مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #41  
قديم 12-05-2001, 06:53 PM
حامل المسك حامل المسك غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
المشاركات: 227
Thumbs up

اخي صلاح الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تابعت ردودك بأهتمام حتى هذه اللحظة
اثمن عالياً الوقت والجهد الذي بذلته ؛ جعلها الله في موازين حسناتك والسلام
__________________
واذكُر ربَكَ إذا نَسيت وقُل عسى ان يَهديَني رَبي لأقرَبَ مِن هَذا رَشَدا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد الا اله الا انت استغفرك واتوب اليك
  #42  
قديم 13-05-2001, 05:52 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

الشكر لله تعالى
ثم لك وللاخوة في الخيمة
فقد حركت أسئلتك مياهنا الراكدة، وموضوعنا أعلاه مما لا نتطرق إليه في العادة.
فجزاكم الله خيراً
  #43  
قديم 13-05-2001, 06:10 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

لقد ارتبط الفكر الجاهلي بالملموس، والتصق الجاهليون – حتى العلية والقادة منهم - بالأمور التي تقع تحت قدرات الحواس المعتادة، كالنظر واللمس والسمع، وقد أراد الله تعالى لهم أن يرتفعوا عن هذا المستوى في فهم الأشياء، أراد لهم أن يرتقوا من مستوى العجماوات في فهمها وتعاملها مع ما يعاين وما يلمس وما يقع تحت قدراتها المحدودة إلى ما هو أعلى من ذلك، إلى المستوى الذي يفوق فيه آدم الملائكة في معرفته الأسماء.

ولو كان الحيوان كالإنسان لرأيناه يرتقي في مدارج الحضارة، ولرأيناه يطور وسائله لتتوافق مع احتياجاته، وهو أمر لم يقع خلال آلاف السنوات. فما زالت الطيور تعمل أعشاشها بنفس الطريقة، وما زالت الأبقار ترعى وتتوالد بنفس الأسلوب، ما زال ما كتب عن وصف حياة الحيوان الأعجم وسبل تصرفه منذ مئات السنين يصلح لوصف حيوان اليوم.

ولكن أمر الإنسان أمر آخر، فهو قادر على التطور، وقادر على افهم والتحليل المنطقي، وقادر على تغيير أنماط حياته، وتلبية احتياجاته الفطرية، وتكييف المكان ليوائم احتياجاته.

والإنسان فوق هذا كله قادر على استخدام تراكم المعلومات والتجارب، من مرحلة المشافهة وحتى مرحلة التوثيق والكتابة، وهانحن نقرأ ما كتبه الأقدمون، ونحفظ ما سطروه من الحكمة، وما زلنا نستفيد مما وصلوا إليه ونزيد عليه ما وصلنا إليه، والذين سيأتون من بعدنا سيستفيدون مما تركنا ويزيدون عليه.

ولعل مراقبٍ مهتمٍ بمسيرة الحضارة الإنسانية يلاحظ التسارع الذي عرفناه في القرن الأخير من مكتشفات علمية، وتطوير سبل الإدارة والسياسة، مما لا يقارن بما عرفه الآباء والأجداد، وكل ذلك ثمرة من ثمرات (التفكر) و(التدبر) القائم على (العلم) و(الفهم) و(التجربة).

ولقد بين الكتاب الكريم الفرق الواسع بين مستوى هموم وفكر كفار قريش، وبين المستوى الذي يريده لهم ذو العزة والجلال، وهو يدعوهم – سبحانه – إلى أن يرفعوا هاماتهم ليروا ما لا يراه من يبقى مكباً على وجهه.



[ 13-05-2001: المشاركة عدلت بواسطة: صلاح الدين ]
  #44  
قديم 16-05-2001, 11:25 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Exclamation

فالقرآن الكريم، وهو كلمة الله ووحيه إلى عباده وخلْقه، يلامس الفطرة، ويخاطب العقول، ويفتحها على أفق من الرقي ترى فيه بعين البصيرة ما لا تراه بعين البصر. ولقد يسّر الله لهم هذا الذِّكر الحكيم ليأخذ بأيديهم في دروب الهداية وسبل الفهم، يقول عز وجل:

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا(89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا(90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا(93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا(94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا(95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا(97)} [الإسراء]

وقوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍِ} أي بينا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم الحق، وشرحناه، وبسّطناه ومع هذا {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} أي جحوداً للحق، ورداً للصواب.

روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن عِلية القوم من قريش اجتمعوا، أو من اجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض:

ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه. فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك. فجاءهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سريعاً وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء، وكان عليهم حريصاً، يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم، فقالوا:

يا محمد؛ إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رِئْيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي ـ فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلّغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم)، أو كما قال (صلى الله عليه وسلم).

فقالوا: يا محمد؛ فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلاداً، ولا أقل مالاً، ولا أشد عيشاً منا. فاسأل لنا ربَّك الذي بعثك بما بعثك به، فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيّقت علينا، وليبسطْ لنا بلادنا، وليفجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قُصيّ بن كلاب فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسألهم عما تقول، فقال حق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك، وصدقوك صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول.

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم).

قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا، فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وتسأله، فيجعل لك جناتٍ وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة، ويغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك، إن كنت رسولاً كما تزعم.

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكنّ الله بعثني بشيراً ونذيراً، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم).

قالوا: فأَسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل.

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ذلك إلى الله، إن شاء فعل بكم ذلك).

فقالوا: يا محمد؛ أما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله؛ لا نؤمن بالرحمن أبداً، فقد أعذرنا إليك يا محمد؛ أما والله لانتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا.

وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة، وهي بنات الله.

وقال قائلهم: {لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً}.

فلما قالوا ذلك، قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم، وهو ابن عمته عاتكة ابنة عبد المطلب، فقال: يا محمد؛ عرض عليك قومك ما عرضوا، فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب، فوالله لا أومن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً، ثم ترقى وأنا أنظر حتى تأتيها، وتأتي معك بصحيفة منشورة، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيم الله؛ لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك.

ثم انصرف عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وانصرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى أهله حزينا أسفاً لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه. [انتهت رواية الطبري]

فمن الواضح تباين مستويي التفكير بين كفار قريش الذين لم يلتفتوا إلى عمق الدعوة المحمدية، وبقوا ملتصقين بما اعتادوا عليه من ملامسة المعجزة، فطالبوا بأمور تخالف ناموس الكون وسنن الله تعالى فيه، ولم يطرحوها حباً في الإيمان، وانقياداً له، وإنما طرحوها من باب المشاكسة والتعجيز، بظنهم. حتى قال قائله: (وأيم الله؛ لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك)!

وانظر إلى حلم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وحرصه على هدايتهم، ومدى تأثره لإعراضهم وتضييعهم لفرصة الحوار فيما لا طائل من ورائه، لأنه آنيٌّ والقرآن إلى يوم الدين، ولأن أثر ما طلبوا كان سيقتصر على أمور محددة لا تفيد – إن فادت أو أثّرت – إلا فيمن شاهدها، بينما ما يدعوهم إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) أبعد أثراً، وأعمق معنى مما التصقوا به من مطالب الدنيا. فالدعوة الإسلامية تخاطب الإنسان المكلّف الواعي ذي اللب والحجى، القادر على التدبر والتفكر في آيات الله، التي تنقضي الدنيا ولا تنقضي عجائبها. والله تعالى أعلم.

  #45  
قديم 17-05-2001, 05:43 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

ونضيف إلى ما تقدم من عناد مشركي قريش وارتباطهم – ككل المعاندين – بالمحسوس من الأشياء وملموسها، أنهم يعطلون تفكيرهم في آيات الله، فإن أعملوا فكرهم اتجهوا الوجهة الخطأ التي لا تؤدي بهم إلى أية نتيجة صحيحة، مما يجعل مطالبهم تعجيزاً وتحدياً في غير موضعه، ولله أن يختبر عبده وليس للعبد أن يختبر ربَّه، فمما يروى أن ‏ إبليس (لعنه الله) حين ظهر لعيسى ابن مريم (عليهما السلام)‏؛ قال:‏ ألست ‏تقول أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله عليك؟‏ ‏قال:‏ (نعم)‏.‏ ‏‏قال:‏ فارم نفسك من ذروة هذا الجبل، فإنه إن يقدر ‏لك‏ السلامة تسلم. ‏فقال له:‏ (يا ملعونُ؛ إن للهِ أن يختبر عبادَه وليس للعبد أن يختبرَ ربَّه)( ).‏

وهذا المجلس – المذكور آنفاً - الذي جمع هؤلاء المكابرين لم يكن مجلس تفاوض ولا استرشاد، ولكنهم طلبوا ذلك كفراً وعناداً، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، وَنُؤْمِنُ بِكَ. قَالَ: (وَتَفْعَلُونَ)! قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ (عليه السلام) فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ؛ وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ! قَالَ: (بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ)( ).

وفي هذا ومثله من عناد المستكبرين، نزل قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً، فَظَلَمُوا بِهَا، وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء/59]

فهؤلاء لا يستخدمون ما وهبهم الله تعالى ليفكروا بشكل صحيح، وليصلوا – ثَمّ - إلى نتائج صحيحة، وإنما يتخذون منهجاً أبعد ما يكون عن الصحة يدفع بهم نحو الهلاك وأوله انحراف التكفير بعيداً عن الموضوعية، فليس من العجب في شيء أن يغطوا بصائرهم ويحبوها عن رؤية ما يراه المؤمنون وما يراه أولوا النهى من الناس:

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ! لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا(7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا. وَقَالَ الظَّالِمُونَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا(8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا(9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا(10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ، وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا(11)} [الفرقان/7-11].

والأصل أن تكون بشرية النبي (صلى الله عليه وسلم) دليلاً على صدق دعواه، ولكن تفكير هؤلاء الملأ المادي واقتصارهم على الماديات جعلهم يعيّرونه (صلى الله عليه وسلم) بكونه بشراً يمارس ما يمارسه البشر، ويعتاش كما يعتاشون، ويأكلون ويشرب مما يأكلون منه ويشربون، وهو ليس بأغناهم ولا أيسرهم مالاً وأثاثاً.

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةَ، وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى، وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا، مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام/111].

وانظر إليهم في مطالبهم التي يحسبوها تعجيزية: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} [الإسراء/90-91]

وهي مطالب تندرج تحت الحوار العبثي الذي استدعى عِلية قريش ورجالاتها رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) إليه، ولم تكن مطالب جادة، ولم يكن لها علاقة بالمستوى الفكري والعقلي والتدبّري الذي دعاهم إليه رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا نزلت به آيات الذكر الحكيم.

  #46  
قديم 22-05-2001, 07:13 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

وبالرغم من كل العبث الذي نلمسه من مطالب الملأ من قريش نرى رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) يجيبهم إجابة الداعية الواثق المستبصر ذي الرؤية الواضحة لدوره ولمهمته، يجيبهم: (ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بُعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم).

(بشيراً ونذيراً) يحرك مساحات العقل المعطلة في المجتمع المكي الجاهلي، ويوقظ ما نام من طاقات الفكر الإنساني، يدعو كل فرد ليتحمل مسؤولية نفسه، ويتخلص من قيود وضغوط التفكير الجماعي الذي ترعاه الفئة المستفيدة من أساطين العائلات القرشية، وهي الخائفة على مصالحها وتجارتها، و(التوحيد) يعني في قاموسها أن لا يكون للقبائل العربية آلهة في الكعبة وما حولها، وبالتالي أن تفقد مكة محورية اجتماع العرب واهتمامهم بالبيت العتيق وبسدنته، فمكانة قريش السياسية والأمنية والاقتصادية بين العرب، وأحلافها مع الشام واليمن وفارس جاءت من مكانتها في خدمة البيت العتيق.

أليسوا هم القائلين تخوفاً على مصالحهم، أولاً، وتمسكاً بالسائد الموروث ثانياً، دون إعمال فكر ولا تدبّر في آيات الله تعالى: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا! إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص/5].

وهم القائلون بما لا يدع مجالاً للشك في تخوفهم على انفضاض العرب من حولهم، وعلى انهيار أحلافهم التي تحمي قوافلهم التجارية وترعى مصالحهم الاقتصادية وتنهي نعمة الأمن: {وَقَالُوا: إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}، وقد بين لهم تعالى أن الأمن والرزق من عنده لا من عند قبائل الجوار، فقال تعالى؛ في الآية نفسها: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص/57]، وزادهم بياناً فبين لهم المثل التالي: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل/112] فالكفر وحده يقضي على نعم الله وليس الإيمان.

وهل من عاقل يسأل أن تكون آيات الله دماراً وقصاصاً: (قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل). فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ذلك إلى الله، إن شاء فعل بكم ذلك). فأي عقل جاهلي هذا الذي يطلب الدمار! وأي حِلْم هذا الذي يتمتع به الرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) في بيان أنه لم يأت ليفرض عليهم بالقوة ما لا يعتنقوه ويقبلون عليه بإرادتهم بدون إكراه! وأن الأمر كله، لله.

أما الإصرار الذي لا يقوم على حجة من عقل أو برهان من واقع، فهو جوابهم الذي أورده جل المفسرين: (فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له (الرحمن)، وإنا والله ما نؤمن بالرحمن أبداً، أعذرنا إليك يا محمد، أما والله لا نتركك وما بلغت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا)( ).

فالأمر بالنسبة إليهم نفق مغلق لا نور في نهايته، وإنما هو تغلب أحد الطرفين على الآخر، إما قاتلاً أو مقتولاً، وشتان بين ما يدعوهم (صلى الله عليه وسلم) إليه وما يدعونه وأنفسَهم إليه: {وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر/41].

  #47  
قديم 23-05-2001, 06:15 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

ويبين لنا الله تعالى في محكم التنزيل بعض نماذج المعاندين الذين ينحرفون بالتفكير فينحرفون بالنتائج:

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء/94]
فبعض التفكير يذهب بصاحبه إلى الاتجاه المعاكس، لأنه بني على أسس غير صحيحة، وما بني على اعوجاج، كانت نتيجته الاعوجاج، وما أسس على الخطأ لا يمكن أن يعطي نتيجة صحيحة. فهؤلاء الممتنعون عن الإيمان، إنما حجبوا أنفسهم بسبب تفكيرهم القائم على أسس منحرفة وخاطئة، ما منعهم سوى استعجابهم من بعثه (سبحانه وتعالى) البشر رسلاً، كما قال تعالى:

{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} [يونس/2]

وقوله عز من قائل:
{ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن/6]

وقد قال فرعون وملؤه تبريراً لكفرهم بموسى وهارون:
{فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون/47]

ومثلهم قالت الأمم الكافرة السابقة في تبرير كفرها بأنبيائها ورسلها:
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم/10]

وحجتهم التي ساقوها في غاية البعد عن قول العقلاء، فالله تعالى اختار الأنبياء والرسل من بني البشر ليفقه الناس ما يقولون، وليروا بأم العين عبادته وعمله فيقتدوا به، وبشريته تقربه منهم ومن مجتمعهم وتيسر له ولهم سبل التخاطب والإيضاح والتعلم والتعليم، ولو كان من غير جنسهم كالجن أو الملائكة لتعذر عليهم فهمه أو التقرب منه، لاختلاف الجنسين ووقوع الإيحاش بينهما واختلاف الطبائع والقابليات والقدرات، واقرأ قوله تعالى في ذلك لتفهم الحكمة من كون الأنبياء والرسل بشراً:

ففي دعوة إبراهيم (عليه السلام) لذريته: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة/129]

وبشرية المبعوث الموحى إليه تعينه على تعليم الناس وتعين الناس على التعلم منه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ، يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا، وَيُزَكِّيكُمْ، وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة/151]

والتعلم والتعليم تخرج الناس من الضلال إلى الهدى، ومن العمى إلى البصيرة: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران/164]

والنبي عندما يكون من الناس، يتفاعل معهم ويتفاعلون معه، ويدرك مواطن الضعف والقوة فيهم، وهو واحد منهم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة/128]

وسنة الله تعالى أن يكون نبي كل قوم منهم حتى تتحقق الحكم المرجوة من فهمه للبيئة وأهلها في دعوته وهدايته وإنذاره وبشارته: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ، وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاء، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل/89]

ومن لم يستجب لابن بيئته وقد عرفه وخبره عن كثب، فهل سيتفاعل مع من هو من خارجها: {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ: أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون/32]

والنبي الخاتم (صلى الله عليه وسلم) جاء على مقتضى حكمة الله وسنته في أن يكون أحد أبناء بيئته: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة/2]

والذين استكبروا وطلبوا أن يكون النبي من غير جنس الناس، ترفعاً عن اتباع أحد بني البشر، عليهم أن يدركوا أن مقتضى سنن الله في خلقه أن يكون الداعية قدوة يستطيعون رؤيتها والتعايش معها ومعرفة أخلاقها وتصرفاتها عن كثب، ليكون حجة على المدعوين، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا، لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا، وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام/9]

  #48  
قديم 25-05-2001, 05:52 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

بين الله (عز وجل) في الكتاب العزيز أن اختياره للنبي وللرسول الموحى إليه، المنذر والبشير، من جنس المبعوث إليهم، من بني آدم، أمر محكوم بحكمته تعالى وسننه للبشر، فالقصد من البعث والإرسال إقامة الحجة على الجماعة البشري، وهؤلاء لا يستطيعون فهم الأمور بشكل مجرد مطلق، وعليهم أن يعايشوا وأن يتلقوا عمن يمثل لهم قدوة عملية في الالتزام والتعبد، بشر مثلهم، يستطيعون فهمه والتفاعل معه، لا يشعرون باختلافه عنهم في التكوين والاستعدادات الفطرية؛ قال تعالى: {قُلْ: لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ، لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء/95]

قال تعالى: {قل: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين} أي لو كان أهل الأرض من الملائكة، يعيشون عليها، كما تعيشون أنتم {لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً}، أي من جنسهم، وهذا يفسر الحكمة في بعْث رسول من البشر إلى البشر، رسولاً من جنسهم للحكم والسنن التي ذكرناها آنفاً.
ويخاطب النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم) على سبيل التحديد، فيقول سبحانه: {قُلْ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء/96)

فحجة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على قومه في صدق ما جاءهم به، إنه (سبحانه وتعالى) شاهد عليه وعليهم، عالم بما جاءهم (صلى الله عليه وسلم) به، وهم الذين عايشوه وسموه (الصادق الأمين) قبل البعث، وما كان له أن يترك الكذب على الناس ليكذب على رب الناس، حاشا وكلا، وفي التنزيل العزيز:

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ(39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ(41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ(42) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ(47)} [الحاقة/38-47]

وهو قسم يأتي حجة فوق حجة على صدق النبي المبعوث من البشر (صلى الله عليه وسلم) الذي لا يستطيع التغلب على إرادة الله، ولا مقاومة انتقامه في حال تقوّله على ربه سبحانه.

{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ، وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ: عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء/97]

وهذا والعياذ بالله جزاء ما كانوا عمياً وصماً وبكماً عن الحق الذي استكبروا عليه وتعتنتوا في الاستجابة إليه، بالرغم من رؤيته رؤية العين وإقرارهم في قرارة أنفسهم بأنه الصدق الذي لا يأتيه الباطل ولا الزيْف.

وعن الإمام أنس بن مالك (رحمه الله) يقول: قيل: يا رسول الله؛ كيف يُحشر الناس على وجوههم؟ قال (صلى الله عليه وسلم): (الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم)( ).

وعن حذيفة بن أسيد (رحمه الله) قال: قام أبو ذر (رضي الله عنه) فقال: يا بني غفار؛ قولوا ولا تحلفوا، فإن الصادق المصدوق (صلى الله عليه وسلم) حدثني أن الناس يُحشَرون على ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار. فقال قائل منهم: هذان قد عرفناهما، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: (يلقي الله (عز وجل) الآفة على الظهر حتى لا يبقى ظهر، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة المعجبة فيعطيها بالشارف ذات القتب فلا يقدر عليها)( ).



[ 25-05-2001: المشاركة عدلت بواسطة: صلاح الدين ]
  #49  
قديم 25-05-2001, 03:50 PM
بسمة امل بسمة امل غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2000
الإقامة: Montreal-Canada
المشاركات: 1,971
Lightbulb

السلام عليكم

اهنئكم اخي على ماوصل اليه هذ الموضوع الراقي فعلا .. حقيقة اجد متعتي في كل كلمة منقوشة فيه

بارك الله فيكم والى المزيد والمزيد من التالق
__________________

بســمة أمــل
  #50  
قديم 25-05-2001, 08:19 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

جزاكم الله خيراً
يا بسمة أمل في زمننا العربي المدلهم
شكر الله لك
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م