صرخة في الله، ولله، إلى السادة الأماثل

[صلاح الدين القاسمي]

بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على سيدنا محمد عبك و رسولك النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم .
_________

كتب السيد الإمام محمد زكي إبراهيم - يرحمه الله رسالة إلى المملكة العربية السعودية وقد أتمم كتابتها سنة 1413 هجرية الموافق 1993م عنوانها:

صرخة في الله، ولله، إلى السادة الأماثل:

1- خادم الحرمين الشريفين: الملك فهد بن عبد العزيز.

2- ولي العهد: الأمير عبد الله بن عبد العزيز.

3- أمير مكة: الأمير ماجد بن عبد العزيز.

4- السادة أولياء الأمور بالمملكة العربية السعودية الناهضة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفقكم الله جميعا إلى محابه ومراضيه.

وبعد:


أولا



فمن أجل الإسلام والمسلمين، ومن أجل التاريخ والدين، ومن أجل حضارة الإسلام وصورته في أعين علماء البشرية، وحفاظا على البقية الباقية له من تقدير عند خصومه، والمتربصين به وأهله، ومن أجل ألاّ نضيف جرحًا جديدة إلى ما تمزق به الجسد الإسلامي من جراح كانت، وماوالت، وسوف تبـقى تنزف الحزن والألموالأسى، بَلْهَ الخزي والعار.



ومن أجل محض العلم وسعة الأفق وبُعد النظر، والإحاطة بالحقائق ودقائق الأمور, الحاضرة والمستقبلة, ومن أجل استبقاء حب المملكة السعودية الناهضة في قلوب المسلمين، وتنمية هذا الحب في الله وبالله ولله... نقول، والله شهيد:



ثانيا



أثارت المسلمين في إطار العالم كله شائعة رهيبة تتلخص في أنه: مطلوب من الحكومة السعودية الموافقة على إزالة آخر ما تبقى بمكة المكرمة من الآثار الإسلامية، وهو المكان الذي ولد فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مسجدا فهدم ثم جعل مكتبة لأمر ما.



وكان ذلك بعد ما أزيل من قبل بيت أم المؤمنين خديجة الكبرى, وحولوه إلى ( دورة مياه ومراحيض ) مع الأسف والألم البالغ، والواقع المؤلم الذي لا يتصوره عقل ولا دين ..ولاخلق .. ولا إنسانية..



وكما أزيل بيت سيدنا الإمام علي، وكما أزيلت دار الأرقم، وكما أزيل مسجد بلال وغيره من الآثار الشريفة الهامة التي كانت تعج بها مكة وجبل أبي قبيس مما يعتبر من ذخائر الدنيا ونوادر ذكريات دعوة الإسلام.



ثالثا



ولا يزال يحز في نَفْس العالم الإسلامي، ما أزيل من قبل بالمدينة المنورة من الآثار والفرائد التاريخية العظمى، ومنها بيت الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام، وبيت أبي أيوب الأنصاري وبستان سلمان الفارسي.



كما أزيلت بئر (حاء) وبئر (حاتم) وكما أزيل ( الخندق ) ومسجدان من المساجد السبعة التي بنيت على أرض معركة الأحزاب، وبقية هذه المساجد في طريقها إلى الإزالة كما يقولون.



وكما أزيلت بالمدينة المنورة أشهر مكتبة إسلامية عالمية، وأحفلها بنوادر الكتب والمخطوطات، زأجمعها للطرز الإسلامية في الأبنية، أعني: مكتبة ( عارف حكمت ) كما أزيل ( جبل الرماة ) الذي كان مجاورًا لأحد ولا حول ولا قوة إلا بالله.

رابعًا


كل هذه الآثار وغيرها من المفاخر التاريخ الإسلامي، إنما أزيل وأبيد باسم التوحيد المظلوم، والخوف من الشرك الموهوم المزعوم، وقد ضرب لنا سيدنا رسول الله المثل المعقول المقبول في مثل هذا المقام بالذات، فإنه لما فتح مكة لم يأمر بهدم الكعبة لما كان حولها من الأصنام، وما كان يأتيه الجاهليون من أقوال الشرك الصريح وأفعاله ولكنه طهَّر الكعبة، وأرشد الناس.



وسنذكر بعض ما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله عن كيفية معاملة الآثار والانتفاع بها في دعوة التوحيد وتأكيده، بعد أن تقدم شيئا مما جاء في دستور المملكة العربية السعودية الناهضة في الاهتمام بآقار ما قبل الإسلام، من مخلفات اليهود والجاهلية.



وقد رأينا آثار اليهود في خبير، وفي الحرّة الشرقية بالمدينة المنورة، قائمةً ومُحافظًا عليها، ومكتوبًا عندها " ممنوع اللمس أو الإقتراب بأمر الآثار " كما هو على حصن كعب بن الأشرف مثلاً.



ورأينا آثار ثمود - قوم صالح - بمنطقة العلا غير بعيد من المدينة النبوية وبها مركز سياحي سعودي وحرس يحافظ عليها، معروف أن الحكومة السعودية استقدمت خبراء من أوربا وغيرها للبحث عن الآثار بـ( الدرعية ) وغيرها من أرض الجزيرة.



فهل ما أشرنا إليه من آثار الإسلامية التاريخية العظمى، أقل خطرًا من حصن كعب بن الأشرف، وبقايا أرض ثمود والدرعية؟



كيف يصبح بيت خديجة مراحيض، حين يمنع مجرد اللمس لبقايا آثار الجاهلية وبني إسرائيل؟


ثم يُطلب بعد ذلك أن يزال آخر أثر بقي للإسلام بعد الحرمين بأرض الحجاز، وهو المكان الذي ولد فيه الرسول ؟

إن هذا لشيء عجاب أو هو أعجب من العجاب!!


فليبق الأثر ولمنع الناس من إثيان التجاوزات التي يمنعها المانعون بالحجاز، كما هو حادث في المسجد النبوي وغيره، ولتكن القدوة برسول الله حين طهر الكعبة، ولم يمسها بسوء.



إن الأمر عالميًا وعلميًا وسياسيًا وإسلاميًا أبعد بكثير مما يطلبه أولئك الناس من الحكومة هناك.

{ ولتعلمن نبأه بعد حين }



خامسًا


لستُ أدري ولا أحد يدري ما هو الغيب الرابط بين ( الهنادكة ودول شرق آسيا ) الذين يتبعون الآثار والمساجد والمعالم الإسلامية لمحوها وإبادتها كما فعلوا بالمسجد ( البابري ) أقدم وأعظم الآثار الإسلامية بالهند وما خولها، وبين الصربيين الذين لم يدعوا أثرًا ولا مَعْلمًا إسلاميا في البوسنة والهرسك وبورما إلاّ دمَّروه وخرّبوه وبين هؤلاء الذين يتتبعون معالم النبوة وبقايا آثارها في أرض الحرمين لمحوها وإبادتها؟!



أولئك يفعلون ما يفعلون - خدمةً للشرك على زعمهم - وهؤلاء يفعلون ما يفعلون - خوفا من الشرك على زعمهم، فالشرك قاسم مشترك بين هؤلاء وأولئك، كوسيلة في تحقيق المقاصد والأغراض، مع شديد التناقض وأكيد الاختلاف.


هنا سرٌّ عميقٌ دقيقٌ لا يفوت أهل التحقيق!!.



سادسًا



مما يذكر بالخير للحكومة الشعودية ومدى إدراكها لمقتضيات السابق واللاحق من أمور التاريخ وأصول الحكم ومقتضيات الحضارة أن تحررت من الضغوط الخرقاء البلهاء فأنشأت بها ( إدارة الآثار ) بالمرسوم الملكي رقم ( م26 في 23 / 1396 ) وشكلت لها مجلسًا أعلى بقرار مجلس الوزراء رقم 235 في 21 / 2 / 1398 .



وقد حدَّد القانون القانون أنَّ من الآثار التي يجب المحافظة عليها بالنص ( الأبنية التاريخية المنشأة لغايات مختلفة، كالمساجد وأماكن العبادة، والقصور والبيوت، والقلاع والحصون، والأسوار والملاعب، والحمامات، والمعارض، والقنوات )..الخ، وذلك في بند ( أ ) من المادة ( 7 ).



كما جاء بالمادة ( 11 ) بالنص ( يخظر إثلاف الآثار المنقولة أو الثابتة، أو تحويرها أو الحاق الضرر بها أو تشويهها أو تغيير معالمها )....الخ.



وجاء بالمادة ( 12 ) " يتعين عند وضع مشروعات تخطيط المدن والقرى، أو توسيعها أو تجميلها، المحافظة على المناطق والمعالم الأثرية فيها، ولا يجوز إقرار مشروعات التخطيط التي يوجد في نطاقها آثار، إلا بعد أخذ موافقة دائرة الآثار عليها، وعلى دائرة الآثار تجديد الأماكن التي يوجد فيها معالم أثرية وإحاطة جهاز تخطيط المدن علمًا بذلك".


نقول:

والذي حدث والذي يحدث والذي يطلبه الطالبون الآن من الحكومة السعودية مخالفً كل المخالفة لهذا القانون فضلا عن مخالفته لما سوف نشر إليه من الكتب والسنة والمخالفة لفتاوى إمامهم الأعظم الشيخ أحمد بن تيمية.


بالإضافة إلى مخالفة المعقول والمنقول الأخلاقي والإنساني والحضاري والعالمي.

---------------
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

[كوكتيل]

صرخة في الله، ولله، إلى السادة الأماثل

ما هكذا تورد الأبل ... و كفى