بسمه تعالى،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يا درويش،
رجاءً لا تتكلم بما ليس لك به علم،
لعلمك علماء أهل السنة والجماعة عندما ينتقدون التقية عند الشيعة، فهم لا ينتقدونها لبطلانها بالأساس، فالتقية مجمع على جواز العمل بها لقوله تعالى: (لا يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافِرينَ أوليَاءَ مِنْ دُونِ المُؤمِنينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إلاَّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وإلى اللهِ المَصيرُ) ولذلك إن قلت إن التقية غير جائزة بالأساس فأنت كفرت بهذه الآية، ويقول الله عز وجل (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون).
ولم ينكر التقية بالأساس إلا ابن تيمية.
--------
وتعريف التقية لغةً : الحيطة والحذر من الضرر والتوقي منه ، والتقية والتقاة بمعنى واحد ، قال تعالى : ( إلاّ أن تتقوا منهم تقاة )
قال ابن منظور : وفي الحديث : «قلت : وهل للسيف من تقية ؟ قال : نعم، تقية على اقذاء، وهدنة على دخن» ومعناه : إنّهم يتقون بعضهم بعضاً، ويظهرون الصلح والاتفاق وباطنهم بخلاف ذلك
وفي الاصطلاح : فقد عرفها جمع من علماء المسلمين بألفاظ متقاربة وذات معنى واحد .
فهي عند الشيخ المفيد (ت | 413 هـ) عبارة عن : (كتمان الحق ، وستر الاعتقاد فيه ، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا).
وعرفها الشيخ الاَنصاري (ت | 1282 هـ) بـ (الحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق) (2).
وقال السرخسي الحنفي (ت | 490 هـ) : (والتقية : أن يقي نفسه من العقوبة ، وإن كان يضمر خلافه)
(عن كتاب التقية في الفكر الإسلامي لمركز الرسالة)
------
ولكن علماء أهل السنة والجماعة انتقدوا التقية عند الشيعة لأنهم أسائوا فهم الروايات الموجودة عند الشيعة فاعتقدوا إن الشيعة يبالغون في التقية.
ومن ضمن هذه الروايات الورايات التي أوردها درويش،
مثل
التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن تقية له ) ، فإن ذهبنا إلى ما ذهب إليه درويش كذباً وبهتاناً إلى أن التقية بمعنى الكذب والنفاق، فإن الرواية تسقط بالأساس لأنها تخالف القرآن والسنة، ولكن تعريف درويش للتقية بالأساس خاطئ، وقد بيّنا تعريف التقية، ومنها لا يكون في الحديث أي خلل من ناحية المعنى.
وكذلك الأحاديث التالية، فكلها لا تحوي أي خلل من ناحية المعنى، إن فسّرنا التقية عقلياً ولغوياً واصطلاحاً، ولم نفسرها حسب أهواء درويش:
(ليس منا من لم يلزم التقية , ويصوننا عن سفلة الرعية)
( لا والله ما على الأرض شيء أحب إلي من التقية، يا حبيب إنه من له تقية رفعه الله يا حبيب من لم يكن له تقية وضعه الله )
(عن علي بن محمد من مسائل داود الصرمي قال : قال لي يا داود لو قلت لك إن ترك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا )
(وعن الباقر أنه سئل : من أكمل الناس ؟ قال : ( أعلمهم بالتقية … وأقضاهم لحقوق إخوانه ) .)
(: ( أشرف أخلاق الأئمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية ) .)
هذا من ناحية المعنى، وقد تسقط الروايات بالجرح والتعديل.
---
ثم نأتي إلى الرواية التي تقول :
(إن تسعة أعشار الدين في التقية , ولا دين لمن لا تقية له)
وقد فسّر مركز الرسالة الرواية كالتالي:
-----------------------------------
وهذا الحديث لا شكَّ فيه ، فهو ناظر من جهة إلى كثرة ما يبتلى به المؤمن في دينه ولا يخرج من ذلك إلاّ بالتقية خصوصاً إذا كان في مجتمع يسود أهله الباطل .
ومن جهة اُخرى إلى قلة أنصار الحق وكثرة أدعياء الباطل حتى لكأن الحق عشر ، والباطل تسعة أعشار ، وعليه فلا بدَّ لاَهل الحق من مماشاة أهل الباطل في حال ظهور دولتهم ليسلموا من بطشهم .
على أن وصف الحق بالقلة والباطل بالكثرة وكذلك أهلهما صرّح به القرآن الكريم في أكثر من آية ، كقوله تعالى : ( وما أكثرُ النَّاسِ وَلو حَرصْتَ بمُؤمِنِينَ ) (1)وقوله تعالى : ( إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الَّصالِحَاتِ وَقَليلٌ مَّا هُمْ) (2).
كما أن الحديث لا يدل على نفي الدين عمّن لا يتقي بل يدل بقرينة أحاديث أُخر أنه غير مكتمل التفقه ، بل ليس فقيهاً في دينه ، وهكذا في فهم نظائره الاُخر . ومما يدل عليه ما رواه عبدالله بن عطاء قال : قلتُ لابي جعفر الباقر عليه السلام : رجلان من أهل الكوفة أُخذا ، فقيل لاَحدهما : ابرأ من أمير المؤمنين ، فبرىء واحد منهما وأبى الآخر ، فَخُلِّيَ سبيل الذي برىء وقُتل الآخر ؟
فقال عليه السلام : « أما الذي برىء فرجل فقيه في دينه ، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجَّل إلى الجنة » (3).
هذا ، ولا يمنع أن يكون الحديث دالاً أيضاً على سلب الاِيمان والدين حقيقة ممن لا يتقي في موارد وجوب التقية عليه ، كما لو أُكره مثلاً على أن يعطي مبلغاً زهيداً ، وإلاّ عرّض نفسه إلى القتل ، فامتنع حتى قتل ، فهذا لاشكّ أنه من إلقاء النفس بالتهلكة ، وقد مرّ تصريح علماء العامّة بأن مصير
____________
ه 1) سورة يوسف : 12 | 103 .
ه 2) سورة ص : 38 | 24 .
ه 3) اُصول الكافي 2 : 175 | 21 ، باب التقية .
--------------------------------------------------------------------------------
ه( 77 )
مثل هذا يكون في جهنم ، ومن غير المعقول ان تكون جهنم مأوى المؤمن المتدين ، بل هي مأوى الكافرين والمنافقين وأمثالهم
-----------------------------------------
وليس التفسير كما يزعم درويش، بأن تشعة أعشار الدين تقية، والعشر الآخر هو باقي الإسلام.
كما إن في قول درويش إن التقية من أصول الدين لكذب كبير، فأنا أتحداه أن يأتني بأي كتاب في الفقه يقول إن التقية من أصول الدين، بل إني أتحداه أن يأتني بأي كتاب في الفقه قد بوّب باباً خاصاً أسماه (التقية).
تعقلّوا يا إخوان قبل أن تتكلّموا، وابحثوا عن حقيقة التقية ومعناها، قبل أن ترموا الشيعة بما ليس لكم به علم،
وللاستزادة راجعوا الموقع التالي:
http://www.aqaed.com/books/taqya/index.html
جمعنا الله وإياكم على الإيمان
وصل اللهم على محمد وآله الطاهرين