مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #41  
قديم 05-11-2005, 04:35 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب :


(1)



للعرب خصائص ينفردون بها عن بقية شعوب الأرض ، وتلك الخصائص كما أسلفنا آتية من الطبيعة الجغرافية و المناخية ، إضافة الى الموروث الحضاري العميق الذي يمتد قرابة عشرة آلاف عام ، حيث أنه لا يوجد من ينافس العرب على الإدعاء باستحقاقهم الانتساب الى حضارات وادي النيل والعراق وشرق المتوسط و جنوب جزيرة العرب .. حيث تسربت أهم مفردات السلوك البشري من جيل الى جيل حتى بقي أهمها قائما الى وقتنا الحاضر ..

وقد شاهدت في مناطق حوران ، شيوخا يستخدمون ألفاظا وأمثالا من يتأملها يجد ما أشرت لها .. فتجد أحدهم يقول ( بمشير يتساوى اللوكسي والعفير ) .. وهو مثل يطلقه فلاحو حوران من مزارعي الحبوب المعتمدة على الأمطار ( البعلية أو الديمية ) .. واللوكسي هو الزراعة المتأخرة في تشرين الثاني أو كانون الأول (نوفمبر أو ديسمبر) .. والعفير هو التبكير بالزراعة في أيلول و تشرين الأول ( سبتمبر أو أكتوبر) .. و ( مشير ) هو شهر آذار (مارس) عند الفراعنة في مصر .. وملخص المثل هو : من زرع مبكرا أو متأخرا فان المزروعات ستتساوى في آذار (مارس) ..

وتجد هؤلاء الفلاحين يفرحون عندما ينزل المطر بكميات كافية ، فتجدهم يبشرون بعضهم وهم يتحلقون حول المواقد في الشتاء ( أبشر فقد ألقحت !) ، وعندما تحريت عن هذا المصطلح الذي استمعت اليه كثيرا ، وجدت أن السوريين كانوا يعتقدون أن السماء (ذكر) والأرض (أنثى ) .. وتبشيرهم لبعض أن خصاب الأرض قادم لا محالة فقد (ارتوت ) ..

كما أن هناك عادات يقومون بها في رمضان ، يعتقدون أنها اسلامية وهي بالحقيقة فرعونية تماما .. فانهم يوزعون اللحوم على الفقراء من أيام الخميس في رمضان ، اعتقادا منهم أنها مرتبطة بالدين .. ولكنني كنت من القلائل الذين يتذكرون قبل أربعين عاما عندما كان كل بيت يذبح مجموعة من الخراف في شهر نيسان ويوزعون لحومها ، ونيسان في التقويم (الجلفي) الريفي في المنطقة كان اسمه ( الخميس) ، نعم شهر اسمه الخميس ..

ومن يكن على اطلاع على سلوك أهل مصر زمن الفراعنة ، عندما كانوا يرمون في نهر النيل أجمل بناتهم ، ظنا أن إله النيل قد فشل في حبه ، وأخذ يذرف الدموع بغزارة .. فاتقاءا للفيضان الناجم عن تلك الدموع ، كانوا يضحون ببناتهم عسى أن يهدأ إله النيل ! ثم تطورت تلك الحالة واستبدلوا البنات بأبقار ثم خراف و كان هذا التطور قد حدث أواسط القرن الألف الثاني قبل الميلاد .

ولما كان الفيضان يحدث في شهر أبريل ( نيسان الخميس ) فقد تطورت تلك العادة التي أصلها أسطوري ، وكان له تفسيره في حينه ، حتى وصلت الينا واستعيض عن الخميس الشهر بخميس رمضان !!

اننا و نحن نسوق تلك العينات البسيطة من التراث ، التي لا تدلل فقط على وحدة التراث العربي واختلاطه و تماسك الأمة بعفويتها على مر العصور .. بل لنؤسس عليه كيفية نشوء مخطط البناء الأولي للقاعدة الخلقية عند العرب ، وكيفية بناء منظومة محددات السلوك العام ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #42  
قديم 06-11-2005, 04:05 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب :



(2)



كما هو معروف فان فكرة القومية ، هي فكرة حديثة ، وان كان السلوك وفقها سلوك قديم ، وان البقعة المكانية بما تحتويه من مخزون حضاري و سلوكي ولغوي هي ما تصبغ البلاد مع سكانها بصبغة تختلف عن بقاع أخرى ..

فتكرار المفردات اللغوية وتكرار ردات الفعل إزاء ما يدور حول الفرد ، وتقييم ردات فعل الآخرين تجاه فعله ، يشبه الى حد كبير مسألة التوفيق بين صنبوري الماء النازل من فتحات ( دش الحمام ) .. فان كان الماء باردا أو حارا فان الجسم لا يطيقه .. وهكذا هي حالة مواضعة التعايش بين الفرد أو الفئة مع المجتمع الأوسع ..

فان ذهب أحدنا و كان أصله من البادية أو الريف الى المدينة فانه لا يحتاج الكثير من الوقت حتى يهتدي لفكرة التوازن و المواضعة بين سلوكه و منظومة أو منظومات سلوك الآخرين .. وهكذا نفعل اذا خرجنا من بلادنا و أقمنا للدراسة أو للتجارة في بلاد غير عربية ، فسرعان ما نتكيف ونلتزم بضوابط و منظمات سلوك من نحن في ضيافته ..

لا يشترط أن نقتنع أو نحب عادات و سلوك الآخرين الذين ننتقل اليهم ، بل لضرورات التعايش غير المحرج فاننا سنتكيف ، وان كان ذلك على مضض . وعندما ننفرد بأنفسنا أو أسرنا التي نشأنا بينها ، فاننا لا نحتاج الى من يقول لنا عودوا الى سابق عهدكم في سلوككم .. فان كنا لم ننشأ على استخدام الشوكة والسكين ، فاننا وان عشنا مدة نستخدمها بإتقان في ضيافة مجتمع آخر .. سرعان ما نعود الى طرق تناول الطعام على نهج أهلنا ..

هذا ينسحب على مفردات اللغة أو اللهجة أو اللغة نفسها . كما ينسحب على منظومة القيم التي ينظر بها الى أمور كبرى كالدين والسياسة والدولة ، وغيرها من محاور نشاط المجتمع العام ..

وكلما طال الزمن كلما انصهرت جزئيات الذات الفردية بالذات المجتمعية .. حتى يصبح من الشذوذ التفكير بالذات الفردية أو الفئوية مقارنة بالذات المجتمعية الأوسع ..

هذا يدفعنا الى وجوب التسليم بإمكانية تعايش الأعراق والأديان والطوائف في مكان واحد ، اذا اهتدوا الى الكيفية التي يتعاملون بها مع بعضهم البعض ، ومع مرور الوقت فان الانصهار بين جزئيات سلوكهم ، ستصنع حالة من الاستعداد للتلاقح الفكري و الوثوب من قبل الجميع للدفاع عن تلك المنظومات الفكرية التي تكونت على مرور الزمن ..

لقد عشت في مدينة الموصل أكثر من عشرة سنوات ، وتلك المدينة بها من الأخلاط العرقية والطائفية ما لم يكن موجودا في أي مدينة بالوطن العربي .. فمن عرب الى أكراد الى تركمان الى شبك الى جرجر الى آثوريين و فليحي وغيره من الأعراق و الطوائف .. لم يكن لدي أي استثناء أو استهجان من أي نوع من الناس هناك ، فكان لي أصدقاء و جيران يفيضون طيبة وود ، وحسن استقبال و حسن معاملة .. بل أن من ربى ابني و بنتي البكر هم من الشيعة الشبك ..

لم أستطع التعرف على عرق و طائفة أصدقائي بيسر ، لأنهم كانوا متشابهون في كل شيء في النخوة و تفقد الصديق و الاستقبال بالبيت ، وتقييم ما يحدث على مستوى الوطن والأمة ..

انك لو سرت في سيارتك في أحد الشوارع العامة ، فانك ستصدف سيارات من موديلات مختلفة منها الحديث والثمين ومنها القديم و قليل الثمن .. ولكنهم يلتزمون كلهم بقواعد السير .. وانه من الشذوذ أن يفتح أحدهم نافذة سيارته باهضة الثمن ويسخر من الذي في جانبه اذا كانت سيارته قديمة ، فان فعل ذلك فانه سيواجه إما بشتيمة أو بنظرة ازدراء و امتعاض مستتر !

تتعايش أصناف من الكائنات الحية مع بعضها وتقتسم ما كتبه الله لها من رزق وتتقاتل أحيانا اذا تم التعدي على خصوصية فرد من أفراد هذا الصنف .. و أحيانا تتعايش أنواع من الكائنات الحية في بقعة واحدة ويلتزم كل نوع حسب ما سخر له من إمكانيات ..

ونحن البشر نتعايش مع غير من الكائنات الحية بالإضافة لتعايشنا مع أبناء جنسنا البشري . ونتعظ من أنه إذا هاجمنا ( نحلة ) فانها تحاول الدفاع عن نفسها بلدغة مؤلمة ، وهي تعلم أنها ستفقد حياتها بعد خروج حوصلة اللدغ !

في إفريقيا العربية ، تعرض المغرب العربي من ليبيا حتى موريتانيا لاحتلال الرومان لستة قرون .. وعند دخول المسلمين الفاتحين سرعان ما اعتنق سكان تلك المناطق الدين الجديد ، بل و أصبحوا فاعلين في الفتوحات الاسلامية الأخرى . في حين لم يعتنقوا دين المستعمر الروماني الذي احتلهم ستة قرون .

ان الاستعداد في التلاقح الفكري عند شعب شمال إفريقيا ، هو ما يفسر سرعة انخراطهم بالدين الجديد وذودهم عنه ، وهو ما يرجع تشابه الأصول العرقية عندهم مع أصول الفاتحين . في حين لم يبقي سكان اسبانيا و البرتغال على دينهم الاسلامي ، بعد خروج العرب ، لانعدام استعداد التلاقح الفكري بين العرقين .

اننا ونحن نذكر ذلك ، نؤكد على تشابه أصول القاعدة الخلقية لدى سكان الوطن العربي من المحيط الى الخليج ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #43  
قديم 09-11-2005, 03:47 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب

(3)



لكن ما هي الأخلاق و ما علاقتها بالتعامل مع الدولة ؟



تضع الجماعات أحكاما ، منها ما يأخذ شكل العرف لتكراره ومنها ما يأخذ شكل القانون ويكون في أغلب الأحيان مكتوبا و تزعم الحكومات بتنفيذه على كل من يشملهم هذا القانون .

وأحيانا تعتمد الجماعات الطبيعية كالعشائر بوضع قوانينها بالمشافهة ، وان دونت في بعض البلاد .. وتضع الجماعات الاصطناعية كالنقابات و الأحزاب والجمعيات لوائح داخلية لها تكون بمثابة قانون ..

و أحيانا تصبح العادات السائدة بين الناس بمثابة شاهد و وازع يساعد في ضبط التعاملات بين الناس ..

كل تلك الأوعية التي تحفظ النصوص المكتوبة أو المسموعة ( بالمشافهة) يصبح لها سلطة مستترة يتعامل معها المواطن بإبقاء هيبتها ، وان كان له رأي مخالف بها .. وكلها مجتمعة تسهم في صناعة ركائز القاعدة الخلقية .. لكنها نفسها ليست الأخلاق ..

ان الالتزام بدفع قيمة شيك مكتوب لصالح شخص أو شركة أو جهة ، هو حق مبني على الاستحقاق المتعارف عليه قانونيا و معاملة . لكن ان فقد الشيك من الشخص المستفيد أو الجهة المستفيدة .. وتمت مراجعة محرر الشيك ، فاعتبر المسألة عادية وقام بتحرير شيك بدلا منه ، فان تصرفه هذا هو ما يدل على خلقه .. رغم أن وضعه القانوني لا يلزمه بكتابة شيك جديد ..

إذن فالتطوع بالالتزام بعناصر القاعدة الخلقية ، بما فيها القوانين ، هو ما يطلق عليه ب ( الأخلاق ) .. وغير ذلك ، يكون الالتزام بالقوانين و الأعراف وغيرها ، ما هو الا سلوك حسن قويم ..

عناصر القاعدة الخلقية :

تعتمد القاعدة الخلقية على ثلاثة ركائز مهمة .. حيث تعتبر تلك الركائز المنابع الأقوى في تغذية نوازع الاعتبار الأخلاقي .. وهي تتغير من بلاد الى أخرى ومن أزمان الى أخرى :
1 ـ الموروث الثقافي والفكري ، الذي يحوي بينه النصوص المكتوبة والنصوص المتناقلة بين الأجيال بشكل أمثال و حكم شعبية ، و بلهجات المناطق . وهذه مع الأسف يتم التكلم بها و ترديد مفرداتها بين حين وآخر ، خصوصا عند تطابق الحدث أو الواقعة مع الحدث و الواقعة التي قيل بها المثل .

2 ـ قوانين الدولة العامة : حيث تصيغ الدولة قوانينها لضبط سير المعاملات لمواطنيها و فض الخلاف فيما بينهم اذا وقع . و عندما يحس المواطن أن ملاذ القوانين هو أكثر خدمة لوضعه ، فانه يتملص بل و يسفه أحيانا مفردات القاعدة الخلقية التي تكون منابعها تراثية ، اذا لم تخدمه الأخيرة ..

3 ـ الصحبة و تكرار سلوكها اليومي ، يصنع قيما آنية تسهم هي الأخرى في تحديد مسالك القاعدة الأخلاقية ..

لكن يبقى الأدب و الكلام الشعبي هو الناطق باسم القاعدة الأخلاقية لأي شعب .. وعندما تفحص النصوص التي تعبر عن القاعدة الخلقية .. نجد أنها نصوص متخلفة عن مواكبة التطور الحضاري .. وهذه مسؤولية الأدباء و الشعراء و الحكماء ..

فمقولة أنه لا يجب أن نسأل الضيف عن غرضه و اسمه الا بعد مرور ثلاثة أيام و ثلث من قدومه لا تتناسب مع تطور حركة الطيران والفندقة .. فلا يعقل أن نترك أعمالنا و نبقى نسامر ضيفنا ونتأمل قسمات وجهه ثلاثة أيام وثلث ( وهي المدة التي يعطى بها الجاني العطوة الأمنية في حالات القتل) .. في حين بتلك المدة يمكن أن نسافر من طوكيو الى سان فرانسيسكو ونعود !

كما أن تشبيه الوطن بالأم والأب و النفس ، لم تعد تنسجم مع سلوك معاداة الوطن ..
( بلادي وان جارت علي عزيزة ... وأهلي وان ضنوا علي كرام )
وطني لو شغلت بالخلد عنه....... نازعتني عنه بالخلد نفسي
فالمولود الذي تواظب أمه على مسح قاذوراته بصبر وحب ، والشيخ الذي يواظب أهله على خدمته في آخر أيامه بصبر ووفاء .. ليس أفضل من وطن يفتح أبواب الأمل أمام أبناءه أكثر مما يفتحها المولود ، و أعطى أبناءه أكثر مما أعطى الشيخ أهله ..
فكيف تتفق تلك النصوص مع ما يمارسه الأغلبية تجاه أوطانهم .. أين العيب ؟ هل هو في الوطن أم في القاعدة الخلقية التي لم تتهيأ لحماية الوطن ؟
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #44  
قديم 11-11-2005, 04:25 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب

(4)

سلوك الحكام والمواطنين أخلاقيا

يتصدر الهاجس الأمني لدى الحكام العرب قائمة أولويات عملهم ، لذا فان الفقه الصادر من طرف الحكام يبدو واضحا للعيان من خلال النصوص التي يكلف بها من يصيغ القوانين .. حتى وان بدا في ظاهرها الحرص المفرط على الوطن ، لكن هو في الحقيقة الحرص المفرط لحماية من في الحكم ..

و أحيانا لا تعود لجان الصياغة العامة لفقه الحكم تلقي بالا ، لما سيقوله المواطن فتذهب بعيدا حتى تسمي البلاد باسم العائلة الحاكمة و أحيانا يكون النشيد الوطني لا يتغنى بالوطن بقدر ما يتغنى بالحاكم .. وهذا ينبع من الإفراط بالثقة بقوة الحكم أو الاستخفاف بالشعب .. وهما صفتان لا يتفقان مع مفردات الخلق العربي فالغرور صفة مذمومة .. كما أن تكون حاكما لشعب مستكين أو هزيل ( كما يظن الحاكم ) فهي صفة لا تبعث على المفخرة ..

يتسلل الى منظومة الأخلاق العربية قاعدة قد تكون غريبة في ظاهرها ، ذكرها (شكسبير ) عندما صاغها بشكل ( الخيانة عمل مشروع و العمل المشروع خيانة ) و قاعدة ذكرها (ماكدوجال) صاغها بشكل ( ليس من الأخلاق أن تعيش في مجتمع غير خلوق !) .. ويبدو أن النخب الحاكمة والنخب المعارضة العربية قد فهمت مكنونات تلك القاعدتين ..

رغم أن شكسبير وضح مراده من تلك القاعدة ، عندما ضرب مثل القتل فاعتبره عملا لا أخلاقيا .. لكنه أضاف أنه عندما يطأ العدو أرضك فان عدم قتله يصبح عملا لا أخلاقيا .. أما ماكدوجال ، فكان يناقش ظواهر اجتماعية تلزم من يعيش داخل جماعة تلتزم بأسس قواعد خلقية ، حتى لو كانت لا توافق أهواء من يعيش فيها فعليه الالتزام بما يلتزم به الجميع ..

ان النخب المعارضة للحكم ، تعطي لنفسها فتاوى على ضوء القاعدتين السابقتين ، للتعامل مع الشيطان لإزاحة من في الحكم .. ولا تتعامل مع من في الحكم على أساس أنه من قاذورات الوطن ، يجب تحمله لكي يقوى عوده !

لقد رشحت تلك المفاهيم الهجينة على جذور القاعدة الخلقية العربية ، الى أدنى طبقات الشعب فانتشرت سلسلة من الأمثال الشعبية التي تتماهى مع القاعدتين المتسللتين . فتجد أمثال : ( حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس ) و (امشي الحيط الحيط وقول يا الله الستيرة ) و( سيدك كلب بوس ايده ) و ( اذا انجنوا ربعك عقلك ما ينفعك ) و ( العاقل بين المجانين مجنون ) والمثلين الأخيرين لمن يلاحظ يتطابقان تماما مع قاعدة ماكدوجال ( ليس من الأخلاق أن تعيش بين مجتمع غير خلوق وتمارس الأخلاق ) ..

ان التمسك بالحكم واستبعاد العناصر الكفوءة انطلاقا من الهواجس الأمنية من طرف الحكم ، والاستثناءات التي تحابي الموالين و تطارد المعارضين ، هي مظاهر غير أخلاقية لا تتفق لا مع قوانين السماء و لا مع قواعد أخلاق أهل الأرض ..

كما أن التهرب من دفع الضرائب و التهرب من خدمة العلم ، وسرقة المياه والكهرباء و أراضي الدولة ، والاستعانة بالأعداء على أبناء وطنك ، هي مظاهر لا أخلاقية من قبل المواطن .. فالفضيلة لها وجه واحد وشكل واحد ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #45  
قديم 12-11-2005, 05:12 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب

(5)



زيادة حجم المسكوت عنه تؤدي الى الانحراف

تصوروا أن غريبا اضطر الى العيش في بقعة ما ، وكانت درجة اضطراره تمنعه من ترك المكان الذي حل به .. و رأى أن في الحي الذي يسكن فيه رجل غير فاضل ، يحترمه أهل الحي مضطرين .. وكان هذا الغريب على درجة عالية من الأخلاق ، ويدرك تماما أن هذا الرجل غير فاضل و أن أهل الحي يتعاملوا معه بابتذال ونفاق .. ماذا سيكون أمام هذا الغريب ؟

انه سيفكر مليا و لا يجد أمامه سبيلا الا أن يبتسم كاذبا أمام الرجل غير الفاضل ، وهذه أول خطوات الانحراف و الابتعاد عن المحور الرئيس في منظومة الأخلاق التي تسيره .. و تتطور الأمور شيئا فشيئا وقد يحس مضطرا بوجوب دعوة هذا الرجل الى بيته .. و كون غير الفاضل لا يعير اهتماما لعناصر القاعدة الخلقية ، فانه قد يسأل أسئلة لا تليق بزائر ، أو قد يترك عينيه تتفحصان محرمات البيت في النهاية ..

عندما يتحول المواطنون العرب في أوطانهم الى غرباء ، فان سلوكهم سيكون في كل أحياء أوطانهم كسلوك الغريب ، فان أراد أن يحصل على وظيفة فانه يريق ماء وجهه وان أراد أن يحصل على ترخيص لمحل أو بناء أو يراجع دائرة أمنية ، فانه سيكذب و يتوسل و يترقق لمن يجده في تلك (الأحياء !) .. و اذا ما مرت أموره بسلام في تلك المراجعات ، فانه سيتحول الى ناصح و خبير يعلم من سيمر بالخطوات التي مر بها ، طرائق و مهارات التذلل ..

و اذا حضر فرحا أو مأتما ، أو جلسة عامة فانه لن يكون خبيرا بمن يجلس في تلك الاجتماعات ( وهذا طبيعي) ، لكنه سيكون خبيرا في حبس لسانه عن قول الحق ، توجسا من أن أحد الجالسين سيكون مخبرا أو عنصرا ينقل ما سيقوله الى جهات قد تؤذيه .. فيهز رأسه لمنافق للسلطات قد يذكر محاسن التطبيع مع الكيان الصهيوني ، أو حكمة القيادة السياسية في التعامل مع المسألة الفلانية .. وهو يدرك أن هذه الحكمة المزعومة ما هي الا التسليم بعبثية الوقوف أمام أعداء الأمة ..

ينهض المدعوون للمناسبة ، وقد استمعوا لصوت القوة الطافية على السطح في البلاد ، وينقل الناقلون أخبار ذلك اللقاء لمسئوليهم بأن الأمور ممتازة !

كما ينهض من كان الاحتقان و الشعور بالبؤس من واقعنا العربي قد ملأ صدره ، ولكنه عندما تتكرر مثل تلك اللقاءات و ما يجري بها ، فان إحساسا غريبا يجتاح كيانه ، بأنه ليس غريبا فقط ، بل أنه عبارة عن ذرة غبار من أصل ثلاثمائة مليون ذرة غبار مثله !

كل هذا لازدياد حجم المسكوت عنه بين الناس .. والذي يقود الى سيادة قيم غريبة عن أمتنا عن ديننا عن حقيقتنا .. لو علم هذا الساكت أنه يمثل الأكثرية وأن المتكلمين هم الأقلية وهم الغرباء ، لكان موقفه مختلفا ، ومن يدري فلعله يعلم أنه من الأكثرية ، وأن الناطقين هم الأقلية ، لكنه يدرك أيضا أن هؤلاء الأكثرية يحتاجون الى مادة لاصقة (إسمنتية ) تربطهم ببعض !
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #46  
قديم 13-11-2005, 04:32 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية العربية

(6)


مفهوم المصلحة جعل القاعدة الخلقية نصوصا غير فاعلة

المصلحة والصالح هما مصطلحان غير ثابتين المعالم ، يدلان على المنفعة التي تعود للمعني بهما سواء كان فرد أو فئة أو شعب أو قطر أو أمة ..

وتتمدد حدود المصلحة مع تمدد حدود المعرفة حول مصالح الآخرين ، فعندما كانت وسائط النقل و الإعلام محدودة ، كانت حدود المصلحة ترتبط بالبقعة التي يعيش بها الفرد ، مطلعا على قائمة حاجات من يعيش قربه ، فيتكيف بحدود مصلحته مع تلك المعرفة عن مصالح الآخرين ..

وعندما أصبح العالم الواسع وكأنه بقعة صغيرة معروفة الحدود ، فقد تعرف الفرد كما تعرفت الشعوب على مصالح الأفراد والشعوب ومن ثم الدول كمعبر عن مصالح تلك الشعوب ..

وبرز مصطلح المصلحة العامة كتعبير عن حاجة المجموع العام من الأفراد ، و أخذ من يدعي بتمثيل تلك المصلحة العامة ، وهم كثر سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة ، يستخدمون عناصر المصطلح نفسه ، كمسطرة لقياس سلوك الآخرين .. أو يبررون سلوكهم و يربطون حكمته الخفية بالمصلحة العامة .

وعندما يود من يريد الهجوم على فرد أو فئة ، فانه يبرز سلوكها العام وكأنه يخدم مصلحة خاصة ضيقة تعود للفرد أو الفئة .. وهو عندما يسوق وقائع هجومه ، يريد أن يوصل برسالته أن هذا الفرد أو الفئة ، ترجح مصالحها الخاصة على المصلحة العامة . وان هذا الخطاب له دافع تعبوي يراد منه في النهاية تصفية أو إضعاف من يقصد بهذا الخطاب .

لا يخلو أي عمل عام يراد من عنوانه العريض خدمة المصلحة العامة ، لا يخلو من دوافع تصب بالمصلحة الخاصة ، ويبقى هذا مشروعا أخلاقيا اذا ما كان الدافع الخاص أقصر أو أصغر من الدافع العام . فالخدمة المتفانية للوطن بحرص ، قد تقود لترقية من يقوم بها الى منصب أفضل ( وهي مصلحة خاصة) فلا بأس .. وكذلك لا تخلو طاعة الله في الالتزام بأوامره و تطبيقها من مصلحة خاصة ، وهي المكافئة بالتوفيق بالدنيا و دخول الجنة في الآخرة ..

لكن عندما تتطاول المصلحة الخاصة لتعلو فوق المصلحة العامة فان المسميات هنا ستختلف ، فيصبح الفساد والانحراف هما الاسمين اللازمين لمثل تلك الحالة. وعندها تشيع مبررات التقليد و الإقتداء بالسلوك لتعم المجتمع بشكل عام .

اذا سادت أجواء الفساد والانحراف في المجتمع ، لا يعود التذكير بعناصر القاعدة الخلقية له أي أهمية تذكر ، ويصبح التمرد عليه سهلا .. وهو يكون شبيه بتشجيع فريق كرة قدم غير مدرب ، وأفراده تم انتقاءهم بطريقة المحاباة وليس لكفاءتهم ، وانه مهما وقف الجمهور ورائهم مصفقا و مشجعا ، فان طاقاتهم ( اللياقة ) ستكون محدودة ، وانهم سيخسرون مباراتهم .. ولن يشجعهم الجمهور بعد الخسارة !

تبرز هنا مصلحة البلاد ، واستخدام المخزون لعناصر القاعدة الخلقية العربية في صياغة خطاب التعامل عالميا . اننا عندما نخاطب الأمريكي أو الأسترالي أو كوفي عنان عن عدم أحقية الصهاينة في فلسطين ، منطلقين بخطابنا من حقائق تاريخية ، فان ذلك لن يترك لديهم أي أثر . فكل هؤلاء لا يقيمون للأصل الجغرافي أي وزن ، لأنهم كلهم مهاجرين !

ان المصلحة العامة والعليا عند شعوب الأرض ، لها مساطرها المختلفة عن مسطرتنا ، انها مصالح مرتبطة بالقوة ، لا بالمنطق و حقائق التاريخ .. وقد أدرك أجدادنا تلك المسألة التي عزز مفهومها كتاب الله عز وجل ( و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ..) .. من هنا عندما تخلف ملك الروم عن دفع ما أملته عليه قوة الدولة زمن الرشيد خاطبه قائلا : ( من هرون الرشيد الى كلب الروم) ان الذراع القوي يصون المصلحة التي تكون بيئة صالحة لضمان استمرارية نمو القيم الأخلاقية و تطورها ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #47  
قديم 15-11-2005, 07:53 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب

(7)



سلوك رجال الأمن و أثره في خدش القاعدة الخلقية


بدءا نحن نعلم جيدا تعطش أبناء العرب للسلطة و خوفهم منها بنفس الوقت ، هذا الشعور المركب تخلل في نفوس أبناء الأمة منذ ألف عام على الأقل ، أي منذ أن انتزعت السلطة من العرق العربي وذهبت الى عروق أخرى ..

فأصبح التعطش للسلطة مقرون بالتعطش للإستهلاك .. حيث كانت الأخرى مرهونة بما يبقى للمواطن من بعد أن ينتزع منه ما ينتزع ويتبقى له القليل ، حتى أصبح حلم التنعم بالغذاء الجيد أو الملبس الجيد أو المسكن الجيد قريب من الحلم في أن يصبح المرء حاكما أو رجلا في الحكم له أهميته !

الأمن و رجاله وظيفة ممتدة في أعماق التاريخ ، وهي غير الجيش و رجاله ، و قد تفنن العرب بالعصر الحديث ، باستنباط الدوائر الأمنية فهناك دول أو مشاريع دول بها حوالي عشر دوائر أمنية ، لا تنسيق بينها ، وهناك أجهزة مخابرات تصل الى خمسة أجهزة في دولة أعداد ملايين مواطنيها لا تصل الى أعداد تلك الأجهزة ..

نحن نعلم أن جهاز العيون قد نشأ منذ عهد الأمويين ، وهو حق لكل دولة أو قوة ( الإرادة الراهنة ) التي تحكم أي بلد , ولسنا بصدد مناقشة هذه الأحقية في الوقت الحاضر ، لكننا حاولنا ذكر ذلك لربط تصور دور هذه الأجهزة ، بالجانب الأخلاقي و التأثير به ..

إن تصنيف هذه الأجهزة بين نظم الحكم في معظم أنحاء العالم ، هو أجهزة تنفيذية ، وهو اسم يدل على مدى الحرية التي تترك لمثل تلك الأجهزة لتزاول نشاطها بالطريقة التي ترغبها .. و ستجد دائما عند المسائلة منفذا تبرر به ما يسمى بالتجاوزات .. و ستجد أيضا من يغطي عليها أخطائها الى حين ..

نستطيع القول بأن حالة الحكم الحديث في البلاد العربية ، هي حالة مستجدة ليس لها ماض متواصل ، بحيث تهتدي لوضع أكثر ملائمة لتثبت بها أركان حكمها و ترضي بها شعوبها ..

و نظم الحكم كانت في الفترات السابقة ، تنقسم الى قسمين ، إما أنظمة طموحة تهيئ نفسها لصناعة حكم وطني ، لا يرتبط بالأجنبي ، الا بقدر ما تملي عليه فنون السياسة الوطنية . و نظم حكم لا تجد بدا من الارتباط بالأجنبي لقلة حيلتها و معرفتها بعدم القدرة على أن تصبح وطنية . وكلا النمطين كانا لديهما إشكالية في شرعية أنظمتها مع قطاعات لا يستهان بها من المواطنين .

و في جميع الأحوال حتى في عصر الرسل عليهم السلام ، كان هناك معارضين .. فمن يسميه طرف بأنه ذكي و ملهم ، تجد له في الطرف المقابل من يطلق عليه لقب الخبيث و اللئيم .. ومن يسميه طرف بأنه شجاع ، سيكون هناك طرف يسميه متهور و قليل الدراية ..

كلا النمطين سيوكلان لأجهزتهما بأن تمنع نشاط المعارضين .. وهنا ستنفجر عقد و عطش الماضي عند رجال الأمن ليتلذذوا و يتمتعوا بالتعامل مع من يلاحقونهم حتى لو كانوا لا يزالون على ضفاف دوائر الشك ..

وهذا التلذذ لا نشاهده فقط فيمن يلاحقون الخصوم السياسيين ، بل نلاحظه عند شرطي المرور ، ففي حين يمكن أن يؤدي مهامه بلطف عندما يقول للسائق الذي سيخالفه بأنه متأسف اذ انه سيضطر لمخالفته لأنه متجاوز السرعة المسموح بها ، أو أنه يقود سيارة قد تسبب الأذى للآخرين .. لكنه يفضل أن يصر أحد عينيه و يرمي السائق بنظراته الحاقدة ، ويسأله أسئلة لا تليق في مثل تلك المواقف ، حتى يقوم السائق بالترجي و التودد والتذلل .. وبقدر ما يوفق السائق باختيار الألفاظ الودودة بقدر ما يفلح بالإفلات من المخالفة .. و أحيانا لا بد من رشوة لاختصار المسافة .. وهذا كله مناف للأخلاق ..

أو قد نجدها عند ( خباز ) من الأهالي و ليس حكوميا .. اذا كان قد فتح مخبزه يوم الجمعة أو في غياب غيره من الخبازين عن العمل ، اذ يصرخ على المواطنين و يجبرهم على الاصطفاف بالدور .. مستغلا حاجتهم .. أو نجدها عند سائق تاكسي في حالة ندرة المواصلات ، يبقى يطوف حول المسافرين متمتعا بمناداتهم له ، وهو يحرك يديه بعدم الرغبة بالذهاب الى أي مشوار ..

كل ذلك نابع من التعطش للسلطة عند مختلف أصناف المواطنين .. سواء كانوا في الحكم أو خارجه ، وما على المواطن الذي يتعرض الى مثل تلك النوبات التلذذية الا ان يتكيف و ينافق ليخلص من شرورها ..

لو عدنا لرجال الأمن فانهم ان شتموا أو ضربوا أو عذبوا أو خدشوا كرامة مواطن ، وكل هذا محتمل ووارد .. فانهم على أعدادهم و أعداد المرات التي يقومون بعملهم على النحو السيئ ، فانهم سيجيرون كل تلك الممارسات على من في الحكم ، حتى لو كان قديسا .. وسيدفعون المواطنين الى الكذب و النفاق والرشوة و أحيانا الوشاية بغيرهم و أحيانا الانحلال الخلقي الكامل .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #48  
قديم 16-11-2005, 07:30 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية العربية

(8)



تطبيق القانون و أثره على القاعدة الخلقية ..

عندما كان أجدادنا على مسافة قريبة من زمن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا يتمنعون عندما يطلب من أحدهم تولي القضاء ، لخوفهم من الله عز و جل أن يخطئوا و يظلموا ..

اليوم ان أحد الممرات التي يصل بها رجال القضاء الى مناصبهم ، هي كليات الحقوق ، أو القانون كما تسمى في بعض الأقطار العربية ، وهذه الكليات لا تضخ رجالا للقضاء فحسب بل الى الشرطة والى دوائر لها تماس مع صياغة و تطبيق القانون ..

ومن يتأمل قليلا ، يجد أن معظم الدول العربية ، تتساهل في قبول الطلاب في هذا الصنف من العلوم ، الذي هو على درجة خطيرة من قضايا المجتمع ، ففي أغلب الأحيان توضع كلية الحقوق في آخر قائمة الاختيارات للقبول ، وتدرج تحت الكليات الأدبية ، أي التي ينخرط طلاب القسم الأدبي في صفوفها ، ونحن نعلم أن الاختيار الأدبي هو الآخر في أدنى سلم الاختيارات في الدراسة الثانوية ، الا للمبدعين الذين يختاروا القسم الأدبي وهم قادرون على دخول غيره ، وعلى اختيار كلية الحقوق وهم قادرون على دخول غيرها .. وهم قلة ونوادر ..

وهناك صنف ينال شهادته من خلال المراسلة مع أحد الجامعات ، فيتأهل لنيل الشهادة بقدر ما يحفظ من نصوص ، لا بقدر ما يفهم من تلك النصوص ، من خلال المثاقفة و الحوار مع أساتذته و أقرانه في الفصل الدراسي ..

على أي حال ، ان تسلم احد الخريجين لوظيفته سيتدرج عليه فعل (الروزنامة) زمنيا و يصبح قاضيا .. و عليه في عينة من الزمن أن يبت و يفصل في قضايا المتخاصمين .. و مجموع القضايا التي يبت بها و ما أكثرها و ما أكثر أمثاله من القضاة و قضاياهم التي يبتون بها ، ستصبح مخزونا تراثيا آنيا ، يقيس عليه القضاة و يتناقله المتخاصمون ، بين الناس ، ليصبح معرفة و ثقافة قضائية ، يتكيف معها المحامون و الذين ينسحب عليهم ما انسحب على القضاة في طريقة تحصيلهم لعلمهم و مزاولتهم لمهنتهم . كما يتكيف معه المتخاصمون الذين يسلكون دروبا على هدي ما استطاعوا جمعه من قضايا شبيهة .

ان عمليات التكيف و التحايل و تدخل الهيئات الحكومية في الإيحاء للقضاة لإصدار أحكاما تتلاءم مع الرغبات و الصلات و حساسية بعض القضايا من مختلف الأنواع ، سيصنع بيئة خصبة لنمو أشكالا من السلوك اللاأخلاقي ، من رشوة وكذب و تزييف حقائق و شهادة زور ، و تطور الوسائل الإجرامية بما يجعل القضاء غير قادر على إحقاق الحق ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #49  
قديم 18-11-2005, 04:50 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية العربية

(9)


النظام التعليمي و أثره في خلخلة القاعدة الخلقية :

لو عدنا الى عصر الزهو العربي ، لوجدنا هناك علاقة صميمية وعضوية بين المعلم و التلميذ .. فكلما كان يتم الحديث عن أي مبدع بأي مجال ، بالفقه ، بعلم الكلام بالفلك بالطب الخ .. كان يذكر الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم ذلك المبدع ، فكانت الأمة أمة واحدة متماسكة زمانيا و معرفيا .. فتزداد أهمية المبدع بذكر شيوخه ، ويضاف لشيوخه على أرصدتهم من الأهمية حتى لو كانوا أموات ، ما يحقق ذلك المبدع من أعمال ..

هكذا كان التعليم ، يقترن بالتربية ويقترن بمفردات الحضارة .. فكانت أعلامه ولا زالت تتمتع بمجد نابع من ما يلقوا من قراء و مستفيدين .. فكان المعلم من زاوية أخرى يصلح أن يكون مثالا أعلى للتلاميذ ، وكون طبيعة معارفنا ـ نحن العرب ـ شمولية ، وليست تخصصية ، فكانت تذكر أخلاق و شجاعة و دقة وذكاء المعلم ، فتكتمل معها صورة نموذج المثل الأعلى ، مما يصون أركان القاعدة الخلقية من خلال هذا المسار .

جرى في القرن العشرين تنويع في مشارب العلم و المعرفة ، وتدرجت معها كياسة و حصافة و مكانة المعلم من الجيد الى الأسوأ ـ مع الأسف ـ . فبينما بقيت هيبة المعلم كمثل أعلى شاخصة لأواسط سبعينات القرن الماضي ، لكنها تسارعت بتدهورها بشكل ملفت للنظر ..

فبينما عاد الخريجون من أقطار الدنيا المختلفة ، الى بلادهم العربية ، وعاد معهم ما التقطوه من مسلكيات ، كانوا يدعون لالتزام بها ، حتى وان لم يصرحوا بذلك ، و أحيانا يصرحون من خلال ذكرهم بمقارناتهم لواقعنا وواقع البلاد التي تخرجوا منها .. وعندما يحظى أحدهم بإفتتان الطلبة بعلمه ، فقد يفتتنوا بمسلكه الذي لن يكون بالضرورة متطابقا مع قدرته العلمية .. فيتم اكتساب مسلكيات تنساب من خلال الخريجين الجدد الى أجيال المدارس ثم الى أترابهم و أهاليهم .

لقد طرأ تغير اقتصادي مهم في أواسط السبعينات ، انعكس على صورة المعلم والتعليم بشكل عام ، فقد انتشرت مهن وحرف تكسب أصحابها عشرات أضعاف ما يكسب المعلم أو المتعلم ، مما جعل صورة المثل الأعلى لدى المعلم تهتز لدرجة الانهيار .. و جعل التمسك بالتعليم لدى الطلبة أو ذويهم ، ليس بالمسألة التي تحتل مكانة متقدمة كما كانت قبلها .. فبات الالتزام بالدوام و الاستماع لتأنيب وتوجيه المعلم ( الجانب التربوي) ، ليس ملزما كثيرا لدى الطالب ، لا بل أحيانا يتعدى الطلاب على معلميهم ..

كما أن هذا الإحساس بغياب الأهمية ، قد تغلغل في نفوس المعلمين أنفسهم ، إذ أخذ المعلم يقارن وضعه الاقتصادي بوضع زملاءه الفاشلين الذين لم يستطيعوا تكملة دراستهم لتدني قدرتهم على المواصلة ، فيجدهم في وضع مادي أفضل .. فيبدأ بصراع مع القيم المحفوظة في عناصر القاعدة الخلقية ، وقيم عصر الفوضى ، فأحيانا يلجأ للدروس الخصوصية ، حيث يحجب كفاءته عن طلاب الصف ليجرهم الى الدروس الخصوصية ، و أحيانا ينجح من لا يستحق مقابل هدية ( رشوة) ، و أحيانا يسرب الأسئلة ، أو يتيح بامتحانات الوزارة لغش بعض الطلبة ..

ان هذا الانحراف ، سيدفع بعناصر فاسدة لتعلو مراتب علمية ومهنية و إدارية لو ضبطت العملية التربوية و التعليمية والتزمت الدوائر المختصة بعناصر القاعدة الخلقية ، لمنعت شرورهم من النيل من المجتمع ..

ان هذا الوضع يذكرني برؤية اليابانيين عندما سئلوا عن سر نهوضهم السريع فأجابوا اننا نهتم بالمعلم فنمنحه ( هيبة القاضي و سلطة الضابط و راتب الوزير) .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #50  
قديم 20-11-2005, 09:44 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية العربية

(10)


الإعلام و أثره في خلط المفاهيم بالقاعدة الخلقية :

الإعلام قديم قدم الحياة ، كان في السابق يأتي من خلال اختلاط الناس ببعضهم ، فيتناقلون المعلومات والأخبار والمهارات فيما بينهم .. فبالمسافة التي كان يستطيع الفرد قطعها ، كانت معلوماته تتكون ، وعند عودته من رحلته على راحلته ، فانه ينقل ما سمع و ما رأى لمن يلتقي بهم من أهل بلده ..

لقلة وسائل الإعلام في السابق ، ولاتساع أوقات الفراغ ، وقلة الأبواب التي كان الفرد يقضي بها أوقات فراغه .. فكان يسمع الخبر أو المعلومة عشرات بل ومئات المرات بما تحويه من حقائق و عبر و حكم ، ودون ملل ، بل أحيانا كان يطلب من الراوي للخبر أو القصة أن يعيدها في كل سهرة ..

عندما انتشر الكتاب ، أصبح جليس يتفوق على الجلساء محدودي المعلومات ، فكان من يستطيع الشراء والقراءة للكتاب ، يطلع على أشعار و أقوال أناس بعيدين عنه مكانا وزمانا ..

في أواسط القرن الماضي ، استطاعت الحكومات العربية ، أن تمسك بزمام توريد المعلومات الى حد ما ، وكان من يفتح على اذاعة صوت العرب ، ينظر اليه نظرة كلها شكوك وتوجس ، هذا اذا لم تستدعيه الدوائر الأمنية وتوبخه وتهدده . مع ذلك فقد كان الاحتشام والرزانة و الحث على مكارم الأخلاق ، السمة الطاغية على الإعلام العربي ، هذا بالإضافة لتمجيد الحاكم .

هناك صفة لا أخلاقية يطلق عليها الغرب ( توم البصاص ) .. وهي صفة التلذذ بمراقبة نساء الحي من خلال منظار .. وهذه الصفة تجدها أو تجد بذور الاستعداد لها عند غالبية الشباب ، وقد تشبع تلك الصفة من خلال السينما والتلفزيون و الكتب والمجلات الممنوعة و أخيرا الإنترنت ..

عندما كان الفرد يحاصر بمعلومات أقل ، ولكن كل المعلومات تحمل التأكيد على مكارم الأخلاق .. فان خياله كان محصورا بهذا النطاق الذهني المشروط بذلك . و لما لم يعد الجلوس بالدواوين ، والاستماع للأشعار أو قراءة ما هو مفيد ، أمرا ينافس تلك الحرية التي تطلق العنان لخصائص صفة ( توم البصاص) .. من خلال التجول بمحطات فضائية ، أو مواقع على الإنترنت . فان النتيجة بالتأكيد تصبح ليست لصالح مفردات القاعدة الخلقية .

ان مشاعية المعلوماتية وتطورها المذهل ، خلق حالة تستدعي التفكير بكل جدية ، بما ستؤول اليه تلك الحالة .. فالسكوت عنها سيخلق حالة من الاستخفاف بالمثل و القيم صغيرها و كبيرها .. فقد كانت الماسونية في السابق تقنص هؤلاء الذين يتوقون للمظاهر البرجوازية ، من خلال الاحتفالات أو ذكرهم لأنواع الأطعمة أو أنواع الملابس أو أنواع البيوت والسيارات و الزوجات وغيرها . فتمتحن هذا الاشتياق و تترجمه لمن أراد ، وحسب أهمية المقنوص ، فمن خلال تلبية بعض آماله البرجوازية تستطيع أن تكسبه لصفها ، لاختراق ، أو مزيد من اختراق الوطن .

اليوم لا تحتاج تلك الدوائر الماسونية و الإمبريالية لمزيد من العناء في اقتناص عملاءها .. بل يكفي القليل من تتبع اهتمامات هؤلاء الأشخاص ، واختيار أكثرهم أهمية ونفعا لها ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م