المجتمع
[size=5][font=Arial Black]المجتمع
قال تعالى : (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) .
قال تعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) .
خلق الله الإنسان، وخلق فيه خاصيات : الغرائز والحاجات العضوية والإدراك ومن هذه الغرائز غريزة النوع، ومن مظاهرها الميل الجنسي وحب الأبناء واحترام الآباء، وهذه المظاهر توجد علاقات بين الرجل والمرأة، وبين الآباء والأبناء.
وغريزة البقاء، ومن مظاهرها، حب القوم، وحب الوطن وحب السيطرة والسيادة، وهذه المظاهر توجد علاقات بين أبناء القبيلة أو العشيرة أو الوطن، وغريزة البقاء، تدفع الإنسان أن يتعاون مع غيره من الناس لاتقاء الأخطار كخطر الحيوانات الكاسرة، والأنهار الجارفة، وذلك ببناء البيوت والسدود، وكخطر المجموعات البشرية الأخرى، لأن الفرد وحده لا يستطيع أن يقوم بمثل هذه الأعمال الجسام ليستفيد منها في المحافظة على بقائه كفرد، وهذا يدفعه لإيجاد علاقات مع غيره من أجل القيام بمثل هذه الأعمال الضرورية لحياته.
وغريزة التدين التي هي الشعور بالنقص والعجز والاحتياج، تدفع الفرد للبحث عما يسد هذا العجز والنقص والاحتياج، فتنشأ علاقات بين الأفراد أحياناً لسد هذا الشعور، فيرى أحدهم في الآخر ما يسد هذا العجز لديه، فيقدسه ،كما حصل عند المصريين القدماء الذين عبدوا فرعون من دون الله .
فالإنسان يندفع بسبب غرائزه وحاجاته العضوية، ليعيش مع غيره، وبذلك تنشأ علاقات متنوعة بين الناس، من أجل أن يهيئوا لأنفسهم إشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية.
فالإنسان مدني بالطبع، لأن غرائزه وحاجاته العضوية تدفعه للعيش مع غيره وإيجاد علاقات معهم.
فالمجتمع، أي مجتمع مكون من أفراد وعلاقات طبيعية ناتجة عن دوافع الإشباع عند الأفراد.
فإن تركت هذه العلاقات بين أفراد المجتمع دون تنظيم صحيح أدت بهم إلى الفوضى والصراع على الأشياء والأعمال اللازمة لحياة الإنسان، وكان أول هذا الصراع الدامي بين ابني آدم عليه السلام هابيل وقابيل، قال تعالى : (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق، إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال : لأقتلنك) إلى قوله تعالى: (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله، فأصبح من الخاسرين) . ونتيجة عدم التنظيم يحرم الأغنياء الفقراء من المال والطعام، قال تعالى : (كلا بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحاضون على طعام المسكين، وتأكلون التراث أكلاً لماً وتحبون المال حباً جماً) ، ونتيجة عدم التنظيم يقتل الأقوياء الضعفاء، قال تعالى : (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين) .
والعلاقات بين الأفراد، توجد عندهم أفكاراً عن الأشياء والأفعال اللازمة للإشباع، فيحكمون على شيء بأنه حسن وعلى شيء آخر بأنه قبيح وعلى فعل بأنه حسن وعلى فعل آخر بأنه قبيح، بناء على صلاحية الشيء أو الفعل للإشباع، فهم بعد أن أحسوا بالأشياء والأفعال، واستخدموها للإشباع صار لديهم معلومات عن كونها تشبع أو لا تشبع، إلا أن هذه الأحكام الغريزية تختلف من شخص لآخر، ومن مجموعة لأخرى.
والأفكار تجاه الأشياء والأفعال التي لها علاقة بالإشباع، تكون لدى الإنسان مشاعر، فيميل لما يشبع، ويعرض عما لا يشبع.
فإن كانت هذه الأفكار والمشاعر عند أكثر من واحد، أو عند مجموعة من الناس، استطاعوا أن ينظموا علاقاتهم بناء على هذه الأفكار والمشاعر، وبذلك ينشأ لديهم نظام.
فإن اجتمع أفراد على أرض ليعيشوا معاً، فغريزة البقاء تدفعهم لتملك الأرض، من أجل أن يزرعوها ليحصلوا على ما يسد حاجاتهم العضوية. وطبيعية الأرض تختلف من مكان لآخر، حسب خصبها وقربها من السكن ومن الماء، وحسب سهولة الانتفاع بها، مما يوجد بين هؤلاء الناس علاقات تجاه الأرض وقد يقتتلون بسببها، فيستولى القوي على حصة الضعيف بعد أن يقتله أو يطرده.
ونتيجة هذا الصراع يبقى الأقوى في الأرض مع أسرته، فيكبر أفرادها ويتناسلون، فينشأ بينهم الصراع من جديد من أجل امتلاك الأرض، وهكذا دواليك.
وقد تتدخل غريزة النوع، وتدفع أبناء الأسرة إلى أن يحافظوا على اجتماعهم لبقاء نوعهم، فيتداولوا فيما بينهم في مشاكلهم، ويخرجوا بتنظيم لعلاقاتهم تجاه الأرض.
فعلاقاتهم حول الأرض أوجدت لديهم أفكاراً عنها، وهي احترام الأرض، واعتبارها سبب رزق لهم، وبذلك وجد لديهم مشاعر الحب للأرض، إلا أن اختلاف الغرائز والحاجات العضوية من قوة وضعف عندهم، دفعت بعضهم لمخالفة هذه الأفكار، فاعتدوا على أرض غيرهم واغتصبوها وقتلوهم أو طردوهم من أجلها، وهذا العمل يخالف مفاهيم الآخرين عن الأرض. ويتعارض مع نظرتهم إليها ومع مصالحهم، فيلجأون لوضع نظام، لمعاقبة من يعتدي على حقوق الآخرين، فيتفق أغلبهم على نظام معين، لتحديد الأفعال الحسنة والأفعال القبيحة، ولتحديد عقوبة المخالف من أجل ردعه وردع غيره.
فالمجتمع حسب نشأته الطبيعية يكون كالتالي : أفراد يعيشون معاً، فأفكار للحكم على علاقات الأفراد، فمشاعر جماعية نحو الميل للأشياء والأفعال أو الإحجام عنها، فنظام لتطبيق الأفكار وتنظيم العلاقات.
فمكونات المجتمع، أي مجتمع، هي الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة.
وهذا التكوين تكوين طبيعي نتيجة للخاصيات التي خلقها الله في الأفراد، فجعلتهم يعيشون مجتمعين كشعوب وقبائل، قال تعالى : (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ، والشعب الجمع من الناس، والقبيلة جمع من الناس ينتسبون إلى رجل واحد.
والمجتمع كائن حي كالفرد، ولكن مكوناته تختلف عن مكونات الفرد،فإن وجدت هذه المكونات مجتمعة في مجموعة من الناس سميت مجتمعاً وإلا فلا.
وهذه المكونات الأربع هي : الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة، فإن لم توجد أي مكونة من المكونات الأربع لا تكوِّن الثلاث الباقية مجتمعاً.
المجتمع المتميز :
قال عليه السلام : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
فالمجتمع المتميز هو المجتمع الذي يكون فيه الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة من جنس واحد، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان الأفراد يعتنقون عقيدة أساسية واحدة، تصلح لأن يبتنى عليها جميع الأفكار اللازمة لإشباع غرائز الأفراد وحاجاتهم العضوية، ولحل مشكلات الحياة التي تعترضهم.
فالمجتمع الإسلامي – مثلاً – هو المجتمع الذي معظم أفراد عادة من المسلمين، يعتنقون العقيدة الإسلامية، ويبنون أفكارهم، أي حكمهم على الأشياء، والأفعال على أساس هذه العقيدة، فتتكون لديهم مشاعر موحدة نتيجة نظرتهم الموحدة للحياة، فيكون لديهم مشاعر موحدة نتيجة نظرتهم الموحدة للحياة، فيميلون للحلال، ويعرضون عن الحرام، ويطبقون نظام الإسلام في علاقاتهم جميعها، علاقاتهم بربهم وبأنفسهم وبغيرهم.
فالمجتمع الإسلامي، أفراده معظمهم مسلمون، وأفكار أفراده ومشاعرهم إسلامية، والنظام المطبق عليهم كالنظام الإسلامي.
والمجتمع الإسلامي كائن حي متجانس، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
ولا يكون المجتمع متميزاً إلا إذا كانت العقيدة التي يعتنقها أفراده فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، ينبثق عنها أفكار تنظم جميع العلاقات الداخلية للأفراد، وتنظم علاقة المجتمع بغيره من المجتمعات.
ولا توجد هذه العقيدة الأساسية إلا في المبدأ، لأن المبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام.
وبما أن المبادئ التي ينطبق عليها هذا التعريف في العالم ثلاثة : الإسلام، والرأسمالية، والشيوعية، فإن المجتمعات المتميزة ثلاثة أيضاً : المجتمع الشيوعي، والمجتمع الرأسمالي، والمجتمع الإسلامي الذي لا وجود له اليوم، لأن الشعوب الإسلامية الموجودة الآن، يطبق عليها نظام غير نظام الإسلام، فهي ليست مجتمعات إسلامية، وإن كان أفرادها مسلمين يعتنقون العقيدة الإسلامية وأفكارهم ومشاعرهم إسلامية، غير أن الأنظمة التي تعالج مشكلات حياتهم، كنظام الحكم، والنظام الاقتصادي، ونظام العقوبات والمعاملات، أنظمة غير إسلامية.
والمجتمع الرأسمالي مجتمع متميز، لأن أفراده يعتنقون العقيدة الرأسمالية، وهي فصل الدين عن الحياة، وأفكارهم تنبثق عن هذه العقيدة، ومشاعرهم تجاه الأشياء والأفعال موحدة ناتجة عن هذه الأفكار، والأنظمة التي يطبقونها في حل مشكلاتهم، ويتعاملون بها مع غيرهم من الدول والشعوب منبثقة من هذه العقيدة.
فالمجتمع المتميز يؤمن أغلب أفراده بمبدأ، ويطبقونه على أنفسهم ويحملونه إلى غيرهم.
المجتمع غير المتميز :
وكما أن الأفراد فيهم شخصيات متميزة، وشخصيات غير متميزة، فإن في المجتمعات، مجتمعاً متميزاً، ومجتمعاً غير متميز.
فالمجتمع المتميز – كما ذكرنا سابقاً – هو المجتمع المبدئي، والذي تكون مكوناته الأربع : الأفراد والأفكار والمشاعر والأنظمة من جنس واحد أي من جنس ذلك المبدأ.
|