مذكرات أول يوم لمدرس منقول !!

[ابو رائد]

بعد ذهاب وإياب بين ردهات ( إدارة التعليم ) ( الصادر + الحاسب + النفقات والرواتب + شؤون المعلمين + شؤون الموظفين + مكتب مدير شؤون المعلمين + مكتب مدير شؤون الموظفين + الإشراف التربوي )
أخذنا ورقة التوجية للمدرسة الجديدة في المنطقة الجديدة القديمة , ما أثقله من يوم وما أبعده من مكان , المبنى مستأجر , لم أجد موقعها الا بعد جهد وعناء , إستوقفت كل من يمر بي حتى الأطفال في المدرسة الإبتدائية سالتهم عنها ! الكل لا يعلم وكأن لسان حالهم يقول ( ماذا يريد هذا المتطفل مني في هذا اليوم الثقيل وفي صباح العام الدراسي الجديد ؟! )

وجدتها بعد عناء ( إسم المدرسة مكتوب في لوحة صغيرة وقد توارت خلف تلك الشجرة الباسقة , مع أني مررت بذاك الشارع أكثر من مره لكن لم ألحظها , فالحي كله بيوت وبجانبه سيارات والمدرسة كذلك ) دخلت اليها متثاقلا وورقة التوجيه بيدي , سلمت على رجل كبير في السن وعرفت أنه الحارس وقلت له ( أين باب الرجال عفوا أين باب المعلمين لو سمحت ؟) فأشار لي على باب صغير , دخلت وكالعادة غرفة المدير في مجلس الرجال وغرفة الوكيل في المقلط ! و ( المقلط ) لم لا يعرفه هو غرفة طعام الضيوف , وعادة لها مدخلان , باب لجهة الرجال وباب خلفي للنساء .

دخلت على المدير ذو الملامح الجادة , قد يكون بالأربعينات من عمره وسلمت عليه وعرفته على نفسي وتخصصي , فرحب بي وقال ( وينك ننتظرك من زمان يا رجل ؟ تعرف أني إتصلت بالإدارة وعرفت إسمك ووهذا جدولك ) أخذت الجدول وبدأت أعد عدد الحصص ووجدتها 24 حصة قلت أكيد في مدرستكم 6 فصول. قال نعم وطلابنا من أحسن الطلاب . قلت لم أتوقع أن يكون نصاب المعلم في مبنى مستأجر يصل الى 24 حصة . قال هذا المتاح وأنت معلم وشاب والمفترض أن لا تتذمر من عدد الحصص فأنت مربي أجيال . نعم نعم مربي أجيال وقلت في نفسي ( مربي أجيال ليس له الحق في أن يرتاح في عمله ) ومد يده لي وقال هذا جدول الإشراف . يومك هو الأربعاء واريد منك دفتر التحضير بالاسبوع مرتين وأن لا تتأخر عن الطابور الصباحي ولا تستخدم العصا , وهذه ( قطة العامل )أدفع لصرف راتبه ووقع, وهذه ( قطة الفطور والشاي والقهوه ) إدفع ووقع , وهذه ( قطة معمل الحاسب ) إدفع ووقع ! وحرصا منا على التآلف بين المعلمين فنحن سنذهب لرحلة برية كل اسبوع على معلمين . قلت يصير خير أي خدمات ثانية؟ قال لا شكرا اذهب مع الأستاذ ( فلان ) وتعرف على المعلمين وخذ جولة على مدرستنا العامرة !

دخلنا ( المقلط ) غرفة الوكيل وفيها الوكيل وبجانبه 5 طلاب مشاغبين يوبخهم وتوعد أن يحضر أولياء أمورهم إن لم يصطلح حالهم ! قلت في نفسي ( الكتاب باين من عنوانه , الله يعين على هذه المدرسة وعلى طلابها ) سلمت عليه وخرجت الى الفصول , الصالة صغيرة وسجادتها بالية والأسياب ضيقة والفصول صغيرة والطلاب متكدسون فيها , (المطبخ) تحول الى غرفة تربية فنية بطاولة واحده وبدون كراسي ولوحات صغيرة وكبيره متناثرة ومعلقة هنا وهناك , قلت لزميلي الجديد ( كيف مستحملين هذا الوضع؟ ) قال ( تعودنا عليه فأنا هنا منذ إنشاء المدرسة قبل 5 سنوات ولم يكن يوجد بها الا 3 فصول فقط والآن غصت المدرسة بالطلاب ) قلت ( أنت معي أن أعداد المدارس المستأجره في تزايد مما يزيد الفجوة بينها وبين المدارس الحكومية فمعدل الدارس الحكومية بالنسبة للمستأجر 1 حكومية الى 10 مستأجرة كل سنة ) ( قال نعم ولكن كل له مميزات وعيوب )

خرجنا الى الساحة ( الحوش ) قال هنا مكان الفسحة ومن تلك ( النافذه الصغيره ) يشتري الطلاب فسحتهم من المقصف التابع لأحد البوفيهات القريبة من المدرسة . ثم تابعنا الى مخرج الى أرض فضاء مسورة وفيها ملعب كره قدم وفيها يتم الطابور الصباحي والنشاط الرياضي في الفسحة وحصص التربية الرياضية. وتحت المظلة في زاوية الساحة تقام الصلاة ويتم فيها الإختبارات النهائية ! قلت وماذا عن الحر والبرد هل هذا المكان مناسب للطلاب ؟؟ وكيف يستطيع الطالب أن يختبر في هذا الجو المكشوف وقد يصادف ذاك اليوم مطر أو ريح عاتية تتطاير معها أوراق الإختبارات ؟ قال لا لم يحصل أن صاف يوما ممطرا أو عاصفا ولله الحمد!

دخلت غرفة المعلمين فيوجدها صغيرة 2×3 وفيها مجلس عربي متهالك وفي زاويته أرفف مرصوص عليها ( مربى + قشطة بوك اعتبروها دعاية + زيتون اسود + جبن كرفت ) بأعداد كبيره تكفي لسنة . وجالس عندها العامل المتخصص في إدارة شؤون القهوه والشاي , وفي وسط المجلس 3 معلمين أصواتهم عالية بالضحك والكلام المسموع في البيت السابع من الدرسة سلمت عليهم وصافحوني بأذرعتهم لأن أيديهم ملطخة بالأنعام . قالوا اجلس شاركنا قلت لا أنا أفطرت عند أهلي شكرا لكم . قال أحدهم بعدما ( بلع ) اللقمة واتبعها رشفة من الشاي : أنت محظوظ وطاحت عليك هذه المدرسة من السما . قلت: الله يعين على تحمل المسؤولية . دخل علي كاتب المدرسة وقال وقع على هذه التعاميم . قلت ماهذه التعاميم الله يستر .فقرأتها فلم أجد تعميم يخصني أو له فائدة معينة !!! فكلها أخبار الإدارة من ودعت ومن أستقبلت !!! فوقعت خلفها كباقي المعلمين .
وسألت عن غرفة المعلمين . قالوا هذه غرفتهم. قلت : لا هذه غرفة استراحة فقط انا اقصد مكاتب المعلمين . قالوا ك نعم هذه هي لا يوجد مكاتب للمعلمين . قلت : اين يتم تحضير الدروس والتصحيح وحفظ أوراق المعلم. قالوا : التصحيح والتحضير هنا الأوراق دبر حالك والله يعينك !!

ذهبت للمدير وقلت له : أريد الورقة لأسلمها للإدارة حتى ترفع مباشرتي فقال : نهاية الدوام إن شاء الله . قلت : لا يوجد حصص لي هذا اليوم وأنت قلت من الغد إبدأ الحصص وجلوسي لا يفيد أحدا . خرجت نهاية الدوام والورقة بيدي والشمس والحر والطريق الطويل جعلتني اتردد بأن أذهب أو لا وخصوصا أن بعض أقسام الإدارة تغلق بعد الساعة الواحده مع انها لا تفتح الا بعد التاسعه !!

وأنا بالطريق قلت ( الله يعين كل معلم ومعلمة ) فمربي الأجيال لا ينبغي له أن يشتكي أو يتذمر فكل القوانين ضده وكل الحق مع غيره . ذكرتني بحادثة لطيفة سمعتها من أحد الزملاء العام الماضي وهي أن معلما في وقت إشرافه في الفسحة وجد طالبا بيده سيجارا ويدخن في مكان منعزل فأخذه للإدارة وكتبت الإدارة على الطالب تعهد بأن إذا تكرر هذا العمل سوف يفصل من الدرسة . فقام ولي أمر الطالب بتقديم شكوى لإدارة التعليم وقال : أريد أن يثبت هذا المعلم أن ولدي ( دخن ) في المدرسة وولدي أنا أعرفه لا يدخن !! فاستدعت الإدارة هذا المعلم وبدأت تحقق معه !!!



إدعوا للمعلمين والمعلمات بان يفرج الله كربهم

ملاحظة / كل الاحداث حقيقية وحصلت يوم السبت الماضي 26 /7/1425 هــ