مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #21  
قديم 28-08-2001, 12:50 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

التعقيب على ردك قبل الأخير بتاريخ 19\8\2001 :


في تعقيبي بتاريخ 15\8\2001 ورد ما نصه :

(ولتوضيح واقع عملية التفكير وواقع الفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير أضع المثال التالي :
لو سألتني ما هذا الشيء - ولنفترض أن هذا الشيء هو كتاب – فإن جوابي يكون : هذا كتاب. هنا يوجد أمران اولهما العملية التفكيرية او العقلية أو الادراكية التي حصلت وثانيهما هي نتيجة عملية التفكير أي الفكر.أما الأمر الأول والذي هو العملية التفكيرية التي حصلت فهي الآتي : انتقل واقع الكتاب الى دماغي بواسطة حاسة البصر على سبيل المثال، وفي دماغي يوجد قدر معين من المعلومات التي تفسر ما هو هذا الشيء الذي سألتني عنه، وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء، أي ادراك أنه كتاب، وهذا الادراك لواقع الكتاب هو الحكم الذي يصدره الدماغ على الواقع ، فهذا الحكم هو نتيجة العملية التفكيرية. وكنتيجة لادراك الانسان لواقع الأشياء فإنه يتصرف تجاهها بحسب ادراكه لها ، فليس اطلاق لفظة كتاب هو المقصود بالفكر وإنما المقصود ادراك واقع الكتاب أي معرفة كنه هذا الشيء أو ماهيته. لذلك قد تتعدد اللغة التي يعبر بها عن الكتاب لكن يظل الادراك واحدا ، فسواء استعملت لفظة " كتاب " أو استعملت لفظة " a book " فإني أكون قد قد عبرت عن نفس الواقع المدرك في ذهني. فالفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير هو الحكم على الواقع )


وفي ردك على ما ورد في هذا النص جاء ما يلي :


1- قلت : ( ولو تأملنا قولك هذا لوجدنا أن معظم فقراته تعاني من خلل معين أو أنها تحتاج إلى بيان أوضح وأدق .. ) وقلت : (( فأما قولك ( انتقل واقع الكتاب إلى دماغي ) فإني أتصور أنك لو قلت بدلا من ذلك ( انتقلت صورة الكتاب إلى دماغي ) لكان ذلك أدق وأسلم إذ أن واقع الشيء لا ينتقل إلى الدماغ بل تنعكس صورة منه فقط )).

والجواب على ذلك هو :
يقال نقل الواقع لا نقل صورة الواقع لأن الذي ينقل هو الاحساس بالواقع لا صورة الواقع كالصورة الفوتوغرافية. فهي صورة للواقع وهي الواقع احساسا . ولذا كان القول بأنها نقل الواقع ، أدق من القول بأنها نقل صورة الواقع، لأن الصورة المنقولة هي احساس بالواقع لا صورة عنه فقط. ألفت النظر الى اننا نتحدث هنا عن الدقة في التعبير لا عن الصواب أو الخطأ. فلو قلت تنتقل ( صورة الواقع ) فلا يكون التعبير خطأ، بل أني في مثال الكتاب الوارد في النص أعلاه استعملت هذا التعبير ، فقد ورد ما نصه: ( وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء)، وأيضا ورد النص التالي في الكتاب الذي أخذت منه التعريف : ( والذي يحصل هو أن الواقع المحسوس تنتقل صورة عنه الى الدماغ بواسطة الحواس، وتكون هذه الصورة بحسب الحاسة التي نقلت الواقع. فإن كانت البصر، نقلت صورة الجسم، وان كانت السمع نقلت صورة صوته، وان كانت الشم نقلت صورة رائحته، وهكذا . فيرتسم الواقع كما نقل في الدماغ، أي حسب الصورة التي نقلت ). فالذي ينتقل هو " صورة الواقع " و " الواقع احساسا " فلو قلت نقل الواقع بالحس أو قلت صورة الواقع أو قلت صورة الواقع احساسا فإن التعبير لا مشكلة فيه. على أي حال ليس المقصود نقل ذات الواقع، بل يستحيل ان ينتقل ذات الواقع الى الدماغ.

وأما تعبير ( الانعكاس ) فخطأ وذلك لأن " الدماغ عضو كسائر الأعضاء لا يحصل منه أي انعكاس ، ولا يحصل عليه أي انعكاس. لأن الانعكاس هو تسليط الضوء على الشيء وارتداده عنه ، وتسليط الشيء على جسم فيه قابلية الانعكاس وارتداده عنه مع وجود الضوء. وذلك كتسليط مصباح كهربائي على جسم ثم ارتداد الضوء عن هذا الجسم فيرى الجسم ويرى الضوء. أو تسليط الشمس او القمر أو أي ضوء من أي جهة . وكتسليط جسم على مرآة مع وجود الضوء ، يرتد الضوء، وترتد صورة الجسم عن المرآة ، فيرى كما هو. إذ ترتد صورة الجسم كأنها ارتسمت خلف المرآة فرؤيت، وهي في حقيقتها لم ترتسم، وانما انعكست كما ينعكس الضوء على أي جسم. فهذا هو الانعكاس . وفي عملية الفكر لا يحصل أي انعكاس ، فلا يحصل فيها ولا أي انعكاس من الواقع على الدماغ . فالانعكاس من حيث هو لم يحصل. وأما العين التي يتوهم أنه يحصل بواسطتها انعكاس ، فلا يحصل فيها، ولا منها انعكاس، وانما الذي يحصل هو انكسار، فالشيء المرئي لا ترتد صورته للخارج، وإنما يحصل بتسلطه على العين انكسار، إذ تنكسر صورة الشيء المرئي وتستقر في الداخل فيرى الشيء، ولا يمكن أن ترتد إلى الخلف ، ولا يمكن أن يحصل انعكاسا منها ولا بها مطلقا ".

2- قلت : (( واما قولك : ( وفي دماغي يوجد قدر معين من المعلومات التي تفسر ما هو هذا الشيء الذي سألتني عنه ) فيفهم منه أن المعلومات السابقة هي التي تفسر الواقع وهذا ما لا يمكن قبوله فليس لأي معلومة أي قدرة على فعل أي شيء بل ينحصر دورها في أنها تكون أحد المرتكزات التي يعتمد عليها العقل في فهم الواقع فعندما يكون لدينا معلومتان على الشكل الآتي : المعلومة الأولى وهي أن ( أ ) أكبر من ( ب ) والمعلومة الثانية هي أن ( ب ) أكبر من ( ج ) ثم نسأل أيهما أكبر ( أ ) أو ( ج ) فإن العقل باستخدامه هاتين المعلومتين كمعطيات أولية أو كمقدمات أو كمعلومات سابقة يستطيع أن يدرك أيهما أكبر وبذلك تتكون لدينا معلومة ثالثة وهي أن ( أ ) أكبر من ( ج ) .. وهنا نلاحظ أننا بالعقل استطعنا أن نصل إلى المعلومة الثالثة وأدركنا العلاقة بين ( أ ) و ( ب ) وذلك بالاعتماد على المعلومتين السابقتين لا أن المعلومتين السابقتين هما اللتان توصلتا للمعلومة الثالثة أي أن المعلومتين السابقتين هما من العناصر التي اعتمد عليها العقل للوصول للمعلومة الثالثة لا أنهما بنفسهما قد توصلتا إلى المعلومة الثالثة. لذلك فإن قولك في هذه الفقرة بأن المعلومات السابقة هي التي تفسر الواقع قول خاطئ )).

وقلت أيضا : (( وأما قولك : ( وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع ) فإنك قد كررت قولك بأن المعلومة هي التي تقوم بالتفسير ولا أدري هل للمعلومات أي عقل أو إحساس أو أي قدرة تمكنها من تقديم أي نوع من التفاسير ؟ )).

وأما التوضيح فهو الآتي:
المعلومات السابقة تستخدم في تفسير الواقع أي ان الواقع يفسر بواسطتها، فلا بد من وجود معلومات سابقة عن الواقع حتى نتمكن بواسطتها من ادراكه، ونص التعريف كما هو عند منتجه هو الآتي: ( نقل الواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ مع معلومات سابقة يفسر بواسطتها هذا الواقع ) ، فالواقع يفسر بواسطة المعلومات السابقة بمعنى أن المعلومات المتعلقة بالواقع تستخدم في تفسيره، فلا بد من أن توجد معلومات سابقة عن الواقع في الدماغ ، فحين تقترن المعلومات السابقة بالواقع يدرك الانسان حقيقة الواقع، وبدون هذه المعلومات لا يمكن ادراك الواقع، هذا هو المقصود وليس المقصود أن المعلومات السابقة هي التي تقوم بتفسير الواقع أو أن المعلومات عقل يدرك ويفسر. فحتى يوجد الفكر وحتى يحصل التفكير لا بد من وجود معلومات سابقة ولو أولية عن الواقع الذي يراد التفكير فيه. أما بدون أية معلومات فلا يمكن التفكير، فلا يوجد الفكر.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى، صحيح ان الانسان يستطيع ان يتوصل من معلومة مع معلومة الى معلومة ثانية أو حتى من معلومة واحدة الى معلومة ثانية أو أكثر، لكن بشرط ان يكون واقع هذه المعلومات السابقة مدركا في ذهن الشخص، أي بشرط ان تكون المعلومة فكرا لا مجرد ألفاظ يكررها. فإذا كانت مجرد ألفاظ يكررها فإنه لا يستطيع ان يتوصل منها إلى أية معلومة اخرى أي لا يستطيع ان ينشأ منها فكرا. وهذا ما تم شرحه تفصيليا في مقدمة هذا التعقيب.


3- قلت : ( كما أننا من خلال هذه العبارة نفهم أنك تعتبر وجود معلومات سابقة شرطا لابد منه كي تتم عملية الفهم وهنا أتساءل ما هي المعلومات التي ينبغي أن تتوفر في الدماغ لكي ندرك أن النقيضان لا يجتمعان ؟ بل لو كان وجود المعلومات السابقة شرطا لما أمكننا معرفة أي شيء لأننا قد خرجنا من أمهاتنا وليس لدينا أي معلومة فكيف أمكننا أن ندرك تلك الأمور التي أدركناها في بداية طفولتنا ولم يكن لدينا أي معلومات سابقة ؟ كما أن اشتراط وجود معلومات سابقة كي نستطيع أن نفهم يعني أننا لا نستطيع أن ندرك أي شيء جديد لا يرتبط بالمعلومات التي في حوزتنا. والحال أننا قادرين على تعلم ونفهم أموراً كثيرة غير متعلقة بأي معلومة سابقة. فمثلا نستطيع أن نتعلم لغة جديدة حتى لو لم يكن لدينا أي معرفة سابقة بها ) .

نعم المعلومات السابقة شرط في التفكير، حتى لو كانت معلومات أولية تساعد في فهم الواقع او تفسيره، فمثلا لو سألت أحدهم : هل يجتمع النقيضان ؟ فلا يمكن له أن يدرك الجواب إذا لم تكن عنده معلومات سابقة عن النقيض ، أي عن الشيء ونقيضه، ومعلومات عن الاجتماع، وعن عدم الاجتماع ، وعن الامتناع. فهذه معلومات سابقة لا بد من توفرها حتى يدرك الجواب بأن النقيضين لا يجتمعان. وأما أننا خرجنا من بطون امهاتنا لا نعلم شيئا فهذا صحيح لكن ما ليس بصحيح هو قولك: ( كيف أمكننا أن ندرك تلك الأمور التي أدركناها في بداية طفولتنا ولم يكن لدينا أي معلومات سابقة) إذ أننا لو لم نحصل على المعلومات عن الأشياء التي حولنا لما تمكنا من التفكير فيها، وبالتالي لعجزنا عن ادراكها، والمثال الموجود في بداية هذا التعقيب يوضح ذلك اتم توضيح، فلو لم يحصل الطفل من ذويه على معلومات مقترنة بالأشياء التي يقع عليها حسه لما أمكن له أن يدرك حقيقة هذه الأشياء أي لما أمكن له أن ينشأ فكرا. وسيدنا آدم عليه السلام لم يكن له ليفكر أو يدرك ماهية الأشياء التي في الكون لولا أن الله سبحانه وتعالى أعطاه معلومات عن كل شيء، قال تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها }. فلا بد من توفر معلومات ولو أولية عن الواقع الذي يراد التفكير فيه، ومن ربط هذه المعلومات بالواقع بواسطة قوة الربط الموجودة في الدماغ يدرك الواقع أي ينتج الفكر، وهذا الفكر الجديد هو نفسه يصبح معلومة جديدة تستخدم في تفسير وقائع جديدة وهكذا .

وأما قولك : ( والحال أننا قادرين على تعلم ونفهم أموراً كثيرة غير متعلقة بأي معلومة سابقة. فمثلا نستطيع أن نتعلم لغة جديدة حتى لو لم يكن لدينا أي معرفة سابقة بها ) ، فإن عملية تعلم اللغة هي عملية أخذ المعلومات عن اللغة التي يراد تعلمها مقترنة بواقع اللغة، سواء اكان هذا بالنسبة لتعليم الطفل لغته الأم أم بالنسبة لمن يريد أن يتعلم لغات أخرى. فتعلم اللغة يبدأ بتعلم الأحرف وكيفية لفظها من خلال اطلاق الكلمات على الأشياء، فكلمة بابا أو ماما مثلا وهي الكلمات الأولى التي يبدا الطفل بتعلمها عن طريق أبويه، فمن خلال ترديده لهاتين الكلمتين يتعلم نطق الأحرف، ونطق الكلمة، ومعناها الذي تدل عليه. فالطفل يأخذ الكلمة مقترنة بالمعلومة عنها. وفي المدرسة تتم عملية تعليم اللغة بحسب أصولها وقواعدها. وهي عملية تتكون من اعطاء المعلومات مقرونة بواقعها. فيعطى معلومات عن الأحرف ، وعن كيفية لفظها وكيفية كتابتها، وكيف تكوين الكلمة منها، وعن الكلمة وأقسامها، وعن الجملة وأقسامها، وعن قواعد اللغة من نحو وصرف... إلخ، فهذه كلها معلومات تعطى للطالب مقترنة بالواقع، فمثلا حرف الألف، يعطى له لفظا وكتابة ومكان خروجه ، وهكذا . ونفس الشيء بالنسبة للشخص الذي يريد أن يتعلم لغة غير لغته ، فإنه يأخذ المعلومات عن اللغة الجديدة مقترنة بواقعها، إلى جانب أنه يستخدم معلوماته السابقة عن اللغة بوصفها لغة، كالمعلومات المتعلقة بالحروف والكلمات والهجاء وتركيب الجمل والقواعد.


4- قلت : ( وهنا لابد أن نفرق بين إدراكنا القانون أو القاعدة وبين تطبيقاتنا لتلك القاعدة فمثلا إدراكنا لاستحالة أن يطالبنا الله بالصوم والإفطار في يوم واحد يعتبر تطبيقا للقانون العقلي الذي يقرر استحالة اجتماع النقيضين فلو قلنا لأي إنسان عاقل عليك أن تصوم غدا نهارا وعليك أيضا أن تفطر غدا نهارا فإنه سيدرك أن ذلك مستحيل وسيظل مدركا لهذه الاستحالة حتى لو فشل في التعبير عنها .. كذلك لو قلنا لطفل يدرس في الصف الأول الابتدائي عليك أن تذهب غداً إلى المدرسة ولكن عليك أن لا تذهب غداً إلى المدرسة فإنه سوف يدرك أن الجمع بين الذهاب وعدم الذهاب في آن واحد مستحيل لأنه يدرك بعقله أن الجمع بين النقيضين مستحيل حتى لو لم تسعفه قدراته على التعبير بأن يوضح لماذا الذهاب وعدم الذهاب لا يجتمعان وحتى لو لم يسمع بكلمة ( النقيض ) أو بعبارة ( النقيضان لا يجتمعان ). إذن فالقوانين العقلية الأولية نستطيع إدراكها تلقائيا ودون الاستعانة بأي معلومات سابقة ).

والجواب على ذلك هو أن هذا الطفل يوجد عنده معلومات أولية وهي المعلومات التي يتمكن بواسطتها من ادراك معنى الذهاب الى المدرسة، ومعنى عدم الذهاب الى المدرسة، فالطفل يوجد عنده معلومات أولية عن المدرسة بأنها مكان غير بيته الذي يقيم فيه ، وعن الذهاب بأنه انتقال جسمه من مكان الى مكان ، وعن جسمه أو عن شخصه بأن جسمه واحد، فإذا انتقل الى المدرسة فإنه لا يكون في البيت بل يكون في المدرسة، وإذا لم ينتقل فإنه يبقى في بيته ولا يكون في المدرسة، فيدرك من ذلك كله أن القيام بتنفيذ الأمرين معا وفي وقت واحد مستحيل .

وأيضا ادراك أن الصوم والافطار في نفس الوقت مستحيل يحتاج الى معلومات سابقة، والمعلومات السابقة هي المعلومات التي نفسر بواسطتها معنى الأمر بالصوم، ومعنى الأمر بالافطار، فالصوم معناه أن نمتنع عن الأكل والشرب ، فإذا أكلت او شربت أكون قد ارتكبت اثما بمعصية الله تعالى، وأما الافطار فمعناه أن نأكل ونشرب ، فإذا أكلت أو شربت لا شيء في ذلك، فليس هو معصية فلا اثم يترتب على فعله، بل هو تنفيذ لأمر الله تعالى لأن المطلوب هو أن آكل وأن أشرب. فالأكل يتعارض مع الامتناع عن الأكل ، والاثم يتعارض مع عدم الاثم، فإذا نفذت الأمر بالصوم وجب الامتناع عن الطعام والشراب، وإذا نفذت الأمر الثاني وجب القيام بفعل الأكل أو الشرب، فإذا نفذت الأمر الأول أكون قد خالفت الأمر الثاني، وإذا نفذت الأمر الثاني أكون قد خالفت الأمر الأول، فو لم يوجد معلومات عن الصوم وعن الافطار لما أمكن ان ندرك أن تنفيذ الأمرين معا وفي نفس الوقت مستحيل، والله سبحانه وتعالى لا يكلفنا بالمستحيل ، قال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وهذه الآية أيضا معلومة نستعملها في ادراك أن الله سبحانه وتعالى لا يطلب منا الصيام وفي نفس الوقت يطلب منا الافطار.


5- قلت : ( ولزيادة توضيح ذلك نتساءل ماذا لو أنك قد نسيت تلك الكلمة والتي هي ( كتاب ) ولم تستطع الإجابة على ذلك السؤال فهل ذلك يعني أنك لم تعرف هذا الشيء الذي أمامك ؟ بالتأكيد أننا نستطيع أن نحتمل أنك استطعت التعرف على هذا الذي أمامك ولكنك نسيت تلك الكلمة التي تدل عليه وتعبر بها عن معرفتك ؟ والعكس أيضا صحيح فقد تجيب على السؤال وتقول أنه كتاب ولكنك لا تفهم معنى الكتاب مطلقا. وهذا يحصل في كثير من الأحيان فهناك من الأجهزة الطبية مثلا لا نعرف عنها أي شيء سوى أننا نعرف أسماءها فقط فهل ذلك يعتبر فهما ؟
من ذلك يتضح أن التعرف على الأشياء لا يعتبر فهما لذلك نقول أن هذا المثال غير صالح لتوضيح عملية الفهم .. أما الفهم الذي هو إدراك معنى الشيء ( لا التعرف عليه فقط ) فإن مثالك لم يأت به مطلقا وخير مثال للتفريق بين الاسترجاع والفهم هو أن نقارن بين من يحفظ القرآن وبين من يفهمه وأرى أن الفرق هنا واضح ).


كل ما ورد في تعقيبك في هذا النص واستخدمته مادة لنقض مثال الكتاب تجده موضحا في نفس النص الذي طرحت " بضم التاء " فيه مثال التفكير في الكتاب، ففي مداخلتي تلك بتاريخ 15\8\2001 والمذكورة في بداية هذا التعقيب ورد ما نصه :

( فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء، أي ادراك أنه كتاب، وهذا الادراك لواقع الكتاب هو الحكم الذي يصدره الدماغ على الواقع ، فهذا الحكم هو نتيجة العملية التفكيرية. وكنتيجة لادراك الانسان لواقع الأشياء فإنه يتصرف تجاهها بحسب ادراكه لها ، فليس اطلاق لفظة كتاب هو المقصود بالفكر وإنما المقصود ادراك واقع الكتاب أي معرفة كنه هذا الشيء أو ماهيته. لذلك قد تتعدد اللغة التي يعبر بها عن الكتاب لكن يظل الادراك واحدا ، فسواء استعملت لفظة " كتاب " أو استعملت لفظة " a book " فإني أكون قد قد عبرت عن نفس الواقع المدرك في ذهني. فالفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير هو الحكم على الواقع ).
فالفكر ليس هو اللغة أو اللفظة التي نعبر بواسطتها عن الشيء وإنما هو الادراك أي ادراك ماهية الشيء : ( فليس اطلاق لفظة كتاب هو المقصود بالفكر وإنما المقصود ادراك واقع الكتاب أي معرفة كنه هذا الشيء أو ماهيته ). وأن اللغة هي فقط وسيلة للتعبير عن هذا الادراك : ( لذلك قد تتعدد اللغة التي يعبر بها عن الكتاب لكن يظل الادراك واحدا ، فسواء استعملت لفظة " كتاب " أو استعملت لفظة " a book " فإني أكون قد قد عبرت عن نفس الواقع المدرك في ذهني ).
وفي النقطة الخامسة من نفس المداخلة فرقت " بضم التاء " بين اللغة والفكر وتوسعت في ذلك.

وأما التفريق بين الحفظ والفهم، فقد سبق بيانه في المقدمة ( طريقة التفكير )، وهو أن المعلومة إذا أخذت مقترنة بواقعها فإنه يحصل منها فكر أي ادراك، وأما إذا لم تقترن بالواقع فتبقى معلومات ولا يحصل منها إدراك للواقع ولا تصور لمدلوله، فلا يفهم الواقع. فأن تحفظ آيات القرآن قطعا غير فهمها وفهم مدلولاتها في الواقع. لأن الحفظ لا يتطلب إدراك الواقع الذي تدل عليه الآية وأما الفهم والادراك فيتطلب تمكين الدارس لآيات القرآن من وضع اصبعه على الواقع الذي تدل عليه الآية. فالذي يحفظ يردد ألفاظا وجملا بغض النظر عن واقعها الذي تدل عليه ، وأما الفاهم فيدرك واقع الآية ويتصور مدلولها.

هذا بالنسبة لما ورد في ردك قبل الأخير ، فيبقى أن أعقب إن شاء الله تعالى على ما ورد في ردك الأخير ولم أعقب عليه.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #22  
قديم 30-08-2001, 10:36 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

التعقيب على ردك الأخير بتاريخ 22\8\2001 :

1- قلت : ( أما ما جاء في رابعا فإني أحتاج لمعرفة مرادك من كلمة ( واقع ) فهل تقصد منها ذات الشيء فإذا قلت واقع الكتاب فهل تقصد ذات الكتاب الموجود في الخارج أم أنك تقصد من هذه الكلمة معنى الشيء وليس ذاته ؟ فلو فرضنا أنك تقصد المعنى الأول فإن ذلك ممتنع فالكتاب ذاته لا ينتقل إلى الدماغ ولو فرضنا أنك تقصد المعنى الثاني فإن ذلك يتعارض مع قولك بأن العقل يتعامل مع الأمور الحسية لأن الذي انتقل إلى الدماغ لم يكن شيء حسي فالشيء الحسي بقي مكانه في الخارج وأما الذي انتقل إلى الدماغ فهو معنى ذلك الشيء الحسي وهذا معناه أن العقل لا يتعامل مع الشيء الحسي بل أنه يتعامل مع معناه .. لذلك فإننا حينما نسمع كلمة كتاب فإننا ندرك معناها مباشرة ومن ثم فإن التعامل يتم مع المعنى لا مع الكلمة ذاتها وما يؤكد هذا المعنى أننا لا نستطيع أن نتعامل مع تلك الكلمة لو أننا لم ندرك معناها فالتعامل إذن يتم مع المعنى وليس مع الكلمة .. ).

الواقع هو كل ما يقع عليه الحس، أي كل ما يحس، فكل ما يلمس بالبشرة وكل ما يشم بالأنف وكل ما يذاق طعمه باللسان وكل ما يرى بالعين وكل ما يسمع بالأذن يعتبر واقعا. فالكلام المسموع واقع، والنصوص المكتوبة واقع، وذوات الأشياء كالانسان والحيوان والشجر والحجر والقلم والورق واقع ، وافعال الانسان واقع، والحوادث التي تقع واقع، وصوت كل شيء كصوت الطائرة والحصان والشلال واقع، والروائح المختلفة كرائحة الورد والياسمين والشواء واقع، وكل ما يتذوقه الانسان كالحلو والمر والمالح واقع. فالمقصود بالواقع هو كل ما يقع عليه الحس، ولذلك يقال الواقع المحسوس، وشرط التفكير هو أن يكون التفكير تفكيرا في واقع محسوس.

وأما تعبير ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ) فليس الذي ينقل هو ذات الواقع، وانما هو الاحساس بالواقع. وتم التعبير ب " نقل الواقع " وليس بنقل صورة الواقع لأن الذي ينقل هو الاحساس بالواقع لا صورة كالصورة الفوتوغرافية. فهي صورة للواقع وهو الواقع احساسا. ولذا كان القول بأنها نقل الواقع ، أدق من القول بأنها نقل صورة الواقع، لأن الصورة المنقولة هي احساس بالواقع لا صورة عنه فقط. فالذي يحصل هو أن الواقع المحسوس تنتقل صورة عنه الى الدماغ بواسطة الحواس، وتكون هذه الصورة بحسب الحاسة التي نقلت الواقع. فإن كانت البصر، نقلت صورة الجسم، وان كانت السمع نقلت صورة صوته، وان كانت الشم نقلت صورة رائحته، وهكذا . فيرتسم الواقع كما نقل في الدماغ، أي حسب الصورة التي نقلت. فهذا الذي ينقل ليس هو ذات الشيء، وإنما الذي ينتقل هو صورة الواقع وهو الواقع احساسا.

وفي مثال ( الكتاب ) الوارد في تعقيبي بتاريخ 15\8\2001 استعملت " بضم التاء " تعبير ( صورة الواقع المطبوعة في الدماغ )، فقد ورد ما نصه : ( وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء، أي ادراك أنه كتاب)، فهذا النص لا يدع مجالا للشك بأن ليس المقصود نقل ذات الواقع إلى الدماغ .

وأيضا ليس المقصود نقل معنى الواقع، لأن الحس بالواقع غير معناه، بل لا يرد موضوع المعنى هنا مطلقا، فأنت عندما تحس بالبرد مثلا فإن الذي ينتقل إلى دماغك هو احساسك بالبرد وليس معنى البرد، والمسألة هنا ليس السؤال عن معنى البرد وإنما هو احساسك بالبرد، وكذلك عندما يقع بصرك على كتاب معين فإن الذي ينتقل الى دماغك هو صورة الكتاب احساسا لا معنى الكتاب ، والسؤال المطروح في المثال هو ما هو هذا الشيء ؟ أي ما هي حقيقته أو ما هي ماهيته أو كنهه، وليس السؤال ما هو معنى كلمة الكتاب . فقد ورد في التعقيب المذكور ما نصه : ( ولتوضيح واقع عملية التفكير وواقع الفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير أضع المثال التالي : لو سألتني ما هذا الشيء - ولنفترض أن هذا الشيء هو كتاب – فإن جوابي يكون : هذا كتاب). وفي ردك قبل الأخير قلت ( فأما قولك ( انتقل واقع الكتاب إلى دماغي ) فإني أتصور أنك لو قلت بدلا من ذلك ( انتقلت صورة الكتاب إلى دماغي ) لكان ذلك أدق وأسلم إذ أن واقع الشيء لا ينتقل إلى الدماغ بل تنعكس صورة منه فقط )، فأنت هنا تقول أن الذي ينتقل هو صورة الكتاب، وصورة الكتاب ليست هي ذات الكتاب ولا هي معنى الكتاب.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المفترض أن كل ما ورد في تعقيبك المذكور أعلاه انما هو رد على ما ورد في النقطة الرابعة في تعقيبي بتاريخ 15\8\2001 ، وحتى يدرك أنك لم ترد على ما ورد فيها، لا بد من عرض ما جاء فيها بالنص :
( رابعا- على الرغم من غموض تعريفاتك وعلى الرغم من الخطأ الذي وقعت فيه إلا أن التعريفات التي أوردتها في تعقيبك تشترط أيضا توفر العناصر الأربعة حتى توجد العملية التفكيرية، فقولك ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) اقرار بشرط وجود الحواس والواقع لأن المنطق يشترط انتهاء كل قضية من قضاياه الى الحس. وأما قولك ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) ففيه اقرار صريح بشرط وجود الدماغ ، وفيه اقرار ضمني بشرط وجود الواقع والحواس وكذلك المعلومات السابقة . أما الواقع فإنه إذا لم يكن هذا الذي يتم نقله إلى الدماغ هو الواقع فماذا يكون ؟ وإذا لم يكن الواقع هو ما نريد التفكير فيه واصدار الحكم عليه فبماذا سنفكر ، وعلى ماذا سنصدر الحكم ؟ وإذا لم تكن الحواس هي واسطة نقل الواقع إلى الدماغ فما هي هذه الواسطة ؟ وأيضا إذا لم تكن وحدة القياس أو وحدة التوزين هي المعلومات السابقة التي تفسر الواقع فماذا تكون ؟ فالواقع هو الذي يتم نقله الى الدماغ بواسطة الحواس ويجري التفكير فيه بربطه بالمعلومات السابقة التي تفسره فيصدر الدماغ حكمه عليه ).
فتعقيبي الوارد في النقطة الرابعة يناقش تعريفك أنت للعقل وللتفكير، فكان المفروض أن توضح دلالة كل كلمة من الكلمات الواردة في تعريفك أنت لا أن تناقش أو أن تقتصر على مناقشة دلالة الكلمات الواردة في تعريفي، فالمفروض أن توضح تعريفك، فتعريفك للتفكير نص على وجود شيء يتم نقله الى الدماغ وهذا الشيء هو الذي يتم وزنه ويصدر الحكم عليه ، فما هو هذا الشيء ؟ أي ماذا تقصد بقولك (ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه) ؟ وأيضا تعريفك ينص على وجود عملية نقل أي جعلت عملية النقل جزءا من التعريف ، لكنك أبقيتها مجهولة فما هي ؟ ومن أين يتم نقل هذا الشيء الى الدماغ ؟ وأيضا ما هي وحدة الوزن ؟ فكان المفروض أن تجيب على هذه الأسئلة المتعلقة بتعريفك لا أن تنقل النقاش الى مثال الكتاب.


2- قلت : ( ثم لابد وأن تلاحظ أن العقل يتعامل مع المعنى لا مع الشيء حتى لو كانت الوسيلة التي نقلت معنى الشيء إلى العقل هي وسيلة حسية فإن ذلك لا يغير في الأمر شيء ) ، قولك هذا حجة عليك ، لأن المعنى الذي يقع عليه الحس هو واقع محسوس، وأنت تقول أن المعنى قد تم نقله بحاسة من الحواس، فالحس قد وقع عليه بالفعل وتم نقله الى الدماغ بواسطة الحواس، فالشرط الذي يجب أن يتوفر للتفكير وهو الواقع المحسوس قد تحقق وجوده، فلا يصلح كل ما قلته هنا لنقض شرط الواقع المحسوس كشرط لعملية التفكير .


3- وأما قولك : ( كما وأننا كثيرا ما ندرك الأمور غير الحسية بواسطة إدراكنا لأمور حسية ومن المفروض أن هذا لا يجعلنا نعتقد بأن إدراكنا قد وقع على شيء حسي فالشيء الحسي في هذه الحالة لا يعدو عن كونه وسيلة لأن ندرك شيئا غير حسي ومثال على ذلك لو أن أحدا أخبرنا بشيء معين وبواسطة بعض القرائن الحسية أدركنا أنه كان كاذبا كما لو أننا رأيناه في مكان آخر في نفس الوقت الذي ذكره لنا في كلامه فإن إدراكنا لكذبه جاء بعد تفكير منطقي أجريناه على الدلالات التي أدركناها واستخلصناها من تلك القرائن الحسية... ).
فكل ما قلته هنا يؤكد صحة تعريف العملية التفكيرية ، لأنك تؤكد هنا على شرط الواقع المحسوس كشرط للتفكير، فأنت تقول ( ندرك الأمور غير الحسية بواسطة إدراكنا لأمور حسية ) فالشرط المطلوب حتى يتم التفكير هو التفكير في واقع محسوس، وادراك الكذب أتى من التفكير في أمور حسية أو من قرائن حسية، فكيف يدل هذا المثال على أن التفكير يمكن ان يحصل بدون وجود الواقع المحسوس ؟
هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن كل ادراك حسي له بالضرورة واقع محسوس، والكذب في مثالك له واقع محسوس، وواقع الكذب في مثالك هو مخالفة ما قاله هذا الشخص للواقع المشاهد، فالشخص قال أنه كان موجودا في مكان كذا، ولكنه شوهد في مكان آخر غير الذي قال، وهذا هو واقع الكذب الذي أدركناه، لأن الكذب هو عدم قول الحقيقة، وقد أدرك هذا الواقع من التناقض بين قوله ومكان وجوده الفعلي . فالكذب هو الحكم الذي أصدرناه على قوله، أو هو إدراك لواقع قوله من أنه مخالف للحقيقة. فأين انعدام شرط الواقع المحسوس في هذا المثال ؟!

وأما مثال المقالة ، فلا يصلح أيضا كمثال لنقض شرط الواقع المحسوس ، وذلك لأن المقالة نفسها التي قرأتها هي واقع محسوس، والتفكير جرى في هذا الواقع المحسوس، وادراكك لمعانيها هو ادراك ناتج عن التفكير في واقع محسوس. ونفس الأمر ينطبق على الرسالة الشفوية. فلا يوجد في هذين المثالين أية دلالة على امكانية التفكير في غير الواقع المحسوس.

وأما قوله تعالى : { ولا تقل لهما أف ..} فإن تحريم ضرب الوالدين مفهوم من ألفاظ الآية وتراكيبها، وهو ما يسمى بمفهوم الموافقة، ودلالة المفهوم هي : " ما فهم من اللفظ في محل السكوت ، فما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقا لمدلوله في محل النطق هو مفهوم الموافقة، فهي مفهومه من اللفظ ولكن في محل السكوت لا في محل النطق، أي هي المعنى المسكوت عنه اللازم للمعنى المنطوق به، فهي فهم من اللفظ " فالمفهوم الذي هو تحريم ضرب الوالدين فهم من اللفظ لكن ليس في محل النطق بل في محل السكوت. فإدراك تحريم ضرب الوالدين توصلنا اليه من التفكير في واقع محسوس هو ألفاظ الآية وتراكيبها، وانت نفسك قلت ( فمثلا الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أف … ) نفهم منها أن الصراخ على الوالدين وضربهما شيء محرم )، فأنت تقول ( نفهم منها ) أي من الآية، وهذا يعني أن الفهم ناتج عن التفكير في واقع محسوس هو الآية، فلا يصلح هذا المثل لنقض شرط الواقع المحسوس.


4- قلت: ( والحال أن المعنى هو الأصل وهو سابق على الكلمة ولم توجد الكلمة إلا للتعبير عن المعنى فهي لا تعدو عن كونها وسيلة للتعبير عن المعنى وإيصاله للآخرين) .
هذا الكلام صحيح لكن هذا من حيث أصل وضع اللغة، فاللفظ وضع للتعبير عن المعنى الموجود في الذهن، وهذا ينطبق أيضا في حال أردت التكلم، ففي حال تريد أن تتكلم فإن المعنى يسبق اللفظ، لكن في حال سمعت كلاما، فإن الكلمة هنا تسبق المعنى أي تسمع الكلمة أولا ثم تفهم معناها أو تفكر في معناها . على أن مثال الكتاب لا يرد في مسألة المعنى لأن موضوعه هو واقع الكتاب لا معنى كلمة كتاب، فالمطلوب التفكير في واقع الكتاب لا في كلمة كتاب ولا في معنى هذه الكلمة، فليس السؤال عن معنى كلمة كتاب، أنت وحدك من أقحم موضوع المعاني في المثال. ولم أقل في أي تعقيب أن التفكير محصور في التفكير بالكلمات، لأن التفكير في الكلمات هو نوع من أنواع التفكير وليس هو كل التفكير ، فالتفكير يجري في كل ما يقع عليه الحس، فشرط التفكير أن يكون في واقع محسوس بغض النظر عن ماهية هذا الواقع. وما ورد في النقطة الخامسة هو بيان لهذا النوع من التفكير والذي هو التفكير في الكلمات وليس هو حصر للتفكير في واقع الكلمات. وقد تعرضت له لأنك أتيت بالمعاني كمثل على امكانية التفكير في غير الواقع المحسوس وضربت " بفتح التاء " العدم مثلا على هذه المعاني، فحتى أزيل هذه الشبهة فرقت " بضم التاء " بين الكلمة من حيث هي كلمة وبين معناها، ثم فرقت بين المعاني التي لها واقع يقع عليه الحس وبين المعاني التي لا يقع عليها الحس، وفرقت أيضا بين اللغة والفكر، من حيث أن اللغة تعبر عن المعاني الموجودة في الذهن بغض النظر عن ان كان لها واقع في الخارج أم لا، وأن الفكر هو حكم على الواقع، فلا يوجد فكر إذا لم يوجد له واقع. فإذا وجد لكلمة العدم معنى في اللغة وتصوره الذهن فإن ذلك لا يعني ان العدم يمكن التفكير فيه.
على أي حال إذا رجعت للنقطة الخامسة تجد بوضوح تام النص على أن اللغة قد وضعت للتعبير عن المعاني الموجودة في الذهن ، فالمعنى سابق للكلمة في أصل وضع اللغة. لكن المعنى لا يسبق الكلمة في حال سمعت كلاما من الآخرين، فإن الكلمة تأتي أولا ثم ينتقل الذهن الى معناها.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #23  
قديم 30-08-2001, 10:39 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

5- الاحساس والمشاعر :
المشاعر هي احساسات الغرائز، والمشاعر يطلق " بضم الياء " عليها أيضا الأحاسيس والعواطف ، لكن للتفريق بين المشاعر والحواس الخمسة نقتصر هنا على استعمال تعبير الاحساس للتعبير عن الحواس .
وأما تعقيبي على ما جاء في ردك فهو أن الأفكار ليست هي فقط التي تثير المشاعر، بل يثيرها الواقع المحسوس أيضا. أما الواقع المحسوس المثير للمشاعر، فكمثل عليه أن رؤية المرأة الجميلة تثير الشعور الجنسي في الرجل بدون تدخل العقل أو التفكير ، أي أن الاثارة تحدث بمجرد مشاهدة الواقع المثير. وأما الفكر فإن الفكر هو تعبير عن واقع ، فكل فكر له واقع محسوس، فالفكر المثير للمشاعر هو الفكر المعبر عن واقع مثير للمشاعر، فمثلا التفكير في مخلوقات الله تعالى يثير في الانسان الشعور بالعجز والاحتياج الى الخالق المدبر، والتفكير في مواجهة أسد يثير الشعور بالخوف وهكذا . وعليه فالمشاعر لا تتحرك داخليا بل لا بد من وجود مثير خارجي حتى تتحرك، وهو اما يكون واقعا محسوسا أو فكرا من الأفكار المتعلقة بالواقع المحسوس. وجميع الأمثلة التي ضربتها لك على المعاني المحسوسة لها واقع محسوس هو الذي يثير في الانسان تلك المشاعر، سواء أكانت الاثارة ناتجة عن تأثير الواقع المحسوس مباشرة أم كانت ناتجة عن ادراك صلة الواقع بما يثير المشاعر. فمشاهدة أعمال القتل والابادة التي يقوم بها الكفار بحق المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة يثير فينا الشعور بالحزن الممزوج بشعورنا بالظلم والقهر، وأيضا إدراكنا لسيطرة الكفار على بلادنا وثرواتنا ومقدساتنا وتحكمهم بطريقة عيشنا وأنظمة حياتنا يثير فينا الشعور بالمذلة والاهانة، بل يثير فينا أيضا الشعور بالخزي والعار من أنفسنا. فالواقع المحسوس لا بد من وجوده سواء تحركت المشاعر بتأثير مباشر من الوقائع والأحداث المؤلمة أم تحركت نتيجة لادراكنا لمدلولات هذه الوقائع والأحداث. ولهذا نجد أننا لم نحس بمشاعر العزة والكرامة لأننا لم نر ولم نسمع ما يحرك فينا هذه المشاعر منذ أمد بعيد . فلأن العزة والكرامة لا واقع لها في حياتنا لم نحس بها وبالتالي لم تتحرك فينا هذه المشاعر مطلقا. حتى في داخل بلادنا الاسلامية نحن محرومون من هذه المشاعر ، وعوضا عنها نشعر كل يوم بالظلم والقهر والذل لأن الوقائع التي نحسها في بلادنا مثيرة لمثل هذه المشاعر. فسواء أكان المثير لهذه المشاعر واقعا محسوسا أم كان فكرا من الأفكار المتعلقة بالواقع المحسوس، فإن ذلك لا ينفي وجود الواقع المحسوس.
ومثال الأسد الذي ضربته أنت يعتبر دليلا على ذلك، فقد قلت : ( فليست العين مسؤولة عن الشعور بالخوف لو رأينا أسدا يحاول الاقتراب منا وإنما هي مسؤولة فقط عن الرؤية أما الخوف فيأتي نتيجة إدراكنا للخطر الذي يمثله هذا المشهد ). فحتى لو كان المثير لمشاعر الخوف هو الادراك، فإن هذا النوع من الادراك يسمى الادراك الحسي أي الادراك الناتج عن الحس مباشرة، وهذا ما عبرت عنه بقولك : ( أما الخوف فيأتي نتيجة إدراكنا للخطر الذي يمثله هذا المشهد ). فهذا المثل لا يصلح لنقض شرط الواقع المحسوس كشرط لعملية التفكير، والواقع المحسوس في مثالك هو الأسد .
بقي أن اذكر أن المجنون يخاف ، وأن الحيوان يخاف ، مع أن كلا من المجنون والحيوان لا عقل له، فالشعور بالخوف عند المجنون أو عند الحيوان لم ينتج عن عملية تفكير أو عن ادراك عقلي لما يخيف، بل هو تمييز غريزي ناتج عن وجود مثير خارجي للشعور الغريزي بالخوف. فالواقع المثير ينتقل بواسطة الحواس الى الدماغ، وبدون عملية تفكير يتحرك الشعور بالخوف. والذي يؤكد على أن الادراك العقلي ليس هو فقط المثير للمشاعر ، تجد أن شعورك بالخوف يتحرك بمجرد سماعك المفاجىء لصوت عال. فحتى قبل ان تدرك حقيقته تشعر بالخوف.
وما يجب ادراكه أيضا أنه لا يوجد حاسة خاصة بما يثير الغرائز ، فكما يمكن أن تشعر بالخوف من مشاهدة شيء مخيف، يمكن ان تشعر بالخوف من سماع صوت مخيف، فالمهم هو نقل الواقع المخيف الى الدماغ بغض النظر عن الحاسة التي قامت بنقله. فالواقع المثير للشعور بالاهانة على سبيل المثال قد ينقل بواسطة حاسة البصر، كما يمكن أن ينقل بواسطة حاسة السمع ، بل قد ينقل بحاسة اللمس .


5- قلت :
( وأما عبارتك ( كما لم تبين واسطة النقل ما هي ، فالشيء المنقول لم تأت على ذكره، وواسطة النقل لم تأت على ذكرها ، مع أن الشيء المنقول إلى الدماغ وكذلك واسطة نقله جزء لا يتجزأ من عملية التفكير " التوزين " ) فأنا أستغربها أيضا فما دخل واسطة النقل بعملية التفكير ولماذا هي جزء من منها .. فما دخل الواسطة التي نقلت الأشياء المراد وزنها بعملية الوزن ؟ وما الفرق بين أن تسألني شفويا فتكون الأذن هي الواسطة وبين أن تسألني كتابة فتكون العين هي الواسطة ؟ ما دخل هذا في التفكير؟ ).
تعريف العملية التفكيرية بأنه : ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ) لم ينص على حاسة بعينها بل ورد " بواسطة الحواس " فلم أقصد بانكاري عدم قيامك ببيان واسطة النقل أن تحدد حاسة معينة، بل المطلوب أن تحدد كونها الحواس، أي أن تنص بشكل واضح في التعريف على أن واسطة النقل هي الحواس. وأما ضرورة النص في التعريف على واسطة النقل فذلك لأن عملية التفكير لا يمكن أن تحصل بدون أن ينقل الواقع المحسوس إلى الدماغ، فكانت واسطة النقل شرط في حصول عملية التفكير، والتعريف هو وصف واقع عملية التفكير أي بيان لشروطها أو بيان للعناصر التي تدخل في إيجادها، فلكون واسطة النقل شرط لحصول التفكير فإن التعريف لا يكون كاملا بدون النص عليها. حتى أنت لم تجعل التعريف خاليا من النص على عملية نقل الشيء الذي تريد التفكير فيه واصدار الحكم عليه إلى الدماغ، لكن ما لم تفعله هو أنك لم تذكر بالنص ما هي واسطة النقل، ومطالبتي لك ببيانها حتى أثبت لك أن الحواس شرط لحصول عملية التفكير لأنه لا يوجد واسطة نقل بين الدماغ وبين الواقع غير الحواس. وعلى أي حال تعريفك تضمن النص على جميع شروط عملية التفكير سوى أنك استعملت ألفاظا غامضة، ولو قمت بتوضيحها لخرجت بنفس تعريف التفكير المذكور . ولذلك أطلب منك مرة أخرى ان توضح أو بعبارة أدق أن تجيب على أسألتي المتعلقة بتعريفك .


6- الأعداد :
في أحد ردودك قلت أن العقل يدرك أن الأعداد لا نهاية لها، وذلك حتى تنقض شرط الواقع المحسوس كشرط في عملية التفكير.
وقد رددت عليك بما يلي : ( وأما قولك ان العقل يدرك أن الأعداد لا نهاية لها ، فمن المعلوم بداهة أن كل ما سوى الله تعالى محدود، الأعداد وغير الأعداد، والقول بأن الأعداد لانهائية مصطلح رياضي وليس هو وصفا حقيقيا، فمثلا العدد بين رقمين هو عدد لا نهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين . فعدم قدرتنا على عد الأعداد لا يعني أن لا نهاية لها. ومن المسلمات العقلية أن ما له بداية له نهاية. ومن المسلمات العقلية أيضا أن مجموع المحدودات محدود. وأيضا الأعداد ليست شيئا قائما بذاته ، بمعنى أن العدد يقترن بأمور وأشياء فتقول مثلا عدد السكان كذا أو عدد الطلاب كذا أو عدد أكياس الطحين كذا، وكل ما يقترن به العدد محدود فلا يوجد شيء عدده غير محدود لأن كل شيء ما سوى الله تعالى محدود.
وهنا أود لفت النظر بأن الحكم على الأعداد بأنها لانهائية - بغض النظر عن انه خطأ - هو حكم على واقع محسوس هو الأعداد ، أي حكمنا على الأعداد التي يقع عليها حسنا بأن لا نهاية لها ، فالتفكير الذي حصل هو تفكير في واقع محسوس، والحكم الذي صدر هو حكم على واقع محسوس ، فليس هو تفكيرا في الأعداد التي لم يصل اليها الحس ولا الحكم صدر على ما لم يحس منها ).

وفي رد الأخير ورد ما نصه : ( وأما قولك أن الأعداد ليست شيئا قائما بذاته فهذا خلاف الواقع نعم لو قلت أن الأعداد ليست شيئا ماديا فإن كلامك يكون صحيحا أما أن تنفي وجودها فهذا نفي لشيء موجود ونتعامل معه بشكل مستمر والأعداد عندما لا تكون مقترنة بأي شيء تسمى بـ ( الأعداد المجردة ) وينبغي أن نخلط بين العدد والمعدود.
وأما قولك ( فمن المعلوم بداهة أن كل ما سوى الله تعالى محدود، الأعداد وغير الأعداد ) فهو قول لم أستطع رده وفي نفس الوقت أجد نفسي لا أستطيع أن أتصور وجود نهاية للأعداد إذ أنني أفترض أن باستطاعتنا زيادة أي عدد بغض النظر عن معرفتنا له أو عدمها لذلك فأنا محتاج للبحث في هذا التعارض والسؤال عنه. ولكن في نفس الوقت أجدك قد أقررت بوجود الأعداد اللانهائية وذلك في عبارتك ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين ) وأنت هنا جمعت بين اللانهائي وبين المحدود في نفس الوقت. فإن كان اللفظان بنفس المعنى فهذا تناقض وإن كانا مختلفين بحيث من الممكن أن يكون الشيء محدودا وفي نفس الوقت لانهائيا فإن اعتراضك على قولي بأن الأعداد لانهاية لها في غير محله وخصوصا وأن اعتراضك على قولي جاء معتمدا على عبارتك ( أن ما سوى الله فهو محدود ) أي أنك عارضت كلمة ( لانهائي ) بكلمة ( غير محدود ) وهذا معناه أنك اعتبرت كلمة ( لانهائي ) مرادفة لكلمة ( لامحدود ) وهذا ما جعلك تقع في تناقض صريح حينما تقول ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين ) لأن من خلال اعتبارك أن كلمة ( لانهائي ) مرادفة لكلمة ( لامحدود ) فإننا نستطيع أن نقرأ عبارتك كالآتي : ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه نهائي لأنه يقع بين رقمين ) وهذا هو عين التناقض ) .

وبناء على ما ورد في ردك أعيد ما ورد في تعقيبي المذكور على النحو الآتي :

أولا- الحكم على الأعداد بأنها لانهائية - بغض النظر عن انه خطأ - هو حكم على واقع محسوس هو الأعداد ، أي حكمنا على الأعداد التي يقع عليها حسنا بأن لا نهاية لها ، فالتفكير الذي حصل هو تفكير في واقع محسوس، والحكم الذي صدر هو حكم على واقع محسوس ، فليس هو تفكيرا في الأعداد التي لم يصل اليها الحس ولا الحكم صدر على ما لم يحس منها. فمن هذه الناحية لا يصلح مثالك على أن التفكير ممكن ان يحصل في غير الواقع المحسوس. لأن التفكير جرى في واقع محسوس وهو الأعداد التي وقع الحس عليها. وأنت لم ترد على ما ورد في هذه النقطة.

ثانيا – كل ما سوى الله تعالى محدود، فالأعداد محدودة سواء أكانت مجردة أم كانت مقترنة بغيرها، فإذا كان تعبير ( الأعداد لا نهاية لها ) يقصد به أن الأعداد غير محدودة ، فهذا القول مردود ولا يؤخذ به بغض النظر عن مصدره، ولست " بفتح التاء " بحاجة لأن تستفتي احدا بذلك. والدليل على ان الأعداد محدودة هو أن مجموع المحدودات محدود ، فكل رقم من هذه الأعداد محدود، والرقم الذي يأتي بعد الرقم الذي وصلنا اليه هو أيضا رقم محدود وهكذا ، فأنت تضيف محدود الى محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة. وأيضا الأعداد لها بداية ، ولنقل الرقم صفر هو بدايتها ، وما له بداية له نهاية قطعا، فالأعداد محدودة من هذه الجهة أيضا. على أن إدراكنا أن الأعداد مخلوقة يحتم أن ندرك أنها محدودة.

ثالثا- ورد في تعقيبي السابق ( والقول بأن الأعداد لانهائية مصطلح رياضي وليس هو وصفا حقيقيا، فمثلا العدد بين رقمين هو عدد لا نهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين )، قلت هذا القول لافتراضي انك قد تظن بأن معنى ( لا نهاية لها ) أنها غير محدودة، فوضحت لك أن هذا مصطلح رياضي وليس وصفا حقيقيا أي لا يقصدون به عدم محدودية الأعداد، وقد بينت لك الدليل على أنهم لا يقصدون بالمصطلح عدم محدودية الأعداد ، والدليل هو أنهم يقولون ان العدد بين رقمين لا نهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين. فلا يوجد فيما قلت أي تعارض، وكوني وصفت الأعداد بأنها لا نهائية مع وصفها بأنها محدودة هي القرينة على أن وصفها بأنها لا نهائية ليس معناه أنها غير محدودة. وقد كان ظني في محله لأنك في ردك الأخير عليّ قلت : (( وأما قولك ( فمن المعلوم بداهة أن كل ما سوى الله تعالى محدود، الأعداد وغير الأعداد ) فهو قول لم أستطع رده وفي نفس الوقت أجد نفسي لا أستطيع أن أتصور وجود نهاية للأعداد إذ أنني أفترض أن باستطاعتنا زيادة أي عدد بغض النظر عن معرفتنا له أو عدمها لذلك فأنا محتاج للبحث في هذا التعارض والسؤال عنه )). فلولا أنك تعتبر أن الأعداد غير محدودة وأن تعبير ( الأعداد لا نهاية لها ) معناه أنها غير محدودة لما قلت أنك محتاج للبحث في هذا التعارض والسؤال عنه.

رابعا- قولك ( وفي نفس الوقت أجد نفسي لا أستطيع أن أتصور وجود نهاية للأعداد ) حجة عليك لأنه إذا لم يكن باستطاعتك تصور أمرا متعلقا بشيء محدود ، فكيف يمكن لعقلك أن يتصور أمرا متعلقا بغير المحدود وهو الله سبحانه وتعالى ؟!
خامسا- قولي : ( الأعداد ليست شيئا قائما بذاته... ) أتراجع عن الاستدلال به، ويظل الاستدلال بما سواه أي بما هو مبين أعلاه.


7- قلت :
(( وأما قولك ( أثر الخالق جزء من وجوده ) فأرى أن الجملة غير صحيحة بسبب بسيط وهو أن الوجود لا يتجزأ. ولو أنك قلت (أثر الخالق دليل على وجوده ) لكان ذلك أقرب إلى الصواب لأن هذه الموجودات وهذا الكون هي آثار تدل على وجود خالق لها مع ملاحظة أن الأثر لا يدل دائما على وجود صاحب الأثر فقد يزول صاحب الأثر ويبقى أثره قائما بمعنى أن الأثر يدل بالضرورة على وجود صاحب له في لحظة حدوثه ولكن لا يدل على وجوده حاليا وإلى الأبد )).

ما ورد في هذا النص هو رد على ما ورد في ردي عليك الموجود في هذا النص :
(( وأما قولك أن العقل ( يدرك ضرورة أن يكون هناك خالق لكل مخلوق )، فإن تركيب الجملة غير دقيق لأن مفهومها لا يمنع من تعدد الخالق، والصواب أن يقال " خالق لكل المخلوقات " فالمخلوقات تدل على وجود الخالق، أو وجود الخالق مدرك من وجود المخلوقات. على أي حال المثال لا يدل على حصول التفكير في غير الواقع المحسوس، لأن التفكير في وجود الخالق إنما يكون من خلال التفكير في مخلوقاته، فالتفكير في الكون والانسان والحياة يوصل الى ادراك وجود الخالق. والكون والانسان والحياة واقع يقع عليه الحس. ومن جهة أخرى فإن المخلوق هو أثر للخالق، وأثر الخالق جزء من وجوده، فالتفكير في المخلوق هو تفكير في وجود الله تعالى لا في ذاته ، فوجوده تعالى مدرك بالحس من ادراك مخلوقاته. فالواقع الذي انتقل الى الدماغ بواسطة الحواس هو المخلوق أي اثر الخالق عز وجل وليس ذاته جل شأنه، والتفكير جرى بهذا المخلوق أي بأثر الخالق لا بذاته، أي في وجوده سبحانه وتعالى لا في ذاته، ونتيجة التفكير هي صدور الحكم على المخلوق بانه مخلوق، فكان هذا هو الدليل على وجود الخالق ) ).
لا أريد أن أقف عند مناقشة صحة أو عدم صحة عبارة ( أثر الخالق جزء من وجوده ) لأن وجود هذه العبارة من عدمها لا يؤثر في وجه الاستدلال عليك، ولأن معناها هو نفس المعنى الذي اقترحته، وبإمكانك أن تشطبها بالكامل وأن تضع التعبير الذي اقترحته، فيكون النص سواء بشطب العبارة بالكامل أو بوضع التعبير الذي اقترحته بدلا عنها هو الحجة على خطأ استدلالك بأن كون العقل ( يدرك ضرورة أن يكون هناك خالق لكل مخلوق ) يعتبر دليلا على امكانية التفكير في غير الواقع المحسوس.
وهذا هو النص بعد التعديل : ( المثال لا يدل على حصول التفكير في غير الواقع المحسوس، لأن التفكير في وجود الخالق إنما يكون من خلال التفكير في مخلوقاته، فالتفكير في الكون والانسان والحياة يوصل الى ادراك وجود الخالق. والكون والانسان والحياة واقع يقع عليه الحس. ومن جهة أخرى فإن المخلوق هو أثر للخالق، وأثر الخالق دليل على وجوده ، فالتفكير في المخلوق هو تفكير في وجود الله تعالى لا في ذاته ، فوجوده تعالى مدرك بالحس من ادراك مخلوقاته. فالواقع الذي انتقل الى الدماغ بواسطة الحواس هو المخلوق أي اثر الخالق عز وجل وليس ذاته جل شأنه، والتفكير جرى بهذا المخلوق أي بأثر الخالق لا بذاته، أي في وجوده سبحانه وتعالى لا في ذاته، ونتيجة التفكير هي صدور الحكم على المخلوق بانه مخلوق، فكان هذا هو الدليل على وجود الخالق ).

وأما قولك : (مع ملاحظة أن الأثر لا يدل دائما على وجود صاحب الأثر فقد يزول صاحب الأثر ويبقى أثره قائما بمعنى أن الأثر يدل بالضرورة على وجود صاحب له في لحظة حدوثه ولكن لا يدل على وجوده حاليا وإلى الأبد ) فنحن متفقان على أن ما ورد في هذا النص لا ينطبق على الخالق عز وجل. لأن الدليل العقلي أثبت وجود الأزلي واجب الوجود، والأزلي لا بداية ولا نهاية له، وإلا لم يكن خالقا.


8- قلت :
(( جاء في تعقيبك أن الجملة الأولى في تعريفي للعقل يفهم منها أن ( التفكير هو عملية ادراك الأمور المنطقية ) وأنا في الحقيقة أستغرب منك هذا الفهم فلو رجعنا للجملة الأولى من تعريفي للعقل نجدها كالآتي : ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) ولا أعرف كيف فهمت من هذه الجملة ذلك الفهم فالجملة واضحة وصريحة وكل من يقرأها يفهم منها أنني قد حاولت توضيح معنى العقل على أنه قدرة معينة قد زودنا الله بها لنكون قادرين على فهم الأمور وإذا كان هناك من مؤاخذة على هذا التعريف فهي المؤاخذة التي تفضلت بها وهي أنني حصرت عمل العقل في الأمور المنطقية وسوف أحاول الاطلاع على هذه النقطة وفهمها أما فهمك الذي ذكرته فهو أجنبي تماما عن تلك الجملة ولا يمت لها بأي صلة )) .
أنت تقول : ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) وفي نفس الفقرة قلت : ( فالعقل إذن هو أداة التفكير الأولى ) ، من هذين النصين فهمت أن التفكير كما تراه أنت هو إدراك الأمور المنطقية، ذلك أنك لم تقل لنكون قادرين على التفكير بل قلت لنكون قادرين على ادراك الأمور المنطقية، مما يعني أنك ساويت بين التفكير وادراك الأمور المنطقية ، فلو قلت : ( لنكون قادرين على التفكير لأجل إدراك الأمور المنطقية ) لما وقعت " بضم التاء " في خطأ الفهم. وفي تعقيبك قبل الأخير قلت : ( أن العقل هو تلك القدرة التي تجعلنا قادرين على التفكير والفهم )، فأنت هنا تقول لنكون قادرين على التفكير ، وهناك قلت لنكون قادرين على ادراك الأمور المنطقية.
على أي حال خطأ الفهم سواء مني أو بسبب غموض التعريف ليس مشكلة. كما أني لم أقتصر على مناقشة تعريفك للتفكير على هذا التعريف بل ناقشت أيضا التعريف الآخر الوارد في هذا النص : ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) وهذا التعريف موجود في نفس الفقرة الوارد فيه أن العقل هو الملكة....
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #24  
قديم 30-08-2001, 10:41 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

9- الاستغناء عن المنطق :

قلت : ( وأما ما جاء في ثالثا حيث أخذت علي أنني حصرت العقل أو التفكير بإدراك الأمور المنطقية فقط مع أن المنطق هو أسلوب من أساليب العقل فإن قولك هذا جميل وقد استفدت منه الكثير وجزاك الله خيرا على هذا التنبيه غير أنني لم أفهم عبارتك أن الإنسان يمكنه الاستغناء عن المنطق وأرجو لو توضح ذلك ولا بأس بالاستعانة ببعض الأمثلة ).

يمكن الاستغناء عن المنطق لأنه أسلوب في التفكير وليس طريقة، لأن الأسلوب هو كيفية غير دائمة، وأما الطريقة فهي كيفية دائمة . والفرق بين الأسلوب المنطقي وبين طريقة التفكير العقلية هو أن المنطق عبارة عن بناء فكر على فكر بحيث ينتهي الى الحس والوصول عن طريق هذا البناء الى نتيجة معينة، وأما طريقة التفكير العقلية فليس فيها أية عملية بناء ، وانما يجري التفكير مباشرة في الواقع الذي نريد أن نصدر الحكم عليه، وذلك بنقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة نستطيع بواسطتها تفسير الواقع . فبدل اللجوء إلى عملية البناء لأجل الوصول الى إدراك الواقع ، نفكر بالواقع مباشرة ونصدر الحكم عليه بما عندنا من معلومات سابقة عنه. والتفكير المباشر أقرب الى الصواب من التفكير غير المباشر. لأن بناء النتيجة على المقدمات المنطقية يجعل صحة النتيجة متوقفا على صحة هذه المقدمات، وصحتها لا يمكن دائما التأكد منها لقابلية احتوائها على مغالطات. ولأجل توضيح خطورة المنطق وفساده وكيف أننا يمكن أن نستغني عنه أنقل إليك هذا النص :


" ان المنطق وكل ما يتعلق به فيه قابلية الخداع وقابلية التضليل ، وهو اكثر ما يضر في التشريع والسياسة. ذلك أن المنطق تبنى نتائجه على مقدمات ، وكذب هذه المقدمات أو صدقها ليس من السهل إدراكه في جميع الأحوال ، لذلك قد يكون الكذب خفيا ، أو يكون صدقها مبنيا على معلومات خاطئة، فيؤدي ذلك الى نتائج خاطئة . على ان المنطق يمكن الوصول به الى نتائج متناقضة مثل : القرآن كلام الله ، وكلام الله قديم ، فالقرآن قديم. وعكسها القرآن كلام الله في اللغة العربية ، واللغة العربية مخلوقة ، فالقرآن مخلوق. وقد يؤدي الى نتائج مضللة مثل : المسلمون متأخرون ، وكل متأخر منحط، فالمسلمون منحطون . وهكذا تجد أن أخطار المنطق أخطار فظيعة، فقد تؤدي الى الخطأ ، وقد تؤدي الى الضلال ، بل قد تؤدي الى الدمار. والشعوب والأمم التي تعلقت بالمنطق حال المنطق بينها وبين رفعة الحياة. لذلك فإن المنطق وان كان أسلوبا من أسليب الطريقة العقلية ، ولكنه أسلوب عقيم ، بل أسلوب مضر ، وخطره خطر مدمر . ولذلك لا بد من نبذه، بل لا بد من الحذر منه، والحيلولة بينه وبين الناس.

والأسلوب المنطقي وان كان أسلوبا من أساليب الطريقة العقلية ولكنه أسلوب معقد ، وأسلوب فيه قابلية الخداع والتضليل وقد يوصل الى عكس النتائج التي يراد ادراكها . وفوق ذلك فانه – سواء احتاج إلى تعلم علم المنطق أو كان منطقيا فطرة – لا يصل الى النتائج من الاحساس بالوقائع رأسا ، وانما ينتهي بالاحساس بالواقع، ولذلك يكاد يكون طريقة ثالثة في التفكير ، وبما ان التفكير ليس له الا طريقتان اثنتان ليس غير، فإن الأولى تجنب هذا الأسلوب والأسلم للوثوق بصحة النتائج أن نستعمل الطريقة العقلية المباشرة ، لأنها هي التي يضمن فيها صحة النتيجة .

ومهما يكن من أمر فإن الطريقة الطبيعية في التفكير، والطريقة التي يجب أن تكون هي الطريقة الأساسية، إنما هي الطريقة العقلية. وهي طريقة القرآن ، وبالتالي هي طريقة الاسلام . ونظرة عاجلة للقرآن تري أنه سلك الطريقة العقلية ، سواء في إقامة البرهان ، أو في بيان الأحكام. انظر الى القرآن تجده يقول في البرهان { فلينظر الانسان مم خلق } { أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت } { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } { إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب } { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } إلى غير ذلك من الآيات ، وكلها تأمر باستعمال الحس لنقل الواقع حتى يصل إلى النتيجة الصحيحة . وتجده يقول في الأحكام { حرمت عليكم أمهاتكم } { حرمت عليكم الميتة } { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } { وشاورهم في الأمر } { أوفوا بالعقود } { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } { أحل الله البيع وحرم الربا } { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } { حرض المؤمنين على القتال } { انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } إلى غير ذلك من الآيات ، وكلها تعطي أحكاما محسوسة لوقائع محسوسة ، وفهمها ، سواء للحكم أو للواقعة التي جاء بها الحكم ، إنما يأتي بالطريقة العقلية ، أي أن التفكير بها وبتطبيقها إنما يكون بالطريقة العقلية. وبالأسلوب المباشر لا بالأسلوب المنطقي . وما يتوهم فيه بأنه جاء على الأسلوب المنطقي ، من مثل قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } فإنه جاء كذلك بالأسلوب المباشر ، فلم يأت بمقدمات ، بل جاء بطلب التفكير بنقل الاحساس مباشرة إلى الدماغ ، وليس عن طريق مقدمات مربوط بعضها ببعض .

وعلى ذلك فإن الطريقة العقلية وحدها هي التي يجب أن يسير عليها الناس ، وأن الأسلوب المباشر هو الأسلم للسير عليه . وذلك حتى يكون التفكير صحيحا ، وتكون نتيجة التفكير أقرب إلى الصواب فيما هو ظني ، وقاطعة بشكل جازم فيما هو قطعي . لأن المسألة كلها متعلقة بالتفكير . وهو أغلى ما لدى الانسان ، وأغلى شيء في الحياة ، وتتوقف عليه كيفية السير في الحياة . ولذلك لا بد من الحرص عليه بالحرص على طريقة التفكير . "
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #25  
قديم 05-09-2001, 03:28 PM
أسعد الأسعد أسعد الأسعد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2001
المشاركات: 47
Lightbulb

الأخ الكريم صالح عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعلم أنني قد تأخرت فأرجو المعذرة فلقد انشغلت ببعض الأمور الملحة وسوف أواصل معك الحوار إنشاء الله تعالى ولك مني جزيل الشكر
__________________
فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني
  #26  
قديم 09-09-2001, 07:36 PM
أسعد الأسعد أسعد الأسعد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2001
المشاركات: 47
Lightbulb

الأخ الكريم صالح عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد اطلعت على تعقيبك الأخير وقد لاحظت عليه بعض الملاحظات سوف أعرضها عليك مضافا إليها بعض الملاحظات على تعقيباتك السابقة وذلك على النحو الآتي :
أولا : فيما يخص تراجعي عن نقطة حصر التفكير في الأمور المنطقية عند تعريفي للعقل فإنني أود التأكيد هنا على أنني أعتبر أن التراجع عن أي فكرة أو رأي أو معتقد في حالة ثبوت خطأ أي من ذلك شيء عادي بالنسبة لي بل وضروري ولا أجد أي حرج في ذلك لأنني أطلب الحقيقة ولأنني أعتبر الإصرار على الخطأ خطأ أكبر منه وصفة مذمومة وتعصبا ليس وراءه إلا التخلف الفكري والانحراف الديني بل أنني لا أتردد في شكر من نبهني وأرشدني إلى الصواب.

ثانيا : بالرغم من ذلك كله لم يصدر مني ما يفيد أنني قد تخليت عن تلك النقطة وكل ما قلته أنني اعتبرت ملاحظتك جديرة بالاهتمام والبحث أي أنها محل تأمل لا أكثر. وقد شكرتك على هذه الملاحظة فأنا لا أعتبرك خصما بل أخا عزيزا ومحاورا تستحق الشكر كلما قدمت لي ملاحظة تستحق البحث حتى لو تبين لي بعد البحث خطأ ملاحظتك فإنك أيضا تستحق الشكر.

ثالثا : لو فرضنا أنني تخليت تماما عن تلك النقطة فليس لذلك علاقة بموضوع المشكلة والتي هي ( اختلافنا في اعتبار وجود الأمر المحسوس من شروط التفكير ) فالمنطق غير محصور في الأمور الحسية بل جميع القوانين المنطقية غير محسوسة وأرجو أن لا تخلط بين القانون وبين تطبيقاته فأنا أقصد القانون نفسه أي الفكرة التي يحملها القانون وليس الأمور التي ينطبق عليها فمثلا نستطيع القول أن كل من يستطيع أن يحمل خمسة كيلوجرامات يستطيع أن يحمل كيلوجرام واحد فهذا القول قول منطقي وهو ناتج عن إدراكنا لقانون منطقي ليس له وجود في الخارج وإنما الوجود لأمور ينطبق عليها هذا القانون إذن فلابد وأن نفرق بين القانون وبين تطبيقاته.وهنا لابد أن نشير إلى نقطة مهمة وهي أسبقية القانون بل وأسبقية إدراكنا لهذا القانون على التطبيقات الخارجية له أي أن رؤيتي للشخص حاملا خمسة كيلوجرامات واستنتاجي من ذلك قدرته على حمل كيلو واحد ناتج عن إدراكي المسبق لفكرة أن من يحمل وزنا معينا لابد وأنه يستطيع حمل وزن أخف منه ولو لا هذه الأسبقية لما استطعت أن أصل إلى تلك النتيجة .. إذن فالقوانين المنطقية تسبق تطبيقاها بعكس القوانين الطبيعية.

رابعا : عدم تعرضي للأمثلة التي تفضلت بها ليس هروبا كما ظننت بل بسبب اهتمامي بنقض أساس فكرتك فأنت تقول أن وجود الواقع المحسوس من شروط عملية التفكير ويستحيل أن تتم أي عملية تفكير دون هذا الواقع فكان علي أن أنقض هذه الاستحالة التي تقولها بمثال واحد على الأقل فمثال واحد كفيل بأن ينقض هذه الاستحالة وهذا مالا يختلف عليه أحد فلو أنك أتيت لي بمليون مثال كلهم يتطلبون الشروط التي ذكرتها ثم أتيت لك بمثال واحد لا يتطلب هذه الشروط فإنني أكون بذلك قد اخترقت تلك الاستحالة وأبطلتها وكل ما سيبقى لك هو القول بأن هناك أمورا لا نستطيع التفكير فيها إلا بوجود تلك الشروط ولكنك لن تستطيع تعميم ذلك على جميع عمليات التفكير . وبناء على ذلك فإنك تكون مطالبا بنقض كل مثال آتيك به وليس علي أن أنقض أي مثال تأتيني به لأنك أنت الذي يقول بالاستحالة ويجب عليك نقض أي مثال يخترق هذه الاستحالة وينقضها.

خامسا : لقد أخذت علي أنني أوليت اهتماما كبيرا في مسألة التفريق بين العقل والتفكير والفكر وفي الحقيقة فإني أرى أن التفريق بينهم ضروري وذلك لأن أساس حوارنا حاليا يدور حول هذه الأمور فإذا أصبحنا نخلط بينها أو أن معانيها غير واضحة فلن يكون الحوار مجديا.

سادسا : قد تفضلت بالقول بأن العقل ( أو التفكير ) ليس عضوا من أعضاء الجسم إذن فهو ليس شيء مادي نستطيع رؤيته وبالطبع لن نستطيع لمسه ولن نستطيع شمه ولن نستطيع تذوقه ولن نستطيع أن نسمعه أي أننا لن نستطيع أن نحس به بأي حاسة من حواسنا الخمس فهو إذن غير محسوس فإذا كان كذلك فكيف استطعت أن تضع له تعريفا مفصلا وتبين مكوناته وتضع إصبعك عليه ؟ ألا يتعارض ذلك مع قولك بأن الأمور غير المحسوسة لا يمكن التفكير فيها ولا يمكن معرفة كنهها ؟ وأنت هنا أمام أمرين : إما أن تقول بإمكانية التفكير في الأمور غير المحسوسة وإما أن تتراجع عن تعريفك وتقول بأنك لا تستطيع أن تضع له تعريفا ولا تستطيع أن تعرف محتواه وعناصره لأنه غير محسوس وكلا الأمرين ينتهيان بخطأ التعريف الذي أتيت به.

سابعا : قد تفضلت بالقول بأن العقل والذي هو التفكير فطري فإذا أضفنا هذا القول إلى قولك بأن العقل عملية تتكون من أربعة أشياء فمعنى ذلك أن كل واحد من هذه الأشياء الأربعة جزء من العقل أي جزء من التفكير وهذا يعني أن جميع هذه الأشياء الأربعة موجودة في الإنسان بشكل فطري فتكون النتيجة أن المعلومات السابقة موجودة في الإنسان بالفطرة وكذلك الواقع الذي يراد التفكير فيه يجب أن يكون موجودا في الإنسان بالفطرة لأنه جزء من العقل الموجود في الإنسان بالفطرة. وحيث لا يمكن قبول هذه النتائج فمعنى ذلك أن تعريفك للعقل والتفكير لا يمكن قبوله.

ثامنا : إذا اعتبرنا أن تلك الأمور الأربعة هي مكونات العقل الذي هو التفكير من وجهة نظرك فمعنى ذلك أن الدماغ جزء من العقل أي جزء من التفكير بينما نحن متفقان على أن العقل ليس من الأعضاء كما وينتج عن ذلك أيضا أن الواقع المحسوس جزء من العقل أي جزء من التفكير وينتج عن ذلك كله أن العقل ( التفكير ) يتكون من أجزاء موزعة هنا وهناك فبعضها لدى الإنسان والبعض الآخر موجود في الخارج وبعضها مادي وبعضها غير مادي . ومعنى ذلك أيضا أن كل الموجودات التي يمكن أن نحس بها ونفكر فيها هي جزء من عقلنا .. فهل من الممكن قبول هذه النتائج ؟ أليس في ذلك ما يقنعك بخطأ تعريفك للعقل والتفكير ؟

تاسعا : الاستعانة بذكر صفات الشيء أو وظائفه عند تعريفه لا يعني أنهم شيء واحد وإنما يتم ذكر الصفات أو الوظائف في التعريف بغرض بيان وشرح ذلك الشيء المراد تعريفه فنحن عندما نعرف العين ونذكر في التعريف الرؤية لا يعني أن العين والرؤية شيء واحد وكذلك فعندما نعرف العقل ونذكر في التعريف التفكير فهذا لا يعني أنهما شيء واحد .


عاشرا : سبق وأن قلت وأنت تتحدث عن ضرورة توافر الأشياء الأربعة : ( فلو نقص عنصر واحد من هذه العناصر الأربعة فإن العملية التفكيرية لا يمكن أن تتم ) وبما أنك تعتبر أن العقل هو نفسه العملية التفكيرية فمعنى ذلك ( من وجهة نظرك ) أن العقل لا يمكن أن يكون متواجداً لدينا في حالة نقص عنصر واحد من هذه العناصر ومعنى ذلك أننا في هذه الحالة نكون بلا عقل. وكذلك لو مر علينا وقت معين دون أن نقوم بأي عملية تفكيرية فإننا في ذلك الوقت نكون بلا عقل ( مجانين ) !

حادي عشر : نحن نعلم أن العقل شرط من شروط التكليف وهذا يدل على أن العقل هو القدرة على التفكير والفهم والتمييز فالشخص العاقل في نظر الشرع هو من يمتلك القدرة على التمييز فهو إذن قدرة وليس عملية إجرائية بدليل أننا نبقى مكلفين حتى دون أن نقوم بأي عملية تفكيرية.

ثاني عشر : في عبارتك : ( فهذا النص يتحدث عن العقل بمعنى عملية التفكير أي يتحدث عن شروط عملية التفكير ) قد جعلت شروط عملية التفكير هي نفسها عملية التفكير وهذا معناه أنك تساوي بين الشيء والشروط اللازمة لحصوله وتجعلهما شيئا واحدا. وأرى أن الفرق بين الشيء وشروط حصوله واضح.


ثالث عشر : لو سلمنا باستحالة الفصل بين الأداة وبين صفاتها أو بين الأداة وبين وظائفها فهذا لا يعني أن جميع تلك الأمور شيء واحد فاستحالة الفصل هنا ليست متعلقة بفصل معاني تلك الأمور عن بعضها وإنما هي متعلقة بفصل ذات الشيء عن صفاته أو عن الشروط التي ينبغي تواجدها لكي يتواجد ذلك الشيء . فمثلا لا يمكن فصل النار عن الحرارة ولا يمكن أن توجد النار إلا بتواجد شروط أو عناصر معينة ( أظن من جملتها الأكسجين ومادة قابلة للاشتعال ) ولكن هذا لا يعني أن النار هي الحرارة أو أن النار هي الأكسجين أو أن النار هي ذلك الشيء القابل للاشتعال بل يبقى لكل شيء معناه الخاص به وكذلك لا يمكن أن تتم عملية البيع دون أن تكون هناك بضاعة مباعة ودون أن يكون هناك بائع ومشتري فهل كل ذلك شيء واحد ؟ وكذلك فإننا لو سلمنا باستحالة الفصل بين العقل والتفكير والفكر فهذا لا يعني أنهم شيء واحد بل يبقى لكل منهم معناه الخاص. هذا وقد سبق وأن ذكرت لك أنك حينما تجعل العقل والتفكير شيئا واحدا تكون كمن يجعل الميزان وعملية الوزن شيئا واحدا مع أن الميزان شيء وعملية الوزن شيء آخر وهذا من الوضوح بحيث لا يمكن الاختلاف فيه ولو كانت الأداة والعملية التي تؤديها شيئا واحدا لكانت الأقدام والمشي شيئا واحدا ولكان اللسان والكلام شيئا واحدا وهكذا .. وهذا ما لا يقبل به أحد وليس هناك فرق في كون الأداة من الحواس أو من الجوامد أو أنها حسية أو غير حسية فالتفريق بين الأداة وبين العملية التي تؤديها ليس له علاقة بجنس الأداة .. فالأداة تبقى هي الأداة ويبقى معناها مختلفا عن معنى وظيفتها مهما كان جنس تلك الأداة.


رابع عشر : حينما أعرف العقل بأنه قدرة أو ملكة أو أداة فلا يعني أنني استخدمت ألفاظا عامة مبهمة حيث أنني أقوم بتخصيص تلك الكلمات بعد ذكرها مباشرة فأقول مثلا أن العقل ( هو القدرة ) ثم أقول بعد ذلك مباشرة : ( التي تجعلنا قادرين على التفكير ) وبذلك يكون الانتقال من العام إلى الخاص ومثال ذلك فنحن عندما نريد أن نعرف الحب أو الكره أو الغيرة أو الحقد فإننا عادة ما نستخدم في تعريفنا لأي منها كلمة ( شعور ) مع أن كلمة شعور كلمة عامة.ثم أن العقل بما أنه موجود لدى الإنسان بشكل غير مادي فلا نستطيع أن نضع له تعريفا كما لو نعرف شيئا ماديا فنصف مكوناته المادية فهو غير مادي وغير محسوس ولا يخرج عن كونه إحدى القدرات التي يمتلكها الإنسان وقد أدركنا وجودها في الإنسان من خلال دلائل معينة دلت على وجودها حيث نرى شخصا قادرا على التفكير الصحيح فنقول أن لديه عقل ونصفه بأنه عاقل ونرى آخر غير قادر فنقول لا عقل له.

خامس عشر : عندما قلت أن العقل أداة التفكير لم يكن ذلك قياسا على أداة السمع وأداة الإبصار وإنما ذكرت ذلك كأمثلة لتوضيح علاقة العقل بالتفكير حيث أن علاقة الأذن بالسمع واضحة وكذلك علاقة العين بالإبصار فأحببت أن أستغل ذلك الوضوح لبيان العلاقة بين العقل والتفكير.

من ذلك كله أرى أن تعريفك العقل بدا واضحا أنه خطأ كما بدا واضحا خطأ اعتبارك العقل والتفكير شيئا واحدا.
وللحديث بقية إنشاء الله تعالى.

[ 09-09-2001: المشاركة عدلت بواسطة: أسعد الأسعد ]
__________________
فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني
  #27  
قديم 10-09-2001, 06:59 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الفاضل أسعد الأسعد
بانتظار أن تستكمل تعقيبك بإذن الله تعالى .
والله أسأل أن يهدينا إلى ما يحب ويرضى.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م