مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 02-11-2000, 08:25 AM
نوح نوح غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2000
المشاركات: 41
Post وقـفـة مـع الأحـداث الأخـيرة في فلسـطين

وقـفـة مـع الأحـداث الأخـيرة في فلسـطين

بقلم الدكتور عدنان علي رضا محمد النحوي

info@alnahwi-publishing.com

نمرُّ اليوم بلحظات حرجة من تاريخ المسلمين بعامة وتاريخ قضيّة فلسطين بخاصّة ، لحظات تحمل معها أحداثاً متسارعة متتالية ، لا يكاد الإنسان يقوى على متابعتها ، ولا على تلمّس الرابطة بينها والهدف الذي تسير إليه .
ابتدأت الأحداث بالمفاوضات بين السلطة الفلسطينيةواليهود في كامب ديفد في الولايات المتحدة تحت إشراف أمريكي . ويبدو أن موضوع المفاوضات كان القدسَ وعودةَ اللاجئين وأموراً أخرى . ثمّ توقّفت المفاوضات لعدم التوصل إلى اتفاق كما أُعلن ، وبقيت هناك تساؤلات كثيرة حول أجواء المفاوضات وما داربالسر بين الأروقة. وترددت وسائل الاعلام بين الإشارة إلى إمكان العودة وبين الإشارة إلى عدم العودة إلى المفاوضات .
وتوالت تصريحات اليهود مدوّية تحمل التحدّي والاستهتار بالمسلمين . فيقول باراك في تصريح له يفيد بأنه إذا لم تحقّق المفاوضات ما يريدون فإن المجابهة والسلاح والحرب تحقّق لهم ذلك . وآخر يصرّح ويقول ما يفيد بأنهم جاؤوا إلى فلسطين ليقيموا الهيكل على جبل الهيكل . ويصرّح " نتنياهو " بما يفيد بأن خلافهم مع الفلسطينيين ليس خلافاً حول " حدود " ، ولكن القضيّة قضيّة " وجود " . وتصريحات كثيرة تحمل الكبْر والتحدّي والاعتزاز بالقوة المتوافرة لديهم .
وكان موقف المسلمين في الأرض ، المسلمين الذين يتجاوز عددهم المليار أقرب إلى الغياب منه إلى الحضور ، وأقرب إلى الضعف منه إلى القوة .
وتصاعدت الأحداث حين أعلن " أريبيل شارون " رئيس حزب " الليكود " اليهودي عن عزمه على دخول المسجد الأقصى ، بلهجة تشعر بالتحدّي والإصرار . ثمّ تخرج تصريحات من الجانب الفلسطينيّ تتحدَّى وتقول إِن هذا يُعتبَرُ استفزازاً ولن يَمُرّ بالسكوت .
ودخل شارون المسجد الأقصى مع مرافقيه يوم الخميس الأول من رجب سنة 1421هـ الموافق 28/9/2000م ، واستدعت حكومة " باراك " ألفين من جنود اليهود أو أكثر ، ودفعتهم إلى القدس لحماية شارون ، كما يَدَّعون ، ومقاومة أيّ ردود فعل تظهر للزيارة . ووقع الاصطدام بين الفلسطينيين العزّل وبين القوات اليهوديّة المدججة بالسلاح . وسقط القتلى والجرحى . وأخذت الأحداث تتصاعد ، وامتدّت إلى معظم أنحاء فلسطين : قطاع غزة والضفة الغربيّة , والأرض المحتلة سنة 1948م . وقامت المظاهرات في معظم أنحاء العالم العربيّ ، وقد بلغ عـدد المتظاهرين في بعض الأقطار أكثر من مليون إنسان .
وبـدأ اليهود يستخدمـون أسلحة أشدّ فتكاً ابتداءً من يوم الأحد 4رجب 1421هـ الموافق 1/10/2000م, بدؤوا يستخدمون الطائرات المروحيّة وصواريخ " لاو " ، ويهدمون المنازل ومراكز السلطة الفلسطينية ، ويرمون القرى والمدن والسكان المدنيين بصورة وحشيّة إجرامية . وتصاعدت الأحداث بصورة سريعة ، وازداد عدد القتلى والجرحى ، وتوالت صور المآسي والفواجع ، وصور الإجرام اليهودي ووحشيّته . وتحدّث الإِعلام العربيُّ الإِسلامي والدوليّ عن ذلك ، وشَدَّ الجميعَ الصورةُ الوحشـيّةُ التي صُـرِعَ فيها الطفل محمد جـمال الدرّة ، وهو يسير مع أبيه جمال الدرّة قرب مستوطنة " نتساريم " جنوب غزة ، وذلك يوم السبت 3 رجب 1421هـ الموافق 30/9/2000م ، حين انهال عليهما الرصـاص كالمطر ، فاحتميا بزاوية ، واستغاث الأب بكلّ قواه ، بصراخه ، وبيده ، دون جدوى ، وازداد انهمال وابل الرصاص بصورة متعمّدة عليهما ، فقُتل الطفل ، وسقط في حضن أبيه ، وأصيب الأب في بطنه وساقه بعدة رصاصات جعلته فاقد القدرة ، مستلقياً على الجدار خلفه ، عاجزاً عن الحركة.
التقط المصور الفلسطيني طلال أبو رحمة،الذي يعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية في غزة،عدة صورلمشهد الأب وابنه الطفل ،ومصرع الطفل.وكانت الصور مؤلمة وهي تعرض هذا المشهد المروع.

وتناقلت وسائل الإعلام كلها العربيّة والدوليَّة هذه الصور والحادث ، وأثار ضجّة عالميّة واسعة . وبدأ الأطفال يتساقطون برصاص اليهود ، وكذلك الفتيان والشباب والرجال والشيوخ .
ضجّت الدنيا لهذه الأحداث المفجعة ، وتداعى العرب إلى مؤتمر القمة على خلافات وتردُّد كشفت عنه الصحف . ودعت مصر إِلى مؤتمر " شرم الشيخ " الذي انعقد يوم الاثنين 19رجب 1421هـ الموافق 16/10/2000م لمدة يومين ، جمع السلطة الفلسطينيةواليهود وأمريكا وبعض الدول العربيّة في محاولة لاستعادة عملية " السلام " ! وتلا ذلك مؤتمر القمة العربي غير العادي الطارئ ، الذي عُقِِد في القاهرة يومي السبت والأحد (24و25) 1421هـ ، الموافقين : (21و22)تشرين الأول 2000م .
كانت رغبة العرب الملحّة هي الدعوة إلى السلام . وكانت رغبة اليهود التحدّي والاستكبار وقبول السَّلام الذي ينزل عند رغباتهم وأطماعهم .
ولا بـدَّ مـن وقفة مع هـذه الأحـداث ، وقفة إيمانيّة ، تنبع من منهاج الله - قرآناً وسنة ولغة عربيّة - ، وتردُّ الأمور إليه .
لا بـدّ أَن نُقِرّ أولاً أَنَّ كلَّ شيء لا يتمّ إِلا بقضاء الله وقدره ، وأنَّ قضاء الله حقٌّ لا ظلم معه أبداً . فما نجده اليوم من هزائم وهوان هو بما كسبت أيدينا . فعلينا - نحن المسلمين - أن ننظر في أنفسنا ، ونبحث عن عيوبنا وأخطائنا على أساس من مِيزان منهاج الله ، دون أن ننحرف مع الهوى .
إنَّ هذه دعوة واضحة أمرنا الله بها ، وإننا نوجهها إلى أنفسنا وإلى كل مسلم ، وإلى كل جماعة أو حركة إسلامية ، وإِلى المسلمين بعامة . لا بد من هذه الوقفة الإيمانية ، ومحاسَبة النفس ، ومعرفة الأَخطاء والزلل والانحراف ، ومن ثمّ معالجته معالجة إِيمانيّة . إن محاولة تغطية العيوب والأمراض بالمحاولات أو الغرور أو الكبر ، سيزيد من الهزائم والهوان في الدنيا ومن عذاب الله في الآخرة !
وإِنَّ خطورة الأمر لا تقف عند حدود قضيّة فلسطين . إنها تمتد إِلى سائر قضايا المسلمين اليوم ، وما فيها من هزائم وهوان . وإنَّها تمتدّ إلى أخطر من ذلك كله ، إِلى يوم الحساب ، إِلى الدار الآخرة ، إِلى يوم الحقِّ ، حيث لا يُغني مولىً عن مولى شيئاً ، ولا ينفع مال ولا بنون ، ولا أرحام ولا جاه ولا سلطان ، فالأمر كله يومئذ لله .
إن مما يجب أن نلاحظه،هي أن شارون لم يكن منفرداً بالرأي ولابالموقف،وإنماكان الأمر مرتباًومدبراًمن الحكومةاليهودية كلها،وممن يقف معها سراً أو علناً.ولا أدلّ على ذلك من أن باراك دفع بألفي جندي حماية لشارون أو زيادة في الاستفزاز.
ولم يكن شارون أول من يدخل المسجد الأقصى من اليهود.فقد سبق أن دخلت فتيات غير محتشمات, ودخل رجال ونساء من اليهود وآخرون. ولكن لم يكن يحدث ضجيج واصطدام مع كل زيارة. فهل أعددنا الخطة والنهج للتصدي والاصطدام ؟
وإن أول ما يتكشّف لنا من خلال الوقفة الإِيمانيّة أننا رفعنا شعاراً يقول إن فلسطين أرض مسلمة وإِن قضيتها إسلامية ، وأنها مسؤوليّة الأمة المسلمة كلها . رفعنا ذلك شعاراً فحسب ، لكن الميدان شهد أنّ القضيّة كانت وطنيّة إِقليميّة قوميّة ، وأنها لم تأخذ الصورة الإسلاميّة كما يُرِيدها الله ، وأَنّ الأمّة المسلمة كانت غائبة عن الميدان إلا من حيث العواطف ، وأنها أصبحت قضيّة الفلسطينيين يمدّهم العرب بالمال والإعلام والعاطفة ، والمسلمون بعامة يقدّمون العاطفة . إنَّ الإِسلام يقضي بأن القضية قضيّة كلّ مسلم ، قضيّة الأمة المسلمة كلها : شعاراً ونهجاً وميداناً وجهاداً .
وينكشف لنا كذلك أنه لم يكن هنالك خُطَّة ولا نهج لدى العاملين ، خطة تحمل الهدف والطريق الذي يوصل إلى الهدف ، والوسائل والأساليب ، والإعداد المبكر المتنامي . وكان العدو يتحرّك على أساس من نهج وخطة متكاملة تنظر إلى الأفق البعيد وتحمل الأطماع الممتدّة . ولم يسأل أحد عن الخطة والنهج ، وقبل الناس الشعاراتِ والعواطف وحدها ، حتى إذا مرّت السنون تبيّن أن الشعار والهدف في ناحية والمسيرة في ناحية أُخرى ، في صورة مفجعة كشفت عنها الهزائم المتتالية .
وإننا نؤمن أنه إذا التقى فريقان : فريق له نهجه وخُطَّته ووضوح أهدافه وطريق الوصول إليها ، وفريق ليس له نهج ولا خُطة إلا الشعارات ، فإنّ الفريق الأول يستطيع أن يحوّل جُهود الفريق الثاني لصالحه ، فلا يجد الفريق الثاني إلا الهزيمة والخسران . إنها سنّة من سنن الله أن العمل يحتاج إلى خُطّة واعية ونهج متكامل واع .
وتكشـف لنا الوقفة الإيمانيّة أن صفّ الأعداء ، مهما اختلفوا على الغنائم أو اختلفوا في الاجتهاد ، فهم صفٌّ واحد متراصٌّ يتنافسون في البذل من أجل تحقيق أطماعهم وأهدافهم الإجرامية ، تجمعهم العَلمانيّة والإِجرام والإِفساد في الأرض والأطماع المتزايدة الممتدَّة . وأمَّا المسلمون الذين يُفْتَرضُ أنَّهم مسؤولون عن فِلسطين حسب دين الله وشرعه ، وأنهم محاسَبون على ذلك بين يدي الله ، فإنهم ممزّقون أقطاراً وشيعاً وأحزاباً ، كلّ حزب بما لديهم فرحون .
وتكشف لنا الوقفة الإيمانيّة أيضاً أَنَّ الفلسطينيين وحدَهم غيرُ قادرين على مجابهة دولة اليهود وما تملك من سلاح الدمار الشامل ، وما تملك من الدعم غير المحدود من الدول الغربيّة والشرقيّة بعامّة ومن أمريكا بخاصّة . وأن مثل هذه المجابهة محسومة النتائج حسب سنن الله الثابتة في الحياة الدنيا .
وتكشف لنا الوقفة الإِيمانيّة أن هنالك خللاً في واقع المسلمين لم تُبْذل الجهود لمعالجته ، وأن اول مظاهر الخَلل هو ضعف الإِيمان والتوحيد ، وعدم بلوغه المستوى الذي تتطلبه المعركة ويحتاجه الميدان ، وأنّ حبَّ الدنيا وكراهية الموت في سبيل الله غلبتْ على الكثيرين ، وأن الجهل بالكتاب والسنّة أوسع انتشاراً وأنَّ جهل الواقع أَعمّ ، وعدم ردّه إلى منهاج الله غلب وامتدّ ، وأنّ الأهواء ثارت والشعارات طارتْ والعواطف هاجت ، في صورة متضاربة متصارعة أَكلت كثيراً من الجهود .
وكذلك يتَّضح لنا بصورة جليّة أننا بدأنا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نُعَالج قضايانا بما يمكن أن نسمّيهُ مسلسل التنازلات ، المسلسل الذي ابتدأ بالتنازل عن كلمة " الإسلام " شعاراً ومعنى ورفع شعار العروبة تهيج به العواطف والأناشيد التي تلغي الدين جهاراً نهاراً . وأصبح الشعار ينادي ألاّ تجتمع الأُمة على كلمة الإسلام ودين الله كما يأمر الله ، بل على كلمة العروبة وحدها لا تحمل نهجاً ولا فكراً ، ولا خطة ، وانتشر النشيد المعروف : " بلاد العرب أوطاني .... ، فلا دينٌ يُفرِّقنا ....." ! وانسلّت هذه الأفكار وتسلّلت إلى قلوب بعض المسلمين وإلى أفكارهم وعواطفهم وألسنتهم وامتـدّ مسلسل التنازل منذ ذلك الوقت ، شيئاً فشيئاً ، من خلال نهج وخطة يمضي بها الأعداء ، حتى تحوّل النشـيد إلى أناشـيد إقليمية تخلت عن الإسـلام والعروبة بين الحين والآخر ، مثل :" أنت سوريا بلادي ...... " ، ثم امتد التنازل ، إلى سوريا الشمالية ، وسوريا الجنوبية ، ثم فلسـطين . وامتد التنازل إلى جزء من فلسطين ، ودار الخلاف بعد ذلك حول القدس ، ثم القدس الشرقية ، ثم المسجد الأقصى ، ثم جزء من المسْجِد الأقصى ، فإِلى أين ينتهي " مسلسل التنازل " ، الذي يوحي به مخطط الأعداء ونهجهم المدروس في غفلة من المسلمين الذين لا نهج لهم ولا خُطَّة .
ومن خلال هذا التاريخ كان الأعداء يبنون سلاحهم وصفوفهم ، ونحن لم نبنِ سلاحاً مثل سلاحهم ، ولا صفاً مثل صفّهم ، فكيف يخوض المسلمون المعركة وهم لم يرضوا الله سبحانه وتعالى ، ولم يستجيبوا لأمره :
" وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون ."
[ الأنفال : 60 ]
وكذلك قوله سبحانه وتعالى :
" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تَفرَّقوا ........ " [ آل عمران : 103 ]
" ولتكن منكم أُمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون "
[ آل عمران : 104 ]
" ولا تكونوا كالذين تفرَّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم "
[ آل عمران : 105 ]
المعركة ممتدّة على مدى التاريخ بين الإيمان الحق الصادق وبين الكفر والشرك والنفاق . وما زالت ممتدّة حتى اليوم ، نرى فيها الغارةَ الشاملة والغزو العام على العالم الإِسلاميّ وعلى المسلمين في الأرض كلها أينما كانوا وعلى كل مسلم, غارة تحمل فتنة الفكر وفتنة فساد الأَخلاق والانحلال وسحق القيم ، وفتنة العلمانيّة بمذاهبها المختلفة ، وفتنة العلم المادّي المجرّد من الإيمان بالله واليوم الآخر ، وفتنة الصناعة المتطورة ، يَدعمُ ذلك كلَّه الحركات التنصيرية والشركات التجارية والمستشرقون ، وأجهزة مختلفة ، كلّ ذلك يكون ممهّداً للجيش الزاحف والسلاح المدمر المرهب ، ولقد أثّر هذا الغزو وانكشفت آثاره في واقع الأمة اليوم وتمزّقها وهوانها .
إِن مجيء اليهود إلى فلسطين تحت ادعاءات دينيّة كاذبة باطلة ، بدعم كامل من العالم العلمانيّ والاشتراكي ، لم يكن إلا جزءاً من هذه الغارة الشاملة والغزو العام ، لتكون دولة اليهود قاعدة الانقضاض على العالم الإسلاميّ كله ، ومتابعة الغارة والغزو . وسيكون هؤلاء الأعداء مجاملين يتظاهرون بالود وتقديم العون من بعض السلاح وغيره ، وكلّما تمكنوا من أمر كشفوا عن أنيابهم ونيّاتهم وجاهروا بأطماعهم في تلك المرحلة ، ويخفون أطماعهم الممتدة إلى مراحل مقبلة . وفي كل مرحلة يجاهرون مجاهرة العداء والتحدّي والاستكبار ، والإذلال ! وإننا لنرى هذه اللحظات معبرّة أوضح التعبير عن هذا الأسلوب الماكر والكيد القاتل .
ونخرج من ذلك بأنَّ ما نلقاه اليوم هو نتيجة طبيعيّة حتميّة لمرحلة سابقة ، وأن المرحلة السابقة نتيجة طبيعية لمرحلة قبلها ، وأن المراحل تمضي على سنن ثابتة لله ، وبما كسبت أيدي الناس ، وأن الله لا يظلم أحداً ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون .
ولقد غرّ بعـض المسلمين ما لدى الغرب من زهوة علم مادّي ، فلم يكتفوا بأخذ بعض هذا العلم ، وإنما أخذوا معه الفكر الفاسد والمذاهب المضللِّة . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لم يقدّموا للغرب و الشرق عظمة الإسلام دعوةً ربّانيّة مرصوصة الصفوف ، وبناء واحداً متماسكاً وإنما قدموا أطرافاً من الإِسلام من خلال تفرّق وفتن وصراع .
الجهاد في الإسلام نهج متكامل ، لا يصلح إلاّ أن يُطبَّق كله بصورته الربانية . فالقول عن جهاد يكون فرض عين وفرض كفاية ، هو مصطلح لا يعطي الصورة الإيمانية التي يعرضها الكتاب والسنّة . فالجهاد في سبيل الله بتكامله فرضٌ على الأمة المسلمة كلها ، يحمله نهج متكامل ، يحدّد دور كل فرقة أو طائفة ، حتى إذا انكشف ضعف موقع من المواقع وعدم كفايته لمنازلة الأعداء ، هبّت الأمة كلُّها هَبّةً منهجيّة إلى الميدان . ولا يحلّ للأمة المسلمة أن تفرّط بأيّ جزءٍ من بلاد المسلمين ، ولو استغرق إنقاذ ذلك طاقة الأمة كلها . وإن لم يفعل المسلمون ذلك ، وحرصوا على دنياهم، أتاهم عذاب الله في الدنيا وفقدوا دنياهم التي كانوا يحرصون عليها . والتاريخ شاهد على سنّة الله هذه ، وتاريخ الأندلس شاهد جليّ ، حين كانت تستعين مملكة مسلمة بأعداء الله ليحاربوا مملكة مسلمة أخرى ، فجاءهم قضاء الله الحق ، فذهب ملك هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء :
" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثمّ لا تُنصرون . "
[ هود : 113 ]
وكذلك :
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عَنِتُّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون . "
[ آل عمران : 118 ]
وحين نقول إن فلسطين حقُّ الإسلام والمسلمين ، فهذا حقٌّ يُثْبته منهاج الله ، والأنبياء والمرسلون كلهم في رسالاتهم قبل أن تحرّف . فما من نبيٍّ ولا رسول دخل فلسطين باسم عنصر أو دم ، وإنما دخلها باسم الإسلام رسالة وديناً وبلاغاً . ابتداءً من إبراهيم عليه السلام الذي لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان كما، وصفه القرآن الكريم، حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين وكذلك كان سائر الأنبياء والمرسلين ، سواءً أَتوا إلى فِلسطين أَم بُعِثوا فيها ، فكذلك كان يعقوب وإسحق والأسباط وموسى وعيسى ، والنبيون والمرسلون كلهم الذين خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، بُعِثوا كلهم عليهم السلام بدين واحد هو الإسلام . وأَمَّهم محمد صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى عندما اُسريَ به .
لليهود ادّعاء باطل ابتدعوه بعد أن حرّفوا كتابهم ، وملؤوا الدنيا بادعائهم الكاذب الباطل ، واستعانوا بالإعلام كله ، وجعلوه موضع استغلال ومساومة واتفاق مع العالم النصرانيّ العلماني ، وللمسلمين حقٌّ صادقٌ ثابت معه كلّ الحُجج من الدين الواحد ، ومن العقل والمنطق ، ومن التاريخ . ولكن المسلمين لم يجهروا بحقِّهم هذا كما جهر اليهود بباطلهم ، وجعلوا لحقّهم شعاراً غير الشعار الذي أمر به الله ، جعلوا من فلسطين قضيّة وطنيّة فحسب ، أو إقليمية أو قومية ، فتركهم الله إلى ما دعوا به .
وربما يسأل سائل فأين المخرج ؟! فنقول إنه ليس أمام المسلمين إلا سبيل واحد ومخرج واحد ، جعله الله من مسؤولياتهم أن ينهضوا إليه ، فإذا عرف الله فيهم صدق النيّة والعزيمة والنهوض ، أَمدّهم بعونه . إنّ هذا السبيل الوحيد هوالعودة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى ، يلتزمون بها شرع الله كما أنزله على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم ، وليعرف كل مسلم مسؤولياته والتكاليف الربانيّة التي سيُحاسبه الله عليها يوم القيامة . فإذا صحّت العودة وصدقت وجد الصادقون المتقون جميعهم أنهم أمام صراط مستقيم ليتّبعوه :
" وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتَّبعوا السبُل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون . " [ الأنعام : 153 ]
" اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربّكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكَّرون "
[ الأعراف : 3 ]
إنّ هذه العودة الصادقة تعني أن للهِ صراطاً مستقيماً غير معوجّ حتى لا يضلّ عنه أحد ، وأنه صراط مستقيم واحد فقط ليلتقي عليه المؤمنون المتقون الصادقون أُمّة واحدة ، وصفّاً واحداً كالبنيان المرصوص . أُمة مسلمة واحدة ، لها دين واحد ، وتعبد ربّاً واحداً لا إله إلا هو ، وتمضي على صراط مستقيم واحد لا سبيل لهم سِواه .
" قل هذه سبيلي أَدْعو إِلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبَعني وسبحان الله وما أنا من المشركين . "
[ يوسف : 108 ]
عندئذ يتنـزّل النصـر مـن عنـد الله ، ويُعِزُّ الله المؤمنين ، ويوفي بعهده لهم وقد أوفوا بعهدهم مع الله .
إنّ هذا هو السبيل الوحيد إلى فلسطين ، سبيل المؤمنين المتقين ، إنه السبيل الوحيد لحماية أطفال المسلمين ورجالهم ونسائهم وأعراضهم ، وكلّ ما وهبهم الله إِياه وجعله أمانةً في أعناقهم يحاسَبون عليها يوم القيامة !
والجهاد في سبيل الله ليس عملاً ارتجاليّاً ، ولا عملاً عاطفياً ، ولا رُدود فِعْلٍ آنيَّة ، ولا عملاً فوضوياً . إنه عمل منهجيّ ، عمل بناءٍ وإِعداد ، ونهجٌ متكامل مترابط الأجزاء ! إنه مسؤوليّة الأمة المسلمة المتراصّة !
ولكننا الآن نجابه واقعاً خطيراً نراه واضحاً على أرض فلسطين : أطفالٌ عزَّلٌ إلا من الحجارة ، مع شباب ورجال ونساء ، والعدوّ بدبّاباته وطائراته وصواريخه ورصاصه الحيّ والمطاطيّ والغاز المسيل للدموع ، والأطفال والشباب يتَساقطون صَرْعى كلَّ يوم في وحشيّة إجرامية من اليهود ، يهدّمون البيوت ، أو يحتلّونها ويطردون أصحابها ، والعالم كلُّه ينظر إلى هذه الجريمة المروّعة دون تحريك أي ساكن ، وحضارة العصر الحديث ، والعلمانيّة ، والمذاهب الأدبيّة الرمزيّة الحداثية والبنيوية ، والديمقراطيّة والاشتراكية ، كلّ الشعارات ، كلها لم تحرّك ساكناً ، ولم تُنقذ طفلاً ولا أرضاً ولا حقاً !
إن ترك الفلسطينيين وحدهم في الميدان على هذه الحالة من غير التكافؤ خطأ يجرّ على الأمة خطراً بعد خطر . فقد يجهض هذا الواقع القتال الدائر ، كما سبق أن أُجهض في ثورة سنة 1936م وغيرها من الثورات في فلسطين ، أو يؤدّي هذا الحال إلى مرحلة جديدة من مسلسل التنازل ، أو يُعرَّض كلَّ بلد عربيّ إلى خطر حقيقيٍّ عاجل أوفي المستقبل .
إننا لا نستطيع إلا أن نهيب بكل من هو في الساحة أن يُخلص نيّته لله ويحوّل عمله إلى جهاد صادق في سبيل الله ، ثم نهيب بالأمة كلها بأن ينزل إِلى الميدان من كل فرقة منهم طائفة ، حتى يستوفيَ الميدانُ قُدرتَه على الصمود والنصر !
فإذا لم يتحقّق ذلك ، فإننا نتساءل إِلى أين تتجه الأحداث ، وهل يدرك كل مسلم مسؤوليّته التي سيحاسَب عليها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم . وهل سيزداد عدد المشلولين والجرحى والقتلى ، وتنهار القدرة على حسم الأمر على الصورة التي ترضي الله سبحانه وتعالى :
" وما كان المؤمنون لينْفِروا كافَّة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدين ولينذِروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يَحْذَرون ." [ التوية : 122]
فالفقه الحقيقيّ في الميدان ، يعود منه المؤمنون المجاهدون لينذروا قومهم بالخطر الحقيقي من أعداء الله ، حتى يحذروهم ويُعِدّوا لهم .
ومن خلال هذه الأحداث الأخيرة ، برزت أَحداث الماضي في تاريخ قضية فلسطين وتاريخ الإسلام ، فعشت لحظات مؤلمة مع صور جمال الدرّة وابنه محمّد وهما يواجهان الغدر الوحشيّ المتعمّد ، في حضارة زائفة لا تجد فيها من يحاسب هؤلاء المجرمين المفسدين في الأرض، ولا من يصدّ فسادهم أو يوقف جرائمهم ، ويقف المجرمون في الأرض كلهم ، صفّاً واحداً يحمي الجريمة والوحشيّة !
استعرضت في ذهني تاريخاً طويلاً مليئاً بالملاحم ، فخرجت أَبيات من الشعر بعنوان : دُرَّة الأَقصى ، أوحـت بها الصور التي التُقِطتْ للجريمة . وقد نشرت هذه القصيدة عدة صحف ومجلات منها : اليوم في السعودية ، صحيفة الخليج في الإمارات ، الشرق في قطر ، الصحوة في اليمن ، المجتمع في الكويت ،الحياة ، وصحف ومجلات أخرى .
ومع متابعة الأحداث أخذت القصيدة تنمو حتى أخذت صورة ثانية ، ثم ثالثة ، ثم رابعة ، ثم الصورة الخامسة ، ثم الصورة الأخيرة السادسة التي أقدمها هنا .
إننا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يرحم الطفل محمد الدرّة وسائر الأطفال الذين صرعتهم وحشيّة حضارة العصر الحديث ، وأن يدخلهم جنّته شهداء عنده ، وأن يغفر ويرحم الفتيان والشباب والشيوخ والرجال والنساء الذين قتلوا في سبيل الله ، في فلسطين وفي غيرها من دار الإسلام . وندعو الله أن يشفي جمال الدرّة وسائر الجرحى بفضله ورحمته .
وندعو الله أن يتقبل عملنا هذا نديّاً برحمته غنياً بفضله . خالصاً لوجهه الكريم ، إنه هو السميع المجيب ، وهو الوليّ الحفيظ .

مزيد من المقالات والقصائد في الموقع التالي :
http://www.alnahwi-publishing.com


  #2  
قديم 20-11-2000, 05:14 PM
الشيخ أبو الأطفال الشيخ أبو الأطفال غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 1998
الإقامة: من بلاد الرجال الاحرار-الجزائر- رغم الداء و الاعداء
المشاركات: 3,900
Post

السلام عليكم.
بارك الله فيك الأخ نوح على ما نقلت لنا...
نجاتنا في العودة الى المنابع الصافية التي استقى منها سلفنا الصالح فملكوا الدنيا وساسوها وملؤها عدلا بعدما ملئت جوراوظلما...فرياح النصر قادمة مع العائدين الى تلك المنابع....فماذا ننتظر نحن للعودة اليها لنتزود....؟؟؟
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م