الأداة الداخلة في عملية التفكير وبين دورها في العملية. وهنا أنت أمام ثلاثة خيارات إما ان تقول بأن العقل ليس هو أية أداة من الأدوات الأربعة المذكورة فيجب أن تذكر لنا ما هي هذه الأداة، وإما أن تقر بأن هذه الأداة التي تتحدث عنها مذكورة في نص التعريف لكنك تختلف في اعتبار غيرها من الأدوات، فنحصر النقاش في هذه الحالة بالأداة التي ترى استثناؤها، وإما أن تقر بصحة التعريف كما هو.

أما قولك : ( كما أنك أيها الأخ العزيز تستطيع أن تلاحظ الفرق بين العقل والتفكير من خلال أنك لا تستطيع أن تستخدم كلمة العقل محل كلمة التفكير في عباراتك التي تنشئها فلو كان العقل والتفكير شيئا واحدا لأمكنك أن تستخدم كل كلمة منهما محل الأخرى فيؤديان نفس المعنى. من ذلك يتضح أن العقل والتفكير شيئان مختلفان ).
فإن كلمات : العقل، التفكير، العملية العقلية، العملية التفكيرية ، مصطلحات لها نفس المعنى ، وفي الجملة الواحدة يمكن ان تحل أية كلمة من هذه الكلمات الأربعة محل الأخرى ، وهي جميها تستعمل بمعنى : ( نقل الواقع الى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ). فيمكن أن نقول العقل هو ( نقل الواقع ... ) كما يمكن أن نقول التفكير هو : ( نقال الواقع .. ) وهكذا، وأيضا كلمة " يعقل " تستعمل بنفس معنى كلمة " يتفكر ".
قال تعالى : { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون } { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون }.
وقال تعالى : { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون }.
ألم تؤد كلمتي يعقلون ويتفكرون نفس المعنى ؟


رابعا- التعريف أي تعريف يجب أن يكون واضحا ومفهما لحقيقة الشيء المعرف ، ومن مقتضيات التوضيح عدم استعمال الألفاظ العامة أي اللفاظ التي تنطبق على أكثر من شيء، فالقدرة أو المقدرة لفظ عام يندرج تحته كل قدرة ، فتعريف العقل بالقدرة لا يمكن الذهن من تصور مدلول العقل تصورا يعطي الصورة الصحيحة عن العقل، ولا يمكنه من ادراك واقعه، بل أن اللفظ لا يعطي أي معنى محدد للعقل، لأن القدرة على المشي قدرة ، والقدرة على السمع قدرة، والقدرة على الرؤيا قدرة، فكل واحدة تسمى قدرة مع اختلاف ماهية كل قدرة من هذه القدرات الثلاث . وأيضا كلمة أداة لفظ عام يندرج تحته كل أداة على الرغم من اختلاف ماهية الأدوات. ونفس الشيء ينطبق على كلمة ملكة لأنها تنطبق على كل ملكة. فالقول بأن العقل هو المقدرة على التفكير أو هو أداة التفكير أو هو الملكة التي حبانا اياها الله لنكون قادرين على ادراك الأمور ليس تعريفا أي ليس توضيحا لمعنى العقل فكأنك لم تضع أي تعريف للعقل. وهذا هو محل الانتقاد الذي وجهته لهذه التعبيرات الثلاثة لا أنك استعملت ثلاثة تعبيرات. ومن مقتضيات التوضيح أيضا عدم تكرار نفس اللفظة التي تحتاج الى تعريف أو بيان، وكذلك عدم اللجوء الى استعمال كلمات رديفة أو غامضة لا تصلح لتفسير ما سبقها. ونظرة بسيطة الى تعريفاتك تري مدى الغموض والابهام الذي يكتنفها، ففي تعقيبك قبل الأخير ورد هذا النص : ( بعد هذا العرض نستطيع أن ندرك الفرق بين العقل والتفكير والفكر فأقول أن العقل هو تلك القدرة التي تجعلنا قادرين على التفكير والفهم .. وأما التفكير فهو العملية التي يجريها العقل للوصول لفهم معين .. وأما الفهم فهو النتيجة التي ندركها من خلال التفكير ). هل يفهم أحد مما ورد في هذا النص ما هو العقل او ما هو التفكير او ما هو الفكر ؟ أليست هذه التعريفات عبارة عن دائرة مغلقة ؟!
الأسئلة المطروحة في الأساس هي : ما هو العقل ؟ ما هي عملية التفكير ؟ ما هو الفكر ؟ يعني يوجد ثلاثة مصطلحات مجهولة نريد أن نضع تعريفا لكل واحد منها ، فهل يصح أن نعرف أحدها بالنص على المصطلحين الآخرين مع أنهما مجهولين أيضا ؟
وفي تعقيبك الأخير ورد هذا النص : ( ولزيادة توضيح خطأ هذا الفهم وتوضيح ما أقصده أنا من تعريفي للعقل سأقوم بتشبيه العقل بأنه القدرة على المشي وتشبيه التفكير بأنه عملية المشي وتشبيه الإدراك أو الفهم بأنه الوصول إلى المكان الذي نريده. فنحن عندما تكون لدينا القدرة على المشي نقوم بعملية المشي وبواسطة هذا المشي نصل إلى المكان الذي نريده ونطبق ذلك على العقل فنقول عندما تكون لدينا القدرة على التفكير نقوم بالتفكير وبواسطة التفكير نصل للفهم وندرك الأمور ).
فأنت تقول: ( ونطبق ذلك على العقل فنقول عندما تكون لدينا القدرة على التفكير نقوم بالتفكير وبواسطة التفكير نصل للفهم وندرك الأمور ) فإلى جانب أنك استعملت لفظة القدرة وهي لفظ عام أي لا تدل على شيء محدد كما أسلفنا، يلاحظ أنك كررت كلمة التفكير ثلاثة مرات من دون أن توضح ما هو التفكير، فظل تعريف العقل غامضا، وظل تعريف التفكير غامضا، وظل تعريف الفكر غامضا، حتى كلمة فهم وادراك التي استعملتها بدل كلمة فكر هي نفسها تحتاج الى شرح وبيان .

حتى المثل الذي شبهت العقل والتفكير والفكر به سرت به على نفس المنوال: ( فنحن عندما تكون لدينا القدرة على المشي نقوم بعملية المشي وبواسطة هذا المشي نصل إلى المكان الذي نريده ). فهل يفهم أحد من هذا التعريف ما هو المشي، وما هي القدرة على المشي، وكيف نصل بواسطة هذا المشي الى المكان الذي نريد ؟

يتبع بإذن الله تعالى
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #20  
قديم 28-08-2001, 12:41 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

تتمة التعقيب على ما ورد في رديك الأخيرين

مقدمة التعقيب :

طريقة التفكير أو كيف ينشأ الفكر عند الانسان ؟

" ينشأ الفكر عند الانسان من اقتران الواقع عنده بمعلومات عنه، ولا يمكن أن ينشأ من الواقع وحده مطلقا، ولا من المعلومات وحدها ولا بوجه من الوجوه .

ضع أمام طفل صغير أشياء لم يسبق أن عرف عنها شيئا، وانظر هل يحصل عنده فكر فإنك تجد أنه يحصل عنده من تكرار احساسه بالواقع وحده احساس بوجود الواقع، ويحصل عنده تمييز الأشياء بعضها عن بعض ، وتمييز ما يؤلم أو يلذ، أو يسر أو يزعج، أو يشبع أو غير ذلك، مما يتصل بالغرائز والحاجات العضوية، ولا يحصل عنده شيء أكثر من ذلك مهما اختلف الاحساس وتكرر وتنوع ، أي يحصل عنده احساس ويحصل من جراء هذا الاحساس وتكرره تمييز غريزي فقط. ولكنك إذا وضعت أمامه شيئا ثم قرنته بمعلومات عنه أدرك ما هو الشيء. فإن سألته عنه شرحه لك وبين لك ما هو. فيصبح عنده إدراك الشيء، أي يصبح عنده فكر. أما لو أعطيته معلومات فقط عن الشيء وكررت له هذه المعلومات فإنه يعاود سردها لك كما هي ، ولا يحصل عنده فكر ما لم يربطها بالواقع . والدليل الحسي على ذلك هو : ضع أمام طفل ميزانا وتفاحة ونارا ثم حفظه معلومات عن كل واحدة منها كأن تقول له : ميزان يزن ، تفاحة تؤكل، نار تحرق وكررها عليه عدة مرات ثم اسأله أين الميزان فيضع اصبعه على التفاحة أو النار، وقد يضع اصبعه على الميزان ولكنه إذا رآك لم ترض ذلك غير في الحال ، ووضع اصبعه على غيره، فهو قد تلقى معلومات وأعادها . ولكنه لم يحصل عنده فكر . أما إذا أريته الميزان وقلت له هذا ميزان يزن ، وبينت له عملية الوزن وكررت ذلك ، ثم أريته التفاحة أو النار وكررت ذلك فإنه يحصل عنده فكر. فإذا قلت له أين الميزان وضع اصبعه ودلك عليه. فلو رفضت ذلك وغالطته لا يرد عليك ويصر على الميزان الذي شرح له لانه أدركه ، فيصبح يعرفه لمجرد رؤيته أو لمجرد ذكر اسمه، لأنه صار له فكر عن هذه الأشياء باقتران الواقع مع المعلومات .
وعليه فالتفكير ينشأ عند الانسان من احساسه بالواقع مع تلقيه من غيره معلومات مع الاحساس. فيصبح عنده من ذلك فكر. هذا إن لم تكن عنده معلومات. أما إن كانت عنده معلومات فيكون قد سبق أن نشأ عنده فكر، فإذا أراد أن ينشأ فكرا جديدا عن شيء فإنه يحس بالواقع ثم يربطه احساسه بالواقع بمعلوماته السابقة فيصدر فكرا. فإن لم تكن عنده أي معلومات تتصل بهذا الشيء افتقر الى أن يتلقى معلومات عنه فيحصل من تلقيه للمعلومات مع احساسه بالواقع فكر جديد عنده. وعلى هذه الطريقة ينشأ الفكر.

وهذه النشأة هي طريقة التفكير الطبيعية عند الانسان وهي طريقة التفكير الأساسية . وهي التي توجد الفكر.
وعلى ذلك فطريقة التفكير من حيث هي تحتم اقتران الاحساس بالواقع مع المعلومات السابقة عنه، أو اقتران المعلومات السابقة مع الاحساس بالواقع فحينئذ يحصل الفكر، وفي غير ذلك لا يحصل فكر مطلقا. فلا بد من إعطاء المعلومات مع الاحساس بالواقع حين نريد أن ننشأ فكرا، ولا بد من إيجاد الاحساس بالواقع مع المعلومات حين اعطائها إذا أردنا أن يدرك الفكر الذي نعطيه. فلا بد من وجود واقع محسوس، ومن وجود معلومات حتى يوجد فكر . وهذه وحدها هي طريقة التفكير. ولذلك كان اعطاء المعلومات وحدها وربطها مع بعضها دون اقترانها بواقع محسوس لا يشكل فكرا عند الشخص ، بل يوجد عنده معلومات ولا يوجد أي فكر مهما شرحت له ما لم يدرك واقعها ويكون هذا الواقع محسوسا.

هذا من حيث ايجاد فكر عند المفكر الذي أوجد الفكر أو أنشأه ، وكذلك هو عند من يعطي الفكر لغيره، فإذا أريد اعطاء هذا الفكر للناس فانه يمكن أن ينقل إليهم بأي وسيلة من وسائل التعبير كاللغة مثلا. فإن اقترن عندهم بواقع سبق أن أحسوا به أو أحسوا بمثله أو قريب منه فإنه يكون قد انتقل إليهم فكرا، فصار مفهوما من مفاهيمهم كأنهم قد توصلوا إليه. وإن لم يقترن عندهم بواقع محسوس لديهم بأن فهموا معنى الجمل وشرحت لهم ولم يتصوروا أي واقع لها ، فإنه لا يكون قد انتقل إليهم فكرا ، وإنما نقل إليهم مجرد معلومات. فيصبحون بهذه المعلومات متعليمين ولا يصبحون مفكرين. لأنه لم ينقل إليهم فكرا ، بل نقلت جمل تتضمن معلومات. ومن هنا كان لا بد لمن ينقلون للناس أفكارا أن يقربوا ما فيها من معاني لأذهان الناس بمحاولة اقترانها بواقعها المحسوس لديهم ، أو بواقع قريب مما يحسونه، حتى يأخذوها منهم أفكارا. وان لم يفعلوا ذلك لا يكونون قد نقلوا للناس أفكارهم ، وانما نقلوا إليهم معلومات علموهم إياها .

ولهذا كان لا بد من الحرص على طريقة التفكير ، وذلك باقتران المعلومات بالواقع عند انشاء الفكر، أو بتقريب الأفكار من الواقع المحسوس عند من يأخذها حتى تقترن المعلومات بالواقع فتوجد فكرا" .
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م