مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 23-12-2005, 08:33 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 10

هذا الذي يحدث
10
إستياء شديد يتملكه وإحساس سيء أنه ليس على وجه الأرض من هو اشد منه غفلة وخيبة وإستياء…
وحز في نفسه بشكل شديد أن يجد نفسه متهما بالخيانة.... ، وتذهب سنوات عمره في وطنه الذي أعطاه ما يجاوز الثلاثة عقود ، هباءا منثورا بسبب لؤم أهل الغش والخبث والخداع…..

في هذا الزمن الملوث يبدو أنه لا مناص من التضحية… سواءا بحريتك كاملة أو بقسط منها ، رغم أن الحرية لا تقبل التجزئة. أو بمبادئك وسلوكك وأخلاقك التي تعيش بها وماضيك وشرفك التي تعيش من أجله…وكل ذلك لا يقبل التجزئة أيضا.

بين أصابعه قلم صامت .. حائر… مضطرب .. وهو متكيء في غرفة الإستقبال … فلا طاولة لديه ولا مكتب أمامه …..حوله أوراق خالية… جائعة لرمس قلمه الصامت… المضطرب … الحائر ... حيرة العذراء في وسط الشباب…

الوقت يمضي متكررا.. ساعة … ساعة .. بلا جدوى … بطيء مثل أنفاسه.

متكيء في ركن من أركان تلك الغرفة المستطيلة… في حالة إنتظار .. كمن ينتظر وحيا يعبر عن خواطر النفس المكبوتة في الذهن المضطرب … بين القصيد والكتابة الحرة….

أمر غريب … غرابة هذه الدنيا الظالمة المظلومة ، الضنكى المتعبة … وفي تساؤل ساخر ينطق ما بين جوانحه وينطلق القلم …أين زادك ؟
أين خبرتك ؟ أن ثقافتك ؟ أين مواهبك؟ … وتتالت عليه الأينات والأنات…

وفي نبرة ملؤها الحزن والأسى ، خافتة مثل أنفاس محتضر يأتي الرد…

لا زاد.. لا خبرة.. لا ثقافة.. لا مواهب.. كأنه لم يقرأ ، لم يتعلم ، لم يجرب… لم يخالط ....
العقل خال … والفكر خاو… والنفس تحتضر…

وعادت به الأخيرة مسرعة إلى العصور الغابرات… فصاحت ، سقراط !!! هل تسمعني ؟… مثلما كان الخلود للأفضل …. فسيبقى الخلود للأفضل… الأقوى هو الأفضل… في هذا الزمن ، زمن الرذيلة والبحث عن الضحايا ….

وعبر جدار الغرفة المحترقة يجيب سقراط … لم أتصور أن أكون فيلسوفا بهذا الشأن العظيم … نشيج لم يتصوره … أفضل وسيلة لتحقيق الأهداف الإعتماد على الذات.

وفي عمق السكون في تلك الساعات المتأخرة من آخر صيف في أول عام من القرن الواحد والعشرين لا يدري كيف يصفها ‘ تعطل الإبتكار وماتت الرغبة في الكتابة..

إضطراب… قلق…حيرة… تشتت نفسي وفكري… هواجس… نشيج يصيح ، عليك بتدوين كل مشاعرك مهما كانت تافهة … إثبت ذاتك … لن تندم…

هكذا تصايحت ستائر نوافذ الغرفة الطويلة المستطيلة التي هزتها نسمة باردة رطبة في تلك الليلة القائضة..

فراغ كالموت … ظلام حالك… كون قاتل… غموض يطوف حوله لم يستطع أن يدرك منه حتى خيطا رفيعا عله يأخذه في بحر الأوراق الخالية المتناثرة أمامه…..

فإلى متى أيها القلم ستظل صامتا ..؟
إلى متى أيتها الأوراق ستظلين خاوية…؟

أما آن لك أن تخرج إليه بكلمات كيفما كانت علها تكون نقطة الإنطلاق بشيء يهدي نفسه…

تلك النفس التي جفاها منذ مدة القريب الذي كان يظنه قريبا…. فإزدادت قسوة وإنطواءا على نفسها…والصديق الذي كان يظنه صديقا فإزدادت شكّا وألما...

غيره من الناس يشغله إزدحام الحياة… فولجها يبحث عن لحظات السعادة … والركض وراء متعها…المثالية تحول بينه وبين الظهور… وأغلالها تقيده في الزمان والمكان… في غياب الود الحقيقي والعلاقة الطاهرة … وطمس كل شعاع لهما… وخنق كل بادرة صدق.

هزهز رأسه في إكتئاب .. وهو الآن متفرغ ، وتحت الإقامة الجبرية … ميسور الحال ويحمد الله الغني الكريم.. إلا أنه لم ير حقيقة لذلك رغم أن الإحساس بتفرغه في الأيام القادمة قائم بسبب إقامته الجبرية وتوقفه عن العمل الذي أعطاه جل أيام عمره فكانت نتيجته جملة من التهم ما أنزل الله بها من سلطان إلخ… من التهم التي قررت عليه نفسه بالإعدام إن كانت حقيقة واقعة.. الإعدام شنقا … المهم إثبات التهمة بصدق وأمانة … وليس غشا وإفتراءا…المعاناة تملأ كل فراغه منذ مدة… فقد كان العمل يملأ عنه فراغه ويخفف عن نفسه معاناتها…

كفى تشاؤما …وأنظر إلى الحياة بأمل ومحبة…

هكذا نطقت مذيعة الفضائية اللبنانية صباح يوم وهي تقرأ الأبراج...

ذلك ما كان ينشده ، لأنه السبب الأساسي للظفر بالسعادة وإثباتها. لكن متى تتوفر الأسباب ويمكنه الشعور بالسعادة… وهو من أمة قد هزأت من أجلها الأمم لعجزها في سلك السبل الصحيحة والجيدة لتحقيق أحلامها….وتطمئن شعوبها من الربع الخالي إلى المربط البالي… فأين العرب أمام تحديات العصر…؟ ما هو المستوى الذي وصلوا إليه في المجد المفقود…؟ ليعيش السعادة الحقيقية… والحاكم العربي لا يفرق بين الإطمئنان والطمأنينة … فيقولها الطمأنانة…

سئم الإتكاء على يده اليسرى… فإعتدل في جلسة أرضية… ونظر في الأوراق الخاويات أمامه ومد يده لإحداها والأخرى لا زالت متشبثة بالقلم .. ويبدو أنه يريد أن يأتي أكله….

تندت عيناه بدموع حارة أسرها الشعور الداخلي القاسي وهو يشاهد القلم يرتعش بين أصبعيه …إثبت أيها القلم … إثبت أيها القلم فأنت في النار شئت أم أبيت … فلا فرق الآن بينك وبين الورق .. لا فرق بين الشرف واللاشرف … لا فرق بين الإخلاص والخيانة …. لا فرق بين الصدق والكذب … لا فرق بين الفضيلة والرذيلة… ستقتلك رصاصة طائشة أو سيارة مارة بسرعة البرق…ألا تلاحظ أن الدنيا كلها ألغام مزروعة في مساربها الضيقة والواسعة.. في كل مكان برا كان أم بحرا… مسكينة هذه الدنيا…لم تكد تتخلص من هواجس الحروب المدمرة وأهوالها وقنابلها ونيرانها ومدافعها وطائراتها وصواريخها وآثارها..حتى صارت مهددة بحرب كونية أكثر هولا . إنها حرب السلوك غير السوي … فالأسوياء وحدهم ، هم الذين صاروا مظلومين .. وصاروا يمثلون الأقلية ولا بد من تطهير المجتمعات منهم… فأنت إن لم تمت بأداة حربية فستموت بقلبك.. وستقتل حتى النهاية ويمشي قتلتك في جنازتك ويبكونك ويندبونك…
الرد مع إقتباس
  #12  
قديم 23-12-2005, 08:38 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 11

هذا الذي يحدث
11
مضى أكثر من ثلاث سنوات لم يفتح فيها كتابا ... لم يخط فيها خطا بإستثناء تقارير العمل ... لقد إكتضت نفسه وثقلت وتشتت فكره ، فما الحل لتنقيتها وإعادتها لتوازنها ؟

الكتاب صديقه المثالي الدائم .. فارقه منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات .. أقلامه ، كراريسه... ماذا بقي له لتستمر الحياة جميلة هانئة....؟

لم يكن وحيدا في البيت ولا في المجتمع.. لكنه يعيش وحيدا .. في ذلك البيت الكبير... بينما يزدحم الناس في الأرض. ورغم أنه ليس ثريا إلا أنه يعيش في بيت كبير . يكفي أنه يحتوي على غرف كثيرة تزيد عن حاجته وحاجة أسرته فالبيت مصمم على أساس إيواء أكثر من أسرة ... وهكذا كان يحدث نفسه ويدفعها للورق ... لتقرأ ، لتتمخض ، لتلد... محاولا دفعها في تكوين موضوع يملأ بعض الأوراق المتناثرة حوله..... لكن دون جدوى .. فهو من الجيل الذي يستكثر على نفسه حتى الهواء...

ظلمة حالكة تنتشر حوله ...خافتة ... معلنة قدوم الليل ...وهنا يتحرك الإحساس بطلب النور.. فيتساءل لماذا لا تصير حياته مليئة بالنور والطموح والأمل ..؟

يتجه نحو الجهاز المرئي فإذا بإحدى المحطات الفضائية تخرج عليه لتحدثه عن رحلة الأحلام... تلك الفضائية التي أهداها له شقيقه بمناسبة نجاح إبنه الأكبر في الشهادة الثانوية منذ ما يربو من عقد من الزمن...

رحل شقيقه فإنتهت السعادة برحيله وإنتهى الفرح وتلاشت الرغبة في المواصلة لبلوغ أي هدف أو حتى الرسم لأي هدف ....فقد كان ذراعه الذي يتكــــــــــيء عليه وحزامه الذي يتمنطق به ...

هجره الأهل والأقارب ، فبقي مع الحزن والسأم ، وحده . حتى أن إحساسا أضحى يداخله بين حين وآخر بأنه سيموت قريبا ويلحق به...

وهنا يبرز سؤال بين الفكر والضمير والنفس... هل وصل به القنوط إلى هذه الدرجة؟!

وجاءت الأجوبة متتالية منهم....إبحث عن الحقيقة.!!!

إن ديوجين الفيلسوف اليوناني أشعل شمعة في وضح النهار وخرج في عز الظهر بها في زقاق أثينا.... ، ولما سألوه ، رد عليهم أنه يبحث عن الحقيقة ! فقالوا إنه مجنون.!

البحث عن الحقيقة في وضح النهار على ضوء شمعة أمر محير حقا!.

مسح العرق المتصبب على وجهه بحركة كاسلة متنهدا وهو يقول ، لا أستطيع القراءة... لا استطيع الكتابة ، لم أعد أقدر على الإستيعاب... ستموت أوراقي جوعا ، ويموت قلمي عطشا .

وتمر الأيام ثقيلة .. حزينة .. بلا فائدة ... فراغ رهيب .. سرعان ما طفق يشعره بالموت البطيء ، فالأيام تزداد ثقلا رغم عددها المحدود..
حزن حقيقي . إن المرء يحزن بعفوية أولا ، ثم يدرك أنه حزين فعلا في المرحلة الثانية من الحزن ، وهذا يكون في حالة الحزن العميق. أما الحزن العادي فيبدأ عاديا ثم ينتهي مثلما إبتدأ....
أما الحزن العميق فيبدأ عميقا لينتهي عميقا كذلك.

مضى أكثر من ثلاث سنوات لم يفتح فيها كتابا ... لم يخط فيها خطا بإستثناء تقارير العمل ... لقد إكتضت نفسه وثقلت وتشتت فكره ، فما الحل لتنقيتها وإعادتها لتوازنها ؟

الكتاب صديقه المثالي الدائم .. فارقه منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات .. أقلامه ، كراريسه... ماذا بقي له لتستمر الحياة جميلة هانئة....؟

لم يكن وحيدا في البيت ولا في المجتمع.. لكنه يعيش وحيدا .. في ذلك البيت الكبير... بينما يزدحم الناس في الأرض. ورغم أنه ليس ثريا إلا أنه يعيش في بيت كبير . يكفي أنه يحتوي على غرف كثيرة تزيد عن حاجته وحاجة أسرته فالبيت مصمم على أساس إيواء أكثر من أسرة ... وهكذا كان يحدث نفسه ويدفعها للورق ... لتقرأ ، لتتمخض ، لتلد... محاولا دفعها في تكوين موضوع يملأ بعض الأوراق المتناثرة حوله..... لكن دون جدوى .. فهو من الجيل الذي يستكثر على نفسه حتى الهواء...

ظلمة حالكة تنتشر حوله ...خافتة ... معلنة قدوم الليل ...وهنا يتحرك الإحساس بطلب النور.. فيتساءل لماذا لا تصير حياته مليئة بالنور والطموح والأمل ..؟

يتجه نحو الجهاز المرئي فإذا بإحدى المحطات الفضائية تخرج عليه لتحدثه عن رحلة الأحلام... تلك الفضائية التي أهداها له شقيقه بمناسبة نجاح إبنه الأكبر في الشهادة الثانوية منذ ما يربو من عقد من الزمن...

رحل شقيقه فإنتهت السعادة برحيله وإنتهى الفرح وتلاشت الرغبة في المواصلة لبلوغ أي هدف أو حتى الرسم لأي هدف ....فقد كان ذراعه الذي يتكــــــــــيء عليه وحزامه الذي يتمنطق به ...

هجره الأهل والأقارب ، فبقي مع الحزن والسأم ، وحده . حتى أن إحساسا أضحى يداخله بين حين وآخر بأنه سيموت قريبا ويلحق به...

وهنا يبرز سؤال بين الفكر والضمير والنفس... هل وصل به القنوط إلى هذه الدرجة؟!

وجاءت الأجوبة متتالية منهم....إبحث عن الحقيقة.!!!

إن ديوجين الفيلسوف اليوناني أشعل شمعة في وضح النهار وخرج في عز الظهر بها في زقاق أثينا.... ، ولما سألوه ، رد عليهم أنه يبحث عن الحقيقة ! فقالوا إنه مجنون.!

البحث عن الحقيقة في وضح النهار على ضوء شمعة أمر محير حقا!.

مسح العرق المتصبب على وجهه بحركة كاسلة متنهدا وهو يقول ، لا أستطيع القراءة... لا استطيع الكتابة ، لم أعد أقدر على الإستيعاب... ستموت أوراقي جوعا ، ويموت قلمي عطشا .

وتمر الأيام ثقيلة .. حزينة .. بلا فائدة ... فراغ رهيب .. سرعان ما طفق يشعره بالموت البطيء ، فالأيام تزداد ثقلا رغم عددها المحدود..
حزن حقيقي . إن المرء يحزن بعفوية أولا ، ثم يدرك أنه حزين فعلا في المرحلة الثانية من الحزن ، وهذا يكون في حالة الحزن العميق. أما الحزن العادي فيبدأ عاديا ثم ينتهي مثلما إبتدأ....
أما الحزن العميق فيبدأ عميقا لينتهي عميقا كذلك.
الرد مع إقتباس
  #13  
قديم 23-12-2005, 08:41 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 12

هذا الذي يحدث
12
بعض الأصدقاء أشاروا عليه عندما لاحظوا أن الوحدة والإنطواء قد يكونا خطرا على مزاجه وطبيعته بالعودة للمساجد حيث كان يتلقن القرآن معهم .. لما يعلموه عنه أنه يتقبل نصيحة الناصح وتوجيه الصديق لإيمانه أن النصيحة مقبولة في كل زمان ومكان ... لكن شدة الصدمة التي وقعت في نفسه من نصيحته لأحد أقاربه والتأويل الذي تحولت إليه تلك النصيحة حيث قولبت إلى تهديد ووعيد .. كانت سدّا أمام نصائح الأصدقاء، رغم تظاهره بقبولها...فلقد تألب عليه القريب ومن هو على شاكلته بسبب نصيحة حق.....

إن الحزن الكبير الذي طال وقته لا يدري متى تصفو منه نفسه وتتضح رغباته في مواصلة الحياة على ما كانت عليه ... فالفشل بات جليا عنده... ثم ما الداعي إلى النجاح وما قيمته في حياة صارت تشوهها السلبيات وتطغى عليها ، حيث صارت الفضيلة شذوذا والرذيلة سلوكا يجب أن يتبع... الرذيلة هنا بمعناه العام أي السلبية....

أخوه كان إنسانا عظيما... فقد كان يجعله دائما مثله الأعلى وأباه الروحي.. كان يدفعه للقيام بالأدوار الرائدة سواء على مستوى الأسرة أو العائلة " العشيرة أو القبيلة".

كان يرى فيه الطبيب الماهر الذي يعالج الناس من أمراضهم المستعصية... والسياسي المخلص الذي يعمل لوطنه ليرفعه بثبات إلى جنة الأمن والسلام....والمحامي القدير الذي يدافع عن حرمات الآخرين ومظالمهم وحقوقهم....

يذكر حينما كانا صغيرين وهو يلاعبه أحيانا بطائرة من الورق فتشملهما الفرحة حينما يرسلها في الفضاء ويلحقاها وهي متجهة حيث قذفت ...ثم تنعطف وتسقط على الأرض ... فيخيب أمله دون تأثر واضح بسبب الإخفاق الذي حصل من سقوط الطائرة أو حينما كان يشكل من كرناف النخل سفينة ويودعها إلى غدير المياه قرب البيت الذي ولدا به وترعرعا بين جدرانه ، فتضل تتقدم حتى تجنح وتتوقف عن المسير... فيتركانها ويمضيان..

هكذا كانا يتنقلان من لعبة إلى أخرى... كفراشتين تحومان حول الأغصان والورود.... إلا أنه كان يتميز عليه بسماع القصص الشعبية القديمة ، وخاصة الطويلة منها ، الزاخرة بالعبر والحكم ومغامرات الأقدمين وأحداثها المثيرة... والتي كان حين يسمعها من أمه في الليل على شكل خرافة تسردها عليهما ليناما يحاول أن ينسج على منوالها أشياء وأشياء ليقصها في الصباح على زملاء الدراسة .... كان ولعه الذي لا يمله تقليد المهن وسماع القصص فضلا عن حيه الكبير للغة العربية التي كان متفوقا فيها على مستوى الفصل طوال سنوات دراسته... والتي عجز خلالها عن إختيار الإتجاه الذي يريد. فدرس ويا ليته ما درس حتى أنهي دراسته ، فالعلم والتعلم و الإتقان صارا في زمن الجهل كارثة ومصيبة . وإختار أن يكون مواكنا مخلصا ، جادا ، ملتزما ... فتحول إلى مواطن مدان ومتهم بعد عقود من الجد والإخلاص والعطاء اللامحدود حتى وصل إلى ما وصل إليه.....

إنه زمن البحث عن ضحايا .. فكان ضحية حذاق الزمن والمتحذلقين...شياطين الإنس الذين يقتلون الميت ويبكونه ويندبونه ويسيرون في جنازته....
الرد مع إقتباس
  #14  
قديم 23-12-2005, 08:43 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 13

هذا الذي يحدث
13
ما أجمل الحياة حينما تكون ربيعا متواصلا مثمرا....

إن الفرد قد يقضي زمنا طويلا من عمره في ممارسة نشاط ما ، دون أن يعيش كريما ... أو يقوم بعمل بارز يرفع من شأنه ، وقد يبقى عاطلا تماما ، مما يجعله يكره وجوده بسبب تهميشه ، رغم كدحه بلا فائدة ... ولكن فجأة وفي فترة وجيزة جدا قد يصعد إلى الدرجات العلى في السلم الإجتماعي أو الوطني وبكل شرف وأمانة فيصير ناجحا أو مبدعا أو ثريا و يلمع إسمه ...

إن إكتساب القدرة على التحمل هي الطريق إلى النجاح.. الأمور تسير بمقاديرها ، وإذا ما طغت هذه القناعة لدى الإنسان فإنه سيقبل قدره كما هو، وهو في منتهى القناعة والراحة...فالناس تتحمل هموم أمة كل يوم من الربع الخالي إلى المربط البالي وهي بحجم الجبال ... فكيف لا يتحمل الإنسان همه الخاص...

الحياة لا بد أن تبتسم يوما ما .. ومهما إشتدت قسوتها وطالت فالموت ليس بإرادة الإنسان ، إنما هو بإرادة الواحد القهار...

وحده يلوذ بوحدته ، ففي الوحدة قد يجد الإنسان نفسه الضائعة... رغم سأم الجلوس والتمدد .. والإتكاء . وبمرور الأيام بدأت الجراح تندمل .... وصار يقرأ بحرية ويعمل بنجاح لأيام محدودة سرعان ما انقضت ليبرز جرحا جديدا ... يندمل ببطء شديد.... الأيام الجميلة تمر دائما بسرعة فائقة .. فيحاول خلالها كسب الثقافة فيكون حاضرا في كل مناسبة خاصة أو عامة.. يصارع الأيام العصيبة حتى لا تصبح عادة مألوفة في كل مراحل العمر...

وإتخذ قرارا حاسما صادقا .... الإنطواء ، الإنفراد ..القراءة يمارسها بمفرده ، متابعة المرئية وبرامجها على مختلف المحطات الفضائية يتابعها بمفرده.... رياضته يمارسها بمفرده ... حتى شراء إحتياجات أسرته يقوم بها بنفسه وبمفرده إلا فيما ندر حيث تشاركه شريكة أيامه... يحاول أن يزيح من طريقه الفشل مثلما يتمنى الكثيرون .. فقد آن الأوان لحسم الأمور والكف عن الأحزان.. لقد مضى على موت شقيقه ثلاث سنوات ... وقد إرتاح وهو يأخذ مكانه في السماء... ذلك الشقيق الذي كان يرى فيه الإنسان القادر على إبراز إمكانياته في كل ميدان يميل إليه... وذلك بالحصول على المستوى المناسب من الثقافة والمعرفة...

هذا دليل الخروج من الأزمة والشعور بالرضا والنجاح في التغلب على الإحساسات الأليمة المحزنة والخروج من دائرة القنوط ... أما إيقافه عن العمل فهو صورة من صور الحاضر التي تعاني منها أغلب المجتمعات .... فكم من مظلوم في السجن ... وكم من عالم في الخفاء ... وكم من مجرم طليق وكم من جاهل في الثريا...

لقد توفي شقيقه إثر نوبة قلبية أتت عليه وهو على فراشه من سلوك أفراد أسرته ... فهو يعيش في مجتمع له تقاليده وعاداته وسلوكه المختلف عما تبرزه الفضائيات التي أثرت بشكل كبير في سلوك أفراد الأسر العربية... فكانت هذه المحطات وبالا عليها. لقد كان عظيم الفرح حينما يحقق هدفا ماديا... وهو عندما يفرح لا يستطيع أحدا أن يضع حدا لفرحه لعاطفته الجياشة وشعوره الرقيق... ولما يمتاز به من إحساس مرهف... لذلك لم يتحمل الصدمة... فمات.

موت شقيقه أمات فيه طاقات كثيرة فأصيب بالعجز... في هذه المرحلة من مراحل العمر...

ما أجمل الحياة حينما تكون ربيعا متواصلا مثمرا....
الرد مع إقتباس
  #15  
قديم 23-12-2005, 08:45 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 14

هذا الذي يحدث
14
لقد بدأت حياته في أسرة صغيرة و متوسطة يرعاها أب يعمل حدادا لا يملك من حطام الدنيا سوى أجره و خلقه وإستقامته.... فرباهما وأخواتهما الثلاثة على الخير والأمانة والإستقامة وحب الناس ... وأثمرت تربيته الجادة لهم فتزوجت أخواتهما في ذلك الزمن الذي كان يرى فيه مآل الأنثى لبيت الزوجية ، حيث لم ينلن أي قسط من التعليم في تلك الحقبة من أربعينيات القرن العشرين التي كان إرسال الأنثى فيها لصفوف المدارس شبه محرم... إلا أن أختهما الصغرى تلقت قسطا من التعليم لأنها كانت من الجيل التالي حيث إستقلت الكثير من الدول من الإستعمار وصار التشجيع لولوج ميدان التعليم والتعلم مطلبا لخلق البنى الأساسية للبلاد فإستطاعت أن تنال قسطا لا بأس به ... أما هو و شقيقه فقد نالا ما كان متاحا في ذلك الوقت حيث تخرج من معهد تجاري وتخرج شقيقه رحمه الله من معهد صناعي ...

شق كل منهما طريقه في الحياة... ودخلا معتركها فتوظف وهو في العشرين من العمر .... وسكن مع شقيقته التي كانت متزوجة في بيت بإحدى مناطق المدينة لعدم قدرته على توفير سكن مستقل خاصة وأن والديه لا زالا في ديار الغربة...ومطلوب منه أن يوفر ما يستطيع حتى يستقبلهم ويهيء لهم العيش الهنيء دون شدة وعناء...

كانت وظيفته تدر عليه بعض المكافآت البسيطة فكان يعتمد عليها في مواجهة مصروفاته الشخصية مثل الملبس والمواصلات ... أما المرتب فكان يبقى كما هو ... كان راضيا عن حياته وسعيد رغم المستقبل الذي يلوح أمامه صعبا ، شديد الصعوبة. فلا أمل في زواج ولا أمل في مسكن لائق مستقل .. ولا في وجاهة إجتماعية تساعد على تحقيق التقدم الوظيفي.. خاصة وأن الوظيفة لا يتقدم فيها إلا من يملك الإمكانيات الإجتماعية والتوصيات الشخصية... حيث المعيار هو التوصية وليس الإمكانيات والإنتاج والإبداع ...وأمثاله ممن لا سند لهم في الحياة ولا ظهير ولا إمكانيات يتعثرون فيها إلى ما شاء صاحب القرار....
ومع ذلك فلقد مضت الحياة عنده بخيرها وشرها وحفظ عهده لأبيه أن يكون في عمله مثالا للصدق والإخلاص والأمانة والضمير الحي ، كما عاش هو حياته ، فعاش راضيا عن نفسه ممتنا منها.

لقد كان فعلا صادقا مخلصا أمينا في عمله رغم الإغراءات التي كانت متاحة لأمثاله ...فلم يلق بالا لبعض زملاء السوء الذين تندروا عليه بأن أمثاله لن يطفوا أبدا فوق السطح وسيظلون إلى آخر العمر في قاع المجتمع " والفقري فقري" ...وكان رده عليهم دائما وهو في منتهى السرور...بوزيد عريان بوزيد لابس....

لم يكن يتكسب من عمله مثلما يتكسبون ... كان يعيش حياة متقشفة...في حين يعيش أمثاله حياة مبسوطة لا تتناسب مع أوضاعهم . ومع ذلك كان راضيا بحياته ونصيبه من الدنيا... وكان يرضيه كثيرا أن رؤساءه في العمل كانوا إذا واجهوا أمرا يتطلب تنفيذه شخصا أمينا ... كانوا لا يختارون غيره من بين أكثر من الألف موظف.... والمائة وخمسون مسئولا على مختلف مستوياتهم ومناصبهم ... ثقة فيه وفي وصدقه وأمانته ، لدرجة أن الكثيرين من زملائه كانوا يطلقون عليه رجل المهمات الضميرية ... تهكما وسخرية ... حتى أن أحدهم يناديه ممازحا بالعبد العبيط...و دس آخر قصاصة ورق بمكتبه كتب عليها بيتا من الشعر يقول :
مات الضمير وشيعوا جثمانه ما عاد في الدنيا ضمير ينفع .. هـ هـ هـ

ومضت السنين هادئة وقد تقدم في عمله وتحسنت أحواله المادية حيث تحصل على سكن مستقل بقرض ، وكون أسرة من أولاد وبنات .. وقد تقدمت به سنوات العمر ولم يوفر لأسرته سوى أنه علمهم بما يمكن من التعلم المتاح والمتوفر .. ووفر لهم حياة كريمة مستورة رغم ما فيها من شضف مقارنة بمن هم في مثل عمله ومجاله... فأولاده لا يعرفون طعم الفواكه إلا حينما تنخفض أسعارها وتصبح في متناول الناس العاديين " العياشة " كما تقول العامية...ولا يعرفون للمشروبات أو العصائر أو الملابس الحديثة المتحدثة أو حياة الترف... كل ذلك بسبب محدودية دخله وضعف إمكانياته .. وهو يتمثل لقول الشاعر:
تصفوا العيون إذا قلت مواردها والماء عند إزدياد النهر يعتكر

عاش حياته بحلوها ومرها حتى جاء اليوم الذي تحول فيه إلى مجرم متهم .. وصار الأبرياء هم الذين يدفعون الثمن. ولقد صدق من قال : ـ

ألام على ما أبدي علك من الأسى وإني لأخفي منه أضعاف ما أبدي.
الرد مع إقتباس
  #16  
قديم 23-12-2005, 08:49 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 15

هذا الذي يحدث
15
مرت السنوات وهو يعطي ما في ما في وسعه من جهد بكل قدسية و إلتزام إلى عمله.... حيث كان إلتزامه بالعمل كبيرا جدا ، ولا غلو إذا قيل أنه كان يقدسه أكثر من العبادات... كانت أولويات حياته كلها ، العمل أولا ... فهو يحرم نفسه من الإجازة السنوية من أجل آداء العمل ... يحرم أطفاله من التمتع بالجلوس إليه من أجل العمل... فجل وقته اليومي يقضيه في المصلحة التي يعمل بها، حتى جاء اليوم الذي أوقف فيه عن العمل وجرفه سيل جملة من الجرائم والمخالفات قام بها مجموعة من الناس في مناطق مختلفة لا علاقة له بها مباشرة أو غير مباشرة .. فجنت عليه الوظيفة التي كان يشغلها أنذاك...وأوقف عن العمل بتهم مختلفة من الخيانة إلى عدم الإخلاص ... رغم عدم صحة التهم والتي أثبتتها التحقيقات التي أجريت فيها ... فكان ضحية من ضحايا سوء التحقيق و التحقق .. فالزمن صار زمن إسقاط السيئات من المنحرفين على الطاهرين والأسوياء ... زمن دفع الأبرياء للثمن... ثمن الجد والإخلاص والفضيلة....
أطلق على هذا الزمن من باب التفكه في أحاديثه زمن البحث عن ضحايا.. فقد ضرب الإنحراف أطنابه في جميع المجالات والأماكن من أسفلها إلى أعلاها ... وصار الإنسان السوي النقي محلا للإستخفاف والتهكم والسخرية.....وصار المنحرف ذكرا كان أو أنثى مثلا للكياسة والذكاء والتفاخر به ... فلقد تحول المجتمع إلى مافيات رهيبة إلا من رحم ربي....
فبعد عمر من العطاء جاوز الثلاثة عقود لوطن دخله شابا يافعا وأعطاه أجمل سنوات العمر بلا كلل أو ملل بكل شرف وإخلاص وأمانة ، وجد نفسه في قفص الإتهام بالخيانة وعدم الإخلاص، والذي يعاقب عليهما القانون عقوبات شديدة إذا ما ثبتت..
وبما أنه لم يكن له سند من وجوه المجتمع نظرا لعلاقاته مع أمثاله الذين يطلق عليهم البعض من الذين يمكن القول عنهم أنهم يحترمونهم "المستقيمين " أو " المغفلين" أو " الطيبين".... وهؤلاء لا يستطيعون تحريك ساكن... فليس لديهم مراكز قوة وليس منهم منفعة ، و بالتالي فلا أحد يقدم لهم أو يسدي لهم أي خدمة أو مساعدة. فأقصى ما يمكن أن يقدم إلى هؤلاء هو عدم إعتبارهم أو الإكتراث لهم... وإن حدث ما حدث فلا مناص من التضحية بهم في سبيل نجاة الحاذق المتحذلق و أمثاله من الذين يقتلون الميت ثم يسيرون في جنازته....

وهكذا كانت نهايته الوطنية ، قفص الخيانة وعدم الإخلاص .... من التحقيق في مواضيع لا علاقة له بها إلى توجيه الإتهام... وتحميله مسئولية الغير وحصر ما لديه من منقول عيني ومادي ... إلى العطف عليه من قبل أصحاب هذا القرار حتى يشعرونه بالجرم والإدانة..... وذلك بالقول إننا أوقفناك لمصلحة التحقيق وأبقيناك في بيتك تقديرا وإحتراما لمدة عملك ولسنك ، حيث رأينا أن ذلك أحسن من زجك في السجن ، فقرارك في الحقيقة كان السجن برهن التحقيق ... لكن تدخلنا بكل ما أوتينا لعدم إدخالك السجن ... وعليه فإننا نرجو أن تلتزم بالمكوث في بيتك حتى إذا إحتجنا لك في أي وقت وجدناك بسرعة ولبيت طلبنا..

... إستبداد ... إغتيال للنفس والروح والعقل...كانت الكلمات التي يتمتمها بينه وبين نفسه في هذا الحادث الجلل، اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. حسبي الله ونعم الوكيل ... إنا لله وإنا إليه راجعون.

أما أمام زملائه الذين كان يلتقي بهم بين حين وآخر سواء وجها لوجه أو عبر الهاتف .. فكان يقول لهم أتمنى أن أعدم في الميدان العام حتى أكون عبرة لأمثالي..........
الرد مع إقتباس
  #17  
قديم 23-12-2005, 08:52 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 16

هذا الذي يحدث
16
عزاءه في محنته أنه يعيش في مجتمع من مجتمعات ما يسمى بالعالم الثالث ، أي المجتمعات المتخلفة أو التي في طريقها للنمو كما يجامل بعض المفكرين والساسة . ورغم أن المجتمع البشري يدخل الألفية الثالثة لكن ذلك هو عزاءه مهما تعلى في سلطة أو وظيفة أو تأهيل علمي ...لأن عقلية أفراد المجتمع الثالث لم تتغير نتيجة ترسبات الماضي ... فالعوالم الأخرى تحفظ لأي مواطن كرامته ، مهما كان مستوى هذا المواطن ، فوق خط الفقر أو تحت خط الفقر ، في السلطة أو خارجها ، عالم أو جاهل ظالم أو مظلوم ... فالمبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.... مثلما أن الإنسان إنسان حتى تثبت وحشيته....

لكن ما يحدث في عالمنا الثالث هو أن المتهم متهم حتى تثبت براءته ... لأن الإنسان متوحش حتى تثبت إنسانيته....!!!!!
الرد مع إقتباس
  #18  
قديم 23-12-2005, 08:54 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 17

هذا الذي يحدث
17
حين يصبح الإنسان مشلولا في وعيه ، مشلولا في درايته ، مصدوما في حقه ... أمام إتجاه معاكس لوجوده كإنسان سوي ، وبكل أشيائه ورغباته وأمانيه كإنسان سوي ... فليس أمامه إلا أن يقع صريعا وضحية تحت سياط الحذاق وجلد الظالمين . في الوقت نفسه يصاب حينذاك بالإختلال و إفتقاد التوازن الذي يشكل مدلوله الإنساني في هذه الدنيا وفي هذا الكون ، فيفتقد صفة إنتسابه للإنسانية السوية ويتحول إلى شيء آخر ، غير الإنسان ، حيث تتحول الطيبة إلى وهم كبير وستار واهم ومضلل... ومع ذلك سيبقى الإنسان الإنسان وسينتهي الإنسان غير الإنسان رغم سيطرة هذا الأخير على كل الأمور ولعلها تلك هي البداية للمشكل وللمعاناة بين الإنسان الإنسان و الإنسان غير الإنسان...
ولأنهم بشر حقا ، تغلفهم وتلفهم سذاجة البراءة وعوز الجهل وقهر السلطة شأنهم في ذلك شأن باقي البشر ، وحتى يكون الأمر أكثر وضوحا ، مجموعة شعوب العالم الثالث . والذي قسم إلى عالم نامي وعالم غير نامي و عالم في طريقه للنمو ... ولهذه الأسباب مع أسباب أخرى كثيرة لا تحصى ولا تعد ويطول سردها وشرحها ، خرجت الفضيلة بسموها وإستقامتها ومثالياتها فكانت وبالا في محيط تبسط الرذيلة فيه يدها عبر شخوصها على الأفاضل....
ولأنهم أفاضل ، وتغلفهم براءة ساذجة وقع الأفاضل بين براثن الرذلاء والحذاق وإنطلت عليهم مسرحية الإلتزام والفضيلة ...وحين إستيقظوا و إنتبهوا من غفوتهم وجدوا أنفسهم في حلبة الخيانة وعدم الإخلاص... وأن يدفعوا ثمنا غاليا لفضيلتهم التي تحولت إلى رذيلة ... وتقديمهم قرابين وضحايا للحذاق ... سلسلة طويلة بلا نهاية وعلى صور ووضعيات ومساحات متنوعة ومختلفة ... فليس الضحية من يصعقه الرصاص فحسب وإنما الضحية من يقتله غبن الحياة وتسحقه وتطحنه علاقاتها الظالمة المزيفة ... ولأن الأفاضل طيبون دائما بطبيعتهم .. وبسطاء في عيشهم فهم يعيشون الحياة تحت عتمتها المظلمة والمنزوية ...... ويموتون وينتهون كذلك في صمت وسكون و لا بأس أن يقول عنهم الحذاق ... إنهم أفاضل.
الرد مع إقتباس
  #19  
قديم 23-12-2005, 08:56 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 18

هذا الذي يحدث
18
إن الضمير خاصة من خصائص الفرد ، يأمره بالخير وينهاه عن الشر ، ويصده عن الظلم والأذى ، فيصير للضمير وجوه كثيرة.

إن الجماعة لا ضمير لها ، فهي مدفوعة إليه في غير رويّة ولا تدبر ولا شعور بعواقب ما تأتي من الأمور أو تدع ، كأن كل فرد من أفرادها ينسى ضميره حين يلقى نظرائه وكأن شيئا آخر غير مركب في الأفراد المجتمعين من ملكة العقل ، والضمير هو الذي يسيرهم ويسيطر عليهم في كل ما يقدمون عليه.
فهل هذه حقيقة ... وهل هذا حق ؟ أم أن الحق شيء آخر ؟
وهو أن للجماعة ضميرا إجتماعيا كما يقول المتخصصون في علم الإجتماع ، له طبيعة أخرى غير طبيعة الضمير الفردي، كما أن للجماعة نفس أخرى غير نفس الفرد. وهذا ما يقوله علم النفس الإجتماعي أو سيكولوجية الجماعات كما يسميها المتخصصون في علم النفس. أم الحق هو أن ضمير الفرد يخرج عن طوره في الجماعة وينتقل منه إلى طور آخر ، ويتشكل بشكل آخر يفرضه وجوده مع نظرائه ؟ وذلك لأن الفرد في الغالب الأعم يخرج عن طوره في الجماعة وينتقل منه إلى طور آخر ويتشكل بشكل آخر يفرضه وجوده مع نظرائه أو لأن الفرد ينسى فرديته حين يختلط بأمثاله ولا يستبقي من هذه الشخصية إلا القليل واليسير و أعجزها عن المقاومة.!!!

من هنا هل يمكن القول من أن الجماعة مجردة من الضمير ؟. إنه لا يعتقد ذلك . لكنه يعتقد أن الجماعة مجردة من الضمير الفردي ، هي تتأثر بضمير آخر مشترك يقدر الخير والشر والخطأ والصواب على نحو يخالف النحو الذي يقدر به الضمير الإجتماعي لتلك الأشياء.
فما يحدث في الكون الآن من حروب ومعارك وإختلافات ومفاوضات سلمية ونداءات لقطع دابر الإرهاب ونداءات أخرى لقطع دابر الإمبريالية الخ..... رؤى مختلفة فكل يرى بمنظوره . جماعة ترى بضمير أن ما يسمى إرهاب لدى جماعة هو دفاع مشروع لدى جماعة أخرى ، والمثال ما يحدث في فلسطين وأفغانستان والعراق ..... والعكس ما يحدث في أمريكا من تفجيرات لبرجي التجارة العالمية ، حيث ترى جماعة أخرى أن هذه التفجيرات إرهابا... ورأت جماعات أخرى بتلك الرؤية.

فحينما أعلنت أمريكا الحرب على أفغانستان لإقتلاع جذور الإرهاب في رأيها تغيرت الرؤية لدى عدد من الجماعات حتى تلك التي كانت متعاطفة معها، حيث تغيرت ضمائر الجماعات من مؤيد ورافض ومحايد ، ناهيك على ضمير الفرد....

من هنا يمكن القول أن الضمير مقصور على الفرد وأن الجماعة لا ضمير لها ، ولكن الشيء المحقق أن ضمير الجماعة يدخل الفرد في النفاق....وهو عكس رؤية أحبار اليهود خبراء الرياء والنفاق في الأرض والذين يروا أن الإثم الذي تقترفه الجماعة لا عقاب عليه ، لأنه موزع بين أفراد الجماعة ....

لكن الأكثر إثارة للعجب أن بني البشر في غالبهم يتفاخرون بمثل هذا السلوك ، حتى أن هناك من يقول بإجازة الكذب في المصالح إستنادا لما يتاح من ذلك من إصلاح للنفوس ، حتى أصبح المبدأ المشهور " الغاية تبرر الوسيلة" سائغا في العلاقات المختلفة بما فيها الدين نفسه . فصار الكثير من الناس يقدم كارها على الإثم وراغبا فيه وعلى كافة المستويات. .. خاصة منها القيادية ... كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الفرد سيطرأ على عقله ونفسه وضميره عدم التدبر والتأمل وتعمق التفكير.... فخرج من مسلكه السوي الذي يجب أن يسلكه .. ونسي أن له عقلا حيا يستطيع أن يفكر وأن يتدبر وأن يقول على ذلك كله ... نعم أو لا. وهذا ليس بالشيء القليل.

ويعود ليسأل ، هل الضمير خاصة من خصائص الفرد وأن الجماعة لا ضمير لها ؟؟؟؟!!!
الرد مع إقتباس
  #20  
قديم 23-12-2005, 08:57 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث 19

هذا الذي يحدث
19
إستياء شديد يتملكه وإحساس بأنه لا يوجد على وجه الأرض من هو أشد منه إستياءا من غفلته .. ويحز في نفسه بشدة أن يجد نفسه المخلصة تواجه بالتبدد ... بفضل لؤم أهل الغش والخداع وعباقرة المكائد والدسائس ، وغفلة أهل العدل والسلطان ... وتذكر المثل الذي يقول :
يطلقون الفيلة ويحاسبون البراغيث ، ذلك المثل الذي وضعه بين الجدران أكثر من خمس ساعات فوجد أنه ما إستحق هذا الإسم كما إستحقه الآن..

لم يكن إستياءه من سحب لمزايا كا يتمتع بها ، أو هالة كانت تحيط به .... ، بل كان إستياءه في إحساسه بأنه في محيط سوي يدعم المجدين والمخلصين والأوفياء والأسوياء ... ولم يشك يوما في أن هذا المحيط كان يلعن أمثاله في سره ويعتبرهم شواذا ... فما أحمق الإنسان حينما لا يعي حقيقة ما يحاط به....

عاد إلى نفسه ملقيا عن كاهله عبء ذلك الإستياء الذي بعثته في نفسه الخديعة التي مني بها ، مقنعا إياها بالقضاء والقدر... حيث ذلك هو السبيل الأفضل له للإستعانة به وطرد ما ينتابه من الإستياء الذي قد يبحر به إلى الحزن فالندم فالضيق.... فيخاطب نفسه بالقول ... ما أحمق الإنسان حينما يجعل حياته سلسلة من الإستياء لأوهى الأسباب وأتفه الحوادث في دنيا ليس بها ما يستحق ... دنيا تافهة ... زائلة ..... فانية ....
وهكذا لم يكن هناك أسهل عليه من أن يقنع نفسه بأن هذا قضاء وقدر وأن أهون القضاء ما لاضرر منه ...
إلا أن شيئا واحدا لم يستطع تحمله أو إغفاله ، وهو إتهامه بالخيانة وعدم الإخلاص في وطنه ... وهو بريء كل البراءة من تلك التهمة...
أي إثم يندرج من الصدق في القول والإخلاص في العمل من العابثين ؟!!!!!!!!
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م