مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 21-06-2003, 01:50 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي بحوث في التوسل


المبحث الاول



مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد الأول
( 11 من 645 )






/ وسئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى‏:‏

هل يجوز التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم أم لا ‏؟‏

فأجاب ‏:‏

الحمد لله، أما التوسل بالإيمان به، ومحبته وطاعته، والصلاة والسلام عليه، وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك، مما هو من أفعاله، وأفعال العباد المأمور بها فى حقه، فهو مشروع باتفاق المسلمين، وكان الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ يتوسلون به فى حياته، وتوسلوا بعد موته بالعباس عمه، كما كانوا يتوسلون به ‏.‏

وأما قول القائل‏:‏ اللهم إنى أتوسل إليك به‏.‏ فللعلماء فيه قولان، كما لهم فى الحلف به قولان‏.‏ وجمهور الأئمة ـ كمالك والشافعى وأبي حنيفة ـ على أنه لا يسوغ الحلف بغيره من الأنبياء والملائكة‏.‏ ولا تنعقد اليمين بذلك باتفاق العلماء، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الأخرى تنعقد اليمين به خاصة دون غيره؛ ولذلك قال أحمد فى منسكه الذى كتبه للمروذى ‏[‏أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروذى، صاحب الإمام أحمد، حدث عن أحمد بن حنبل ولازمه وعن هارون بن معروف ومحمد بن منهال وروى عنه أبو بكر الخلال وعبد الله الخرقى، ولد فى حدود المائتين، وتوفى سنة خمس وسبعين ومائتين‏.‏ ‏[‏ سير أعلام النبلاء 13 / 173-175 ‏]‏ صاحبه‏:‏ إنه يتوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم فى دعائه، ولكن غير أحمد قال‏:‏ إن هذا إقسام على الله به، ولا يقسم على الله بمخلوق، وأحمد فى إحدى الروايتين قد جوز القسم به، فلذلك جوز التوسل به ‏.‏

ولكن الرواية الأخرى عنه ـ هى قول جمهور العلماء ـ أنه لا يقسم به، / فلا يقسم على الله به كسائر الملائكة والأنبياء، فإنا لا نعلم أحداً من السلف والأئمـة قال‏:‏ إنه يقسم به على الله كما لم يقولوا‏:‏ إنه يقسم بهم مطلقا؛ ولهذا أفتى أبو محمد بن عبد السلام‏:‏ أنه لا يقسم على الله بأحد من الملائكة والأنبياء وغيرهم، لكن ذكر له أنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم حديث فى الإقسام به فقال‏:‏ إن صح الحديث كان خاصاً به، والحديث المذكور لا يدل على الإقسام به، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد أشرك ، والدعاء عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع‏.‏ والله أعلم ‏.‏

/ وقال شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏.‏ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، أرسله بين يدى الساعة بشيراً ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغى، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما وقلوبا غلفا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد فى الله حق جهاده، وعبد ربه حتى أتاه اليقين من ربه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما ‏.‏

ففرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق أهل الجنة وطريق أهل النار، وبين أوليائه وأعدائه‏.‏ فالحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله ‏.‏

وقد أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، فعلى كل أحد أن يؤمن به وبما جاء به ويتبعه فى باطنه وظاهره‏.‏ والإيمان به ومتابعته هو سبيل الله، وهو دين الله، / وهو عبادة الله، وهو طاعة الله، وهو طريق أولياء الله، وهو الوسيلة التى أمر الله بها عباده فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ‏}‏ ‏[‏ المائدة‏:‏ 35‏]‏‏.‏ فابتغاء الوسيلة إلى الله إنما يكون لمن توسل إلى الله بالإيمان بمحمد واتباعه ‏.‏

وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته فرض على كل أحد، باطناً وظاهراً، فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته، فى مشهده ومغيبه، لا يسقط التوسل بالإيمان به وبطاعته عن أحد من الخلق فى حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه، ولا بعذر من الأعذار‏.‏ ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا التوسل بالإيمان به وبطاعته ‏.‏

وهو صلى الله عليه وسلم شفيع الخلائق صاحب المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والآخرون، فهو أعظم الشفعاء قدراً وأعلاهم جاها عند الله، وقد قال تعالى عن موسى‏:‏ ‏{‏وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا‏}‏ ‏[‏ الأحزاب‏:‏ 69 ‏]‏ ، وقال عن المسيح‏:‏‏{‏وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ‏}‏ ‏[‏ آل عمران‏:‏45‏]‏‏.‏ ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم جاها من جميع الأنبياء والمرسلين، لكن شفاعته ودعاؤه إنما ينتفع به من شفع له الرسول ودعا له، فمن دعا له الرسول وشفع له توسل إلى الله بشفاعته ودعائه، كما كان أصحابه يتوسلون إلى الله بدعائه وشفاعته، وكما يتوسل الناس يوم القيامة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ بدعائه وشفاعته، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما ‏.‏

ولفظ التوسل فى عرف الصحابة كانوا يستعملونه فى هذا المعنى‏.‏ والتوسل بدعائه وشفاعته ينفع مع الإيمان به، وأما بدون الإيمان به فالكفار والمنافقون لا تغنى عنهم شفاعة الشافعين فى الآخرة‏.‏

/ولهذا نهى عن الاستغفار لعمه وأبيه وغيرهما من الكفار، ونهى عن الاستغفار للمنافقين وقيل له‏:‏ ‏{‏سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ 6 ‏]‏، ولكن الكفار يتفاضلون فى الكفر كما يتفاضل أهل الإيمان فى الإيمان، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ‏}‏ ‏[‏ التوبة‏:‏ 37 ‏]‏ ‏.‏

فإذا كان فى الكفار من خف كفره بسبب نصرته ومعونته، فإنه تنفعه شفاعته فى تخفيف العذاب عنه لا فى إسقاط العذاب بالكلية، كما في صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، فهل نفعت أبا طالب بشىء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك ‏؟‏ قال ‏:‏‏(‏نعم هو فى ضحْضاح من نار، ولولا أنا لكان فى الدرْك الأسفل من النار‏)‏، وفى لفظ‏:‏ إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك فهل نفعه ذلك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، وجدته فى غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح‏)‏، وفيه عن أبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال‏:‏ ‏(‏لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح من النار يبلغ كعْبيه يغلى منهما دماغه‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏إن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من نار يغلى منهما دماغه‏)‏‏.‏

وكذلك ينفع دعاؤه لهم بألا يُعجل عليهم العذاب فى الدنيا كما كان صلى الله عليه وسلم يحكى نبياً من الأنبياء ضربه قومه وهو يقول‏:‏ ‏(‏اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون‏)‏‏.‏ وروى أنه دعا بذلك أن اغفر لهم فلا تعجل عليهم العذاب فى الدنيا؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى‏}‏ ‏[‏ فاطر‏:‏ 45‏]‏‏.‏

/ وأيضا، فقد يدعو لبعض الكفار بأن يهديه الله أو يرزقه فيهديه أو يرزقه، كما دعا لأم أبى هريرة حتى هداها الله، وكما دعا لدوس فقال‏:‏ ‏(‏اللهم اهـد دوسـاً وائت بهم‏)‏، فهداهم الله، وكما روى أبو داود أنه استسقى لبعض المشركين لما طلبوا منه أن يستسقى لهم، فاستسقى لهم، وكان ذلك إحسانا منه إليهم يتألف به قلوبهم كما كان يتألفهم بغير ذلك ‏.‏



يتبع البحث الاول




  #2  
قديم 21-06-2003, 01:54 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

تابع المبحث الاول



وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاهاً عند الله، لا جاه لمخلوق عند الله أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته، لكن دعاء الأنبياء وشفاعتهم ليس بمنزلة الإيمان بهم وطاعتهم، فإن الإيمان بهم وطاعتهم يوجب سعادة الآخرة والنجاة من العذاب مطلقاً وعاماً، فكل من مات مؤمنا بالله ورسوله مطيعاً لله ورسوله كان من أهل السعادة قطعاً، ومن مات كافراً بما جاء به الرسول كان من أهل النار قطعاً ‏.‏

وأما الشفاعة والدعاء فانتفاع العباد به موقوف على شروط وله موانع، فالشفاعة للكفار بالنجاة من النار والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم ـ ولو كان الشفيع أعظم الشفعاء جاهاً ـ فلا شفيع أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم ثم الخليل إبراهيم، وقد دعا الخليل إبراهيم لأبيه واستغفر له، كما قال تعالى عنه‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ‏}‏ ‏[‏ إبراهيم‏:‏ 41‏]‏، وقد كان صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأبى طالب اقتداء بإبراهيم وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏ التوبة‏:‏ 113‏]‏ ‏.‏

ثم ذكر الله عذر إبراهيم فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏ التوبة‏:‏‏:‏ 114، 115‏]‏، وثبت فى صحيح البخارى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏يلْقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم‏:‏ ألم أقل لك‏:‏ لا تعصنى ‏؟‏ فيقول له أبوه‏:‏ فاليـوم لا أعصيك‏.‏ فيقول إبراهيم‏:‏ يا رب، أنت وعدتنى ألا تُخْزنى يوم يُبْعثون، وأي خزْى أخْزى من أبى الأبعد ‏؟‏ فيقول الله عز وجل‏:‏ إنى حرمتُ الجنة على الكافرين، ثم يقال‏:‏ انظر ما تحت رجليك، فينظر فإذا هو بذيخ مُتلطخ ‏[‏الذيخ‏:‏ ذكر الضباع ، وأراد بالتلطخ‏:‏ التلطخ برجيعه أو بالطين‏.‏ انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 2 / 174‏]‏، فيؤخذ بقوائمه فيلقى فى النار‏)‏، فهذا لما مات مشركا لم ينفعه استغفار إبراهيم مع عظم جاهه وقدره، وقد قال تعالى للمؤمنين‏:‏ ‏{‏قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏ الممتحنة‏:‏ 4، 5 ‏]‏‏.‏ فقد أمر الله تعالى المؤمنين بأن يتأسوا بإبراهيم ومن اتبعه، إلا فى قول إبراهيم لأبيه‏:‏ ‏{‏لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ‏}‏ فإن الله لا يغفر أن يشرك به ‏.‏

وكذلك سيد الشفعاء محمد صلى الله عليه وسلم ، ففى صحيح مسلم عن أبى هريرة؛ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏استـأذنت ربـى أن أستغفر لأمـى فلم يأذن لــى، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لى‏)‏‏.‏ وفى رواية‏:‏ أن النبى صلى الله عليه وسلم / زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال‏:‏ ‏(‏استأذنتُ ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى، واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى، فزروا القبور، فإنها تُذكر الموت‏)‏‏.‏ وثبت عن أنس فى الصحيح أن رجلا قال ‏:‏يا رسول الله، أين أبى ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏فى النار‏)‏، فلما قفى دعاه فقال ‏:‏‏(‏إن أبى وأباك فى النار‏)‏‏.‏ وثبت أيضاً فى الصحيح عن أبى هريرة‏:‏ لمــا أنزلت هذه الآية‏:‏‏{‏وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 214‏]‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعم وخص فقال‏:‏ ‏(‏يا بنى كعب ابن لؤى، انقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا بنى مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا بنى عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا بنى عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا فاطمة، أنقذى نفسك من النار ، فإنى لا أملك لكم من الله شيئاً ، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ‏[‏أى أصلكم فى الدنيا، ولا أُغنى عنكم من الله شيئاً، والبلال جمع بلل، وقيل‏:‏ هو كل ما بل الحلق من ماء أو لبن أو غيره، انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 1 / 351 ‏]‏‏)‏ ، وفى رواية عنه‏:‏ ‏(‏يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، فإنى لا أغنى عنكم من الله شيئاً‏.‏ يا بنى عبد المطلب، لا أغنى عنكم من الله شيئاً‏.‏ يا عباس بن عبد المطلب، لا أغنى عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئاً‏.‏ يا فاطمة بنت رسول الله، سلينى من مالى ما شئت ، لا أغنى عنك من الله شيئا‏)‏‏.‏ وعن عائشة لما نزلت‏:‏ ‏{‏وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ‏}‏ ‏[‏ الشعراء‏:‏214‏]‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئا‏.‏ سلونى من مالى ما شئتم‏)‏‏.‏


  #3  
قديم 21-06-2003, 01:55 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي


تابع البحث الاول


وعن أبى هريرة قال‏:‏ قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً ذات يوم فذكر الغُلُول فعظمه وعظم أمره ثـم قـال‏:‏ ‏(‏لا أُلْفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته بعير لهُ رُغاء ‏[‏الرغاء‏:‏ صوت الإبل‏.‏ انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 2 / 240‏]‏ يقول‏:‏ يا رسول الله، أغثنى‏.‏ فأقول‏:‏ لا أملك لك شيئاً / قد أبلغتك‏.‏ لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته فرس له حمْحمة ‏[‏الحمحمة‏:‏ صوت الفرس دون الصهيل‏.‏ انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 1 / 436‏]‏ فيقول‏:‏ يا رسول الله، أغثنى ‏.‏فأقول‏:‏ لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك‏.‏ لا ألفـين أحــدكم يجىء يــوم القيامة على رقبته شاة لها ثُغاء ‏[‏الثغاء‏:‏ صياح الغنم‏.‏ انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 1 / 214‏]‏، فيقول‏:‏ يا رسول الله، أغثنى‏.‏ فأقول‏:‏ لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك‏.‏ لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ‏[‏أراد بالرقاع‏:‏ ما عليه من الحقوق المكتوبة فى الرقاع، وخفوقها‏:‏ حركتها‏.‏ انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 2/ 251‏]‏‏.‏ فيقول‏:‏ يا رسول الله، أغثنى‏.‏ فأقول‏:‏لا أملك لك شيئا قد أبلغتك‏.‏لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته صامت ‏[‏صامت‏:‏ يعنى الذهب والفضة، خلاف الناطق وهو الحيوان‏.‏ انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 3 / 52‏]‏‏.‏ فيقول‏:‏ يا رسول الله، أغثنى‏.‏ فأقول‏:‏ لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك ‏(‏أخرجاه فى الصحيحين ، وزاد مسلم‏:‏ ‏(‏لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح‏.‏ فيقول‏:‏ يا رسول الله، أغثنى، فأقول‏:‏ لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك‏)‏‏.‏ وفى البخارى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ولا يأتى أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يُعار ‏[‏ اليُعار‏:‏ صياح الشاة‏.‏ انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 5 / 297‏]‏‏.‏ فيقول‏:‏ يا محمد، فأقول‏:‏ لا أملك لك شيئاً، قد بلغت‏.‏ ولا يأتى أحدكم ببعير يحمله على رقبته له رُغاء فيقول‏:‏ يا محمد، فأقول‏:‏ لا أملك لك شيئاً، قد بلغت‏)‏‏.‏ وقوله هنا صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا أملك لك من الله شيئا‏)‏ كـقول إبـراهيـم لأبيـه‏:‏ ‏{‏لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏ الممتحنة‏:‏ 4‏]‏‏.‏

وأما شفاعته ودعاؤه للمؤمنين فهى نافعة فى الدنيا والدين باتفاق المسلمين، وكذلك شفاعته للمؤمنين يوم القيامة فى زيادة الثواب ورفع الدرجات متفق عليها بين المسلمين‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن بعض أهل البدعة ينكرها ‏.‏

وأما شفاعته لأهل الذنوب من أمته فمتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم، وأنكرها كثير من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والزيدية، وقال هؤلاء‏:‏ من يدخل النار لا يخرج منها / لا بشفاعة ولا غيرها، وعند هؤلاء ما ثم إلا من يدخل الجنة فلا يدخل النار، ومن يدخل النار فلا يدخل الجنة، ولا يجتمع عندهم فى الشخص الواحد ثواب وعقاب‏.‏ وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأئمة كالأربعة وغيرهم، فيقرون بما تواترت به الأحاديث الصحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج من النار قوماً بعد أن يعذبهم الله ما شاء أن يعذبهم، يخرجهم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويخرج آخرين بشفاعة غيره، ويخرج قوماً بلا شفاعة ‏.‏

واحتج هؤلاء المنكرون للشفاعة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 48‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 123 ‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 254 ‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يطاع‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 18 ‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ‏}‏ ‏[‏ المدثر‏:‏ 48‏]‏‏.‏

وجواب أهل السنة أن هذا يراد به شيئان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها لا تنفع المشركين، كما قال تعالى فى نعتهم‏:‏ ‏{‏مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ‏}‏ ‏[‏ المدثر‏:‏42‏:‏ 48 ‏]‏، فهؤلاء نفى عنهم نفع شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفاراً ‏.‏

والثانى‏:‏ أنه يراد بذلك نفى الشفاعة التى يثبتها أهل الشرك، ومن شابههم من أهل البدع، من أهل الكتاب والمسلمين الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه، كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل / المشفوع إليه شفاعة شافع لحاجته إليه رغبة ورهبة، وكما يعامل المخلوق المخلوق بالمعاوضة ‏.‏

فالمشركون كانوا يتخذون من دون الله شفعاء من الملائكة والأنبياء والصالحين، ويصورون تماثيلهم فيستشفعون بها ويقولون‏:‏ هؤلاء خواص الله، فنحن نتوسل إلى الله بدعائهم وعبادتهم ليشفعوا لنا، كما يتوسل إلى الملوك بخواصّهم لكونهم أقرب إلى الملوك من غيرهم، فيشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك، وقد يشفع أحدهم عند الملك فيما لا يختاره فيحتاج إلى إجابة شفاعته رغبة ورهبة‏.‏

فأنكر الله هذه الشفاعة فقال تعالى‏:‏ ‏{‏مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 255 ‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 26 ‏]‏، وقال عن الملائكة‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ‏}‏ ‏[‏ الأنبياء‏:‏26‏:‏ 28 ‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ‏}‏ ‏[‏ سبأ‏:‏ 22، 23‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 18 ‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 51 ‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 4‏]‏، / وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 86‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏94‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ َسْتَبْشِرُونَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 43‏:‏ 45 ‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا َمْسًا يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا‏}‏ ‏[‏ طه‏:‏ 108، 109 ‏]‏، وقال صاحب يس‏:‏ ‏{‏وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 22 ـ 25 ‏]‏ ‏.‏

فهذه الشفاعة التى أثبتها المشركون للملائكة والأنبياء والصالحين حتى صوروا تماثيلهم وقالوا‏:‏ استشفاعنا بتماثيلهم استشفاع بهم، وكذلك قصدوا قبورهم وقالوا‏:‏ نحن نستشفع بهم بعد مماتهم ليشفعوا لنا إلى الله، وصوَّروا تماثيلهم فعبدوهم كذلك، وهذه الشفاعة أبطلها الله ورسوله وذم المشركين عليها وكفرهم بها‏.‏ قال الله تعالى عن قوم نوح‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضلالا‏}‏ ‏[‏ نوح‏:‏ 23، 24 ‏]‏ قال ابن عباس وغيره‏:‏ هؤلاء قوم صالحون كانوا فى قوم نوح، فلما ماتوا عَكَفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم، وهذا مشهور فى كتب التفسير والحديث /وغيرها كالبخارى وغيره، وهذه أبطلها النبى صلى الله عليه وسلم وحسم مادتها وسد ذَرِيعتها، حتى لعن من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى فيها، وإن كان المصلى فيها لا يستشفع بهم، ونهى عن الصلاة إلى القبور وأرسل على بن أبى طالب فأمره ألا يدع قبراً مُشْرفًا إلا سَوَّاه، ولا تمثالا إلا طَمَسَه ومَحَاه، ولعن المصورين‏.‏ وعن أبى الهياج الأسدى، قال لى على بن أبى طالب‏:‏ لأبعثك على ما بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته‏.‏ وفى لفظ‏:‏ ولا صورة إلا طمستها‏.‏ أخرجه مسلم‏.‏
  #4  
قديم 21-06-2003, 02:03 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

اتابع البحث الثاني لرأي ابن عثيمين


لقسم الثاني : التوسل غير الصحيح وهو:

أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة ، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة ؛ لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل المخالف للمعقول ، والمنقول ، ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بدعاء ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ؛ لأن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة ، بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له ؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله ، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته ، حتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولهذا لم يتوسل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى الله بطلب الدعاء من رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد موته ، فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " ، فقام العباس ـ رضي الله عنه ـ فدعا الله تعالى ، ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغـًا ووسيلة صحيحة لكان عمر ، ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لأن إجابة دعائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقرب من إجابة دعا العباس ـ رضي الله عنه ـ ، فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من ميت توسل باطل لا يحل ولا يجوز .

ومن التوسل الذي ليس بصحيح : أن يتوسل الإنسان بجاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وذلك أن جاه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس مفيدًا بالنسبة إلى الداعي ؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به ، وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر ، فما فائدتك أنت من كون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ له جاه عند الله ؟! ، وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل اللهم بإيماني بك وبرسولك ، أو بمحبتي لرسولك وما أشبه ذلك فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة .

المجموع الثمين

من فتاوى الشيخ ابن عثيمين2/104 .

آخر تعديل بواسطة البارجة ، 21-06-2003 الساعة 02:12 AM.
  #5  
قديم 21-06-2003, 11:14 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



ىراء المذاهب الاخرى

1- مسألة التوسل بالنبي (ص):

يرى السلفيون من خلال أدلتهم الشرعية أنه يجوز التوسل بالنبي (ص) في حياته ولا يجوز ذلك بعد مماته، وأدلتهم في ذلك:

أ- قول النبي (ص): "قاتل اللَّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(1).

ب- قال ابن تيمية: "وقد استفاضت الأحاديث عن النبي (ص) أنه نهى عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من يفعل ذلك، ونهى عن اتخاذ قبره عيداً، وذلك لأن أول ما حدث الشرك في بني آدم كان في قوم نوح. قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون وكلهم على الإسلام. وثبت في الصحيحين عن النبي (ص) أن نوحاً أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض، وقد قال اللَّه عن قومه إنهم قالوا: (لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً وقد أضلوا كثيراً)(2). قال غير واحد من السلف هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، فلما طال عليهم الأمد عبدوهم"(3).

ويرى من يخالفون السلفية أن التوسل بالنبي (ص) جائز في حياته وبعد مماته، لأنه لم يرد نص من قرآن أو سنّة أو قول لأحد الصحابة أو السلف الصالح من التابعين، في النهي عن التوسل بالنبي (ص) بعد مماته، وأدلتهم في ذلك:

أ- جاء أعمى إلى رسول اللَّه (ص)، يطلب منه أن يدعو له بأن يرد اللَّه عليه بصره، فقال له (ص): "إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت"، قال فادْعُه، فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربّي في حاجتي هذه فيقضيها لي، اللهم فشفّعه فيَّ وشفعني فيه. قال، فقال وقد أبصر"(4).

ب- قال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في هذه المسألة: "كلّ ما بين أيدينا مما صحّ في هذا الموضوع من الأحاديث الثابتة الصحيحة عن توسل الصحابة وتبركهم بعرق رسول اللَّه وشعره ووضوئه، وهي موجودة في الصحيحين، وحديث عثمان بن حنيف الذي رواه الترمذي وابن ماجه (... الحديث)... والمهم أن هذا هو كلّ ما وصلنا عن رسول اللَّه (ص) وأصحابه وبقية السلف في شأن التوسل.

وظل الأمر على ذلك حتى جاء الإمام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى، ففرق بين التوسل بالأنبياء والصالحين في حياتهم والتوسل بهم بعد موتهم. فأجاز ذلك بهم في الحالة الأولى وحرمه في الحالة الثانية. ولا ندري لهذا التفريق أي مستند يرجع إلى عصر السلف، بل إننا كما قلت لم نعثر على أي بحث أو نقاش أو خلاف بين علماء السلف في هذه المسألة"(5).

أقول إنه ما دام هذا الأمر فيه أدلة شرعية معتبرة لدى السلفيين، حيث فهموا واجتهدوا من خلالها، ووصلوا إلى نتيجة مفادها عدم جواز التوسل بالنبي (ص) بعد مماته. وكذلك فإن المخالفين لهم، ومن خلال أدلتهم الشرعية المعتبرة، قد فهموا واجتهدوا ووصلوا إلى نتيجة مفادها جواز التوسل بالنبي (ص) في حياته وبعد مماته. ولأن هذه المسألة لا يوجد فيها نص يحدد الجواز أو عدمه، فإنها تبقى في دائرة الاجتهاد المسموح به في الشريعة الإسلامية، ولهذا ينبغي على السلفيين أن ينتهوا عن نعت مخالفيهم ووصفهم بالتوسليين، لأن دائرة الإسلام تتسع للاجتهادين.

2- مسألة السنّة الحسنة والبدعة:

يرى السلفيون أن البدعة هي "الحدث في الدين بعد الإكمال أو ما استحدث بعد النبي (ص) من الأهواء والأعمال أو ما حدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول اللَّه (ص)"(6).

وأدلتهم في ذلك:

أ- حديث رسول اللَّه (ص): "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"(7).

ب- حديث رسول اللَّه (ص): "أوصيكم بتقوى اللَّه عزّ وجلّ، والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلّ بدعة ضلالة"(8).

أقول إن معنى البدعة هي كل أمر أُحدث في الدين من نواحي الاعتقاد أو العبادة أو الشريعة، أي كل أمر أُحدث يخالف القرآن أو السنّة النبوية. وهذا المعنى هو ما عناه الرسول (ص) في الأحاديث الواردة في هذا الشأن، وهذا المعنى يقارب معنى البدعة لدى السلفية. ولكني أرى أن هناك سُنّة حسنة، وهي كلّ أمر أُحدث، فيه خير للإسلام والمسلمين، ولا يتعلق بالاعتقاد أو العبادة أو الشريعة، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:

أولاً: سنّة جمع القرآن الكريم في مصحف واحد.

ثانياً: سنّة جمع الأحاديث الصحيحة التي قام بها أصحاب الكتب الستة.

ثالثاً: سنّة إيجاد علم مصطلح الحديث، الذي حمى السنّة النبوية من الدس والخلط والضياع.

رابعاً: سنّة إيجاد مدارس الفقه الإسلامي، بهدف تسهيل فهم الناس للأحكام الشرعية الفقهية.

خامساً: سنّة تعيين مصادر التشريع الإسلامي المحددة بالكتاب والسنّة والإجماع والقياس.

سادساً: سنّة إدخال النظم الإدارية على دواوين الدولة الإسلامية.

سابعاً: سنّة إيجاد المصنفات في الدراسات الإسلامية (علوم القرآن علوم الحديث علوم العقيدة علوم الفقه علوم السّير علوم تزكية النفس).

ثامناً: سنّة إعطاء الإجازات من العلماء لتلامذتهم في تدريس علوم القرآن وعلوم الحديث والمصنفات الأخرى.

تاسعاً: سنّة إيجاد الجامعات لتدريس الطلبة العلوم الإسلامية في مستويات علمية معينة.

عاشراً: سنّة إيجاد المراكز الإسلامية التي تنظم جهود وخطوات الدعوة الإسلامية. وهذه السنن الحسنة هي غيض من فيض في هذا المجال.

3- مسألة تكفير الأشاعرة:

يطلق بعض السلفيين أحكام الكفر على الأشاعرة بالجملة... "ولا يفوتنا التنبيه على تلك الفرقة الضالة التي سوّل لهم شيطانهم أنهم أهل سنّة وجماعة حتى يوقع المساكين في شباكهم، هذه الفرقة التي تسمى بالأشاعرة... والحاصل أن عقيدة هذه الفرقة قد استطاع الملعون(9) أن يروجها على غالبية علماء الأمة حتى صارت تدرس في جميع الكليات والجامعات(10) عدا جامعات السعودية وصار يُدرس الكفر على أساس أنه توحيد"(11).

أقول إن تكفير المسلم كفرد له ضوابط شرعية قد حددها العلماء، منهم:

أ- ابن تيمية الذي يرى أن المجتهد المتأول في اجتهاده يثاب عليه "وعلى هذا فالمتأول الذي أخطأ في تأويله في المسائل الخبرية والأمرية وإن كان في قوله بدعة يخالف بها نصاً أو إجماعاً قديماً وهو لا يعلم أنه يخالف ذلك، بل أخطأ فيه كما يخطى‏ء المفتي والقاضي في كثير من مسائل الفتيا والقضاء باجتهاده، يكون أيضاً مثاباً من جهة اجتهاده الموافق لطاعة اللَّه... فلهذا يوجد أئمة من أهل العلم والدين من المنتسبين إلى الفقه والزهد يذمون البدع المخالفة للكتاب والسنّة في الاعتقادات والأعمال، من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوف ونحوهم، وإن كان في أولئك من هو مجتهد له أجر في اجتهاده وخطؤه مغفور له(12).

ب- وقال القاضي أبو الفضل عيّاض في هذه القضية الحساسة: "ذهب أبو المعالي رحمه اللَّه في أجوبته لأبي محمد عبد الحق وكان سأله عن المسألة فاعتذر له أن الغلط فيها يصعب لأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين، وقال غيرهما من المحققين: الذي يجب الاحتراز من التكفير في أهل التأويل فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد، وقد قال (ص): "فإذا قالوها يعني الشهادة عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه، فالعصمة مقطوع بها مع الشهادة، ولا ترتفع ويستباح خلافها إلا بقاطع ولا قاطع من شرع ولا قياس عليه"(13).

ج- ثم نعود إلى ابن تيمية لنستجلي موقفه من الأشاعرة "وإن الأشعرية أقرب إلى السلف والأئمة وأهل الحديث... وأما الانتساب فانتساب الأشعري وأصحابه إلى الإمام أحمد خصوصاً وسائر أئمة أهل الحديث عموماً، ظاهر مشهور في كتبهم كلها... ولكن الأشعري وسائر متكلمة أهل الإثبات مع أئمة السنّة والجماعة يثبتون الرؤية ويقولون القرآن غير مخلوق ويقولون إن اللَّه حي بحياة عالم بعلم قادر بقدرة"(14).

من خلال أقوال العلماء، تظهر لنا الضوابط الشرعية المتعلقة بمسائل التكفير منها:

1- لا يجوز تكفير المسلم إن أخطأ في فهم مسألة متعلقة بالدين، حتى تزال شبهته وتقام عليه الحجة.

2- لا يجوز تكفير المتأولين من المسلمين، وإن أخطأوا في اجتهادهم، وكذلك فإنهم لا يفسقون ولا يأثمون، بل يثابون على اجتهادهم الموافق للحق.

3- ضرورة الحذر في إصدار حكم التكفير على المسلمين، لأن دماءهم وأموالهم معصومة بقول واعتقاد الشهادة.

بعد هذا، أقول: إن الأشاعرة من المسلمين المعصومة دماؤهم وأموالهم، وقد تأولوا واجتهدوا، وهم من أهل السنّة والجماعة في اعتقادهم كما بيَّن الإمام ابن تيمية وهم يقيمون الصلاة في اليوم والليلة خمس مرات، وهم يؤدون الزكاة ويصومون شهر رمضان ويؤدون فريضة الحج، فهل يجوز لبعض السلفيين أن يطلقوا عليهم أحكام الكفر بالجملة؟!.

4- مسألة تكفير الصوفيين:

كان للمدرسة الصوفية دور هام عبر تاريخ المسلمين، في تربية وتهذيب النفوس على أُسس من القرآن والسنّة وأقوال السلف الصالح رضي اللَّه عنهم، وكان لهذه المدرسة تأثير كبير في مجال نشر الدعوة الإسلامية في الأماكن البعيدة عن حواضر العالم الإسلامي، وكذلك كان لهذه المدرسة جولات وصولات في مجال الجهاد والدفاع عن أرض الإسلام والمسلمين. ولقد ظهر بين الصوفية شرذمة قليلة حاولت الانحراف بالمنهج الصوفي، الأمر الذي دفع علماء الإسلام في ذلك الحين إلى مواجهة هذه الحالة (الاستثنائية)، وعملوا على كشف ضلال وكفر هذه الشرذمة، وسعوا إلى تبيان الحق، وأعادوا الأمور إلى نصابها ومسارها السليم.

ومن الغريب أن يخرج علينا في هذا العصر بعض السلفية ليحاكموا مدرسة إسلامية كان لها هذا الدور الكبير، في مجال خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية، فيطلقوا عليها أحكام الكفر بالجملة(15)، من خلال النصوص التالية:

أ- "إن دين الصوفية كله مؤسس على القبور وفي القبور وحول القبور"(16).

ب- "إن كلّ من أخذ حقاً من حقوق اللَّه وخلعه على نفسه فهو طاغوت ويشمل: المشرعين والحكام وشيوخ الطرق والكهان والعرافين وكل من تابعهم على ذلك فهو عابد للطواغيت"(17).

ج- "ولا ننسى شيوخ الصوفية ومكانتهم في قلوب هؤلاء العوام وقد هبوا للدفاع عن معتقداتهم ومكاسبهم التي كانت تدرها عليهم صناديق النذور وغيرها من الإتاوات التي يفرضونها على العوام"(18).
  #6  
قديم 21-06-2003, 11:34 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

والرد على هذا ، من خلال أقوال العلماء، لنعرف من خلالها موقفهم من الصوفية، منهم:

1- قال الإمام الغزالي: "ثم إني لما فرغت من هذه العلوم، أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل، وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة، وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير اللَّه تعالى، وتخليته بذكر اللَّه... علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق اللَّه تعالى خاصة، وإن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئاً من سيرتهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلاً، فإن حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء مشكاة النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به"(19).

2- قال ابن تيمية عن معنى الفناء في كلام الصوفية "مثال ذلك اسم الفناء... فهو الفناء عن إرادة ما سوى اللَّه بحيث لا يحب إلا اللَّه ولا يعبد إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه ولا يطلب غيره وهو المعنى الذي يجب أن يُقصد بقول الشيخ أبي يزيد(20) حيث قال: أريد أن لا أريد إلا ما يريد، أي المراد المحبوب المرضي وهو المراد بالإرادة الدينية وكمال العبد أن لا يريد ولا يحب ولا يرضى إلا ما أراده اللَّه ورضيه وأحبه وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب ولا يحب إلا ما يحبه اللَّه كالملائكة والأنبياء والصالحين، وهذا معنى قولهم في قوله تعالى: "إلا من أتى اللَّه بقلب سليم"(21) قالوا هو السليم مما سوى اللَّه أو مما سوى عبادة اللَّه أو مما سوى إرادة اللَّه أو مما سوى محبة اللَّه فالمعنى واحد وهذا المعنى إن سمي فناء أو لم يسمّ هو أول الإسلام وآخره وباطن الدين وظاهره"(22).

3- قال الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود مدافعاً عن الصوفية "لقد أشاع الماديون على اختلاف ألوانهم كثيراً من الأباطيل ضد التصوف، وأخذوا يروجون لها في كلّ مكان، وبكلّ وسيلة... والتصوف في النهاية هو الاسترسال مع اللَّه على ما يريد، وهو متابعة الرسول (ص) على ما يحب"(23).

5- مسألة تكفير الشيعة الإمامية:

ومن القضايا الحساسة والشائكة التي خاض فيها بعض السلفية، هي تكفير المسلمين من الشيعة الإمامية، من خلال نصوص عدة، منها:

أ- "قلنا إن الإخوان(24) يعلمون جيداً كفريات الشيعة حينما أيدوهم ولكن مسايرة السياسة الخبيثة تغلبت عليهم حتى تركوا الشرع خلفهم ظهرياً"(25).

ب- "وكذلك حضر حتى الشيعي مثل (نواب صفوي)(26) حضر هذه اللقاءات بل ألقى حديث الثلاثاء المشهور عند الإخوان ولم يقل له أحد إن اعتقادكم أيها الإماميون شرك وكفر"(27).

ونردّ على عثمان عبد السلام نوح وأضرابه من السلفيين، من خلال أقوال العلماء، منهم:

أ- قال الإمام محمد الغزالي عن المسلم الشيعي الذي "يعتقد استحقاق الإمامة في أصل(28) البيت وأن المستحق اليوم المتصدي لها منهم، وأن المستحق لها في العصر الأول كان علي رضي اللَّه عنه فدفع عنها بغير استحقاق. وزعم مع ذلك، أن الإمام معصوم عن الخطأ والزلل... ومع ذلك لا يستحل سفك دمائنا ولا يعتقد بكفرنا، ولكنه يعتقد فينا أنّا أهل البغي، زلّت بصائرنا عن درك الحق خطأ... فهذا الشخص لا يستباح سفك دمه، ولا يحكم بكفره لهذه الأقاويل"(29).

ب- سأل الأستاذ عمر التلمساني الشيخ حسن البّنا عن مدى الخلاف بين السنّة والشيعة، عندما رأى السيد محمد تقي القمي ينزل ضيفاً على الإخوان المسلمين في الأربعينات، فقال البّنا "اعلموا أن أهل السنّة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، وهذا أصل العقيدة، والسنّة والشيعة فيه سواء وعلى التقاء، أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينهما"(30).

ج- سُئل شيخ الأزهر محمود شلتوت عن مسألة التعبد على أساس مذهب الشيعة الإمامية(31) فأجاب:

1- إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادى‏ء ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلد مذهباً من المذاهب أن ينتقل إلى غيره أي مذهب كان ولا حرج عليه في شي‏ء من ذلك.

2- إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة.

فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين اللَّه وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند اللَّه تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات"(32).

د- قال الشيخ محمد أبو زهرة عن الشيعة الإمامية: "الشيعة أقدم المذاهب السياسية الإسلامية، وقد ذكرنا أنهم ظهروا بمذهبهم في آخر عصر عثمان رضي اللَّه عنه ونما وترعرع في عهد علي رضي اللَّه عنه، إذ كان كلما اختلط بالناس ازدادوا إعجاباً بمواهبه وقوة دينه وعلمه، فاستغل الدعاة ذلك الإعجاب، وأخذوا ينشرون آراءهم، ما بين رأي فيه مغالاة، ورأي فيه اعتدال... لا شك أن الشيعة فرقة إسلامية إذا استبعدنا الذين ألَّهوا علياً ونحوهم، ولا شك أنها في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث نبوية منسوبة إلى النبي (ص)"(33).

بعد هذا العرض في نقض طروحات بعض المغالين من السلفية الذين يدَّعون بأنهم يسيرون في طريق السلف الصالح رضي اللَّه عنه، نصل إلى النتائج التالية:

أولاً: إن المسلمين الذين يعتقدون بالتوسل برسول اللَّه (ص) في حياته وبعد مماته، يستندون إلى أدلة شرعية معتبرة في اجتهادهم، وعلى هذا الأساس فإنه لا يحق لأصحاب الاجتهاد المخالف، التشهير بهم والنيل منهم بشتى النعوت، والصفات، ونذكرهم، بأن هذه الأساليب تخالف منهج السلف الصالح رضي اللَّه عنه في آداب الاختلاف. أما التوسل بالأولياء والمشايخ والأضرحة فلا يجوز ذلك أبداً.

ثانياً: إن السلفيين بتعريفهم لمعنى البدعة لا يختلفون عن غيرهم من المسلمين في هذا التعريف، إلا أنهم عليهم أن يعترفوا بأن هناك سنّة حسنة، وهي الأمر المحدث، الذي فيه خير للإسلام والمسلمين، وليس له علاقة بالاعتقاد أو العبادة أو الشريعة، فمن سنّ سنّة حسنة في هذا المجال فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

ثالثاً: إن الأشاعرة هم من المسلمين الذين تأولوا واجتهدوا، وقد بين لنا العلماء الثقاة أن من يجتهد ويتأول في اجتهاده من المسلمين فلا يجوز تكفيره وإن أخطأ، وبدل التكفير ينبغي السعي إلى إزالة الشبهة عنه، وإقامة الحجة عليه، وهذا دور العلماء. فعلى أي أساس شرعي يطلق بعض السلفية أحكام الكفر على الأشاعرة وعلى غالبية علماء وجامعات العالم الإسلامي، "الذين يدرِّسون الكفر لا التوحيد" على حد زعمهم!

رابعاً: إن تكفير الصوفية بالجملة هو ابتعاد عن الحق، وهو من الخطورة بمكان، أما كشف ضلالات وكفريات بعضهم مثل ابن عربي والحلاج وغيرهم، وتبيان أعمالهم التي لا تمت للإسلام بصلة، فهذا مطلوب لأنه يعتبر من الناحية الشرعية نهياً عن المنكر. وفي الوقت نفسه ينبغي على مدّعي السلفية أن يعرفوا أن للَّه تعالى أولياء، يخفون الكرامة تواضعاً، ويدعون إلى الإسلام، ويعملون الصالحات، ويعلمون الناس الخير.

خامساً: وفي مسألة تكفير المسلمين (الإمامية) فقد ابتعد عثمان عبد السلام وأصحابه عن جادة الصواب والحق، وهم بهذا إنما يخالفون السلف الصالح رضي الله عنه، وقد عرفنا عقيدة ومفاهيم السلف الصالح من خلال العلماء المعتبرين في علمهم وتقواهم وعملهم وتاريخهم، كالإمام أبي حامد محمد الغزالي وحسن البنا ومحمود شلتوت ومحمد أبو زهرة، وهذه الثلة المباركة من العلماء، وغيرهم في الماضي والحاضر، ممن لهم أيادٍ بيضاء في خدمة العلم والدعوة والإسلام والمسلمين، يعتبرون أن الشيعة الإمامية من المسلمين. ونذكّر المكّفرة من السلفيين بحديث رسول اللَّه (ص) "إذا كفَّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما"(34). فكيف بهؤلاء وهم يكفِّرون بعض أُمة الإسلام!

السلفية بين الغلو والاعتدال

ومن أجل وضع النقاط على الحروف وإنصافاً للحق والحقيقة، أرى أن السلفيين قد انقسموا إلى مدارس فكرية وسياسية، منهم هؤلاء المكفِّرة، الذين يقول فيهم الدكتور يوسف القرضاوي: "وإن من المؤسف اليوم أن نجد من بين المشتغلين بالدعوة إلى الإسلام من يشهر سيف الذم والتجريح لكل من يخالفه، متهماً إياه بقلة الدين، أو اتباع الهوى أو الابتداع والانحراف، أو النفاق، وربما بالكفر! وكثير من هؤلاء لا يقتصرون في الحكم على الظواهر، بل يتهمون النيات والسرائر، التي لا يعلم حقيقة ما فيها إلا اللَّه سبحانه، كأنما شقّوا عن قلوب العباد واطلعوا على دخائلها! ولم يكد يسلم من ألسنة هؤلاء أحد من القدامى، أو المحدثين، أو المعاصرين ممن لا يقول بقولهم في قضايا معينة، حتى وجدنا من يسب بعض الأئمة الأربعة في الفقه، ومن يسب بعض أئمة السلوك والزهد... وهذه من المزالق التي يتورط فيها كثير من المنتسبين إلى التيار الديني: الطعن والتجريح، فيمن يخالف وجهتهم، أو مذهبهم في الاعتقاد أو الفقه أو السلوك. ومن ينتمون إلى الحديث أو السلف يطعنون في الفقهاء كالأئمة الأربعة وكبار أتباعهم ممن لا يشك أحد في علمهم واجتهادهم ودينهم وورعهم، أو يطعنون في كبار الصوفية الذين أثنى عليهم الربانيون والعلماء المحققون من خيار الأمة، وربما طعنوا في الصوفية جميعاً، وكذلك يطعنون في كبار علماء الأشاعرة )ماضياً وحاضراً(، وهم من لهم منزلة وفضلٌ في الذبّ عن هذا الدين، وعن الكتاب والسنّة"(35).

ومن السلفيين من تضمهم مدرسة العلم والورع والاعتدال، وفي الحقيقة فإن هؤلاء هم أقرب إلى السلف الصالح، في طروحاتهم ومفاهيمهم الإسلامية، وهم أقرب إلى السلف الصالح في التزامهم بالأحكام الشرعية، وهم وقّافون عند الحق، وعن مسألة التكفير الحساسة يقولون: "لا يجوز القطع لمعين من أهل القبلة بالجنة أو بالنار إلا من ثبت النص في حقه(36)... الكفر في الألفاظ الشرعية قسمان: أكبر مخرج من الملّة، وأصغر غير مخرج من الملّة ويسمى أحياناً بالكفر العملي... التكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنّة، فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك، ولا يلزم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق المعين إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع(37). التكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم"(38). وكذلك هم أقرب إلى السلف الصالح في أدب الاختلاف، ويعلمون حقيقة معنى حديث رسول اللَّه (ص) الذي رواه الإمام مسلم عن أبي رقية تميم بن أوس الداري (رضي اللَّه عنه): "أن النبي (ص) قال: الدين النصحية. قلنا لمن؟ قال: للَّه، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"(39). ولهذا تجدهم يعملون للإسلام بعيداً عن الأضواء، بجدّ ونشاط، ويتعاونون مع جميع المسلمين، على البرّ والتقوى، تحت شعار نتعاون في ما اتفقنا عليه، وهو كثير، ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه، وهو قليل
  #7  
قديم 21-06-2003, 11:47 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

للإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى

من باب التوسل والوسيلة

التوسل بالنبىe

من الأشياء العجيبة إنكار التوسل بالنبى وأهل بيته والأولياء الصالحين مع أن الحق تبارك وتعالى أمرنا باستخدام الوسيلة حيث قال ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة﴾ وظاهرالآية بدون أى تعليق من لم يطلب الوسيلة لا يتقى الله ويحتج البعض بأن الوسيلة المذكورة فى الآية هى درجة فى الجنة ونسأل الله أن يجعلها للنبى e، والبعض الآخر يقول أن التوسل فى الآية بأعمالنا - وهذا معنى ضمنى - وأيهما أفضل أن أتوسل بأعمالى التى هى فى حكم الرد أو القبول أو أتوسل بالنبى المقبول عند رب العالمين وعلى كل سنحتكم إلى الكتاب والسنة لنبين للناس التوسل بجميع أنواعه للنبى وأهـل بيته وسائرالأنبياء والصحابة والأولياء بنصوص من الكتاب والسنة والعجيب توسل اليهود وأهل الجاهلية بالنبى e ويا أسفاه على المسلمين الذين ينكرونه.

س : مامعنى كلمة الوسيلة لغويا ؟

ج : الوسيلة هى مايتقرب به إلى الغير.

س : هل توسل أحد بالنبى e قبل ولادته ؟

ج : عن عمر بن الخطاب t قال: قال e (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يارب أسألك بحق محمد لما غفرت لى، فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يارب لأنك لما خلقتنى بيدك ونفخت فى من روحك رفعت رأسى فرأيت على قـوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم، انه لأحب الخلق إلى، ادعنى بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ماخلقتك) أخرجه الحاكم فى المستدرك ورواه السيوطى والبيهقى والطبرانى.
  #8  
قديم 21-06-2003, 11:58 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي




رسالة الأستاذ واعظ زاده إلى الأستاذ بن باز

المفتى العام بالمملكة العربية السعودية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين. والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه.

سماحة الأستاذ الجليل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المحترم.

السلام عليكم ورحمة الله، وبعد:

لاحَظت تركيزكم على مسألة التوحيد في عدد من أعداد مجلة البحوث الإسلامية، كما سمعتكم في جلستين حينما وفقت لزيارتكم، وتؤكدون تأكيداً متواصلا إرشاد الناس إلى التوحيد الخالص لله ربّ العالمين، لا شك في أنه الأساس القويم، والركن الركين لهذا الدين الحنيف، بل هو محور كلّ أحكامه وشرايعه، وهذه ميزة لمستُها في سماحتكم.

ومع احترامي وتقديري لجهودكم في هذا السبيل، خطر ببالي بعض الملاحظات، أحببت أن أبديها لكم راجياً أن يكون فيها خير الإسلام والمسلمين، والاعتصام بحبل الله المتين في سبيل تقارب المسلمين، ووحدة صفوفهم في مجال العقيدة والشريعة.

أولا: لاحظت سماحتكم تعدّون دائماً بعضَ ما شاع بين المسلمين ـ من التبرك بآثار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض الأولياء، كمسح الجدران والأبواب في الحرم النبوي الشريف وغيره ـ شركاً وعبادة لغير الله، وكذلك طلب الحاجات منه ومنهم، ودعاءهم، وما إلى ذلك.

إني أقول: هناك فرق بين ذلك، فطلب الحاجات من النبيّ ومن الأولياء، باعتبارهم يقضون الحاجات من دون الله أو مع الله، فهذا شرك جلي لا شك فيه. لكن الأعمال الشائعة بين المسلمين، التي لا ينهاهم عنها العلماء في شتى أنحاء العالم الإسلامي من غير فرق بين مذهب وآخر، ليس هي في جوهرها طلباً للحاجات من النبيّ والأولياء، ولا اتخاذهم أرباباً من دون الله، بل مردّ ذلك كلّه (لو استثنينا عمل بعض الجهال من العوام) إلى أحد أمرين:

التبرك والتوسل بالنبيّ وآثاره، أو بغيره من المقربين إلى الله عزّ وجلّ.

أما التبرك بآثار النبيّ من غير طلب الحاجة منه ولا دعائه، فمنشؤه الحبّ والشوق الأكيدين رجاءَ أن يعطيهم الله الخير بتقربهم إلى نبيّه وإظهار المحبة له، وكذلك بآثار غيره من المقرَّبين عند الله.

وإني لا أجد مسلماً يعتقد أن الباب والجدار يقضيان الحاجات، ولا أن النبيّ (أو الولي) يقضيها، بل لا يرجو بذلك إلاّ الله إكراماً لنبيه أو لأوليائه أن يفيض الله عليه من بركاته.

والتبرك بآثارالنبيّ كما تعلمون، ويعلمه كلّ مَن اطّلع على سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان معمولا به في عهد النبيّ، فكانوا يتبركون بماء وضوئه وثوبه وطعامه وشرابه وشعره وكلّ شيء منه، ولم ينههم النبيُّ عنه. ولعلَّكم تقولون: أجل، كان هذا، وهو معمول به الآن بالنسبة إلى الأحياء من الأولياء والأتقياء (كما شاهدت أصحابكم يتبركون بطعامكم) لكنه خاص بالأحياء، دون الأموات، لعدم وجود دليل على جوازه إلاّ في حال الحياة بالذات. فأقول: هناك بعض الآثار تدل على أن الصحابة قد تبركوا بآثار النبيّ بعد مماته، فعن عبد الله بن عمر، أنه كان يمسح مِنبراً للنبي تبركاً به. وهناك شواهد، على أنهم كانوا يحتفظون بشَعر النبيّ، كما كان الخلفاء العباسيون، ومَن بعدهم العثمانيون، يحتفظون بثوب النبيّ تبركاً به، ولا سيما في الحروب، ولم يمنعهم أحد من العلماء الكبار والفقهاء المعترف بفقههم ودينهم.

وهنا يعجبني أن ألخِّص لسماحتكم كلام الأستاذ الدكتور سعيد رمضان العالم السوري ـ حفظه الله ـ في هذا المجال نقلا عن كتابه (فقه السنة) فإنه بعدما أشار إلى شطر مما يدل على جواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبآثاره، قال: «وليس ثمة فرق بين أن يكون ذلك في حياته أو بعد وفاته. فآثار النبي لا تتصف بالحياة مطلقاً»، سواء تعلق التبرك والتوسل بها في حياته أو بعد وفاته، كما ثبت في صحيح البخاري في باب شيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومع ذلك، فقد ضلَّ أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله، وراحوا يستنكرون التوسل بذاته بعد وفاته، بحجة أن تأثير النبيّ قد انقطع بوفاته، فالتوسل به إنما هو توسل بشيء لا تأثير له البتة.

وهذه حجة تدل ـ كما ترى ـ على جهل عجيب جداً ... فهل ثبت لرسول الله تأثير ذاتي في الأشياء حال حياته، حتى نبحث عن مصير هذا التأثير من بعد وفاته؟

إن أحداً من المسلمين لا يستطيع أن ينسب أيّ تأثير ذاتي في الأشياء لغير الواحد الأحد ـ جلّ جلاله ـ ومَن اعتقد خلاف هذا يكفر بإجماع المسلمين كلّهم.

فمناط التبرك والتوسل به أو بآثاره ليس هو إسناد أي تأثير إليه ـ والعياذ بالله ـ وإنما المناط كونه أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق وكونه رحمة من الله للعباد، فهو التوسل بقربه إلى ربّه وبرحمته الكبرى للخلق.

وبهذا المعنى كان الصحابة يتوسلون بآثاره و... من دون أن يجدوا فيه أي إنكار. وقد مرّ في هذا الكتاب (أي فقه السنة) بيان استحباب الاستشفاع بأهل الصلاح والتقوى وأهل بيت النبوة في الاستسقاء وغيره، وإن ذلك مما أجمع عليه جمهور الأئمة والفقهاء بما فيهم الشوكاني وابن قدامة الحنبلي والصنعاني وغيرهم.

والفرق بعد هذا بين حياته وموته خلط عجيب وغريب في البحث لا مسوِّغ له، انتهى موضع الحاجة1.

هذا كله بالنسبة إلى التبرك بآثار النبيّ حيّاً وميّتاً، وأما التوسل بذاته أو بأحد من أهل بيته فهو كذلك، كما رأينا في مطاوي كلام الدكتور، وكان معمولا به حتى بعد وفاته كما استسقى عمر بن الخطاب متوسلا بعمّ النبي العباس من دون نكير من أحد من أصحابه، ومن دون أن يكون لحياة النبيّ وموته تأثير عنده في جواز التوسل به.

ومردّ ذلك أنّ التبرك بآثار النبيّ والتوسل به وبآثاره وبذريته والأتقياء من أتباعه ليس معناه طلب الحاجة منه أو منها ولا منهم، ولا أن في شيء منها ـ بما في ذلك ذات النبيّ ـ تأثيراً في رفع الحاجات ودفع الملمات أو أنه يضرّ وينفع، كما ورد في مطاوي كلامكم في صدد النهي عنه (أنه لا يضر ولا ينفع)، فهذا تحويل للمسألة عن جوهرها، بل كلّ ذلك يَعدّ إظهار الحبّ للنبيّ وغيره من المقرّبين استجلاباً لرحمة الله ـ تبارك وتعالى ـ لما نعلم من منزلتهم عند الله، استناداً إلى سيرته وسيرة المسلمين، فلا يقاس هذا بعمل المشركين في شأن آلهتهم، حيث كانوا يعتقدون فيها التأثير في دفع الملمات ورفع الحاجات، إما مباشرة أو بالاشتراك مع الله.

كما لا ينبغي الاستشهاد على حرمة التبرّك والتوسّل (بالمعنى المذكور) وكونهما شركاً بما ورد من الآيات إدانة للمشركين، فإن ذلك ليس منه في شيء، والفرق بينهما واضح جليّ، فهذا مظهر من مظاهر الشرك، وذاك مظهر من مظاهر التوحيد وحبّ الله وأوليائه.

بقي هنا أمران:

الأول أن يقول قائل: نحن نسلِّم بجواز التبرك والتوسل للعلماء الذين فهموا جوهر الدين، إلاّ أن ذلك ممنوع على العوام لأنهم سوف يحولونهما إلى الشرك، حيث يعتقدون للنبيّ وآثاره وللأولياء تأثيراً ذاتياً في رفع الحاجات أو دفع المضرّات، فيجب المنع عنهما سدّاً للذرائع.

وهذا ما سمعنا به من الأستاذ الدكتور محمد بن سعد سُوَيْعِر ـ حفظه الله ـ يوم حضرنا عندكم وجلسنا على مائدتكم.

والإجابة على هذا الكلام سهل، فإنه إذا ثبت جواز عمل بل استحبابه بدليل قطعي فلا يجوز المنع عنه بقول مطلق، خوفاً من الجُهّال أن يُحلِّوه إلى ما فيه لون من الشرك، وإلاّ كان ينبغي للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نهي الناس عن التبرك بآثاره سدّاً للذريعة، كما كان ينبغي له أن يمنع الناس عن زيارة القبور حذراً من أن الجُهّال يتّخذونها صنماً يعبد، أو يمنع من استلام الحجر للسبب نفسه، هذا ليس هو الطريق الوحيد والقول السديد لسدّ الذرائع، بل الطريق هو مراقبة العلماء الذين هم ورثة الأنبياء والذين هم أمناء الله على حلاله وحرامه، فإنهم أمروا بحفظ الناس عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ـ كما جاء في الحديث (معالم الدين ص33 ط1413 هـ . ق) من غير أن يحرِّموا حلالا أو يحلِّلوا حراماً، أو يفرِّقوا في حكم واحد بين العوام والخواص.

الثاني: أن من يجوّز التبرك والتوسل هم جمهور العلماء في قبال جماعة أقل منهم بكثير لا يجوِّزونهما، ولا ريب أن المجوّزين اختاروا الجواز بعد الوقوف على الآراء، وبعد البحث والفحص عن الأدلّة، والاطلاع على ما أبداه الشيخان السلفيّان الشيخ ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهّاب وأتباعهما، فهؤلاء لم يقتنعوا طوال هذه القرون السبعة إلى يومنا هذا بحجج مخالفيهم، فهم مجتهدون، ولكل مجتهد مصيب أجران، وللمخطئ أجر واحد، كما هو ثابت عند الفقهاء، فالمسألة بعد أن عادت خلافية اجتهادية، فهل تسمحون في مثل هذه المسألة، التي جُلُّ العلماء على جوازها وقليل منهم على حرمتها، بنسبة الكفر والشرك بل الفسق والضلال إلى هؤلاء الجمّ الغفير المعترف بفقههم وتقواهم؟ فما هو الفارق إذاً بين القطعيات والظنيات سواء في حقل العقيدة أو في حقل الشريعة؟ إنما الحكم بالكفر ثابت فيمن أنكر ضرورياً من ضروريات الدين ليس إلاّ، دون مسألة خلافية هي معترك الآراء بين الفقهاء.

فأقلّ ما يقال في مثل هذه المسألة الخلافيّة هو الاحتياط بالإمساك عن التقوُّل فيها، حتى ترجع المسألة قطعيّة، والاكتفاء ممن لا يُجوِّزه بالوعظ والإرشاد، إذا رآه شركاً أو بدعة وضلالا، فهذا منتهى المطاف في أداء الواجب من مثله. وقد مرّ بنا أن استهللنا كلامنا بالتقدير لجهودكم في سبيل إرساء أمر التوحيد، وهذا بنفسه سعي مشكور أغتبطكم عليه، لولا أن ينضمَّ إليه إطلاق القول بالشرك أو الكفر فيمن جوَّز هذا العمل عن اجتهاد ونظر، من دون تقليد أعمى، ولا جهل بالكتاب والسنّة وبآراء الفقهاء الموافق منهم والمخالف، هذا أولا.

وثانياً: أحببت الإشارة إلى مسألة أخرى لها أهميتها، وهي ما أفتيتم به حول مسألة فلسطين، حيث تقولون: «إنه يجب على المسلمين وعلى الدول الإسلاميّة والأغنياء والمسؤولين أن يبذلوا جهودهم ووسعهم في جهاد أعداء الله اليهود، أو فيما تيسّر من الصلح إن لم يتيسَّر الجهاد، صُلحاً عادلا يحصل به للفلسطينيين إقامة دولتهم على أرضهم، وسلامتهم من الأذى من أعداء الله اليهود، مثلما صالح النبيّ أهل مكة، وأهل مكة في ذلك الوقت أكثر من اليهود الآن، وإن المشركين والوثنيين أكفر من أهل الكتاب، فقد أباح الله طعام أهل الكتاب والمحصنات من نسائهم، ولم يبح طعام الكفار من المشركين، ولا نسائهم. وصالحهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكفّ بعضهم عن بعض، وكان في هذا الصلح خير عظيم للمسلمين، وإن كان فيه غضاضة عليهم بعض الشيء، لكن رضيه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)للمصلحة العامة.

فإذا لم يتيسّر الاستيلاء على الكفرة، والقضاء عليهم، فالصلح جائز لمصلحة المسلمين، وأمنهم وإعطائهم بع
  #9  
قديم 22-06-2003, 12:01 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



تكملة الرسالة

فإذا لم يتيسّر الاستيلاء على الكفرة، والقضاء عليهم، فالصلح جائز لمصلحة المسلمين، وأمنهم وإعطائهم بعض الحقوق ...»2.

وهذه الفتيا منكم إنما صدرت ولا شك فيها إخلاصاً للإسلام والمسلمين، وحرصاً على إرشاد الأُمّة إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، إلاّ أنّ فيها بعض الملاحظات، فهي تحتوي شطرين:

الشطر الأول، وجوب حرب اليهود أعداء الله، وبذل الجهود في جهادهم. وهذا ما يوافقكم عليه علماء الإسلام جميعاً شيعة وسنة، ولعلكم لمستم موقف الشيعة في مكّة المكرّمة عبر شعاراتهم، أو سمعتم به عن طريق المذياع أو قرأتم عنه في الجرائد، أنهم أشدّ الناس على الكفّار ولا سيما على اليهود. فهذا حق صريح، ورأيكم حجة على جميع المسلمين حكومات وشعوباً، جزاكم الله عنهم خير الجزاء، وشكر مساعيكم، فقد أدّيتم واجبكم أمام الله ـ تبارك وتعالى ـ وأمام المسلمين قاطبة. وأما الشطر الثاني وهو ما تيسّر من الصلح إن لم يتيسّر الجهاد صلحاً عادلا إلى آخر ما أبديتم من الرأي بإخلاص، فيجب الوقوف عنده طويلا:

لا ريب أن المسألة لو كانت كما اقترحتم وكانت القيود والشروط محقّقة بالشكل الذي قيّدتم، فالحكم هو ما صرّحتم به، إلاّ أنّ المسألة مع الأسف الشديد ليست بهذه السهولة، ومغزى كلامي أنّ البحث ليس في الكبرى من الدليل، وإنما هو في الصغرى، وتوضيحها كما يأتي:

أولا: أنّ الجهاد مع اليهود ميسور وبابه مفتوح بمصراعيه أمام المسلمين، إلاّ أنّ حكّام المسلمين لم يقفوا يوماً، ولا يريدون أن يقفوا أمام العدو بكلّ جهودهم وإمكانيّاتهم، فإنّ العرب طرحوا القضية منذ أربعين سنة ولحد الآن قضية عربية، وليست إسلاميّة، وهذه أول ضربة وجَّهوها إلى القضية، حيث أبعدوا بهذا المشروع العنصري معظم المسلمين عن ساحة المعركة، ولا أقل من أن ذلك أصبح عذراً لأولئك الحكّام الذين لا علاقة لهم بشؤون المسلمين، فكانوا يقولون كما سمعت مراراً من أعوان الشاه في إيران: «هذه مشكلة العرب مع اليهود لا شأن لنا فيها». فلم يكونوا يسمعون صرخات المسلمين والعلماء من أنّها إسلاميّة، بحجَّة أن العرب يعدّونها مسألة عربية.

وأمثال هؤلاء الحكام من العرب وغيرهم لا يزالون لا يطيقون استماع صرخات هؤلاء الشباب والأطفال المحاربين بالحجارة داخل الأرض المحتلة وهتافاتهم: (الله أكبر) (نحن مسلمون) ولا أن يروا في التلفزة صَلاتهم حول المسجد الأقصى; لأن ذلك يمثِّل إسلاميةَ القضية فتأخذ العذر من أيديهم.

ثانياً: حتى العرب أنفسهم الذين احتكروا المسألة بحجِّة أنها عربية، وأنها مسألتهم من دون سائر المسلمين لا يتّفقون على كلمة واحدة، ولم يجهّزوا إمكانياتهم أمام العدو، ولم يقفوا صفّاً واحداً، فبدلا من ذلك كلّه، افترقوا أحزاباً وشعوباً يهاجم بعضهم بعضاً، عسكرياً وإعلامياً، لا لشيء إلاّ لمصالحهم ولمصالح العدو، فلم يجهّزوا أنفسهم للمعركة لا هم ولا سائر المسلمين ولم يمتثلوا أمر ربّهم: {وأعدّوا لهم ما استطعتُم من قوّة ومن رِباطِ الخيل تُرهِبون به عدوّ الله وعدوَّكم}3 عندهم البترول الذي هو شريان حياة الأعداء، فلم يستفيدوا من هذه القوة الهائلة التي هي أقوى بكثير من رباط الخيل ومن أيّ قوة تُوجد في العالم.

كما أنّهم لم يهتمّوا بقول ربّهم: {يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء}4 وما بمعناه في الكتاب والسنة.

فمن الذي منهم لا يتَّخذ أعداء الله أولياء، ولا يميل إلى اليمين والشمال (وقد سقط بحمد الله) ولا يعتمد ولا يستنصر بالأعداء (سوى النزر اليسير) ولا يركع لصنم منهم ولا يسجد، وبعضهم لا يأكل ولا يشرب إلاّ بإذنه؟

ومن خفي عليه هذا فليس له الدخول في المعارك السياسية وإظهار الرأي فيها.

والعجب كلَّ العجب صَمْتُ بعض العلماء عن هؤلاء الحُكَّام الرُّكع السجود أمام الأصنام والطواغيت، ثم ينادي ويحكم بكفر وشرك أولئك المسلمين المساكين، الذين بذلوا كلّ ما عندهم، وتحمّلوا المشاقَّ، وجاءُوا من كلّ فجّ عميق، حتى نالوا بزيارةَ النبيّ، وقلوبهم ملئت بحبِّه، فقبّلوا الباب والشبّاك حبّاً له، ورجاء التقرّب إلى الله بحبّه، ويرون هذا منتهى أملهم من الحياة، فإذا بعالم أو مسؤول سكت عن ذلك الشرك الكبير وعن هؤلاء الأبالسة الكبار، يضربه بالسياط ويشتمه بقوله: (هذا شرك، هذا كفر) ولم يعتقد هذا القائل إلاّ أنه كلّ واجبه، أَليس هذا إبعاداً للمسلمين المخلصين عن الدين، وعن ساحة القتال ضدّ اليهود وضدّ سائر أعداء الدين؟ فإنه إذا كان كافراً ومشركاً، فلماذا يُضحِّي بنفسه في المعركة في سبيل الإسلام؟

وأنا أقول بصراحة: لو أن العلماء ومن ورائهم (بل ومن فوقهم!) الحكّام لم يخطِئوا الطريق، واستقرُّوا على الصراط القويم، لأمكن لهم تجهيز ملايين من الشبّان المسلمين الغيارى على الإسلام الذائبين في حبّ النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليقفوا سداً منيعاً ضدّ اليهود ومطامعهم، ولو تحقّق هذا الحُلُم يوماً ما لرأينا كلمة الله هي العليا، وأن الله يحقّق وعده: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم)5.

ثالثاً: الاستشهاد للصلح مع اليهود بمثل ما صالح النبيُّ أهل مكة والمشركين عجيب وقياس مع الفارق، وفيه وجوه من الخلط والتمويه:

1 ـ إنّ النبيَّ صالح أهل مكة من موقف القوّة دون الضعف كما قال تعالى: {وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً}6 مع أنّ حكّام العرب حينما يريدون أن يساوموا على الصلح مع العدوّ، إنما هم في منتهى الضعف (ولا سيما بعد حرب الخليج) سياسيّاً وعسكريّاً. والشيطان الأكبر الحامي لإسرائيل رَسَتْ أقدامه على أرضهم بكلّ ما له من العُدَّة والعَدَد، وله حقُّ الحياة والبقاء على جملة من الحُكّام، فهم عبيد في قبضته، وليس لهم إلاّ أن يركعوا ويسجدوا أمامه آناء الليل والنهار، وأنهم ليبذلون أموال المسلمين وشعوبهم المساكين إلى الكفار بالمجان، لا لشيء سوى للحفاظ على مناصبهم، فهم راكبون أعناق الشعوب، راكعون أمام الأعداء. «أسدٌ عليّ وفي الحروب نُعامة». وفي مثل هذه الحالة يريدون أن يجلسوا مع العدوّ حول طاولة المفاوضة للسلام العادل!

ومن الدليل على ضعف المشركين وقوّة المسلمين في الحُديبية قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لرسول المشركين عنده (بُديْل بن وَرقاء الخُزاعي): «إنّ قريشاً قد أنهكتهم الحرب، وأخذت بهم فإن شاءُوا ماددتُهم مدَّة ويخلّوا بيني وبين الناس ... إلى أن قال: فإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأُقاتلنَّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي وليُنفذ الله أمره».

ثم إن مبايعة المسلمين له على الحرب والتضحية بالنفس والمال كان استعداداً كاملا للحرب.

ثم إن عروة بن مسعود رسول المشركين الآخر لديه حينما رجع إلى المشركين قال لهم: «فوالله ما تنخَّم رسول الله نُخامةً إلاّ وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجِلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادو يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيماً له، إلى أن قال: أي قوم، لقد وَفدتُ على الملوك ووَفَدتُ على قيصر وكسرى والنّجاشي، والله ما رأيتُ ملكاً «يُعظِّمه أصحابه ما يُعظِّم أصحاب محمد محمداً! وأنه قد عرض عليكم خِطّة رشد فاقبلوها ...» رواه البخاري ومسلم بتفاوت.

2 ـ إنّ اليهود ليسوا وحدهم الذين يحاربون شعب فلسطين، بل وقف إلى جنبهم الطواغيت الدولية، الذين غرسوا هذه الشجرة الخبيثة في أرض الإسلام، وهم الذين يحاربون الإسلام والمسلمين من أول يوم، فكيف نغفل عنهم ونعدُّ الحرب حرباً بين اليهود والعرب أو المسلمين، فندخل في الصلح معهم; لأنهم أقل من المشركين؟

وهؤلاء الطواغيت، ولا حتى اليهود الذين استولوا على أرض فلسطين ليسوا بأهل كتاب، وإنما هم ملاحدة، دينهم الدولار، وأمنيتهم الاستيلاء على ثروات الأرض، فإنّ اليهود في فلسطين معظمهم صهاينة ليسوا بأهل كتاب ولا أهل دين، بل هم حزب سياسي عنصري.

على أن اليهود في العالم يعدّون بعشرات الملايين، وكلّهم مع يهود فلسطين، وبيدهم ثروات هائلة، وفي قبضتهم السُّوق العالمي والمصانع والسُّفن والأسلحة، ووسائل الإعلام العالمي، فكيف يجوز أن يقال: إنّ اليهود اليوم أقل من أهل مكة في ذلك اليوم؟

فيجب علينا إذاً أن نضع هذه الأشياء في الميزان ثُمّ نحكم بالصلح، وبدونها لن يتحقَّق صلح عادل.

3 ـ إنّ الصلح كان مع أهل مكّة بأمر من الله من دون مشورة المؤمنين، بل كان أكثرهم قاوموا النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام عقد الصلح وعند بعض بنوده، حتى أنزل الله سورة الفتح وكشف النقاب عن وجه الصلح، وعدَّه فتحاً مبيناً، ومع ذلك لم يعترف كثير منهم في صميم قلوبهم، وباقتناع نفسي منهم، بأنه كان خيراً، حتى رأوا النتيجة ماثلة أمامهم بعد مدَّة.

4 ـ كانت هناك حِكم وأسباب جاءت في سورة الفتح تصريحاً أو إيماءً، كالحفاظ على المؤمنين والمؤمنات القاطنين بمكّة يومئذ، الذين لم يعرف أشخاصهم، وكالحصول على الأرضية المناسبة لاختلاط المسلمين بالمشركين، وتبيين الإسلام لهم وتحويل قلوبهم صوب المسلمين، وغير ذلك ممّا صرّحتم به في مقالكم، ويعلم بالتدبر في سورة الفتح، وفي الحوادث التي حدثت عقيب الصلح، ولا يوجد شيء من هذه الحِكم والأسباب في الصلح مع اليهود الآن، بل الأمر بالعكس كما سنوضِّح.

5 ـ اليهود بما أعدُّوا واستعدّوا للمعركة الصارمة، كانوا معتمدين على تلك القوى العالميّة الشيطانية، وهم قادرون بما عندهم على أن يقضوا على الشعب الفلسطيني، وعلى مَن جاورهم من الشعوب، ولا سيما القاطنين في أرض الجزيرة العربية التي لليهود فيها مطامع تاريخية: كأراضي بني النضير وبني قريظة وأراضي خيبر وغيرها، في طرفة عين، ولعلّهم يفعلونها يوماً من الأيام (لا قدّر الله هذا اليوم) فهم حينما يفاوضون العرب من أجل السلام، لم يقصدوا السلام، ولم يكن خوفاً من العرب، إنما يريدون أن يسيطروا على أراضيهم وثرواتهم برفق وبرضاً منهم أو من حكّامهم; ليتدخلوا في شؤونهم ثقافياً واقتصادياً وسياسياً، وليكونوا أحراراً فيما يعملون في تلك البقاع، ويتَّخذوا من تلك الشعوب أداة لبسط سلطانهم عليهم وعلى العالم الإسلامي كلّه، ويتعاملوا معهم معاملة السيّد مع عبيده، والملك مع رعيته طوال الدهر. وبالتالي يكون الصلح المنشود هو الطريق الوحيد للوصول إلى مطامعهم، حتى إنهم يُمهِّلون أمر الصلح عمداً، ويسوِّفونه قصداً، لإرضاء النفوس شيئاً فشيئاً، حتى يقتنعوا بأنه لا طريق للاخلاص سوى الصلح والسلام.

مع أن مثل هذا الصلح هو الرصاصة الأخيرة لسقوط هذهِ الشعوب، ثم لسقوط العالم الإسلامي والمسلمين في أيدي اليهود. فأين الصلح العادل؟ ليس هذا سوى الاستسلام المطلق دون السلام العادل.

ثمّ إنّ اليهود، متى التزموا بعهودهم طوال دهرهم خاصة في فلسطين لكي نثق بهم؟ وأخيراً لو فرضنا حصول كلّ هذه الشروط والقيود، فإنّ الحُكّام لانثق بهم، وسوف يتَّخذون من هذه الفتيا ذريعةً لإلباس الأمر على الشعوب، وسيفاوضون العدوَّ في صالحهم أكثر من صالح الشعوب، وسيكون هذا الحكم من سماحتكم مبدأ شرعيَّة اليهود، وشرعيَّة عمل الحكّام الذين أجروا عقد الصلح ومفاوضة السلام معهم.

فإيّاكم أن تجعلوا رقبتكم قنطرةً لهؤلاء، والصواب هو الاكتفاء منكم بالشطر الأوّل من الفتيا، والانصراف عن الشطر الثاني فوراً، والمرجوُّ منكم أخذ هذه السطور بعين الاعتبار، ثمّ الإجابة عليها، فإنّي ما أردتُ إلاّ الإصلاح ما استطعتُ، والله من وراء القصد، والسلام عليكم ورحمة الله.
  #10  
قديم 22-06-2003, 12:12 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



البحث الاخير والخاتمة



مع أن الحياة والممات، والشفاء والسقم من الله تعالى ولا يقول بجواز مثل ذلك السؤال من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

والحال أن في صحيخ الخبر؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم ضرير البصر أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة. يا محمد: إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في.

رواه الترمذي وصححه الحاكم وابن ماجه عن عمران بن حصين، كما أقربه الشيخ سليمان بن سحمان النجدي في رسالته.

والعجب من الشيخ المزبور أنه قال: الحديث دليل لنا، إنه لا يدعي غير الله، لقوله: اللهم إني اتوجه إليك.

والحال أنه غفل عن الخطاب الحاضر بقوله: (يا محمد إني توجهت بك إلى ربي) المشتمل على النداء والتوسل، فيبطل كلام من أبطل التوسل بغير الله مطلقاً، الأحياء والأموات!!

كيف لا؟ وفي صحيح البخاري: باب (سؤال الناس الاستسقاء إذا قحطوا) وفيه في باب علامات النبوة عن ثابت، عن أنس، قال: أصاب المدينة قحط على عهد رسول الله، فبينما هو يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلكت الكراع، وهلكت الشاة. فادع الله يسقينا، فمد يده ودعا … الحديث.


توسل عمر بعم النبي العباس


وأعجب من ذلك: دعوى الشيخ سليمان النجدي اختصاص التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره، مع أن في صحيح البخاري: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم إذا قحطنا فسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون.

وفي خلاصة الكلام عن العلامة القسطلاني ـ في المواهب: أن عمر لما أستسقى بالعباس قال: أيها الناس إن رسول كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا به في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلى الله.

ففيه التصريح بالتوسل بغير النبي، لأن فعل عمر حجة عند الجميع، بل وفعل الصحابة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصحابي كالنجوم. بأيهم اقتديتم اهتديتم.

ومع ذلك فهل يتوهم أن هؤلاء الذين التجوا بالنبي عند القحط أشركوا في توسلهم؟ أو أنهم أعرضوا عن قوله تعالى: (ادعوا ربكم)(1) وقوله تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحداً)(2) .

أو أن عمر أراد من ضمه العباس في الدعاء الشرك بالله؟ أو أنه لميعرف من معالم الدين قدر ما فهمه الوهابيون؟ كلا، إن هذا بهتان عظيم على اُمناء الدين.

____________

(1) الاعراف: 55.

(2) الجن: 18.
----------------------------------------------------------------------

فلو كان التوسل ونداء غير الله شركا لما كان فرق بين المستغاث به حيا أو ميتا، وكون الحي قادراً لا دخل له بمسألة الإيمان والكفر ولم يذهب أحد من العلماء في أصولهم: إلى أن اعتقاد القدرة من العقائد الدينية، مع أن لازمه أنه إذا اعتقد المضطر قدرة المتوسل به وإن كان ميتا لما كان التوسل به شركا، أو أنه اعتقد عجز الحي والتجأ به كان شركا، ولم يقل به أحد.

نعم: السؤال من العاجز مع إحراز عجزه لغو، لا أنه شرك، وإلا لزم انقلاب الإيمان إلى الشرك، وبالعكس عند تبديل العجز بالقدرة والتمكن بعدم المقدرة!

فإن قلت: إن الله تعالى أعطى القادر من عبادة القدرة والقوة وأنا اطلبه مما أعطاه الله تعالى.

قلت: الجواب من ذلك هو الجواب الذي قاله ابن عبد الوهاب حرفاً بحرف في الرد على من قال بصحة الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة عليهم السلام.

فنقول: إن الله أعطاه القدرة، ولكن نهاك عن دعاء المخلوق في قوله: (لاتدع مع الله أحداً) ، وقوله: (ادعوا ربكم تضرعا) ، وقوله تعالى: (فصل لربك وانحر) ، وقوله: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) . فان قلت: إن الحول والقوة إذا كانا من جانب الله كان دعاء القادر دعاء لله لا دعاء مع الله.

قلنا: إذن لا فرق بين الوقوف بين يدي القادر المتمكن والسؤال منه


أو الوقوف على قبره وجعله شفيعاً إلى الله في قضاء الحوائج، ودعوى الفرق مكابرة صرفة في المهم.

فإن قلت: إن ذلك من جعل الإلهة نظير وقوف المشركين على أحجارهم وأخشابهم التي كانوا يعبدونها في الجاهلية.

قلنا: الوقوف بين يدي الحي والالتماس منه أيضاً من جعل الآلهة نظير وقوف عبده موسى وعيسى ومريم، والذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فالوقوفان على نمط واحد؟

فما للوهابيين لا يكادون يفقهون حديثاً؟؟!!

ثم إن الجواب عما استدل به ابن تيمية لمنع رفع الحوائج إلى قبور الأنبياء والصالحين: أن قوله تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله) … إلخ..

هو إنها ـ باتفاق المفسرين ـ واردة في خصوص الكفار والمشركين العاكفين على أصنامهم، بزعمهم أن البدائع السماوية مفوضة إلى الكواكب التي على صورتها تلك الأصنام حسب تخيلهم، فأبطل الله دعواهم بأن تلك الأصنام جماد ليس من شأنها السماع، ولا تنمكن من إجابة الدعوة، فكيف تتمكن من الأفاعيل الخارقة للعادة؟؟

ثم إنه سبحانه حكم بشركهم لاتخاذهم تلك الأصنام شريكا لله في الخلق وتدبير العالم وجوزوا عبادتها خلافاً لله تعالى فيما نهاهم عنه على لسان أنبيائه يقوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أنداداً) وقوله سبحانه: (أتعبدون ما تنحتون) وأين هذا ممن لا يعتقد في الأنبياء والصلحاء الخلق والتدبير ولا يعتقد


عبادتهم؟ بل ولم يقف أمامهم إلا بغرض الاستشفاع الذي نطق به الكتاب والسنة.

ان الأمور بإرادته ورضاه


ثم إن للوهابية حججاً غير وافية بمقصودهم من حرمة الاستشفاع و التوسل والاستعانة.

(أحدهما) قوله تعالى: (إن الأمر كله لله) .

وفيه نظر واضح، فإن الأمر ـ وإن كان كله لله تعالى ـ فلا يكون إلا بإرادته ورضاه، إلا أنه لا ينافي ثبوت الشفاعة الحسنة للأنبياء والأولياء في الدنيا والآخرة بعد الإذن من خالق البرية، كما أنه لا ينافي ثبوت الخلق وإحياء الموتى وشفاء المرضى لعيسى عليه السلام بعد الإذن من خالق السماء فالموحدون طراً على أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه ما من شىء إلا عنده خزائنه وما ينزله إلا بقدر معلوم.

لكنه تعالى مع ذلك جعل لكل شئ سبباً، وأبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها المتعارفة، ولولاه لما قال موسى عليه السلام: (هذه عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى) أو يقول لأهله: (امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم بقبس أو أجد على النار هدى) .

فالأنبياء مع أنهم معصومون استعانوا بغير الله تعالى، حتى نزل في حق محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) .




قال ابن تيمية: إن قوله تعالى: (ومن اتبعك) معطوف على الكاف في حسبك، والمعنى حسبك الله وحسب من اتبعك.

أقول: هذا خلاف لظاهر الآية ومناقض للصناعة النحوية، للزوم العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار ـ أعني المضاف وهو لفظ حسب ـ فمقتضى ظاهر الآية كون النبي مستمداً من الله ومن المؤمنين، كاستمداد عيسى عليه السلام بالحواريين حيث قال: من أنصاري إلى الله، وكاستمداد موسى بأخيه هارون حتى نزل في حقه: (شنشد عضدك بأخيك) ، وقال لوط عليه السلام لو كان لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد. وقال سبحانه: (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) ـ أي قويناهما بثالث.


 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م