بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الباحثين عن الحقيقة بإنصاف وتجرّد عن الهوى والنفس والشيطان:
1-
يقول المُنكر القاذف: (1 – استمع إليه وهو يقول أن القاعدة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يغيث بروحه من يستغيث به، ويمكن أن يغيث أيضاً بجسده، كما أن بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغيث بروحه مليون شخص في نفس اللحظة !!)
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g1.ra
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g2.ra
فالجواب عليه مجملاً: فما المانع في ذلك؟ فهذا لا يستحيل عقلاً على قدرة الله تعالى المطلقة ولا معارض له شرعاً ونقلاً.
ولبسط الجواب، لنقرأ بتجرّد وإنصاف بعض التعريفات الضرورية ثم نستعرض الأدلّة من الكتاب والسنّة:
"ما معنى الإستغاثة والإستعانة ؟
الجواب:
1-
الإستغاثة: طلب العبد الإغاثة ممّن يقدر عليها حقيقةً وهو الله تعالى أو ممّن أقدرهم الله عليها بحوله وقوّته وهم أنبياؤه وأولياؤه وعبادُه.
2-
الإستعانة: طلب العبد العون ممّن هو قادر عليه بذاته وهو الله تعالى، أو ممّن خلق الله فيه القدرة على الإعانة وهم عبادُه.
هل يجوز الطلب من غير الله ؟ وما هي الأدّلة على الجواز إذا قيل به ؟
الجواب مجملاً: يجوز طلب الإغاثة والإعانة طلباً لسانيّاً من جميع الأسباب العاديّة التي جرت سنّة الله تعالى بخلق الإمداد بها وإجرائه عليها، مع اعتقاد عدم تأثيرها في شيء من المقادير، وعدم قيامها بنفسها، وعدم استقلالها بالوجود. وهذا الجواز بإجماع من يُعتَدّ بهم من علماء السلف والخلف ولم يخالف في ذلك إلا المبتدعة ولا يعتدّ بخلافهم.
الجواب مفصلاً: السبب العادي عند علماء العقيدة الإسلاميّة هو ربط أمر بأمر وجوداً وعدماً مع صحة التخلّف من غير أن يؤثرّ أحدهما في الآخر ألبتة.
وعالَم الخَلق وعالَم الأمر بجميع أفرادهما داخلان في الأسباب العاديّة التي ليس لها تأثير ذاتي في إيجادٍ أو إمدادٍ، وليس في شيء منها قوى مودَعة، وليس لشيء منها حول أو قوّة أو قول أو فعل إلا بالله تعالى، وليس لشيءٍ منها قيام بنفسه بمعنى أنّه لا يصح استغناء شيءٍ منها عن الله تعالى وإمداده طرفة عين.
فالعالَم كُلّه من عَرشه إلى فرشه قائم بقيوميّة الله تعالى وإمداده وحوله وقوّته، وهذه
الأسباب العاديّة تنقسم إلى قسمين:
1- قسمٍ جرت سنّة الله تعالى أن يخلق على يديه قدَراً ما لمن هو في عالم الشهادة وذلك كالملائكة والبشر، وهذا لكمال عالَم خلقه لوجود إمدادٍ من الله تعالى له بصفات المعاني السبعة من حيث تعلّقاتها.
2- قسمٍ لم تَجر سنّة الله تعالى أن يخلق على يديه أو عليه قدراً ما لمن هو في عالم الشهادة وذلك لنقص عالمها عن إمداد الله تعالى بصفات المعاني جميعها، وإن وُجد إمداد ببعضها وذلك كالجمادوالحيوان.
وبناءً على وجود هذا الفارق المشاهد والموافق للواقع بين هذين القسمين لا يصح لنا أن نقيس الجماد والحيوان على الملائكة والبشر، ولا يصحّ لنا أن نسوّي بينهما، فلا نعتبر من توجّه بسؤاله إلى حيوان أو حجر، ولا يصح كذلك أن نعتبر الأسباب العاديّة التي يُجري الله عليها المقادير والإمداد في عالم الشهادة الظاهر كالملائكة والبشر مثل الأسباب العادية التي لا يجري الله عليها شيئاً من ذلك كالأصنام التي كان يعبدها الجاهليّون.
فيجوز شرعاً وعقلاً أن يطلب الإنسان بلسانه غَوثاً أو عوناً من سببٍ عادي جرت سنّة الله تعالى بخلق غَوث أو عون على يديه، ويكون قلبه أثناء طلبه اللساني مشاهداً ومعتقداً أنّ ذلك السبب العادي قيامه بقيوميّة الله، وحولُه وقوتُه بالله، وأنّ ما يجري على يديه إنمّا هو خلق الله وإمداده وليس للسبب تأثير ذاتي في شيء من ذلك القدر البتّة.
فاللسان يسأل الإنسان والقلب يشاهد الرّب، اللسان يسأل السبب والقلب يشهد فعل الرّب عطاءاً أو منعاً.
وقد ذكر علماء التوحيد والعقيدة: أنّ السبب واجب ونفي التأثير عنه واجب، وأنّ من نفى الأسباب فقد عطّل الحكمة ومن أثبت لها التأثير فقد أشرك بالله." اهـ. (الإسعاد في جواز التوسل والإستمداد لعبد الهادي الخرسة- ص9-12)
أدّلة جواز الإستعانة والإستغاثة من الكتاب والسنّة:
1- في سورة القصص قوله تعالى: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدّوه}
يقصّ الله تعالى علينا قصة رجل قبطي من شيعة نبيّ الله سيدّنا موسى عليه الصلاة والسلام استغاث بالنبي فأغاثه. والأنبياء عليهم السلام كلّهم جاؤوا بالتوحيد وعدم الشرك، فلو كانت استغاثة الرجل به نوعاً من الشرك لنهاه عن ذلك ولما قصّ الله علينا ذلك مقرّراً له.
2- في سورة الكهف قوله تعالى حاكياً عن ذي القرنين وهو مسلم مؤمن {فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردماً}، فقد طلب من أتباعه أن يعينوه، ولو كان طلب العون منهم نوعاً من أنواع الشرك لما أقرّه الله على ذلك ولأنكره عليه، ولما ذكره في كتابه مقرّراً له.
فإن قيل: هذا شرع مَن قَبلنا.
فالجواب: هذا ليس حكماً من أحكام الشريعة التي يجوز أن تقبل النسخ، وإنمّا هو من أمور العقائد المتعلقة بالتوحيد، وأمور العقائد لا فرق فيها بين جميع الشرائع السماوية لأنّ جميع الأنبياء والمرسلين عليه السلام عقيدتهم واحدة لا شرك فيها بوجهٍ من الوجوه.
وقد ورد في شرعنا ما يماثله وذلك في نصوص كثيرة منها قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، فلولا وجود عون عند كل واحد منّا من الله تعالى إمداداً لما وُجد مضمون الأمر والنهي الوارد في هذا النص في الواقع امتثالاً، ويكون هذا النص حينئذ معطّلاً وهو باطل.
وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم
(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم. فالله يُعينك ويُعين بك أخاك، ونسبَ ذلك إلى العبد وأضافه مجازاً، لإعتقادنا أنه لا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.
فإذا قلتَ لعبدٍ أعني أو أغثني فالمراد من ذلك: أعنّي بعون الله تعالى الذي أمدّك به، وأغثني بحول الله تعالى وقوّته التي أيدّك بها. ومن اتقد أنّ مخلوقاً يُعين أو ينفع أو يضرّ بذاته من ذاته فهو مُشرك.
فإن قيل: قولك أعنّي أو أغثني سؤال لمخلوق
فكيف جاز ذلك والنبي صلّى الله عليه وسلّم قال لابن عبّاس رضي الله عنهما ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) رواه الترمذي ؟
فالجواب: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا لابن عباس رضي الله عنهما لا يعني إلغاء الأسباب، ولا ينفي سؤالها والطلب منها طلباً لسانيا، وإنمّا معناه - والله ورسوله أعلم - أنّه إذا عَرَضت لك حاجة فاسألها من الله تعالى قبل توجهك اللساني الظاهر إلى الأسباب التي ترجو أن يكون قضاء تلك الحاجة على أيديها، وبعد هذا التوجه القلبي لله أن يُيَسّر قضاء حاجتك تلك على أيدي الصالحين من عباده تتوجه بالطلب اللساني منهم.
ويصح أن يقال أيضاً: حالَ سؤالك اللساني للأسباب تحقق أنك تسأل الله تعالى، لأنه هو الذي يُجري ما يشاء من المقادير على أيدي خلقه بحوله وقوّته، وليسوا شركاء معه في شيء منها، فاشهد بعد ذلك التحقق القلبي المقرون بالسؤال اللساني للأسباب ما سيخلقه الله تعالى ويُجريه من مَنع أو عطاء.
والذي أوجب هذا التأويل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لربيعة بن كعبٍ الأسلمي رضي الله عنه (سلني) قال (أسألك مرافقتك في الجنّة) قال: (أو غير ذلك) قال (هو ذاك) قال (فأعنّي على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم.
فهل النبي صلّى الله عليه وسلّم يأمر ربيعة بالشرك عندما يقول له (سلني) ؟ حاشاه من ذلك، وعندما قال له ربيعة (أسألك مرافقتك في الجنة) لم يقل له لا أقدر على ذلك أو لم يؤذن لي فيه أو ليس هذا من اختصاصي ولا في وسعي بل عليك أن تسأل الله ذلك، وإنّما قبل منه سؤاله وأقرّه عليه وقال له (أعني على نفسك بكثرة السجود).
ولولا أنّ ربيعة كان يشهد بقلبه وحدانيّة الله تعالى وأنّ نبيّه محمداً صلّى الله عليه وسلّم ليس شريكاً مع الله تعالى في شيء وأنّ حوله وقوّته بالله وأنّ الله هو الذي يُجري ما يشاء من المقادير على يديه لما قال له) سلني).
وفي حديث ربيعة هذا
رد على القائلين بأنه يُطلب منه ما يقدر عليه ولا يُطلب منه ما لا يقدر عليه، وذلك لأنّ المرافقة في الجنّة لا يقدر عليها أحد من البشر فكيف وافقه النبي صلّى الله عليه وسلّم على طلبه هذا ؟
فتبيّن أننا لا نتعامل مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عند الطلب منه فيما هو معتاد للبشر، إنمّا نتعامل معه فيما ليس مُعتاداً لهم باعتبار خصوصيته عليه الصلاة والسلام فيما انفرد به عن الخلق جميعاً إلا الأنبياء، بوصف النبوّة والرسالة الذي شاركه فيه إخوانه الأنبياء والمرسلون عليهم السلام، وسرى إلى ورّاثهم شيء منه يسمّى عند علماء التوحيد الكرامة وهو الأمر الخارق للعادة لا الجاري على وفق العادة مما يقدر عليه البشر." اهـ.
"وفي حديث "عُتبة بن غزوان رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (
إذا أضلّ أحدكم شيئاً أو أراد غوثاً وهو بأرض ليس فيها أنيس فليقل: يا عباد الله أغيثوني -وفي رواية- أعينوني، فإن لله عباداً لا ترونهم) رواه الطبراني في المعجم الكبير وقال: وقد جُرّب ذلك.
فهذا الحديث صريح في جواز الإستغاثة والنداء لمن لا نراهم من عباد الله تعالى ويدخل فيهم الأحياء حياة برزخية ممّن لهم الرَوح فيروحون حيث شاؤوا. وقد عمل بهذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ففي شعب الإيمان للبيهقي، وفي كتاب المسائل قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: "حججت خمس حجج منها اثنتين راكباً وثلاثة ماشياً أو ثنتين ماشياً وثلاثة راكباً فضللت الطريق في حجّة وكنت ماشياً، فجعلت أقول: يا عباد الله دُلّونا على الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق" اهـ.
ونقل الإمام النووي رحمه الله تعالى في الأذكار قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
إذا انفلتت دابة أحدكم في فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا عليّ، فإن لله حاضراً سيحبسه عليكم) رواه الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره ابن القيّم رحمه الله تعالى في كتابه (الوابل الصيّب)
وذكر أن شيخه ابن تيمية رحمه الله تعالى: عمل به.
وقال الإمام النووي رحمه الله بعد أن ذكر الحديث: حكى بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه انفلتت له دابة اظنها بغلة وكان يعرف هذا الحديث فقاله فحبسها الله عليهم في الحال وكنت أنا مرّة مع جماعة فانفلتت منها بهيمة وعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال بغير شيء سوى هذا الكلام" اهـ. (الإسعاد في جواز التوسل والإستمداد للخرسة)
فإذا صحّت الإستغاثة بعباد الله في غامض علم الله، خبراً منقولاً وعملاً مأثوراً، فلمَ ننكرها على خير خلق الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟
هذا وقد ناداه الصحابي الجليل حسّان بن ثابت رضي الله عنه الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم أيده بروح القدس)، -
ولم يقل عنه بأنه مشرك عندما وصفه بأنّه الرُكن الذي يعتمد عليه والعصمة الذي يُلجأ إليه فقال:
يا رُكن مُعتمد وعصمة لائذ ***** وملاذ منتجع وجار مجاور
يا من تخيّره الإله لخلقه ***** فحباه بالخلق الزكيّ الطاهر
أنت النبي وخير عصبة آدم ***** يا من يجود كفيض بحر زاخر
ميكال معك وجبرئيل كلاهما ***** مدد لنصرك من عزيز مقتدر
)الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر)
يتبع