صفعة اسرائيلية لمبارك وعباس

[المصابر]

صفعة اسرائيلية لمبارك وعباس
عبد الباري عطوان

05/01/2007

ان تقدم الدبابات الاسرائيلية علي اقتحام مدينة رام الله، عاصمة السلطة الوطنية الفلسطينية، قبيل لحظات من اجتماع الرئيس المصري حسني مبارك مع ضيفه الاسرائيلي ايهود اولمرت رئيس وزراء الدولة العبرية، فان هذا العمل الاستفزازي يشكل اهانة جديدة لمصر ورئيسها وشعبها، ويؤكد ان التقارب العربي الرسمي مع القيادة الاسرائيلية، تلبية لضغوط امريكية يساء فهمه، ويترجم عمليا علي انه دليل ضعف واستسلام.
الرئيس مبارك عندما يوجه الدعوة الي اولمرت في شرم الشيخ، فانه يفعل ذلك من اجل اعادة احياء عملية السلام، والافراج عن الاسير الاسرائيلي جلعاد شاليط، وتثبيت هدنة مع الفلسطينيين تؤدي الي وقف اطلاق الصواريخ، ودعم الجماعات الفلسطينية المعتدلة في مواجهة الاخري المتطرفة، ولكن القيادة الاسرائيلية لا تريد كل هذه الانجازات، وتصر علي التصعيد، وخدمة الاتجاهات المتطرفة، من خلال خطواتها الاجرامية ضد الفلسطينيين وآخرها اجتياح رام الله، والتصديق علي بناء مستوطنة جديدة في غور الاردن لتوطين اليهود المرحلين من مستوطنات قطاع غزة.
الادارة الامريكية تطالب حلفاءها في مصر والاردن والدولة العبرية بتقوية موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مواجهة حركة حماس ، من اجل تسهيل انضمامه الي حلف بغداد الجديد، او حلف المعتدلين الذي وضعت اسسه السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية اثناء جولتها الاخيرة في المنطقة، وها هي الحكومة الاسرائيلية تطبق توجيهات هذه الادارة ولكن بالعكس، وتوجه ضربة قاتلة الي السيد عباس وسلطته باجتياحها رام الله، وقتل اربعة اشخاص، وتحطيم العديد من السيارات والمحلات التجارية.
الحكومة الاسرائيلية حكمت علي جهود الرئيس مبارك في استئناف عملية السلام من خلال تهيئة الاجواء الملائمة لها، وترتيب عقد قمة رباعية فلسطينية ـ اسرائيلية برعاية مصرية واردنية بالفشل قبل ان تبدأ. ووجهت صفعة قاتلة الي القيادتين المصرية والاردنية، واحرجت الرئيس الامريكي جورج بوش وحليفه توني بلير اللذين يبذلان جهودا كبيرة في هذا الاطار ليس حبا في الفلسطينيين، وانما لتسهيل ولادة الحلف العربي ـ الاسرائيلي الجديد تمهيدا لمواجهة الهلال الايراني ـ السوري.
لا نعتقد ان الحكومة الاسرائيلية لا تدرك ابعاد خطوة اجتياح رام الله وتوقيتها، والآثار السلبية التي يمكن ان تترتب عليها، ولا نعتقد ان ايهود اولمرت لم يكن علي دراية بها وجري ترتيبها من وراء ظهره. فهو رئيس الحكومة الاسرائيلية المصغرة المسؤولة عن القضايا الامنية والاستراتيجية الخطيرة، ولا بد انه وقع قرار الاجتياح هذا قبل ان يستقل الطائرة متوجها الي شرم الشيخ تلبية لدعوة الرئيس مبارك.
اولمرت لا يريد سلاما ولا يريد تهدئة، وانما قتل اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، ومصادرة اراضيهم، واذلالهم امام الحواجز، وتجويعهم حتي الموت من خلال حصار ظالم.
لقد وعد بازالة الحواجز في الضفة الغربية التي حولت حياة الفلسطينيين الي جحيم، وتفكيك مستوطنات والافراج عن مئات الملايين من الدولارات تحتجزها حكومته هي مستحقات الضرائب للسلطة الفلسطينية، ولم يف بأي من هذه الوعود، ومارس عكسها تماما، وزاد علي كل ذلك بارسال دباباته الي رام الله في وضح النهار، لتقف امام مقر الرئيس الفلسطيني في تحد سافر ومخجل.
السيد عباس قال في بيان اصدره مكتبه امس ان هذه العملية تدل علي حقيقة زيف الادعاءات الاسرائيلية عن الامن والسلام في الوقت الذي ترتكب فيه جرائم القتل والعدوان ضد الشعب الفلسطيني ، واضاف الشعب الفلسطيني لن يرضخ لجبروت الاحتلال مهما عظمت قوته، وهو مصمم علي نيل حقوقه .
كلام جميل، ولكن السؤال هو حول رد السيد عباس العملي علي هذا العدوان الاسرائيلي الذي وضعه في زاوية حرجة، ونسف كل مراهناته علي حكومة اولمرت، واستئناف العملية السلمية عبر مفاوضات سرية تقود الي السلام الذي يتطلع اليه.
المنطق يقول بان يتوجه السيد عباس الي غزة، ويجتمع مع السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء، في حضور اركان حركتي فتح و حماس ، ويخرجان باتفاق علي تشكيل حكومة وحدة وطنية تتصدي لهذا الاستفزاز الاسرائيلي، وتتبني خيار المقاومة.

ولكن المنطق شيء، وتصرفات رئيس السلطة شيء آخر مختلف تماما، فهناك مجموعة من المقربين لا تريد اي اتفاق فلسطيني، وتراهن علي المفاوضات، وتري في حركة حماس العدو الاكثر خطورة، وفي اولمرت الشريك الاستراتيجي الذي يجب الرهان عليه.

الرئيس حسني مبارك بدوره لم يتصرف كزعيم لاكبر دولة عربية عندما استقبل اولمرت وهو يتابع عبر شاشات التلفزة الدمار الذي احدثته الدبابات الاسرائيلية في رام الله. وكان عليه ان يلغي الاجتماع، ويطلب من رئيس الوزراء الاسرائيلي العودة من حيث اتي ردا علي هذه الاهانة التي وجهها له بكل وقاحة وصلف.
من المؤسف ان الرئيس مبارك استقبل اولمرت، ولحس الاهانة، ووعده بان يلبي المطالب الاسرائيلية بتشديد الاجراءات الامنية علي الحدود مع قطاع غزة، لمنع وصول اي اسلحة او ذخائر الي حركات المقاومة. مثلما وعد باستئناف جهوده للافراج عن الجندي الاسرائيلي الاسير.
هذه المواقف المتخاذلة من قبل القيادات الفلسطينية والمصرية والعربية هي التي تدفع باولمرت وغيره للاستمرار في اهاناته للعرب والمسلمين.
الادارة الامريكية هي التي تشجع اولمرت وغيره علي تكثيف هذه الاهانات للقادة العرب المعتدلين ، لانها لا تجرؤ علي توجيه كلمة لوم واحدة الي الاسرائيليين، حتي لو اضروا بسياساتها وسمعتها ومصالحها الاستراتيجية في منطقة حساسة وهامة مثل المنطقة العربية، لسبب بسيط وهو انها ادارة مخطوفة من قبل اللوبي الاسرائيلي، الذي وظفها في خدمة مصالح اسرائيل فقط.

الزعامات العربية، معتدلة او متطرفة، ربما فقدت هيبتها، وذهب ريحها، واصبحت تخاف من الادارة الامريكية، وترتعد امام كوندوليزا رايس واي مسؤول امريكي آخر، ولكن الشعوب العربية ليست كذلك،

وما يجري في العراق وفلسطين ولبنان من مقاومة افشلت مشاريع الهيمنة الامريكية وكلفت خزينة واشنطن اكثر من 500 مليار دولار حتي الان، وثلاثة آلاف قتيل، وعشرين الف جريح الا احد الادلة في هذا الخصوص.
الممارسات الاسرائيلية الفظة والمتعجرفة والمهينة هي افضل حليف للتطرف الاسلامي والعربي وكل منظماته. واجتياح رام الله الاخير هو آخر حلقاتها، ولعل هذا الاجتياح هو افضل هدية تـقدمها حكـــومة اولمرت لفريق المتطـــرفين العرب ابتداء من حـــركة حماس ومـرورا بحزب الله، وانتهاء بتنظيم القاعدة.

[صمت الكلام]

هذه الأيام كثرت الصفعات!!!
صفعة تلو صفعة ونحن صم بكم لانسمع
وان نطقنا نطقنا كفرآ بعد أن صمتنا دهرآ