التتمة:ـ الجزء الثالث:
ثم إني أسأل الوزير ، من أين أتى بهذه القاعدة والمنهج الغريب وهو الحريص على اتباع منهج السلف ونصوص الوحي ؟! أم هي السياسة والوزارة والمنصب تغير الحقائق وتبدل المفاهيم وتقلب الأسس وتعكس المبادئ؟!
قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
لقد نحى الوزير منحىً خطيراً في ذلك المقال الذي ابتدأه بقوله (( كل عاقل هو ضد صدام الحضارات ….. حتمية الصراع التي عرضها ها تنجتون مرفوضة … ما ينبغي أن يتحقق بين الأمم هو التفاهم مع التمايز … الفكر الذي يرفض الصراع ….)) الخ ما جاء في مقاله ، الذي يهدم أساس الولاء والبراء، والعداوة والصراع مع الكفر والشرك وسائر الملل والنحل المخالفة ويلغي بل ينكر صراحة الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا . أليست دعوة الرسل من نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام كلها صراع مع المخالفين ؟ أين العلم يا شيخ صالح وأين الفقه وأين العقيدة ؟ ما شأننا نحن بهذا الها تنجتون؟!
مقالك كله ليس فيه آية ولا حديث ولا نص من كلام السلف ، أصرت تستحي من ذلك وتريد أن تظهر أنك عصري متحضر؟!
إنني لم أزل متعجباً من هذا الوزير (( الصالح )) المعروف سابقاً بطلبه الدؤوب للعلم الشرعي وتمكنه فيه ودقته في اختيار الأسلوب والمصطلحات الشرعية والألفاظ العربية الفصيحة، ثم لما استوزر خرج علينا بمصطلحات غربية ومخالفات شرعية. وأحياناً تقرأ له كلاماً عريضاً لا معنى له، ولا تدري ما الذي يرمي إليه ، وأشد من ذلك فقهه الغريب الذي يشبه أو يقرب من فقه دعاة التغريب من أمثال رفاعة الطهطاوي وعبد الرازق وقاسم وأضرابهم. وبدلاً من أن يسوق الشيخ الإعلاميين المستغربين إلى هذا الدين وإلى لغته ويدعوهم إلى أصالته، انحدر هو إلى لغتهم وانساق إلى مصطلحاتهم ومرئياتهم وتابعهم في مواقفهم. ومن تتبع ما كتب في صحيفتي عكاظ والرياض على لسانه عرف ما أعني، والله الهادي.
أما زعم الوزير افتقار طالبان للبنية الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكلام لا زمام له ولا خطام. فهل اطلع على أحوال طالبان عن قرب حتى يصدر هذا الحكم عليها؟ أم إنه يريد بنية دينية كتلك الموجودة في البلاد العربية التي تختار من الدين ما تشاء وتترك ما تشاء وتخضع العلماء لرأي السلطان وتسوقهم إلى سياسته. وهل يريد بنية سياسية تتحالف فيها طالبان مثلاً مع النصارى واليهود وتعطي لهم الحق في التحكم في كل أمر والخضوع لكل مطلب، دون النظر إلى حكم الشرع، كما هو حال كثير من الدول العربية والإسلامية ؟ وهل يريد بنية اقتصادية يهيمن فيها الربا والنظام الرأس مالي على التجارات والشركات والعملات كما هو الحال في كل بلاد الإسلام؟
ثم لماذا يخص الوزير طالبان بالنقد ؟ لماذا لم يوجه كلامه ونقده لكل الدول المخالفة ، أم هي في نظره على الصراط المستقيم ؟ هل يجرؤ الوزير على انتقاد سياسة مصر مثلاً واقتصاد سوريا وجرائم إيران ؟!
وأما دعم المتطرفين ووقوف طالبان إلى جانبهم ، فهو من بعد نظرهم لا من ضيق أفقهم أيها الوزير. وهو من شيمهم وأخلاقهم التي يحمدون عليها، إذ آووا المجاهدين العرب الذين سميتهم بالمتطرفين وهو تعبير غربي أيضاً ، نربأ بك أن تورده وتتمثله، لأنك تعرف أن هذا المصطلح يشملك حتى أنت في نظر من أطلقه من الغربيين. ثم ليست طالبان وحدها هي التي تؤوي هؤلاء المتطرفين، بل دول الكفر (( المتحضرة )) في نظرك، والتي تملك (( مقومات الحياة والبقاء )) على حد تعبيرك قد آوت ولا تزال تؤوي المئات من المطلوبين من حكوماتهم ممن يسمونهم بالإرهابيين والمتطرفين. أتجرؤ أيها الوزير على نقد تلك الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا؟!
ثم إني أقول لهذا الوزير أين انتقادك لطالبان من قبل، إبان كان معترفاً بهم هنا؟ هل تغيرت طالبان أم تغيرت المواقف فتابعتها حال الرضى ثم تابعتها حال السخط؟
أما أنتم أيها المجاهدون العرب، فكان الله لكم ، قد أحاطت بكم المحن واكتنفتكم النكبات من كل مكان ، عدتم من ساحات المعركة فلاحقتكم جنود الطغاة وساموكم سوء العذاب قتلاً وتعذيباً وتنكيلاً ومن فر منكم مضطراً ولجأ إلى بلاد الكفار لم يسلم كذلك من الفتن. ومن رجع منهم إلى أفغانستان إبان تسلط الأحزاب على الحكم ظل خائفاً على نفسه وأهله وماله فقد تنكر له رباني وسياف ومسعود وأضرابهم وأذلوهم وأهانوهم بل صرحوا بأنهم سيسلمونهم إلى حكوماتهم كمصر وغيرها. ولم يشعروا بالأمن والأمان والرحمة والأخوة إلا في عهد طالبان الذين آووهم وأعزوهم وأكرموهم، ورفضوا تسليم أحد منهم لحكومة بلده وبدلاً من أن يحمد الشيوخ والعلماء سعيكم ويقدروا جهادكم وتضحيتكم تنكروا لكم ورموكم بالعظائم ، فمن واصف لكم بـ (( المرتدين )) ، و (( الخوارج )) ، و (( الإرهابيين ))، و (( المتطرفين ))، وغير ذلك مما تفضلت به قرائح الشيوخ بالاستعانة بقاموس المخابرات الغربية والعربية التابعة لها . وتباينت طرق الشيوخ وأساليبهم في نقد هؤلاء الفتية الأخيار الذين ليس لهم ذنب إلا أنهم بذلوا أنفسهم وأموالهم وباعوها رخيصة في سبيل الله لإعلاء كلمته وجهاد أعدائه، وما كان منهم من نقص أو تقصير في علم أو عمل صالح فهو في عامة الناس وطلبة العلم ، بل والعلماء أيضاً ، فلماذا تُصور أخطاؤهم وتفرد بالنقد وكأنها نتاج الجهاد وحصيلة الذهاب إلى ساحات القتال في سبيل الله في أفغانستان وغيرها؟!
لقد كرر الشيخ سفر نقده لهم بالجهل تارة ، ونقص التربية تارة ، وانعدام المنهج والتنظيم تارة أخرى. وللإنصاف فإن الشيخ – حفظه الله – نافح عنهم وصرح بوجوب محبتهم وموالاتهم في أكثر من موضع في بيانه المشهور.
وإني أقول للشيخ سفر ولغيره من العلماء والمصلحين الناقدين ، إن هؤلاء المجاهدين هم شريحة من شرائح المجتمع الإسلامي، ففيهم العامي وطالب العلم الشرعي وحامل العلوم الدنيوية وفيهم التاجر الغني والمعدم الفقير ، إلى غير ذلك . ومعلوم قطعاً أن الجهاد لا يشترط له ما يشترط في الوعظ والخطابة والدعوة إلى الله، التي تفتقر إلى العلم الشرعي ولو بالحد الأدنى كما لا يخفى.
ونحن نرى ونلمس أخطاءً وشذوذاً في الفكر والمواقف والسلوك لدى كثير من هؤلاء الدعاة والخطباء الذين يزعم أنهم نالوا حظاً كافياً من العلوم الشرعية ومن التربية ، ولم توجه إليهم مثل تلك الانتقادات التي وجهت للمجاهدين ، مع أنهم أولى بالنقد من أولئك لقيام الحجة عليهم بما تعلموه ولوفرة الشيوخ والعلماء حولهم ، وهم آمنون في سربهم معافون في أجسادهم ، لم يمتحنوا في شيء من ذلك.
وفيما يتعلق بمفهوم التربية الذي يدندن الشيوخ حوله فإن هذا موضع خلاف كبير في التطبيق، فإن التربية لدى بعض الأحزاب الدعوية المنتشرة تعني شيئاً غير المعنى المعروف عند العلماء الملتزمين بالمنهج السلفي.
ولا أريد التفصيل هنا في هذه القضية الشائكة، لكني أوجه سؤالا ًسهلاً، هل كان الأعراب الذين جاهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم قد تلقوا التربية المطلوبة والتنظيم المطلوب قبل أن يدخلوا ساحة الحرب؟ بل المشرك الذي كان يعرض نفسه للجهاد مع المسلمين ضد المشركين فيرده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (( إنا لا نستعين بمشرك )) حتى إذا آمن وشهد الشهادتين قبله في جيش المسلمين، هل تلقى التربية والتنظيم المطلوبين؟!
وأما نقد المجاهدين في عدم مشاورتهم لأهل العلم ، كما ذكر الشيخ سفر – حفظه الله – فهذا نوجهه للشيخ سفر ولسائر الشيوخ والعلماء ، فنقول لهم ، هل فتحتم صدوركم وفرغتم شيئاً من أوقاتكم لهؤلاء الأخيار ثم وجدتم منهم صدوداً وإعراضاً عنكم ، أم أنكم ما بين مشغول ومعرض وخائف حتى من الالتقاء بهم إلا في أماكن عامة لا يقدرون فيها على السؤال ولا تستطيعون أنتم الجواب؟
وقبل ذلك أقول لماذا أحجم كل الشيوخ والعلماء – إلا القليل – عن الذهاب إلى ساحات الجهاد ، حتى ولو لمجرد ضبط الشباب المتحمس وتعليمهم وتربيتهم هناك بدلاً من أن نفرض عليهم هم أن يأتوا إلينا ؟هل هو الشغل بالدعوة والتعليم ؟ أم الخوف على أنفسهم ومناصبهم ورئاستهم؟ أم عدم القناعة بالجهاد أصلاً؟ أم أن كثيراً من هؤلاء شغلتهم أموالهم وأهلوهم؟
قد سافر كثير من الشيوخ والدعاة إلى أقاصي الأرض غربها وشرقها للدعوة إلى الله وبناء المساجد والمدارس والالتقاء بالمسلمين هناك للتربية والتعليم، فلماذا لم يخصوا ساحات الجهاد بواحدة من تلك الأسفار؟! لماذا؟!
ولا زلت أقول مع كل ذلك أن ما جاء في بيان الشيخ سفر الحوالي أعدل بكثير مما قاله الآخرون، كالدكتور محسن العواجي – هداه الله- الذي صرح بأن الأمر لو كان بيده لما سمح للشباب بالذهاب أصلاً إلى أفغانستان!!
وغالط حين قال بأن هؤلاء الشباب لم يخرجوا إلى الجهاد إلا بتحريض من حكوماتهم التي (( زجت بهم هناك )) وأقول: من نعمة الله عليك يا دكتور وعلى الناس أن الأمر لم يكن بيدك، وأرجو ألا يصل إليك إذا كان هذا فقهك ورأيك.
و أما خروج الشباب فأكثرهم إنما ذهب رغبة في الأجر والثواب وحرصاً على الشهادة في سبيل الله ونصرة إخوانه المجاهدين. أما حكوماتهم فإنما فسحت لهم المجال طوعاً أو كرهاً ولهم مصالح خاصة بهم، لا علاقة للمجاهدين بها ولا بهم.
وأعجب من اقتراح الدكتور العواجي – وفقه الله – على الحكومات العربية بأن توفر للمجاهدين العائدين من أرض الجهاد فرصاً وظيفية ، أو تخرطهم في سلك الجيوش للاستفادة من خبراتهم ، فإنهم قد خاضوا حروباً حقيقةً!! أهذا مبلغ علمك وفقهك يا دكتور، أن تحول هؤلاء المجاهدين إلى عمال وأجراء يعملون في وظائف حكومية وكأنهم سألوك النفقة وطلبوك المعونة، وهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس، ضحوا بأنفسهم وأموالهم وأهليهم في سبيل الله. نعم أنا لا أنكر أن فيهم الفقير المحتاج، وهذا ينبغي أن يقف معه المحسنون من التجار وغيرهم ، لا أن تطلب من حكوماتهم أن توظفهم، وأنت تعلم – لأنك جربت ذلك – كيف ستساومهم على دينهم مقابل ذلك الراتب الزهيد.
أما تحويلهم إلى جنود رسميين فهذا من عجائب أقوال الدكتور لأنه يعلم أن الجيوش العربية إنما سخرت للاستعراض وحماية الأنظمة أو مهاجمة الجيران كما قال الشيخ سفر – حفظه الله – وسخروا كذلك لحضور المهرجانات والمباريات الختامية، والوقوف كالأصنام لاستقبال فلان وتوديع فلان، واحترام العلم وعزف السلام . أيريد الدكتور أن يستبدل هؤلاء المجاهدون الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟ يستعيضون عن الجهاد في ساحات القتال لإعلاء كلمة الله، والفوز بإحدى الحسنيين بمثل هذا الوضع المهين؟
#####################
التتمة في الرد التالي، وجزاكم اللهُ خيراً جزيلاً على متابعتكم واهتمامكم،.....آمين.