مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 12-09-2006, 03:30 AM
رضوان الجزائري رضوان الجزائري غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2006
الإقامة: جزائر الاحرار
المشاركات: 234
إرسال رسالة عبر MSN إلى رضوان الجزائري إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى رضوان الجزائري
إفتراضي موسم الهجرة الى الشمال - جدلية شرق غرب -

اطلق المذيع في هيئة الاذاعة البريطانية والشاب السوداني في ذلك الوقت الطيب صالح صاروخه المدوي والذي اقام دنيا الرواية العربية ولم يقعدها بروايته المتميزة ( موسم الهجرة الى الشمال).
الراوي تطرق في روايته الى جدلية العلاقة بين الشرق والغرب وصورها في اطار قصة حياتية لشاب شرقي عربي وتاثير الغرب عليه وتاثيره هو في الشخصيات التي تمثل الحضارة الغربية في الرواية.
وقد تطرق الكثير من الروائيين العرب لهذه الجدلية فقد كتب من قبل توفيق الحكيم في الموضوع ذاته.
لكن ما يميز رواية صالح انها اخذت القضية من وجهة نظر العربي البسيط وحللتها من جميع النواحي .
انصح بقراءتها
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 13-09-2006, 01:24 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

سأبحث عنها بإذن الله، و أتمنى منك إن كنت قد أتممت قراءتها أن تكتب لنا ملخصاً بسيطاً عن هذا الكتاب في موضوع مكتبة الخيمة على الرابط هذا.
و لك جزيل الشكر.
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 16-09-2006, 10:47 AM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي

موســم الهـجرة إلـى الـشمال
د. كريم الوائلي

يلتقي الشرق بالغرب وتتأزم حدة اللقاء فتتولد مشكلة ، ويعود هذا إلى ظروف وتراث ومواقف .. يختلف فيها الشرق عن الغرب ولم يكن اللقاء مجرد ذهاب شرقي يقطن في الغرب مدة من الزمن ، ليعيش المشكلة وحده مهما كان عنفوانها ، بل هو صراع الحضارات بما تحمله من فكر معاصر وتراث . وما تتسم به الحضارتان الشرقية والغربية من خصائص قديمة ضاربة الجذر في التاريخ ، وحديثه هي نتاج العصر الحديث .
ولا يمثل الشرقي نفسه باصطدامه بالحضارة الأوربية ، بل إنّه يمثل جيلاً ... يمثل أمةً .. ويطرح الروائي علاجاً لهذه المشكلة لأنها لا تمثل مشكلة الفرد ، وإنْ كانت في ظاهرها مشكلة أفراد .. فتكون معالجته أصيلة أو باهية .
ومسرحية (( عطيل )) لشكسبير تمثل لقاءاً حضارياً حاداً . ورواية (( القريب )) لكامو تمثل لقاءاً آخر .. وطرحت الرواية العربية أبعاد المشكلة ووضعت العلاجات لها في مجموعة من النتاجات الروائية .. (( أديب )) لطه حسين ، و (( عصفور من الشرق )) لتوفيق الحكيم ، و (( قنديل أم هاشم )) ليحيى حقي ، و (( الحي اللاتيني )) لسهيل ادريس .. ولكل رواية من هذه الروايات موقف من اللقاء ومعالجة للمشكلة من رؤية خاصة محددة . أراد الروائي ابراز مشكللته والخروج بالحل .
ونلتقي بمواقف هشّة وعرض للقاء ساذج في بعض هذه الروايات ، غير أنّ (( موسم آلهجرة إلى الشمال )) تضع الناقد والقاريء على محك صعب المشكلة ، وطبيعة تناولها .. وما فيها من رموز وأداء فنّي .
و (( موسم الهجرة إلى الشمال )) تمثل أزمة حضارية معاصرة . أزمة اللقاء الحضاري بما يحمله من عنف وتشنج ، وتعرض ممثلين لهذه الأزمة يتفاوتون في المواقف ، ويختلفون في الأفكار ، ويمثلون أجيالاًوأمماً وحضارات ، وتطرح الرواية علاجا لهذه الأزمة ، ولفهم هذه كله لابدّ من تتبع حركة الأجيال المتعاقبة التي تعيش الصراع وهي :
جيل ما قبل الحرب الذي يمثله : جد الراوي ومسترروبنسن وزوجته اليزابيث وأم مصطفى سعيد .
وجيل الحرب والعنف الذي يمثله : مصطفى سعيد وجين مورس وآن همند وشيلا غرينود وايزابيلا سيمور وأخيرحسنة بنت محمود .
وجيل ما بعد الحرب الذي يمثله : الراوي ومحجوب .
ولكل جيل من هذه الأجيال موقف فكري تمثله طبيعة المرحلة ، الثقافة والظروف التي تفرض نفسها في تحديد الموقف ..يضاف إلى كل هذا فهم كل جيل لحركة التاريخ وسيره الحثيث .
وجيل ما قبل الحرب يمثلانه أثنان من السودان أم مصطفى سعيد وجد الراوي ، وأم مصطفى سعيد قناع مكثف غامض ..ورغم هذا فهي تمثل العنصر الطيب في البيئة السودانية والعربية ، وتمثل المرأة التي تعيش في بيئة فرضت عليها ظروف معينة أن تكون بهذه الصورة .. ولكنها تحمل في أعماقها صلة وثيقة بالأرض والبيئة والتراث .. وإنْ كانت نظرتها مشوشة وغير محددة المعالم ، وهذا عائد بطبيعة الحال لما يعانيه المجتمع من حرمان ثقافي وفكري محدد لم يفسح المجال لها من تفجير طاقاتها . والجد .. جد الراوي يسير في الإطار الضيق نفسه الذي سارت فيه أم مصطفى سعيد طيبة ونقاوة وصفاء ، والجد لم يكشف غوامض الحياة ، ولم يحدد أفكاره في ضوء حركتها وحركة التاريخ ، وهو وأم مصطفى سعيد يحددان موقفاً أصيلاً إنطلاقاً من إحساس فطري ونظرة حدسية لم تكن قائمة على وعي ودراسة وموقف فكري واضح ورقيق .. ولذلك لم يقعا فيما وقع جيل الحرب ، والجد يعرف السر الذي سقط فيه جيل الحرب ، ولكنه لا يستطيع تحديد ما هيته ، ولا يقوى على تحديد أبعاده الفكرية . غير أنّ الحياة السهلة التي عاشها الجد دون أن تعصف بها مظاهر الحياة والصراع النفسي الخانق إزاء اللقاء الحضاري بعد قطع الجذر بالتراث (( فالشجرة تنمو وجدك عاش ويموت ببساطة )) وإنّ جد الراوي لا يحدد ماهية الشيء الذي وقع فيه جيل الحرب ولكنه عاش فيه (( انه يحمل رائحة فريدة هي خليط من رائحة الضريح الكبير في المقبرة ... ورائحة الطفل الرضيع )) .
ومستر روبنسن وزوجته نموذج آخر يمثلان جيل ما قبل الحرب ، ولكنهما من أوربا .. وسعيا للتقارب بين الحضارات ، وكان موقفهما محدد بوعي ونضج . ولم يأتيا للشرق للتهديم والاستغلال بقدرما سعيا للانتقال من الشرق بما يحمله من سحر ونقاوة وعمدا إلى التراث الذي عاش عليه الشرق ردحا طويلاً من الزمن لاكتشاف مواطن قوة حضارات الشرق واحتضنا الجيل الجديد ، ورعياة برقة وحنان خشية الضياع ، غير أن الجيل الجديد كان يفكر بأبعاد مادية فيها الجنس ، وفيها الطمع ، ولا يعرف سر اهتمام الجيل السابق به ، بل إنّه يعجب من ذلك .
واهتمام جيل ما قبل الحرب بالجيل اللاحق متأت من خشية الضياع لهذا الجيل الذي بدأت بوادر العنف تعصف به ، ويبدو أنّ جيل ما قبل الحرب يتحسّس أثر الحرب وما تتركه من بصمات قاسية على الأجيال . لأنه ليس من المنطق أن ترجع ملايين الجنود من الحرب الطاحنة التي شاركت فيها فتعود ألى حالتها الطبيعية دون أن تترك آثارها العنيفة على المجتمعات التي تحل فيها ، ولكن المنطق أن تترك هذه الجيوش آثارها السلبية .. تأثيرا عنيفا ذ... مباشرا مرة ، وغير مباشر يسري بهدوء في أوصال المجتمع مرة أخرى ، ولذا ولدت هذه الملايين في المجتمع الأوربي موجة عنيفة صارخة هي أول ردود الفعل للحرب وآثارها في المجتمع ، ومصطفى سعيد يذهب إلى أوربا وهي خارجة لتوّها من وطأة الحرب فيتم اللقاء العنيف الحاد بين قيم الحضارة الأوربية التي أنهكتها الحرب وقيم مصطفى سعيد الشرقية ومشاكله وغربته فضلا عن الوعي الجماعي المخزون في إعماقه .
إن مصطفى سعيد لم يعرف الاستقرار في حياته ، ولم يكن اضطرابه طارئاً على شخصيته ، بل هو صفة متأصلة في أعماقه لأنه يعيش غربة داخلية عنيفة كانت سببا في توليد كل هذا الحب العنيف للتطواف في العالم ، وهذه الغربة الداخلية صيّرته فردا غامضا شاذاً أينما حلت به الرحال ، حتى في بلده السودان . بل وفي عمق السودان في قرية . ولكنه في أوربا التي عاش غربة خارجية فرضتها عليه ظروف البيئة وطبيعتها والظروف الاجتماعية ولم يستطيع مصطفى سعيد التأقلم حتى في بلده السودان ، وقد رفد الغربتين الداخلية والخارجية روافد أخر بالغة الأثر في شخصية مصطفى سعيد أبرازها مشكلة اللون التي مسّها الطيب صالح مسا خفيفا ، ولكن كان لها أثر فاعل في حدّة الموقف وعنفه (( إذا جاءت أحدهم تقول له إنني سأتزوج هذا الرجل الأفريقي ، فسيحس حتما انّ العالم ينهار تحت رجليه )) (( أمّي ستجن وأبي سيقتلني إذا علما أنني أحب رجلاً أسود )) ولم تكن مشكلة اللون السبب المباشر في تفجير اللقاء الحضاري بين الشرق والغرب بل إنّ حدة اللقاء متمثلة بالمستعمر الأوربي المسيطر على السودان والعالم العربي ، ومصطفى سعيد بوضوح في محاكمته (( صليل سيوف الرومان في قرطاجة ، وقعقعة سنابل خيل اللبنى وهي تطأ القدس . البواخر مخرت عرض البحر أو النيل أول مرة تحمل أول مرة تحمل المدافع لا الخبز ، وسكك الحديد أنشئت أصلاً لنقل الجنود ، وقد أنشأوا المدارس ليعلمونا كيف نقول (( نعم )) بلغتهم إنّهم جلبوا إلينا جرثومة العنف الأوربي الأكبر )) .وهذا يعني أنّ الاسّتعمار قديم منذ الرومان ، وأن الاستعمار الحديث يدعي التمدن والتحضّر ولكنه لغاية معينة . والطمع أساس في لقاء الغرب بالشرق .. البواخر مخرت عرض النيل أول مرة تحمل المدافع .. لا الخير !! .
كان مصطفى سعيد يبث جرثومة في النساء الأوربيات ، فتموت المرأة أو تنتحر ، ولكنه في المرة الأخيرة مع (( جين مورس )) يأخذ طابعا جديداً حيث يأخذ سلاحه ليقتل ويتلذّذ منتقما ، والانتقام بعدً بارز في المحاولة ، لأن مصطفى سعيد يشعر في أعماقه أنه يعيش حرباً صروساً مع خصومه وأعدائه الذين سيطروا على أرضه ، واستغلوا ثمارها ، وتركوا أبناءها يعيشون في حالة من الضياع . ولذلك تتضح علاقة مصطفى سعيد بـ (( جين مورس )) بهذه الأبعاد ، ألا انهّا لا تخلو من حالات مرضيّة شاذة ، فعلاقته بها شاذة ، وهي لا تقل عنه شذوذاً، إنّ الصراع الحضاري بين الشرق والغرب يمثل في هذا الجيل مثلاً العنف . وهناك تقارب بين مصطفى سعيد و (( ميرسو )) بطل رواية (( الغريب )) لالبير كامو . إنّ (( ميرسو )) يقتل العربي الأفريقي لأنّ الأخير حمل المدية التي تمثل بوادر النهوض عند العرب ، وأنّ المدية تحرك في لا وعي الأوربيين السلاح .. القوة .. الفكر .. الذي دحرت به أوربا من قبل . وغريب البير كامو جاء غازياً الشرق ، ومصطفى سعيد غريب آخر يذهب إلى أوربا ، ويحمل سكيناً ويقتل . الفرق انّ هناك لقاءاً حضارياً من وجهة نظر غريبة ، وهنا لقاء حضاري من وجهة نظر عربية شرقية .. مصطفى سعيد قبّل السكين ولثمها لأنها تمثل السلاح الذي رافق مسيرة العرب في إنتضارتهم وحروبهم .. في عزّهم ومجدهم ، ولذا أحسّ الروائي انّ الشرق سينهض من خلال مصطفى سعيد .. فأعطاه سلاحاً ودعاه لغزو أوربا لإحداث الاخصاب والتلاقح الحضاري والقتل ..وهو يشير من جهة أخرى إلى شدة العنف في جيل الحرب الذي تركت الحرب بصماتها عليه .
وسعى الطيب صالح إلى توظيف (( جين مورس )) توظيفاً حضارياً .فهي تمثل الحضارة الأوربية بما تحمله من تشنّج وعنف وشذوذ . وتتأزم أجيال الحرب في الصراع بين الحضارات ـ نفسياً وفكرياً وسلوكياً ، ويصل الصراع حدّاً من العنف ، إلى درجة الخلاص من الخصم بالقتل (( وصرخت فيها : أنا أكرهك أقسم أنني سأقتلك يوماً ما )) وهي لا تقل عنه خطورة وشذوذاً (( أنا أيضاً أكرهك حتى الموت ))
إنّ (( جين مورس )) تمثل الهلاك لمصطفى سعيد ، والالتحام الحضاري بين الشرق والغرب ، عند أجيال الحرب ، يعني الدّمار النهائي لكليهما . غير أنّ هذا الدمار ممزوج بنشوة ولذة منحرفة خطيرة . أثارتها كوامن عديدة .. منها الضارب الجذر في التاريخ .. ومنها وليد العصر والحضارة الحديثة والحرب .. (( أخرجت السكين من غمده ، جلست على حافة .. السرير أنظر إليها ، نظرت في عينيها فنظرت في عينيّ .. وتماسكت نظراتنا واشتبكت ، فكأننا فلكان اشتبكا في ساعة نحس ))
هذا اللقاء الحضاري لقاء دموي حاد عنيف ، ومصطفى سعيد يتنبه إلى أهمية السلاح ، السكين التي يقبلها ، وهي رغبة لا شعورية في العودة إلى السيف الذي كان وما زال رمزاً للقوة .. واللقاء بين الحضارتين سبقته لحضات تألّم . ثم كان اللقاء الدموي العنيف . اعترف كل منهما بحبه للآخر ، واجتمع الماضي والحاضر والمستقبل في نقطة واحدة .
__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 16-09-2006, 10:52 AM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي


واللقاء مهما كان ساذجا ، أو جنسياً فإنّه يحرك في أعماق مصطفى سعيد كوامن خاصة .. يذكره بالغزاة والطامعين .ويعود به إلى أيام عز الأمة وانتضارتها .. فمجرد ذكر اسبانيا يذكره بلقاء الجنود العرب في الأندلس . ورحلة مصطفى بالرغم من أنها رحلة معاصرة إلا أنّها غوص في أعماق التاريخ وتفسير لبعض غوامضه ثم العودة بالحل .
ومصطفى سعيد رغم تهالكه على الجنس إلا أنّه يرفض أن يتحول هذا اللقاء إلى حب .. الجنس وحده عملية ممقوتة .. أمّا في حالة الامتزاج فإنه يوظف وظيفة خطيرة تعني انهيار الشخصية العربية وتحطيمها .. (( وسمعتها تقول لي بصوت مستسلم متضرع (( أحبك )) فجاوب صوتها هتاف ضعيف في إعماق وعيي يدعوني أن أقف )) ولذلك قرر مصطفى سعيد أن يحقق مع الجنس بديلا آخر غير الحب وهو القتل .
إنّ النساء اللاتي إلتقى بهن مصطفى سعيد يمثلن الحضارة الأوربية التي هي نفسها الحضارة القديمة ، والتي ظهرت قبل ألف عام ، وحملت وما تزال جرثومة العداء والحقد والاستغلال والقتل .
إنّ آثار العنف بقيت ملاحقة لشخصية مصطفى سعيد ، ولم يقف تإثير جرثومته عند حدود الأوربيين ، بل استمخر في مجتمعه السوداني ولكنّه شرع ينفث آثاره ببطء وهدوء في مجتمع اعتاد الاستقرار . غير أنّ تفث جرثومة العنف الأوربي كانت عميقة الغور في المرأة التي عاشرت مصطفى سعيد في السودان فترة زمنية طويلة ، وهي زوجة حسنة بنت محمود . ولقاء مصطفى سعيد بزوجه كان من أجل التلاقح والاخصاب الجنسي والفكري معاً . وكانت حسنة (( رمزاً طيباً لتقبل عنصر التجديد والاسهام في رفع عجلة التطور إلى الأمام وذلك لقابليتها للتجديد واستعدادها الفطري له )) . وحسنة بنت محمود بما تحمله من صفات وخصائص ترمز إلى البيئة والأرض أو تعني السودان والشرق التي تسعى إلى تلاقح جنسي وفكري معاً ويدفعها إلى الأمام (( انها تريد أن تخطو إلى الأمام دوم أن تنتزع جذرها من الأرض )) .
وكانت حسنة بنت محمود رغم بسطتها ، تحس إحساساً فطرياً عميقاً بتفهم هذه الشخصية الوافدة التي لم تعرف عنها شيئاً .. واندفعت مع مصطفى تتزود منه بهدوء .ولكنه عداها بجرثومة مرضه ، العنف ... التمرد .. الرفض .. وسعت حسنة إلى الاقتران بالرواي الذي يمثل البديل (( الامتداد الحقيقي المقبول لمصطفى سعيد )) .. لأنّ مصطفى سعيد بداية مشوهة فيها شذوذ ، ولذلك أنهى الطيب صالح حياة مصطفى سعيد بالموت ..ويكون الراوي الامتداد الطبيعي لممارسة الحياة ... ولذلك وبعد أن رضيت حسنة بنت محمود بالبداية المشوهة .. رفضت أن تتزوج رجلاً كهلاً يمثل التهاوي والخمول ، ويحمل عقلية متخلفة ، لا تفرق بين شراء حماره أو الاقتران بإمرأة وانتهى زواجها بهذا النمط البالي المتخلف بالقتل ، قتلت ود الريس ، زوجها الجديد ، وقتلت نفسها . (( وبذلك تكون (( حسنة )) قد قتلت التقاليد القديمة التي تعودت أن تجعل من المرأة شيئاً من المتاع المادي ، وليست (( إنسانة )) ذات عاطفة مستقلة ، إنهّا قتلت رمزاً من رموز الماضي بتقاليده ونظرته الخاطئة إلى الحياة ، وأحدثت بهذه ( الجريمة ) صدمة مفجعة لمجتمع قريتها الأفريقي الهاديء البسيط )) هذه الصدمة العنيفة ولدت موقفاً معيناً . وأفاقت القرية السودانية على مولد جديد زرع بذوره مصطفى سعيد . ترى هل هذه الجريمة امتداد للجرثومة القديمة التي بدأت آثارها في أوربالأسباب معينة اشرنا إليها . فامتدت لتشمل السودان والشرق .. ? !! .. (( لقد كان مصطفى سعيد يحمل الجرثومة التي أصابت القرية وجعلتها تنظر إلى مستقبلها بقلق وخوف )) .
ومسألة أخرى ينبغي أن نلتفت إليها . تلك غرفة نوم مصطفى سعيد في أوربا التي كانت تدور فيها معاركه الضارية مع الحضارة الأوربية . وكان الروائي يصر على رائحة الصدل والند.. هذه الرائحة الخانقة القاتلة ..ما إن تستنشقها امرأة جاءت لتطأ فراشها حتى تكون نهايتها الموت .. (( غرفة نومي مقبرة .. تعبق من الغرفة رائحة الصندل المحروق والند .. غرفة نومي كانت مثل غرفة عمليات في مستشفى .. أقضي الليل ساهراً أخوض المعركة بالقوس والنبل والسيف والرمح والنشاب ..فأعلم أني خسرت الحرب مرة أخرى )) ... هذه الغرفة محاطة بسر غامض ورائحة الصندل والند ...تذكرنا بالمتصوفة . وغرفة أخرى مغلقة باسرار . برائحة الصندل والند .. غرفته هذه المرة في السودان ..في قرية وصدمت الراوي روائح الغرفة . وكاد يموت أو ينتحربعد خروجه منها لولا خلفية فكرية ضارية الجذر بالتراث والأرض . هاتان الغرفتان أو هذه الغرفة التي فتح الراوي النوافذ عليها فلم يدخل من الخارج سواى مزيد من الظلام .. ? ماذا تعني هل هي غرفة أودعها أسراره ، وما السر في كونها قاتله لمن دخلها .. ? !! ولماذا لم يسمح مصطفى سعيد لزوجه الدخول إليها منذ زواجه منها .. وحتى وفاته ? ! ولماذا كان الراوي يصر على أن تظل الرائحة حبيسة . فيها وحرق محتويتها . كي لا تتسرب روائحها القاتلة .
ويبدو لي انّ هاتين الغرفتين تمثلان اعماق مصطفى سعيد بما تحمله من غرفة داخلية وخارجية . والتي تصطرع فيها كل المواقف الغامضة وتدور فيها الحرب والصراع الحضاري ، وهي مغلقة بهذا الغموض والصوفية .
أما الجيل الثالث الذي يمثله الراوي ومحجوب .. فهو يمثل عنصر المصالحة مع الحضارة الأوربية ، والراوي يذهب إلى أوربا ولكنه لم يصطدم بها كما حدث لمصطفى سعيد لأسباب عديدة .. إنه من جيل آخر غير جيل مصطفى سعيد . جيل عاد إليه الهدوء نسبياً . وأصبح فيه الاستعمار تاريخياً . أو قل تأثيره . وإنّ الراوي يشعر أنّ هناك جذوراً كثيرة إلى بيئته وتجذبه إليها .. (( نظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في دارنا . فعلمت أنّ الحياة لا تزال بخير . انظر إلى جذرها القوي المعتدل وإلى جذورها الضارية في الأرض ، وإلى الجريد الأخضر المتهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة ، أحس أنني لست ريشة في مهب الريح ، مخلوق له أصل ، له جذور ، له هدف )) .إنّ الراوي يشعر أنّ هذه الجذور تشده بعنف وقوة إلى الأرض والبيئة ، والجد جزء آخر يشده إلى البيئة والأرض شداً عنيفاً (( وحين اعانقه ـ أي الجد ـ استنشق رائحته الفريدة التي هي خليط من رائحة الضريح الكبير في المقبرة ورائحة الطفل الرضيع ))
وبموت مصطفى سعيد تتولد أشياء جديدة في القرية ، ويبدو أنّ جرثومة المرض انتشرت في المجتمع ، ويتحول الراوي إلى غريب وطالب ثأئر من مصطفى سعيد ، ويسعى بكل جهده لمواجهته ولكنه يشعر أنّه ابتدأ من حيث انتهى مصطفى سعيد ، والذي نراه ، أنّ الراوي يتصور أنه يرى صورة مصطفى في غرفته المعلقة في غرفته في السودان . ولكنه في الحقيقة كان يرى نفسه في المرآة ، وتداخل الشخصيتين بهذه الشكل يعني أنّ جرثومة المرض قد سرت إلى الراوي ، ولذلك فكر الراوي أن يرحل كرحلة مصطفى سعيد إلى الشاطيء الشمالي ، وفي هذه الرحلة الموت .. الغربة .. والألم .. ولكنه قرر الحياة فاتجه نحو الجنوب الذي يمثل الأرض .. ، وتحددت علاقة الراوي بالنهر وهو طاف فوقه وليس جزءاً منه .. النهر الذي يعني الحركة .. بل يعني الزمن .. (( إنّ حياة القرية رهن لعطاء النهر .. والنهر يرتبط بحياة أهل القرية منذ طفولتهم )) ... (( فكرت أنّني إذا من تلك اللحظة فإنني أكون قد متّ وكما ولدت دون ارادتي ، طول حياتي لم اختر ولم أقرر ، إنّني أقرر الآن ، انّني اختار الحياة )) .
أراد الراوي لمصطفى سعيد الذي يمثل جيل الحرب أن ينتهي وأنْ لا يسود . فأوصله إلى تلك النهاية المفجعة ، وإن بدا هذا الأمر في الظاهر اختياراً إرادياً لمصطفى سعيد .. والهلاك والموت لجيل الحرب مسألة محتمة تفرضها حركة التاريخ . غير أنّ اختيار الراوي عن وعي وادراك ، فاختار الحياة ، وقرر أن يحدد موقفه منها ، فرفض الرحلة إلى الشمال كي لا تتكرر المأساة في جيل جديد ، جيل الأكذوبة في حياة مصطفى سعيد .
إنّ الراوي يمثل جيل ما بعد الحرب ، جيل هاديء مستقر ، تؤثر فيه مظاهر العنف الأوربي ، والراوي ومحجوب يمثلان عنصر المصالحة والحل بين الحضارات ، وهو لقاء قائم على التفاهم والحل والوعي والتأمل (( واذا كان مصطفى امرءاً يستبد به الشوق إلى كل جديد وغريب ، فأنّ الراوي لا يستريح إلى الغريب حتى يرى تشابهاً من المألوف ، الناس عنده هم الناس في كل مكان )) . ولذلك فهو يقول (( إنّ الاوربيين مثلنا تماماً .. يولدون ويموتون )) والراوي (( وإنّ أشبه مصطفى سعيد في كونه مثقفاً سودانياً أقام في بلاد الانجليز سنين طويلة وتشرب ثقافاتهم فهو يختلف عنه اختلافاً أصيلاً من حيث الانتماء إلى الأرض )) .
أما محجوب فهو يمثل الشخصية الفلاحية الواعية المرتبطة بالأرض . والممثلة لمصالح هذه الفئة من الناس يوعي ونضج . ولا خلاف انّ محجوباً شخصية إيجابية تمثل الجمهور الواسع من المجتمع السوداني . غير أنّ محجوب والراوي إقتتلا في قضية تتصل بمصطفى سعيد (( الذي حدث بعد ذلك ليس واضحاً تماما في ذهني . ولكني أذكر .. يدي مصبقتين على حلق محجوب . وأذكر حجوظ عينيه وأذكر ضربة قوية في بطني ، وأذكر محجوب جاثماً على صدري ... )) .
الموت سر ملغز في الرواية . وهو إستجابة أو ردود فعل طبيعية لحدة العنف الأوربي الذي بذرته أوربا في نفس مصطفى طيلة الفترة ( ثلاثين عاماً ) التي قضاها هناك .. ورغم تشرب العنف في نفسه إلا أنّه وقف في وجه الحضارة الأوربية محارباً وغازياً لها بأساليب سلبية ، وإنْ كانت تحمل في اللاوعي بعداً عميقاً ضارب الجذر في الصراع بين الحضارات الانسانية .
إنّ الراوي في نهاية الرواية أوشك على الموت وصرخ .. (( النجدة .. النجدة )) . وهذا يعني أنّ الجيل المثقف الجديد ... جيلنا المعاصر به حاجة إلى نجدة وإنقاذ خشية الذوبان ..إنّ الراوي قد اختار ، ولكنه الاختيار وحده لا يضمن النجاح ، إذ لابدّ من وقاية لهذا الجيل .
أمّا أسلوب الطيب صالح ، فقد وصفه الغربيون بأنه (( فنان من الشرق ـ فيه طعم الشرق وسحره وجنونه وصوفيته ، ولكن بثياب أوربية )) .
__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس
  #5  
قديم 16-09-2006, 11:01 AM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي

ولعل أبراز السمات التي اتسم بها أدبه هي صوفيته التي ما تناول ناقد روايته إلا أشار إليها ، وأرى إصراراً عند بعض النقّاد السودانيين أنّ سبب هذه الصوفية عائد إلى نشأة الطيب صالح في القرية ومهما قيل في أسبابها ، فإنّها بارزة في الرواية توحي بأجواء شرقية فيها السحر والخيال والصوفية . هذه أتاحت للروائي القدرة العجيبة في نزع الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال .. الحلم والواقع ، والشخصيات منسوجة بشكل لا حدود له ، وممزوجة بعوالم واسعة ومواقف متعددة .. وتتداخل جميعها بين الواقع والحلم والصوفية المكثفة .
ويخالطك شكل في أن المرافعة والمحكمة حدثت فعلاً ويبدو أنها من خيال البطل ، وهي جزء من الـ flah lsack )) في تركيبة الرواية عند الطيب صالح .
ويعتمد الروائي في عرض الأحداث (( طريقتي السينما .. المألوفتين : عرض أحداث مختلفة في أمكنة مختلفة وزمان واحد ، وطريقة الرجوع بالأحداث في لقطات متسلسلة ، وهو جريء في قطع المشهد ، والانتقال إلى مشهد آخر ، بالتمهيد حيناً ودون تمهيد حيناً آخر ))
والطيب صالح لا يحفل بالترتيب الزمني ، إذ يدمج الحاضر بالماضي ويجمع الأزمنة الثلاثة في لحظة واحدة تحت تأثير تكنيك خاص إعتمده في الرواية ، وهو التذكر وتداعي الأفكار .. ولا يعطينا الروائي كل شيء بل يترك فسحة للمتلقي ليسهم في الرواية بإضافة أفكاره من خلال التخيّل ، وتأثير الفكرة وإلحاحها عليه ، وعلى هذا الأساس اعتمد تكتكياً خاصاً يتكيء فيه على ومضات ساطعة مرة أو خافتة مرة أخرى ، وقد تكون الومضة كشهاب يطول احتراقه ، أو لمعه بارقة ، وتتكرر الومضات من جديد في الرواية باستخدام (( تيار الوعي )) ولكن بلمعان جديد أو إضافات أخر تأخذ أبعاداً جديدة .. (( لغز الموت هذا هو الذي يلقى بطله على جو الرواية فتصبح مع المؤلف كأننا نسير في سرداب مظلم يضيء مصباحه اليدوي في أيّ مكان شاء ، فنرى قطعة من الاحداث ثّم يعاودنا الظلام والضياع ..))
والراوي هو الذي يروي الرواية مرة ، ومرة مصطفى سعيد ، مع عدم إلتزام التسلسل الزمني والمكاني في سرد الحوادث ونمو الشخصيات ، وتتداخل المواقف تحت تأثير التذكر وتداعي الأفكار بمزج الخرافة بالحقيقة والواقع بالأسطورة .
ومهما قيل في أنّ تكنيك الرواية تجريبي ، وأنه لا يعتمد أسلوب الأداء التقليدي الذي يعتمد على نمو الحدث والشخصية بطريقة تطودية ، وتتماسك تماسكاً عضوياً ، وأنه يعتمد في بعض فصول الرواية على (( تيار الوعي )) . فهي رواية تعتمد على التداعي واجترار الذكريات مع إتكاد الروائي على المنولوج الداخلي ليضفي على الرواية مزيداًمن الغموض والجمال .
__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م