محصَرو آل سعود
كل عام يجتمع الذين تهفو قلوبهم وتذوب أفئدتهم شوقاً إلى الآماكن المقدسة أمام سفارات آل سعود في عواصم العالم , ويقف الذي كد عمرا لجمع ما يكفيه لتلبية أذان أبيه إبراهيم عليه السلام , والذي أشتعل الشيب في رأسه وضعفت قوته واستعجله ذلك خوفاً من فوات الأوان دون أن يحقق حلمه , يقف هذا وذاك وآخرون أمام شباك الموظف المتعجرف الذي يخرج وجهه الذي لا قبلة له إلا ملاهي عواصم الجن والضباب , ويقتلهم بالكلمة المرة وهي يرمي إليهم بجوزات سفرهم :
(غير ممكن)
تنحدر الدمعات الحارة الحزينة , وتتحرك الألسنة الداعية .
مئات الآلاف من أمة محمد صلي الله عليه وسلم يحدث لهم مثل هذا كل سنة إنهم محصرو آل سعود , الذين منعهم الظلم من السفر لأداء مناسكهم .
وقد يموت الكثير من هؤلاء دون أن يحجوا , ولا أن يتحقق حلمهم في الطواف والسعي ورمي الجمرات .
المحصرون المساكين الذين من المفترض أن تبدأ رحلة حجهم من بيوتهم منطلقين نحو السفارة
المحصرون الذين من المفترض إقامة للحجة وإبراء للذمة أن يلبسوا لباس الإحرام وهم يتوجهون إلى سفارات أمراء البذخ .
المحصرون الطيبون الذين لا يحسنون صوت البكاء في صمت .
المحصرون الذين لاي فهموم السياسة ليقولوا لموظف السفارة حين يقول لهم أن الموسم لا يحتمل عدداً زائداً :
ولماذا يحتمل الموسم رجال المخابرات الأمريكية ?
ولماذا يحتمل حجيج الصفقات حيث تعطي لكل أمير آلاف التأشيرات يبيعها أو يوزعها حسب ما يرى?
بل كيف تعجز الأرض التي تحتمل كل تلك القواعد العسكرية أن تحتمل بكل جنود المارينز وعتادهم أن احتمل الآفاً أخرى من الحجاج?!
إنهم المحصرون ضحايا الظلم والعبث وواقع الحرمين المحتلين .
فهل للمحصرون حل ?
نعم , لقد قال تعالى في سورة البقرة : (وأتموا الحج والعمر لله
فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ
الهدى محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية
من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمر ة إلى الحج
فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة ٍ
إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري
المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب (196)
ولقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس (فإن أحصرتم) يقول : من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدى شاة فما فوقها , فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها , وإن كانت بعد حجة الفريضة فلا قضاء عليه .
وأخرج ابن جرير عن عباس في قوله(فإن أحصرتم) قال : : هو الرجل من أصحاب محمد كان يحبس عن البيت فيهدي إلى البيت ويمكث على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله , فإن بلغ الهدي محله حلق رأسه
وأخرج البخاري والنسائي عن نافع . أن عبيد الله بن عد الله , وسلام بن عبد الله , أخبره : أنهما كلما عبدالله بن عبد عمر ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقال : لا يضرك أن لا تحج العام , إنا نخاف أن يحال بينك وبيم البيت .فقال : خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت , فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه , وحلق رأسه .
وأخرج البخاري عن ابن عباس قال " قد أحصر رسول الله صلي الله عليه وسلم فحلق رأسه , وجامع نساءه ونحر هديه)
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي حاصر الحميري قال : خرجت معتمراً عام حوصر ابن الزبير ومعي هدي , فمنعنا أن ندخل الحرم فنحرت الهدي مكاني وأحللت , فلما كان العام المقبل خرجت لأقصى عمرتي , أتيت ابن عباس فسألته فقال : أبدل الهدى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء .
وقد ذهب علماء المسلمين إلى أن كل ما حبس الحاج عن حجة فهو إحصار , وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال : كل شيء حبس المحرم فهو إحصار .
إن الواجب أن تثار هذه المسألة شرعياً .
وأن يقال : ما حكم الذي نوى الحج وخرج من بيته ناويا عاقداً العزم على ذلك , ثم منعه آل سعود ?
إن الأمة يجب أن تكون واعية بحقوقها وهذا الحج ليس لآل سعود ولا لاموظفيهم , بل هو لله , فيجب توعية الأمة بما لها وما عليها .
ولعله من الواجب على المسلمين بداية من هذا العام أن يبرزوا عبر الإعلام مشكلة المحصرين , وأن يتم استيعابهم في ساحات وتوعيتهم بفقه الإحصار , وأن يتم التحقيق في حالات المنع , ولهذا الغرض سيتم تكوين : (اللجنة الإسلامية لشؤون المحصرين) .
أفليس عيباً أن تتكون لجان ومنظمات وهيئات تدافع عن حق الحيوان ولا تتأسس لجنة تدافع عن حق أمة بأكملها في ممارسة أحد أركان دينها الخمسة ?
إن من واجبات فروع هذه اللجنة في كل بلدان العالم هي أن تقف إلى جانب الحجيج وأن تفضح ما يتعرضون له من الابتزاز والظلم , وأن تحقق في قضايا إحصارهم , وأن تنشر ذلك في تقارير دقيقة .
واجب التحرير
من حق آل سعود أن يحتلوا الآماكن المقدسة ومن حق الأمة أن تعمل لتحريرها
الأمة لا يهمها ولا شك ما يقوله آل سعود حول أحقيتهم بملك الحرمين , لكن تبقى لها هي أيضاً كلمتها
وكلمة الأمة هي أن تحرير الحرمين والضغط على أل سعود بكل الوسائل ليرفعوا أيديهم عنهما أمر واجب شرعاً قبل كل شيء.
إن مصطلحات الاستعمار والاحتلال والتحرير قد خضعت طوال الحقبة الماضية عالمياً لمعطيات جغرافية , لذلك لابد من إحياء المعني الشرعي للاحتلال , وهو المعنى الذي يخرج أرضاً مقدسة من كونها لله ثم لجميع المسلمين , إلى أرض يملكها آل فلان يسمحون بالدخول إليها لمن يشاؤون ويمنعون من يشاؤون .
إن الواجب إذن هو إعادة الأرض إلى استقلالها الديني الشرعي بأن تكون خالصة لله (ليكون الدين لله) (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) .
فكيف يمكن للدين أن يكون لله وجزؤه الذي هو الحج مملوك لآل سعود ?
كيف يمكن للدين أن يكون لله وأرض النسك في أيدي آل سعود ?
ثم لنتأمل الآية حيث قال تعالى
وبذلك أمرت) , أي أمرت بأن يكون نسكي وحجي وصلاتي وصومي لله وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب , لذلك إذا كان الحج لا يكون لله إلا بالتحرير , فإن التحرير يكون واجباً تبعاً لوجود الحج .
تحت إشراف
مجلس إسلامي له شرعية
لماذا يتحسس أل سعود من المطالبة بإرجاع حق الأمة إليها بالإشراف على المناطق المقدسة ?
وما دام هؤلاء غير قادرين على حماية أمن الحجيج ,وحماية قداسة الحج , فإن الواجب إسناد الأمر إلى مجموع الأمة .ومن هذا المنطلق كثيراً ما يمنع أل سعود إعداداً غفيرة من المسلمين من أداء فريضة الحج بحجة عدم الأماكن من المسلمين من أداء فريضة الحج بحجة عدم الأماكن المقدسة على استيعاب أكثر من العدو المقرر .ولهذا تأتي قضية (الأقساط) , إذ يسمح من كل بلد لعدد معين من المتقدمين للحج , وفي غياب تنظيم محكم , واستشراء العبث , فقد يسمح لعشرات آلالاف من الأشخاص بالحج لسنوات عدة , على حساب عشرات آلاف يمنعون لسنوات عدة كذلك .
ثم أن عمليات الحصص أو الأقساط ذاتها لعبة قذرة تتم فيها صفقات عبر شبكات مصالح تربط أمراء بسفراء وقناصل .
ولنأخذ مثلاً قضية الهدي.
إذ تعمد المملكة السعودية كل سنة إلى إصدار آلاف التأشيرات لأصحاب مهن معينة كالجزارة والحلاقة من دول معينة لاستقدامهم إلى موسم الحج .وتقوم بنوك معينة بشراء عدد كبير من الأنعام , من إبل وغنم وبقر قصد بيعها للحجاج للهدي .ويحضر الحاج إلى معروضات الهدي التي تتم عبر شركات لها علاقاتها بمصارف وجهات معينة , فتعرض عليه الهدي , حسب أثمانه المختلفة , فهذا الخروف بمائة دولار وهذا بمائة وخمسين دولاراً وهذا بمائتي دولار .ويختار الحاج هدي المائتي دولار , ويدفع ثمنه لتقوم تلك الجهة اشترى منها بالذبح عنه وإعطائه وصلا بذلك .وحين ينصرف الحاج تقوم تلك الجهة بذبح خروف من فئة المائة دولار عنه , وتكون قد سلبت منه مائة , الله يعلم إلى أين تذهب .ولسنوات طويلة كان كان هذا يحدث بتواطؤ جهات عدة فيها أسماء أمراء متنفذين .ثم بعد الذبح تقوم جهات تدعي أنها خدمية خيرية بجمع الأضاحي وإيداعها برادات وغرف تجميد ضخمة , ومن ثم تدخل في شبكة ضخمة لتجارة اللحوم والمصبرات , ويعاد بيعها .هل يحتاج كل هذا إلى لجان تحقيق مختصة ? أم أن أمور المسلمين ستبقى في يد العابثين عقوداً أخرى .وأمام هذا الواقع الفاسد تطالبنا السعودية باحترام قانون الأقساط والحصص والتسليم بها وعدم اعتبار الممنوعين من الحج محصرين شرعاً .ولاشك أن الأمة ترى أنه لا يمكن التسليم بقانون الحصص ما دام في أيدي لا يستطيع أحد محاسبتها , كما أنه يتم في الغرف المظلمة المسورة بالأسرار والصمت ومنطق الصفقات .لذلك لابد من إخراج هذه العملية إلى الشفافية والوضوح , وذلك لايكون إلا بإخراجها من دائرة المتنفذين من الأمراء والدائرة التي تحيط بهم إطار ,الصفقات المشبوهة , ووضعها في يد لجنة إسلامية تعني بأمور الحج والهمر والإشراف على الأماكن المقدسة .فهل ستعمل الأمة لتحقيق هذه اللجنة على أرض الواقع ?
لا شك أن الأمراء المشبوهين وأصحاب الصفقات سيحركون قرون استشعارهم فزعاً من هذه الفكرة وسيجلبون بخيلهم ورجلهم على كل من يتحرك بها أو ينادي بتحقيقها أو يعمل لها في الأمة .