مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #21  
قديم 26-08-2006, 03:00 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

( 17 )

لو أردنا معرفة سر صراع الناس في بقعة ما ، تتساوى فيه أعراقهم وديانتهم وطبائع معيشتهم ، لوجدنا أن السلطة الحاكمة في البلاد لها دور كبير في تأجيج أو إخماد الصراع فيما بينهم .. فعندما تقبل السلطة جاه أحد الوجوه في منطقة ما ، وترفض جاه آخر ، فإن مقبول الجاه يصبح محسودا و النظرة تجاهه نظرة مخلوطة بين احترام كاذب من قبل الناس ، واحتقار دفين لا يظهر ..

كما أسلفنا سابقا ، فإن العتيقة كانت مثار خلاف بين بريطانيا و فرنسا إثر اتفاقية ( سايكس ـ بيكو ) .. وقد انقسم وجوه العشائر بين من يؤيد الإدارة الفرنسية وبين من يؤيد الإدارة البريطانية ، و كان الشيخ كساب هو ومن يتبعه من مريدي الإدارة البريطانية ، وكان الشيخ كساب معروفا بشجاعته و قدراته القيادية في القتال ، ويسجل له أنه قاد العتيقة في حروبها مع البدو والتي استمرت قرابة العشر سنين ، قبل وصول الحكم الإنجليزي للبلاد .. فاكتسب صفة جماهيرية ، جعلت من إدارة أي دولة أن لا تتجاهل مكانته .. شأنه في ذلك شأن سبعة حكام محليين في مناطق مختلفة من البلاد ..

وقد كان للشيخ كساب مصادر دخل تأتيه ، من الذين يحتموا به ، فمقابل أن يمنحهم صفة الانتماء لحلفه ، فإنهم يأتونه بالخراف والسمن إذا ما جاءه أحد الضيوف المهمين ، فكانت عدد الخراف التي تأتيه في مثل تلك المناسبات تفوق عشرات المرات ما يذبح منها .. وكان فوق ذلك يأخذ من الإدارة البريطانية المحتلة (جنيهين ذهبيين ) عن كل فرد من هؤلاء الأفراد ، بحجة أنهم مجندين تحت إمرته ، وبطبيعة الحال لم يكن يعطي من تلك الأموال لأحد شيئا ..

بالمقابل كان هناك الشيخ (راغب) الذي أراد أن يجند بقية أهل العتيقة لحساب الفرنسيين (دون علمهم ) .. فكان يجيد اللغتين الفرنسية والإنجليزية إضافة الى التركية والعربية ، لقد أراد أن يجعل من بقية سكان العتيقة ، والذين لم تكن عشائرهم عشائر بمعنى الكلمة ، بل عائلات في أحسن الأحوال يكون بها عشرون رجلا ، فأراد أن يجعل من أحدهم مختارا ، كما كانت السلطات الفرنسية تساعده ، إذا ما توسط في تسهيل مهمة أحد هؤلاء الناس ، إذا كان موقوفا لديهم أو عنده مشكلة ما .. فكانت تستجيب له في العفو عن الموقوفين ..

لكن الشيخ راغب كان يقرأ أن مستقبل العتيقة وما حولها سيحسم عما قريب لصالح البريطانيين ، فكان يزورهم و يحسن من علاقته معهم .. بل والأكثر من ذلك كان على علاقة صداقة طيبة مع الشيخ كساب و أبناء عمومته ..

إلا أن أمرا طارئا قد حدث في بداية عام 1930 ، عندما مرض الشيخ كساب مرض الموت ، فنقل الى مستشفى في مدينة بعيدة .. وأصبح أخوانه وأبناء عمه يحسبون الحساب أن قيادة العتيقة ستؤول ـ لا محالة ـ الى الشيخ راغب ، كونه الأكثر قدرة على التعامل مع السلطات .. فدعوه الى حفل عشاء في ديوانهم وذبحوه و قطعوه ووضعوه في كيس من الصوف ورموه بأحد آبار العتيقة ، ولم تكتشف جثته إلا بعد أسبوعين ..

عندما اكتشف الأمر ، صادف أن توفي الشيخ كساب في المستشفى ، فأشار وجوه أهل العتيقة على ذويه أن يحملوا جثمانه ، ويدخل كل وجوه أهل العتيقة الى ديوان المغدور الشيخ راغب ، فما أن وضع الجثمان أمام الديوان ، حتى نثرت عليه نساء ذوي المغدور رماد المواقد ، دلالة على رفضهم الصلح .

غادر أبناء أخ الشيخ راغب و ابنه الشاب ، الى منطقة نفوذ الفرنسيين ، وأخذوا يغيرون ليلا على العتيقة ، يكمنون لمن تطوله أيديهم من أبناء عشيرة الشيخ كساب ، علَهم يجدون أحدا يقتلونه . فكانوا يطعنون المواشي لتحدث صوتا في الليل ، ولكن حذر خصمهم قد فوت عليهم الفرص لمدة أربعة سنوات متواصلة ، لا بل تمكن خصومهم من قتل شاب آخر من أبناء أخ الشيخ راغب .

أحدثت تلك القصة بداية انقسام بين سكان العتيقة ، ثم تلتها قصة أخرى ذهب ضحيتها سبعة أشخاص ستة رجال وامرأة واحدة ..ففي أحد احتفالات الأعراس ، انطلقت رصاصة من بندقية أحد المحتفلين فقتلت شقيق العريس ، وفسرت على أنها مقصودة للتخلص من خطيب أحد الفتيات ، فأغار أهل المقتول على عشيرة القاتل فقتلوا منهم الرجال الستة والمرأة .

ورغم مراسم الصلح التي تلت ، فإن الانقسام قد تشكل ، وأثر على سير الحياة في تلك القرية .. وأخذ يظهر في الانتخابات فيما بعد ، فإن ترشح للانتخابات أحد المخترعين من طرف فإنه لن يحصل على أي صوت من الطرف الآخر ..

لا بل تعدت الأمور ذلك ، فكانت المكائد تتم بالوشاية من الذين ينتمون لأحزاب سياسية ، أو يفكروا بذلك ، وقد وجدت الأجهزة الأمنية في ذلك النمط من العلاقات مبتغاها في الوصول للمعلومات الأمنية اللازمة . من خلال التقارير التي تكتب سواء كانت صادقة أو ذات صفة كيدية ، لإبعاد مرشح عن دائرة المنافسة الانتخابية ، أو إحداث خسارة في تجارة ما للطرف الآخر .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #22  
قديم 11-09-2006, 08:42 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

( 18 )

لم يكن للناس عهد بالتفكير بمعارضة الحاكم ، فقد تمت تربيتهم على السكوت مدة ألف عام ، لكن بعد أن زال الحكم العثماني الذي اختلطت فيه مبررات بقاءه مع عدمها .. وأصبح الناس وجها لوجه أمام مستعمرين كفرة ، ويهود يحاولون بلع فلسطين ، وحدوث المقاومة في فلسطين وسوريا و العراق ، وانتشار وسائل الإعلام التي أخذت تسرب أخبارا عما يدور في ليبيا و الجزائر وريف المغرب .

بدأ الحس الوطني بالنهوض شيئا فشيئا ، حتى شارفت الأربعينات من القرن العشرين على الانتهاء ، ولما كانت الحكومات العربية ، ليست بذلك الاحتراف في خنق الأصوات كما هي اليوم . أخذ شباب العتيقة كما هم غيرهم من شباب العرب يفكرون ويتهامسون و يتبادلون نشرات كانت تصنف على أنها ممنوعة ، لكن المهربون كانوا ينقلونها على ظهور الخيل عبر الحدود ، لتصل إلى عينات من مثقفين لا زالوا في المدارس المتوسطة أو الثانوية ..

كان الشباب ينقسمون الى ثلاثة فئات فئة إسلامية ( سياسية ) بحزب اسمه (التطهير ) وحزب ( أممي ) وحزب (قومي ) .. وغالبا ما كانوا في حالات جدال مع بعض ، أحيانا تصل الى حد العراك بالأيدي أو السكاكين .. وكان معلمو المدرسة ينقسمون أيضا وفق هذا التقسيم ، وكان الأكثرية من القوميين والتطهيريين ثم بعض من الأمميين الذين كانوا يحاربوا من كل الأطراف إضافة للدولة والمجتمع ..

كانت العقوبات التي ينالها من ينتمون للحزب ( الأممي ) قاسية جدا ، نادرا ما تقل عن عشرة سنوات ( شاقة ) .. فكانوا يلجئون لحيلة في عقد اجتماعاتهم ، إذ كانوا يحضرون بعض زجاجات البيرة و يضعونها في دلو وينزلونها ببئر ماء لكي تبرد ، حيث لم تكن الكهرباء قد دخلت العتيقة بعد ، وأحيانا يملئون تلك الزجاجات بالماء ، وعندما يرتابون بحركة قد تلحق بهم الأذى يسارعون في استخراج زجاجات البيرة ( أو الماء ) ويتناولونها أمام القادم المريب ، فأسهل عليهم أن يقال عنهم سكارى من أن يتعرضوا للسجن الطويل ..

وقد أثير حديث ذات يوم بين أهالي القرية ، فعندما ذكر أحدهم كلمة (أممي) انبرى أحد جيران ( وكر ) تلك الخلية ، وقد اطلع على بعض طقوسهم .. فابتسم وقال : هل تعلمون كيف يصبح الأممي أمميا ؟ ثم أجاب : يضعون زجاجات في دلو وينزلونها في بئر ثم يستخرجونها ، وعندها يصبحوا أمميين !

لقد كان المعلمون يستغلون حصص التدريس ، ليمرروا أفكار أحزابهم ، من خلال شرحهم للدروس أمام التلاميذ ، حتى لو كان الدرس ( للحساب ) فإن المعلم يصنع مقتربات للدخول في الحديث عما يريد ، فبشرحه للفيزياء يذكر حسن كامل الصباح البدوي اللبناني ،الذي قتلته المخابرات الأمريكية بعد أن اخترع التلفزيون ( الذي سرق شرف الاختراع منه ) .. ليهجم في شرحه على الإمبريالية و الصهيونية .

وإذا أراد أن يتحدث معلم التاريخ عن الأندلس ، فلا ينسى يوسف بن تاشفين وتوحيده للأندلس التي تمزقت في عهد ملوك الطوائف ، لينوه بضرورة عمل ذلك في الوقت الحاضر ، وليتكلم عن ضرورات الوحدة براحته ..

كانت الجزائر عندما تتعرض المقاومة فيها لبعض الخسائر ، يحس الطلبة من خلال معلمهم بأن حدثا جللا قد وقع ، وعندما يسألوه ، كانت الحرقة والاختناق تكاد تقتل هؤلاء الأطفال الصغار ، ولا يعودوا في اليوم التالي إلا ومعهم بعض النقود القليلة ليتبرعوا بها لثورة الجزائر ..

وعندما بدأ المذياع بالانتشار ، اقتنى بعض الموسرين جهازا ضخما من نوع (سيرا) .. كان مربوط به ( بطارية ) تقل عن حجم بطاريات السيارات قليلا ، فكانوا يستمعون الى إذاعة ( الشرق ) التي أصبحت فيما بعد إذاعة لندن ، وكانت تبث من قبرص ، موجهة لتلقين الناس أخبارا معينة .

كان أبو حامد يضع جهاز المذياع الى جانبه ، ويخرج من جيب صدريته ساعة فضية اللون ، ربطت بسلسلة في أحد طيات الصدرية ، فيضغط على (زر) لتفتح الساعة و يطلع على الوقت ، ثم يدير مفتاح المذياع لأنه حان وقت الأخبار ، وبضعة رجال يجلسون من حول الموقد الذي وضع عليه دلال القهوة ، يرقبون ما سيبلغهم أبو حامد من أخبار يسمعها ، رغم أنهم يسمعون كما يسمع هو ، لكن اللغة العربية الفصحى لا تجعلهم يدركون على وجه الدقة ما يقول المذيع .

كان أبو حامد يعالج جمرات من الفحم المشتعل ، بملقط خاص ، في حين يطرق في نظره للأسفل ، ممثلا دور الخبير في معرفة ما يقول المذيعون .. أما الرجال فيرقبون حركات يديه في معالجة الجمر ، وتعبيرات وجهه عندما يعلو صوت المذيع .. وفجأة يطفئ جهاز المذياع ويهز رأسه قليلا .. فيبادر الرجال بسؤاله : خير أبو حامد ؟؟
فيجيب باقتضاب ( على قدر ما فهم ) : بس الله يرحمنا ..
فيعاودوا السؤال : خير أبو حامد .. ماذا قال المذياع ؟
أبو حامد يجيب وكأن هموم الأمة مرهونة برقبته : مولعة بمصر .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #23  
قديم 29-09-2006, 12:44 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

( 19 )

عندما مات ( شاهر قوقة ) ، فرح ذويه بموته كثيرا ، فقد كان يسبب لهم الكثير من الحرج ، فقد كان معتوها ، في أواسط الخمسينات من عمره ، متسخ الثياب ، لا زوج له ولا أولاد ، لا يتحرج أن يتبول في الشارع أمام المارة ، يستطيع أن يلفظ ستة حروف فقط من الحروف الأبجدية ، فيرد على من يستهزئ به بقوله ( هماه ) ( ويقصد بها حمار ) .. كان الصبية يلحقونه ليستفزونه ليشتمهم بشتائمه المثيرة للضحك ..

و كأي ميت ، لا بد من عمل مأتم له و فتح دار عزاء ، خصوصا أن أخاه من وجهاء العتيقة المعروفين ، ولكن الناس تتثاقل في الذهاب الى مآتم الأطفال والنساء المسنات و المهابيل ..

كانت أخبار هؤلاء المهابيل في حوزة مدرس ابتدائي ، يتفنن في جمع أخبارهم ، و معرفة النقاط التي تثيرهم ، وأحيانا يجمعهم كلهم و كانوا أكثر من عشرة بقليل ، منهم من هو من أبناء العتيقة و منهم من يأتي من البادية ، ومنهم من يسكن عند أم له تزوجت بعد وفاة زوجها . كان ( أبو أركان) الأستاذ يعرف أسرار هؤلاء المهابيل ، وكلمات السر لجعلهم يجودون بنمرهم المجنونة .

كان أول من أتى أن يعزي بوفاة ( شاهر قوقة) ، مجنون يحافظ على كياسته ما لم يقال له كلمة السر التي تحوله من إنسان عادي الى مجنون رسمي ، كان اسمه ( عقلة) .. ولم يكن بديوان الشيخ ( سليم ) شقيق المتوفى ، سوى الشيخ ورجل مسن عصبي المزاج اسمه (مهاوش) ، يعتبر من أقدم تجار المنطقة ، وأقلهم ربحا ، لعصبيته .. فإن سأله أحد المشترين عن ( بندورة ) (طماطم ) .. وأجابه أن طلبه موجود ، فإن اعترض المشتري على ما عرض عليه ، وطلب أحسن من تلك البضاعة ، فإن البائع العصبي ، سيدوس مئات المرات برجليه على الطماطم حتى يأتي عليها ، وهو يردد : تريد أحسن من هذا ؟ تريد أحسن من هذا ؟ ، وإن اعترض أحدهم على ( زجاجة سراج ) يريد أن يستبدلها فإن كل رصيد البائع ( مهاوش ) سيتكسر أمام المشتري المعترض ..

كان ( مهاوش ) مجنونا ، ولكنه كان لديه زوجتان وأربعة عشر ولدا من الذكور العصبيين ، فلم يتجرأ أحد أن يصفه أو يصفهم بالجنون ..

لم يطق ( مهاوش) وجود عقلة ، فغمز الشيخ سليم وقال له : ( بغلين على طوالة واحدة لا يمكن ربطهما ) .. ففهم الشيخ سليم تلك الإشارة حتى يتم طرد (عقلة) من المجلس ، كي لا يثير مشاكل مع المعزين .. فوجه الشيخ سليم سؤالا الى (مهاوش) : هل عقلة كبير بالسن ؟ فأجاب (مهاوش) : والله لما كنت خيالا كان ( عقلة ) نشميا .. ففرح عقلة بجواب مهاوش وقال : الله يحفظك يا حاج مهاوش .. فأضاف مهاوش بمكر : كان يحمل على رأسه وعاء من خشب و يلحق الأبقار ليجمع روثها .. فغضب (عقلة ) وقال : يلعن شيبك يا مهاوش وخرج .

كان أولاد العتيقة و حتى رجالها ، يتسلون بالمجانين و المهابيل ، تسلية تعوضهم عن نقص الجوانب في التسلية ، حتى كانوا يبتكرون من بين الأسوياء ، أشخاصا ليضيفونهم الى قائمة المجانين ، فقد حدث أن ذهب رجل من الحارة الجنوبية الى الحارة الشمالية ليعبئ بعض (التبن ) من عند عديل له ، وكان يلبس ملابس رثة ، تلاءم قيامه بالعمل ، وكان من بين الملابس غطاء للرأس (يشمغ) مقطعا بعض الشيء ، وعندما أنهى عمله خرج وقد علق التبن في شقوق غطاء الرأس ، فبدا منظره غريبا و شاذا ، فلما لمحه أحد الأطفال ، ذهب وأخبر أترابه بأن مجنونا جديدا قد أتى للحارة ، فتراكض الأطفال يتضاحكون ويحذفونه بالحصى و هو يركض أمامهم ، مستسلما ، حتى دخل خرابة مهجورة فتسلل أحد الأطفال إلى مخبئه ، ففاوضه الرجل أن يعطيه بعض النقود مقابل أن يمنع الأطفال عنه ، فخرج الطفل يبلغ الأطفال : أن المجنون يريد إعطاؤه نقودا ، فهجم الأطفال ثانية عليه ، فما كان منه إلا أن يركض حتى وصل بيته ، مقطع الأنفاس ..

كان ( عقلة ) المجنون ، يغيب عن العتيقة عدة شهور ، ولم يعرف عنه أين يذهب ، حتى صدف أن الأستاذ ( أبو أركان) ، قد نقل من العتيقة للتدريس في قرية تبعد حوالي 50كم ، فلمح بعد أيام من التحاقه بالعمل رجلا يضع عمامة خضراء ، وبيده مسبحة طويلة ، يخرج من دكان بخطوات ثابتة ، فراقبه عن بعد فتيقن أنه ( عقلة المجنون ) .. فترك مجالا حتى ابتعد عبده عن الدكان ، فدخل الأستاذ الى الدكان و سأل صاحبها عن الرجل الذي خرج ، فأجابه : إنه الشيخ (أبو خضر) .. فابتسم الأستاذ بمكر ، ولقن صاحب الدكان بعض الكلام الذي يستفز الشيخ ، وهي كلمات سر يعرفها الأستاذ جيدا ، لكنه كان ماكرا في تلقينها لصاحب الدكان الذي أخبره بأن الشيخ سيعود حالا فقد ذهب لمكان سكنه ليحضر شيئا ، فطلب الأستاذ من صاحب الدكان أن يتخفى في مكان لا يراه عبده فيه .

عندما عاد ( عقلة ) ، كان صاحب الدكان قد حفظ دوره ، فبادره قائلا : يا شيخ ، عندي ابنة تعاني من بعض الوساوس و أريد منك أن تعالجها ، بصنع حجاب أو أي طريقة ، فإن شفيت سأعطيك (زوجا من أفراخ الحمام ) وكانت هذه من مثيرات عقلة ، فجفل عقلة و تنحنح و قال : ( دسِم كلامك) ، وسأعطيك (حليب العجلة الصَبحة) .. فغضب عقلة وقال بعنف : ( استحي) ، ثم أضاف صاحب الدكان : وإن تأكدت من شفاء البنت تماما سأعطيك كل ما لدي من (ملح الليمون ) .. وكانت تلك أشد ما يثير عقلة ، فأمسك بخناق البائع ، وقال له : إن لم تخرج ( رجل العتيقة ) من عندك سأذبحك .. وهنا خاف الأستاذ على الرجل فهو يعلم قوة (عقلة ) .. فإن ضرب بابا مغلقا بإحكام بحجر عن بعد فإنه سيفتحه لا محالة .. فخرج راكضا و خرج عقلة يطارده في شوارع القرية ، التي لم يعد لها ثانية بعدما كشف سره ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #24  
قديم 30-09-2006, 02:04 PM
أوراق الخريف أوراق الخريف غير متصل
وداعا خيميتي الحبيبة
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2004
المشاركات: 1,892
إفتراضي

اخي ابن حوران
هاذا الكتاب او هذه القصة اعادت لي زكرى في قلبي
عن بيت ترعرت به مع جيرانه الذين كانو يفقون عمري ب ستين او سبعين عاما
وكنت بينهم كالاعوبة بين يديهم وكانو لي هم التاريخ كله
ظننت انني سوف انقش اسمي على جدران تلك الدار واعد يوما واشم رائحة سكانه
ولكنني عدت ولم يكن له اثار
سبحان الله اخي انني متشوقة لااتابع حلقة بحلقة عن موضوعك واعود لااسقي تلك الازهار العتيقة
واقول لها
لا تبكي يا ازهار الدار هي انا عدت ارويك
تحياتي لك اخي ولي عودة لو سمحت لي بعد انتهائي من قراءة ما كتبت
تسلم يداك
__________________

شكرا لك اخي ابو معاذ على التوقيع
الرد مع إقتباس
  #25  
قديم 09-10-2006, 04:23 PM
Orkida Orkida غير متصل
رنـا
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 4,254
إفتراضي

رائع أخي الغالي إبن حوران،
وننتظر التتمة

حبيبتي أوراق، هي هيدي حال الدني
بس زكرى..... ولاشيئ يعود كما كان
دمتم بخير
الرد مع إقتباس
  #26  
قديم 24-10-2006, 08:31 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الأخت الفاضلة أوراق الخريف
الأخت الفاضلة أوركيدا

أشكر لكما المرور الكريم
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #27  
قديم 24-10-2006, 08:36 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

( 20)

هناك أمور يحير بها المرء كثيرا .. فعندما ترى رجلا يكدح ليلا نهارا، من أجل أن يؤمن لقمة لطفل صغير ويحرم نفسه من الكثير من الأشياء، فإنك تحير بذلك السلوك .. وعندما ترى طيرا يهيم على وجهه ليلتقط رزقا يضعه في فم مخلوق صغير ينتمي له، وأمه ترقد معرضة نفسها لهجوم الضواري والأفاعي فإنك ستحير أيضا، والكثير من تلك الظواهر التي يستسلم لها المرء في النهاية ليقول إنها إرادة الله ويصمت .

في كثير من الظواهر الأخرى التي لا تنتمي الى النوع الأول، تكون الأعراف أو العادات أو الضرورات الحياتية هي ما تكمن كمسببات وراء تلك الظواهر، فلماذا يتخصص القط بملاحقة الفأر ولماذا يتخصص الكلب في ملاحقة القط، فهذه ستكون من مهام العلماء المتخصصين في تلك الشؤون ..

أما أن يقوم الإنسان على خدمة الحيوان، ويبذل قصارى جهده في تلك الخدمة فهذا ما لم أعرف سره كما لن يعرف سره من يعيش في أيامنا هذه، قد يتعجل أحدنا عندما يقرأ مثل هذا الكلام ويجيب على الفور إجابات لم يبذل بها أي جهد، أو أنه لم يجرب مراقبة هذا النوع من الخدمات في حياته ..

في بعض القرى الجبلية واللواتي لا تكون ملكيات المواطنين فيها من السعة بمكان، قد يصدف أحدنا فلاحا يحرث مساحة لا تزيد عن 500متر مربع هي كل ما يملك، وتكون وسيلة الحرث بواسطة حمارا ضئيل الحجم، ولو توقفنا بجانب ذلك الفلاح، وسألناه : كم تتوقع أن يأتيك ناتجا من هذه المساحة، لتردد وتعصب قبل أن يجيب ، ولكن على السائل أن يتحلى بالصبر ويكرر على الفلاح السؤال، فإنه سيحصل على إجابة بأن الناتج لن يغطي كلفة اقتناء الحمار لمدة شهر، وإن واجهنا الفلاح بما استخلصنا من عدم جدوى اقتناءه لبادر بطردنا على الفور .

في العتيقة لم تكن تمر ساعة دون أن يكون للحيوانات ذكر في الأوامر أو القصص أو العمل نفسه، ومن يتفحص مكونات ذلك الاهتمام لاستنتج على الفور عبثية تلك العلاقة .

فكنا نسمع أسئلة رب المنزل لذويه : هل أسقيتم (الَطرشَات ) وهي كلمة تدلل على الحيوانات المنزلية من أبقار و خيل وحمير وغيرها .. هل (كربلتم ) التبن للطرشات ، أي هل أزلتم التراب والشوائب من التبن لتقدموه للحيوانات .. هل نظفتم تحت الطرشات .

هذا بالإضافة الى أن الآبار التي تكون في ساحات المنازل، لا يشرب أهل المنزل منها، لأنها تلوثت ببقايا روث الحيوانات، وعليه فإنه يتوجب أن يحضروا ماء شربهم من مكان لم يتلوث ببقايا الحيوانات، صحيح أنهم سيستخدمون الحيوانات لنقل الماء، لكن لولا وجود الحيوانات لوفروا هذا الجهد وتناولوا ماءهم عن قرب ..

وإذا جاءت سنين قحط (محل) فإن قسم من السقوف ستزال من مكانها، وسيؤخذ التبن لتغذية تلك الحيوانات، ومن الطبيعي أن طبقة بسمك نصف متر تقريبا قبل ضغطها والتي كانت توضع بالسقوف ستحل مشكلة تغذية الحيوانات لعدة أسابيع، وعلى أصحاب تلك الحيوانات أن يعيدوا ترتيب السقوف في وقت لاحق ، وهو جهد لولا الحيوانات لن يحدث ..

هناك حالة أخرى كنا نراها عند تغذية العجائز لصيصان ( صغار الطير) في حالات الديك الرومي، فتشوي العجوز بيضا و تخلطه ببعض القمح المجروش، وتغذي تلك الكائنات الحية به، في حين يجلس الأطفال يسيل لعابهم دون أن يحصلوا على مثل هذا الغذاء الخصوصي ..

في أيام (الدراس ) أي سحق القش لاستخلاص الحبوب منه، يقضي الفلاحون مدة شهرين وأكثر حتى ينجزوا تلك العملية. صحيح أنهم كانوا يستخدمون الحيوانات في تلك العملية، لكن كل أو معظم ناتج تلك العملية ستأكله الحيوانات نفسها، فمن المستفيد بالدرجة الأولى ؟ إنها الحيوانات .. ومن يستخدم من ؟ إنها الحيوانات التي كانت تستخدم الإنسان، ولكنه كان يخدمها دون أن يسأل أو حتى يفكر .. هكذا وجدوا آباءهم !

ولو نفق حيوان ( مات) فإن الحزن عليه سيفوق الحزن على أحد أعضاء المنزل من البشر، وسيكون حديث الناس لعدة أيام هو كيف أن فلان قد فقد حماره بالموت، ولكنهم لم يعملوا له بيت عزاء، وهو أمر لن يعترضوا عليه لو بادر أحدهم ذات يوم واخترع مثل هذا التقليد ..

كانت الأدوات وحتى المفردات اللغوية المختصة بالحيوانات تفوق تلك التي تستخدم للبشر، ففي حين لم تكن تجد طبيبا واحدا للبشر في عشرين قرية، كنت تجد في كل قرية بيطارا يهتم بصحة الحيوان. وستجد من يفصل لها الرسن والجلال ( غطاء الظهر) والمرشحة ( للخيل) و غيرها ..

لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #28  
قديم 24-10-2006, 10:18 PM
*سهيل*اليماني* *سهيل*اليماني* غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,467
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة ابن حوران
( 20)

هناك أمور يحير بها المرء كثيرا .. فعندما ترى رجلا يكدح ليلا نهارا، من أجل أن يؤمن لقمة لطفل صغير ويحرم نفسه من الكثير من الأشياء، فإنك تحير بذلك السلوك .. وعندما ترى طيرا يهيم على وجهه ليلتقط رزقا يضعه في فم مخلوق صغير ينتمي له، وأمه ترقد معرضة نفسها لهجوم الضواري والأفاعي فإنك ستحير أيضا، والكثير من تلك الظواهر التي يستسلم لها المرء في النهاية ليقول إنها إرادة الله ويصمت .

في كثير من الظواهر الأخرى التي لا تنتمي الى النوع الأول، تكون الأعراف أو العادات أو الضرورات الحياتية هي ما تكمن كمسببات وراء تلك الظواهر، فلماذا يتخصص القط بملاحقة الفأر ولماذا يتخصص الكلب في ملاحقة القط، فهذه ستكون من مهام العلماء المتخصصين في تلك الشؤون ..

أما أن يقوم الإنسان على خدمة الحيوان، ويبذل قصارى جهده في تلك الخدمة فهذا ما لم أعرف سره كما لن يعرف سره من يعيش في أيامنا هذه، قد يتعجل أحدنا عندما يقرأ مثل هذا الكلام ويجيب على الفور إجابات لم يبذل بها أي جهد، أو أنه لم يجرب مراقبة هذا النوع من الخدمات في حياته ..

في بعض القرى الجبلية واللواتي لا تكون ملكيات المواطنين فيها من السعة بمكان، قد يصدف أحدنا فلاحا يحرث مساحة لا تزيد عن 500متر مربع هي كل ما يملك، وتكون وسيلة الحرث بواسطة حمارا ضئيل الحجم، ولو توقفنا بجانب ذلك الفلاح، وسألناه : كم تتوقع أن يأتيك ناتجا من هذه المساحة، لتردد وتعصب قبل أن يجيب ، ولكن على السائل أن يتحلى بالصبر ويكرر على الفلاح السؤال، فإنه سيحصل على إجابة بأن الناتج لن يغطي كلفة اقتناء الحمار لمدة شهر، وإن واجهنا الفلاح بما استخلصنا من عدم جدوى اقتناءه لبادر بطردنا على الفور .

في العتيقة لم تكن تمر ساعة دون أن يكون للحيوانات ذكر في الأوامر أو القصص أو العمل نفسه، ومن يتفحص مكونات ذلك الاهتمام لاستنتج على الفور عبثية تلك العلاقة .

فكنا نسمع أسئلة رب المنزل لذويه : هل أسقيتم (الَطرشَات ) وهي كلمة تدلل على الحيوانات المنزلية من أبقار و خيل وحمير وغيرها .. هل (كربلتم ) التبن للطرشات ، أي هل أزلتم التراب والشوائب من التبن لتقدموه للحيوانات .. هل نظفتم تحت الطرشات .

هذا بالإضافة الى أن الآبار التي تكون في ساحات المنازل، لا يشرب أهل المنزل منها، لأنها تلوثت ببقايا روث الحيوانات، وعليه فإنه يتوجب أن يحضروا ماء شربهم من مكان لم يتلوث ببقايا الحيوانات، صحيح أنهم سيستخدمون الحيوانات لنقل الماء، لكن لولا وجود الحيوانات لوفروا هذا الجهد وتناولوا ماءهم عن قرب ..

وإذا جاءت سنين قحط (محل) فإن قسم من السقوف ستزال من مكانها، وسيؤخذ التبن لتغذية تلك الحيوانات، ومن الطبيعي أن طبقة بسمك نصف متر تقريبا قبل ضغطها والتي كانت توضع بالسقوف ستحل مشكلة تغذية الحيوانات لعدة أسابيع، وعلى أصحاب تلك الحيوانات أن يعيدوا ترتيب السقوف في وقت لاحق ، وهو جهد لولا الحيوانات لن يحدث ..

هناك حالة أخرى كنا نراها عند تغذية العجائز لصيصان ( صغار الطير) في حالات الديك الرومي، فتشوي العجوز بيضا و تخلطه ببعض القمح المجروش، وتغذي تلك الكائنات الحية به، في حين يجلس الأطفال يسيل لعابهم دون أن يحصلوا على مثل هذا الغذاء الخصوصي ..

في أيام (الدراس ) أي سحق القش لاستخلاص الحبوب منه، يقضي الفلاحون مدة شهرين وأكثر حتى ينجزوا تلك العملية. صحيح أنهم كانوا يستخدمون الحيوانات في تلك العملية، لكن كل أو معظم ناتج تلك العملية ستأكله الحيوانات نفسها، فمن المستفيد بالدرجة الأولى ؟ إنها الحيوانات .. ومن يستخدم من ؟ إنها الحيوانات التي كانت تستخدم الإنسان، ولكنه كان يخدمها دون أن يسأل أو حتى يفكر .. هكذا وجدوا آباءهم !

ولو نفق حيوان ( مات) فإن الحزن عليه سيفوق الحزن على أحد أعضاء المنزل من البشر، وسيكون حديث الناس لعدة أيام هو كيف أن فلان قد فقد حماره بالموت، ولكنهم لم يعملوا له بيت عزاء، وهو أمر لن يعترضوا عليه لو بادر أحدهم ذات يوم واخترع مثل هذا التقليد ..

كانت الأدوات وحتى المفردات اللغوية المختصة بالحيوانات تفوق تلك التي تستخدم للبشر، ففي حين لم تكن تجد طبيبا واحدا للبشر في عشرين قرية، كنت تجد في كل قرية بيطارا يهتم بصحة الحيوان. وستجد من يفصل لها الرسن والجلال ( غطاء الظهر) والمرشحة ( للخيل) و غيرها ..

لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..



اخي ابن حوران .. تقبل الله منك صالح العمل وتجاوز عن سيئه وكل عام وانت بخير ..
اكرمك الله باكرامنا وجزاك عنا كل خير ومعروف .. لما كنت بيننا اخا كريما .. ومعلما حليما ..
واجبرتني مع العيد ان اشارك في نصيبك وبديع ارجاءك .. وابدأ بموافقتك بمقولة اهل الابل عن ابلهم انها .. الفقر المحبوب ..
كما ان غالبية اهل البادية من الذين لايزالون بها او نزلوا المدن لايستغنون عنها ولابد ان يكون لاغنامهم منزال آخر يكرمونها فيه .. ويسمونها ( الحلال ) .. فترى احدهم يتركها بداية .. ومايلبث ان يعود لها وينزلها حول منزاله باحد نواحي مدينته .. ليتنفس الصعداء بها ويزين لونه ويشرق جبينه ويتهلل .. وينطلق بالبشرى اليها في كل مرة .. له بها جمال الصباح وطمأنينة المساء .. ان كان موظفا اضافها الى مصروف ابنائه .. وان كان غير ذلك يبارك الله له بها .. وكلما مر عليه ضيف اكرمه منها .. وهي قد لاتتجاوز اصابع اليد اوضعفها .. ولكنها ارتبطت بحياتهم كالماء والهواء .. كما ان اغلب من يحرم منها ولاتسمح الظروف له باقتنائها .. تجده متعكر المزاج متزايد الاوجاعه بسبب فقده لما كان يسليه ويمتع قلبه ويبهج اساريره .. كما ان الغنى عند العرب غنى النفس والسؤدد لايشترى بمال والعزة حريتهم فمابقي اذن ..
ونحن نغبطهم الان وليتنا كنا نملك الوقت لذلك ولو ملكنا الوقت لخدمنا غبارها واكرمنا نزلها .. لانها في خير ليس في شر .. كيف ونحن نرى ان اغلب الذين لايجدون مايشغلهم او يسليهم .. يمنيهم الشيطان ويزين لهم اسباب الخسران .. ولو كان عندهم ماكان عند آبائهم من حيوانات يخدمونها .. لما خدموا باموالهم اشر من الحيوانات .. وظلموا انفسهم ..
واعجبتني كثيرا هذه العجملة في قولك ..
لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..
( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ...

اخي الكريم ابن حوران اعلم انني لم اضف لك شيئا تجهله .. ولكني اجدك كريما في تقبل اخوتك دائما ..
__________________
]

آخر تعديل بواسطة *سهيل*اليماني* ، 24-10-2006 الساعة 10:24 PM.
الرد مع إقتباس
  #29  
قديم 12-11-2006, 06:49 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

أخي الفاضل سهيل اليماني

أشكرك جزيل الشكر على المرور وإثراء تلك الوصلة بعمق الرؤية التي لا نختلف عما ورد بها .. ولكن الإثراء الأهم هو أن هناك من يتابع تلك الشطحات بعين فاحصة وهو على قدر كبير من الاحترام

احترامي و تقديري
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #30  
قديم 12-11-2006, 06:50 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

(21)

عندما يتكلم أطفال الابتدائية بالسياسة، ويتسمع إليهم من يعتقد أنه يستطيع الإجابة على تساؤلاتهم، فإنه يغوص في بحر تساؤلاتهم، من زاوية يحن للطفولة ومن زاوية أخرى يتفقد ما تبقى من تلك الطفولة حاضرا وجاهزا في أعماقه رغم تقدم العمر، فتخبو لديه الرغبة بالتطوع لإجابتهم عن تساؤلاتهم، كما أنه لا يستطيع دوما الانتصار على الطفل السابت الحاضر في نفسه.

من تلك التساؤلات، كيف يستطيع حاكم البلاد أن يسيطر على كل تلك المساحات الشاسعة، والمدن بعماراتها العالية وذات الشقق الكثيرة، والقرى والأرياف والأزقة، والبوادي، فيجيب طفل آخر أحيانا إن تلك القدرة هي لله وحده وأنه يهبها من يشاء و ينزعها ممن يشاء.

كان من يتسمع لهذا الحوار الصغير والتساؤلات الفتية، يهم أن يقول لمن يتساءل، إنها رغبة واستعداد الأغلبية لتقبل ذلك، حيث يتركوا تلك المهمة لمن هم فيها طوعا أو قسرا، ولا يريدوا أن يفسدوا رتابة حياتهم اليومية في مناقشة مثل تلك التساؤلات ..

لكن هناك من يعتقد بعدم أحقية من في الحكم، وأن بالاستطاعة التخلص من أي حكم مهما بلغت قوته، في حالة ضبط خطط التخلص من ذلك الحكم، وقد يبالغ البعض في تسهيل مهمة التخلص من الحكم وأنها تتلخص بالإرادة فقط.

كما قد تبالغ بعض الحكومات في تضخيم أفعال بسيطة وتعتبرها أخطارا، لا بد من مواجهتها بقوة، كما فعلت الحكومة العثمانية مع فتى اسمه (عمر الفاخوري) من لبنان عندما ألف كتابا أو (كتيب) بعنوان (كيف ينهض العرب) وكان قد قرأ للفيلسوف (جوستاف لوبون) الذي كان متخصصا في الكتابة ضد اليهود وتأثر به ، فاعتقدت الحكومة العثمانية أن هناك خطرا قادما من تلك البقعة فحاصرت طرابلس وقامت بحملات شنق وصلت عدة مئات في حلب ودمشق وبيروت وطرابلس، حتى اكتشفوا في النهاية أن هذا الفتى لا يزيد عمره عن ستة عشر عاما إلا قليل ..

في العتيقة ظهرت فئة تشبه ما كان عليه عمر الفاخوري من احتقان وحماس، كانت الفئة لم تكمل منهاجها الثقافي في الفصيل السياسي الذي تنتمي إليه، حتى لم تنهي المراحل الأولى من ذلك المنهاج، فظهر على أفكارها خلط بين أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وقد استغلت تلك الفئة أنباء إنشاء حلف (بغداد) والمظاهرات التي سارت في شوارع بعض المدن العربية، فخرجت للتظاهر بشوارع العتيقة وكان يتقدمها شخص تلقب بالفوهور ومع ذلك كان محسوبا على الخط الأممي، فكان يرتقي (مقرص) ويخطب من فوقه ثم يقفز على طريقة أبطال الكاوبوي، وكان الأطفال من خلفه يهتفون : فلان راكب طيارة .. وعلان راكب حمارة .. فلان يفصم بزر .. وعلان يلقط قشر .. هذه أهم الهتافات التي كان يرددها المتظاهرون ..

استمرت المظاهرات عدة أيام بشكلها الصبياني، ثم قرر (الفوهور) أن ينقل القارمة التي تقول حدود الدولة ووضعها في طرف بين الدولة وحدود العتيقة، وفرض رسوم عبارة عن (100فلس) لكل سيارة تدخل (جمهورية العتيقة الديمقراطية) .. وقد ورد خبر عاجل في الإذاعة البريطانية التي كانت تبث من قبرص عن نشوء تلك الجمهورية التي لو انتبه أهالي العتيقة لأدخلوها في موسوعة (جينيس) كأقصر فترة حكم جمهوري بالتاريخ ..

فقد كان أحد المتطوعين من العشائر المتخاصمة قد انتهى من توصيل تقريره للعاصمة لتتحرك القوات البرية يتقدمها المشاة زاحفة زحف (النمرة و القردة) لمسافة خمس كيلومترات، متوقعة أن تلقى دفاعا صاروخيا من تلك القرية، وقد ورد لمسامعي أن اللواء الذي كان يقود تلك القوات بعد مرور ثلاثين عاما، أنه كان لديه أوامر أن يقصف العتيقة بالمدفعية قبل دخولها، لكن الخطة قد تغيرت بآخر لحظة!

جمع قادة الوحدات العسكرية الذين سيطروا بسرعة على القرية، وجوه العشائر وأمروهم أن يصطفوا بصفين مواجهين لبعضهم، ثم أمروا كل واحد أن يبصق في وجه من يقابله .. ومن يرفض كان يتعرض للضرب ..

أما الشباب (الثُوَار) فقد انهزموا الى قطر عربي مجاور، كلاجئين سياسيين، وكانوا يزيدون عن مائة ، بقي في المهجر، قسم منهم حوالي عشرين عاما، كما قد انهزم معهم من ليس له أي علاقة، عندما رأوا كم هو البطش الذي يحل بمن في سنهم عندما يلقى القبض عليه..

كان من بين الفارين شخص أشقر طويل عيناه واسعتان لكنه يغمض إحداهما نصف إغماضا، وقد اعتبره كل رجال الإعلام والصحافة الذين تجمعوا ليسألوا القادمين عما جرى في الدولة المجاورة، وما هي أخبار (جمهورية العتيقة الديمقراطية). فاختاروا ذلك الطويل الأشقر، حيث لم يعد هناك من يدَعِي بأنه على رأس الثورة، ولم يمانع الواقفون من تنصيب هذا الأشقر ناطقا بلسان الثورة، رغم معرفتهم بأنه أقرب للحمقى منه للعاقلين. وعندما توجه إليه أحد الصحفيين بالسؤال، رد على الفور بأنه في حالة جوع شديد، فجيء بطعام على الفور (له وحده) .. فطلب كوبا من الشاي فأحضروا له كوبا، فطلب لفافة تبغ، والصحفيون ينتظروا ما سيدلي به الناطق بلسان الثورة من تصريح .. ولما انتهت طلباته، وكرروا عليه السؤال أجاب: (طعة وقايمة) يعني أعلن عن عدم فهمه عما جرى .. فخرجت العناوين : وامتنع الناطق بلسان الثورة عن التصريح ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م