وتصف هذه الرحلة العظيمة في نظرها: "ظل هذا الكفاح أربع سنوات، في خلالها علم الجميع أننا مرتبطون عاطفيا"، ومكافأة له: "وفي هذه الفترة تقربت منه جدا"، والسبب في هذا "لأني لم أجد بجواري غيره، والدي مسافر.. أمي لا ترشدني.. أخي صغير لا يدري الصواب من الخطأ". فغياب الأسرة يهدم ولا يبني مهما قلنا إن الوالد سافر ليجاهد سعيا وراء لقمة العيش، وسعيا ليكون الأمر واقعيا مقبولا: "كنا سنتزوج بعد حصوله على وظيفة".
ولكن النتيجة هي: "حدث بيننا كثير من الأشياء التي أندم عليها، وأبكى بالدموع كل ليلة، وأستغفر ربي عليها، فقد لمس جسدي، وخرجنا مع بعض في كثير من الأماكن وشاهدنا الكثير، وفى يوم وهو يلمسني شاهدتنا جارة له".
كل هذا يحدث وتستمر الأحداث مع إدراك الخطأ، وتبقى العلاقة مستمرة: "حاول كثيرون التفريق بيننا ولم ينجحوا" وذلك لثباتهما على الموقف (!)، "حتى قابل هو أمي في يوم وحاول نصحها لمصلحتنا، وحتى لا يتحدث أحد بسوء عنا، ولكن أمي أبت النصيحة ورفضته كابن لها"؛ وكأنه كان مطلوبا من الأم أن تقبله كصديق لابنتها، وتقر هذه العلاقة حتى يتحسن الحال ويتزوجا؛ إن كان صادقا.
بل تعترض على قول أمها للحبيب المخادع: "من يريد ابنتي يأخذها ولا يستمع لأحد، ظنا منها أنه لا أحد يعلم بشيء". وكان من الطبيعي أن يفكرا في الارتباط والزواج بدلا من الصحبة والصداقة والتعري والممارسة الجنسية غير الكاملة. هذه القصة تعكس الغيبوبة عن الدين والقيم والأخلاق، وبيع أثمن الأشياء مقابل أتفه الأسعار.
الاحتياج قد يؤدي إلى السقوط
وتأتي الصدمة: "في هذه اللحظة قرر البعد عنى بسبب أمي، وتعرضت لصدمة شديدة بسببه، لكنه معذور، كانت الضغوط شديدة عليه"، وتصف حالتها: "تركني تائهة لا أجد سبيلا للطريق الصحيح، مدمرة نفسيا، كنت أخطئ ولا أشعر بخطأ لدرجة أنى كنت أنسى هذه الأخطاء؛ كأنها شخصية غيري".
والعجيب أن الوالد لا يعرف شيئا، والأم ترفض مجرد أن يصارحها الشاب بأنه على علاقة مع ابنتها، ولكنها تتركها تائهة؛ لأنها هي أيضا تائهة، لبعد زوجها عنها، وعدم تمسكها بقيم الدين والأخلاق؛ ولها علاقات رغم أنها متزوجة. فكيف تطالب بأن تصحح مسار ابنتها وهي تعيش في الخطيئة.
ولم يكن ابتعادها عن الشاب هو الحل الحاسم لإنقاذ حياة هذه الفتاة من الغرق الإنساني؛ لأنها ليست صاحبة القرار، وكانت النتيجة ما قصته بلسانها: "ارتبطت بسبب ضعفي بإنسان على غير ديني". ولكن الله لم يغلق أمامها باب التوبة، بل من عليها بتيسير التوبة إليه، والاستغفار، والخروج من المتاهات التي وقعت فيها: "فقت من غيبوبتي، واتجهت إلى ربي أستغفره وأطلب العفو والسماح ومغفرة ذنوني وذنوب المؤمنين، ودعوت الله أن يكرمني بإنسان أبدأ معه صفحة جديدة، يتقي الله فيّ ويسترني ربي ويهبني منه الذرية الصالحة التي أعلمها ما فقدته من حنان وتعاليم دينية غفلت عنها".
وتأتي المحاولة لتصحيح الاتجاه: "رزقني الله برجل من الصعيد، خطبني وقدم لي شبكة، وهو إنسان صالح كما لاحظت عليه من دخوله بيتنا، أخبر أهلي بأني زوجته أمام الله، ينفق علي في كل متطلباتي، جعلني أترك العمل وأنا راضية، وحمدت الله عليه، أعيش في كنفه ورعايته، لكنه جعلني أتنازل مرة أخرى بحجة أنه زوجي، فقد لمس جسدي هو أيضا لكني طلبت منه عدم تكرار هذه الفعلة وإلا بعدت عنه".
وكانت هذه المحاولة جيدة، وجدت فيها البديل ونسيت فارس الماضي المزيف؛ التي ظنت أنها لن تقوى على الحياة بدونه. ولكنها طبيعة الحياة، فكثيرا ما نعيش في الوهم ونقول: لا يمكن لنا أن نعيش بدون كذا أو بدون فلان، ولكن سنة الله في الكون أن نقترب ونبتعد، وأن نخطأ ونصحح، وأن نصح ونسقم وهكذا. كما قال الشاعر العربي التنوخي مشيرا إلى تقلبات الدهر وتغيرات الحياة:
على ذا مضى الناسُ اجتماعٌ وفرقةٌ *** ومَيْتٌ ومولودٌ وقالٍ ووامقُ
ولكن تكرار الخطأ كارثة، وعدم التفريق بين خاطب وعاقد، وعاقد ومتزوج زواجا كاملا، يوقع المرء في سلسة من الأخطاء، فسمحت له الفتاة -بطلة قصتنا- بما سمحت للآخر. ولكن كرم الله في أن يرد العباد إليه دائم لا يزول، فتندم على فعلها، وإن كان ندما ضعيفا، ويحدث هذا حين يتيه العقل، ولا يدرك ترتيب أولويات الحياة، ويقع في عشوائية من التفكير والتصرف أكثر مما هو عليه.
ويظل الناس في حيرة بسبب جهلهم بشرع الله تعالى، فقد مرت شهور وحدث ما لم يكن متوقعا كما تقص: "يريد الإنسان الذي كنت مرتبطة به الرجوع إلي، فهو يعمل في بلد عربي، وسأل شيخًا جليلا عما حدث بيننا، فرد عليه مفتيا: لا بد أن يرجع لي ويتزوجني على سنة الله؛ لأن ما حدث لا بد له من الزواج". بهذا العوج الفقهي والجهل في الدين، أن كل من كانت له علاقة بأخرى يجب عليه أن يتزوجها!! وهذا كلام ما قال به فقيه واحد، فيساهم من لا علم له بالدين في إيقاع الناس في مشاكل باسم الدين، وبدلا من أن يكون عالم الدين مساعدًا للناس على حل مشاكلهم، يضر من حيث أراد النفع، لجهله، وصدق الرسول حين قال: "ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال".
ويفسد أمثال هذا الشيخ على الفتيات؛ عندما يطلبون من الفتاة إخبار الخاطب بأخطاء ما قبل الزواج، وأنها ملعونة إن لم تفعل!!!!. فهل يلعن الله من تستر على نفسها؟، كيف والشرع يأمرنا بالستر، بل قال صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله".
فلا يجب على المخطوبة أن تعرف خطيبها ما عصت الله تعالى به، باستثناء فض بكارتها، بوسائل وطرق ليس الحديث مجالها الآن، ولكن لا يجوز لها أن تهتك الستر الجميل الذي ستره الله تعالى به، بل تجعل هذا بينها وبين الله، فبسبب هذه الفتاوى المعوجة يعوج الضمير. فيريد صاحبها الأول كما يقول: "أن يبرئ ذنبه مني؛ لأنه يريد حج بيت الله وأنا معه نغسل ذنوبنا، ونطلب من الله التوبة النصوح والمغفرة".
بهذا الالتباس العجيب، تذهب هي وهو قبل الزواج للحج معا! ويسمي الناس ذلك توبة، ناسين أو متناسين أن الأولى وجود محرم مع المرأة في الحج، فإن لم يتوافر ذلك كان واجبًا أن تكون مع نسوة ثقات وفي مأمن، وكل هذا ينتفي، فذكريات الماضي تجر أخطاءها، إلا أن يحجا سويا بعد الزواج، أما قبله فغير مقبول شرعًا، والمشكلة كما تقول هي: "أنه خاطب صديقة لي كانت على علم بموضوعنا، وقال إنه سيخبرها، وإنه حاليا مقتدر لفتح بيتين، وطلب مني أن أسأل أحد رجال الدين ليفتوني في أمري".
وتظل الفتاة حائرة مستنجدة، تنطق كلماتها بالغريق الذي لا يعرف شاطئ الأمان، أو كابن السبيل الذي ضل به الطريق: "أرجو من سيادتكم التكرم والنظر بعين الصواب ماذا أفعل؟ وما هي كفارة ذنوبي؟ هل أخبر خطيبي مع العلم أنه ممكن أن يفضح أمري، أم أتركه وأتزوج الآخر، وأخبره بما حدث لي في السنين الماضية".
وكل هذا غير مقبول، فلا ينبغي لها أن تخبر هذا ولا ذاك، ولكنها تنظر الأصلح لها، فلا يشترط في كل خطأ بين شاب وفتاة أن تكون توبته الزواج، التوبة تعني الانقطاع عن الإثم والفحش، والابتعاد عن الماضي الأثيم، والإقبال على الله تعالى بقلب صادق، وجوارح عابدة له سبحانه وتعالى، وسعيا للإصلاح بعد الإفساد، وفي يقيني أن كل إنسان من الناس رزق "بوصلة" ترشده للخير.
ذكرت هي العلاج دون أن تدري: "أطلب الصفح والمغفرة من الله التي أطلبها ليل نهار، وأكفر عن ذنبي بالاستغفار لي وللمؤمنين والتصدق والعمل الحسن وكثرة قراءة القرآن ومساعدة من يكون في مثل موقفي أنصحه وأشد من أزر أي فتاة تخيل لها نفسها فعل أي خطأ في حق دينها ونفسها...". نعم هذه هي التوبة، لتعلم الأخت الفاضلة أنها هي التي أرشدت نفسها للطريق القويم، فتطلب من الله الصفح ليل نهار، وأن تبدل أعمالها السيئة صالحة، وأن تسعى بالنصح لكل فتاة سولت لها نفسها أن تقع في الرذيلة الأخلاقية مهما كانت الظروف، فالإنسان دائما في ابتلاء، ولا يكون الابتلاء دافعًا للوقوع في الهاوية، بل مقصد الابتلاء أن يعود الإنسان إلى الله، يطلب منه أن يفرج كربه، وأن يشرح له صدره، وأن ييسر أمره، وأن يشد من أزره، وأن يمده بالعون، وألا يكله إلى نفسه طرفة عين أو أقل منها.
وفي مثل هذه الحالة على الأخت الفاضلة إن رأت أن خطيبها الآن رجل صالح؛ يمكن أن تعيش معه حياة سعيدة، فلتبق على هذه العلاقة الطيبة، ولتسارع في بناء بيت صالح، تاركة وراء ظهرها ذلك الماضي، ولتجعل من الإثم طاعة، ومن الظلمة نورًا، ومن اليبس رطبا، ومن تصحر السلوك خضرة حلوة ترضي الله وتسر الناظرين، وليكن إيمانها كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولتبدأ صفحة جديدة في حياتها، وتلك حقيقة التوبة الصادقة.
فلك أختي –بعد كل هذا– أقول:
إن باب الله مفتوح ولا يغلق، سبحانه. كما أخبر عنه المعصوم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، وهو القائل: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}. فلا أحد يقدر أن يمنعك من أن تطرقي باب الله، فهيا الآن دون تردد، اتركي الماضي، وكوني مع خطيبك، واملئي حياتك سعادة وطاعة، لتجمعي بين الحسنيين، والله يوفقك إلى الخير دائما.