مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 23-10-2002, 08:00 AM
القوس القوس غير متصل
وما رميت إذ رميت
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,350
إفتراضي انا ....ومن بعدي الطوفان

اعجبني هذا الموضوع فقلت عسى ان يعجب غيري ..
للكاتبة ...
سوسن الأبطح




«العالم لا يعجبك؟ إذن، بدّل مفاهيمك». وإذا كنت دائم الإحساس بأنك مقتلع من ماضيك، غريب عن بيئتك، فقل في سرّك: «ليست العبرة في ما فعلوه بي، وإنما في ما أستطيع أن أحققه لنفسي بعد أن فعل بها الآخرون فعلتهم». هاتان النصيحتان وسواهما، مما يضرب على الوتر الحساس، ليست لكاتب عربي غاضب يرتجف مخافة غزو يأتيه من خارج جغرافيته وتاريخه، إنما هي من بديع ما يمكن أن يقرأ في كتاب بالفرنسية عنوانه «التنمية الشخصية»، صادر عن دار «فلاماريون»، للفيلسوف ميشال لاكرو. وعنوان الكتاب ليس من اختراع الكاتب، وإنما هو اسم لظاهرة، أو قل لموضة تفجير القدرات الذاتية، التي يحاول اللحاق بركبها كل من يريد لنفسه النجاة في زمن الأنا المتورمة، والأنانية المتوارية خلف لعبة إعلاء شأن الفرد لإنقاذه من مطحنة ال «نحن».
منذ الثمانينات وثقافة «الأنا» تتنامى بزخم شديد في المجتمعات الغربية، وتخترع لنفسها طقوساً وعادات وممارسات تصب جميعها في خانة تحويل البشري الواحد إلى مؤسسة قائمة بذاتها، ولما كان الإنسان مستطيعاً بغيره فقد تعب من مشروع يقول له : بإمكانك أن تكون الأذكى، وبقليل من الجهد تصبح الأقوى، وربما الأغنى والأجمل، وبالتالي الأسعد. وهكذا يصبح البحث عن السعادة لهاثا وراء سراب الكمال الذي لا يأتي. أما وقد شعر البعض بأنه بلغ السيل الزبى، حسب مجموعة لا يستهان بها من الدراسات، التي تتحدث عن تهاوي الثقة بالنفس، وخوار في العزيمة، وتزايد أحاسيس الاكتئاب والسوداوية، فإن المفكرين العاشقين لغواية الفردية بكل ما تنطوي عليه من معاناة، يرون الحل في جر الإنسان إلى مزيد من التقوقع. وهم لا يسمون الأشياء بأسمائها، لكنهم ينصحون المتعبين بالاستشراس في البحث عن المزايا الذاتية والقدرات الشخصية والطاقات الكامنة في مناجم النفوس، وبعثها من دواخلهم إلى واقع الحياة، لاستعادة الثقة بأنفسهم. وفي هذا المجال بإمكانك أن تقرأ عشرات المؤلفات في مختلف اللغات الأوروبية وحتى بالعربية. وسيخبرك الناشرون أن كل كتاب يتحدث عن كيف تنمي ذكاءك؟ أو كيف تصبح مديراً عاماً؟ أو كيف تجمع ثروة طائلة؟ أو كيف تكسب الأصدقاء؟ أو كيف تنال ثقة الآخرين؟ هو تأكيداً من الكتب التي تلقى رواجاً. وإضافة إلى الكتب التنظيرية، وتلك المهتمة، عملياً، بتطويرك ذاتياً ـ كالتي ذكرناها ـ هناك المعاهد والندوات والمحاضرات والجلسات الخاصة التي تعنى بقضايا التحكم بالقدرات الجسدية والطاقة العقلية والتوترات الشعورية والقوى الروحية الخفية هذا عدا المتخصصين في علم النفس والذاكرة والأعصاب والتنويم المغناطيسي وقراءة الطالع واستكناه الغيب. وكل شيء مباح ومستباح بما في ذلك اختلاط الجد بالمزاح والفلسفة وعلم النفس أو الاجتماع بشعوذات المنجمين والمستشارين الروحيين.
لقد ولّى زمن كان فيه أجدادنا يستعيذون بالله من ذكر كلمة «أنا»، ويتوارى الكتّاب خلف كل ضمير إلا هذا الضمير المفرد للمتكلم.
وهو سلوك، كان يعكس ظلال خفر، ويدلل على إحساس بأن الواحد لا يكون شيئاً من غير الآخرين. وفي الحكمة الصينية، يرمز إلى الإنسان على أنه جبل، لأن الجبل صلب وشامخ لكنه ينضح بالسكينة ويتناغم مع الطبيعة بسلام، رغم قوته وجبروته. أما «أنا» العصر الحديث فهي تحقن بنظريات انعزالية، وتخضع لتمارين نفخ العضلات، وتحفيز الذاكرة، وشحذ المخيلة، وتدرب «الأنا»، الحائرة، بمهارة عالية، لنقل الجدير بينها، من درجة الـ «مان» إلى مستوى «السوبرمان».
البعض يقول ان ديكارت في القرن السادس عشر، كان قد فتح أبواب الجحيم حين قال: «أنا أفكر، إذن أنا موجود» واعتبر فهم الذات شرطاً لفهم الوجود. خاصة أن الفلاسفة لم يجرؤا كثيراً قبله على فصل ذواتهم عن محيطهم وسلخ رغباتهم وأشجانهم عن هواجس أشياء الكون ومخلوقاته. فالحكمة كانت تعني، دائماً، التوازن والانسجام مع المحيط. هكذا كان عباقرة الفلسفة اليونانية ومن لحقهم، قبل أن يكتب أبو الفلسفة الحديثة تأملاته، وينطق جملته الشهيرة. وإن كان ديكارت، متهماً بإدخال البشرية في مغامرة تضخيم «الأنا» على حساب «الآخر»، فإن فرويد هو الأب الشرعي للعنة وضع الأنا تحت مكبر، ومن ثم تحليلها وتشريحها، وجعلها مادة مغرية للنبش والكتابة، ومن ثم تحويلها تخصصاً، ما يزال من أعقد التخصصات وأعصاها على البحث والكشف.
ولو لم يأت فرويد، لجاءنا غيره. فمسار الحضارة الأوروبية كان يجنح إلى تعظيم القيم الفردية. ولم يفعل فرويد سوى التسريع في تحديد ملامحها. فمبدأ الاستهلاك قائم على أساس «فرّق تبع»، وحين يعيش كل في جحره يحتاج منفرداً إلى ما يكفي شخصين أو أكثر. وسعادة المصنّع أن يبيع ثلاجتين وتلفزيونين وسريرين وغسالتين، وكل شيء مضروب باثنين فما فوق.
وبصرف النظر عن فرحة كبريات الشركات بهذه النتائج الباهرة، وغبطة أنصار الحرية والاستقلالية وابتهاجهم بما حمله لهم العصر من هدايا ومفرقعات، فإن تطرف «الأنا» وتجاوزها حدود الاعتدال ينذران بنتائج سلبية أقربها وألعنها انخفاض منسوب الرأفة في نهر المشاعر البشرية بعد أن اجتاحته فيروسات حمى المنافسة.
ولما كان البعض يعتبر ان الإنسانية التي نتغنى بها هي محض أنانية راقية، بحيث ان حبك لأطفال العالم هو ترجمة نبيلة لحب أطفالك، والعطف على فقير هو خوف من غدر مقبل الأيام بك وبعيالك، والمطالبة بإنصاف مظلوم هي تحسّب من ظلم قد يفجعك به مستقبل غامض، فالأجدر بعصر ثقافة «الأنا»، وقد أراحنا من وطأة القبيلة وسطوتها، أن يذهب بنا إلى أبعد من حبسنا في قمقم لا نرى فيه إلا حسناتنا أو ما يجب أن يكون من حسناتنا. وليسمح لنا هذا العصر «الانفتاحي» ان لا نعيش متنقلين بين سجن العشيرة ومارستان مجانين العظمة.
sawsan-abtah-hotmail.com
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)



 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م