مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 17-03-2006, 11:40 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي الميت الصغير

الميت الصغير

الآن نفضت يدي من تراب قبرك يا بني بعد أن أخذتك من البيت إلى المقبرة أحملك بين يدي راية قائد منكسر في ساحة حرب.
عدت إلى منزلنا الذي كنت تبعثه حيوية و نشاطا بحركاتك و ضوضائها . عدت كالقائد المنكسر في قواته ، لا أملك إلا دمعة لا تستطيع عيني سكبها. وزفرة لا يستطيع صدري إخراجها. إن الله وحده هو الذي كتب لي في لوح مقاديره هذا الشقاء من أمرك فرزقني بك قبل أن أسأله إياك. ثم سلبك مني قبل أن أعطيك له.
لقد أراد أن يتمم قضاءه في و أن يجرعني الكأس حتى ثمالتها، فحرمني حتى دمعة تسكبها عيني أو زفرة يخرجها صدري ، حتى أني لا أجد في هذه و لا تلك ما أفرج به مما أنا فيه.
فله الحمد على ما أصابني به راضيا كان أم غاضبا. وله من ما يشاء من رضائي على قضاءه وقدره و الصبر على مكاتيبه.
رأيتك يا بني تسقط أمام عيني من ذلك الإرتفاع الشاهق حينما كنت تعاونني على إصلاح خزان المياه. فتقدم لي بكل خفة و نشاط الأدوات التي أطلبها منك و أنت تسرع من هنا و هناك على حافة حائط البيت الذي عليه الخزان، فخفت عليك من السقوط و الموت ، ففزعت و كأنما يخيل إلي أن الموت و الحياة شأن من شأن الناس يمكن أن يملكوه ، فهرعت جريا حتى سقطت مكسور الرجلين ، فجلست بجانبك أتحسسك بأصابع يدي المرتعشة ثم أخذت أقطر في فيك الماء قطرة قطرة و القدر ينتزع من جنبيك الحياة قطعة قطعة حتى نظرت فإذا أنت بين يدي جثة هامدة باردة لا حراك فيها و لا حياة. فعلمت أني قد فقدتك و أن الأمر لا بد منه.
لقد كان خير لي و لك ألا يكون آخر عهدك بي يوم و داعك لهذه الدنيا و أنا آمرك بعنف في أخذ مفتاح أو تقديم آخر أو رفع ثقل...فلقد أصبحت أعتقد أنني كنت عونا للقضاء عليك و أن كأس المنية التي كان يحملها لك القدر في يده لم تكن أمر سقوط من علو شاهق بقدر ما كانت من أمري لك بالصعود لمساعدتي في إصلاح خزان الماء.
ما أسوأ وجه الحياة من بعدك يا بني ! و ما أقبح صورة هذه الكائنات في نظري ! و ما أشد ظلمة البيت الذي أسكنه بعد فراقك إياه !
لقد كنت تطلع في أرجائه شمسا مشرقة تضيء لي كل شيء فيه ، أما اليوم فلا ترى عيني مما حولي أكثر مما ترى عينيك من ظلام القبر.
بكت عليك خالاتك و عماتك و أهلك وندبوا ما شاؤا ، حتى إذا إستنفذوا أصواتهم و ضعفت قواهم إحتمال المزيد لجأوا إلى مضاجعهم ، ولم يبق ساهرا في ظلمة هذا الليل و سكونه غير عينين قريحتين ، عيني أبوك المسكين المفجوع فيك وعين أخرى أنت تعلمها.
لقد طال على الليل حتى مللته ، ولكنني لا أسأل الله أن ينفرج لي ليل عن نهار ، لأن الفجيعة التي عشتها بفقدك لم تبق بين جنبي بقية أقوى بها على رؤية أثر من آثار حياتك.
دفنتك اليوم يا بني و دفنت قبلك أمك وعمك و جدتك بعد أن إكتسحتهم رحى الحرب و الظلم و العدوان. فأنا كل يوم أستقبل زائرا جديدا و أودع ضيفا عزيزا. فيا الله لقلب قد لاقى فوق ما تلاقي القلوب ، و إحتمل فوق ما تحتمل من خطوب.
لقد إفتلذ كل منكم يا بني من كبدي فلذة فأصبحت هذه الكبد مبعثرة ممزقة في زوايا القبور و لم يبق لي منها إلا دم قليل لا أحسبه باقيا على الدهر و لا أحسب الدهر تاركه دون أن يذهب به كما ذهب بمن سبقه من قبل.
لماذا ذهبتم بعدما جئتم ؟ لماذا جئتم إن كنتم تعلمون أنكم لن تبقوا ؟ فلولا مجيئكم ما أسفت خلة يدي منكم ، لأنني ما تعودت أن تمتد عيني إلى ما ليس في يدي ، ولو أنكم بقيتم بعدما جئتم ما تجرعت هذه الكأس المريرة في سبيلكم.!
فيا بني إن قدّر الله لك أن تلتقي بأمك وعمك و جدتك في روضة من رياض الجنة أو على شاطئ غدير من غدرانها أو تحت ظل من ظلال أشجارها أو قصورها فاذكروني مثل ما أذكركم. و قفوا بين يدي ربكم صفا واحدا كما يقف بين يديه المصلون و مدوا إليه أكفكم الثمانية و قولوا له : ـ
اللهم إنك تعلم أن هذا الرجل المسكين كان يحبنا و كنا نحبه ، وقد فرقت الأيام بيننا و بينه ، وهو لا يزال يلاقي بعدنا شقاء الحياة و بأسها ما لا طاقة له بإحتماله. و ما زلنا نجد بين جوانحنا من الوجد به و الحنين إليه ما ينغص علينا هناء هذه النعمة التي ننعم بها في جوارك و بين سمعك و بصرك و أنت أرحم بنا و به من أن تعذبنا عذابا كثيرا, فإما أن تأخذنا إليه أو تأتي به إلينا. لا بل أطلبوا أن يأتي بي إليكم. فإن الحياة التي كرهتها لنفسي لا أرضاها لكم ، فعسى أن يستجيب الله من دعائكم ما لم يستجب من دعائي ، فيرفع هذا الستار بيني و بينكم فنلتقي كما كنا و صوتك ينادي .. أبي .. أبي...إنهض فلقد أفل النهار وحل المغرب... ففزعت من حلمي هذا و أنا أتصبب عرقا و كأني خارج للتو من لجة غدير. فإستيقظت ، فلا خزان و لا ميت صغير...بل أنت و أمك وجدتك وعمك..!
فعلمت أنها خيالات و أوهام أو أضغاث أحلام.
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 19-03-2006, 12:41 AM
أسعد المصري أسعد المصري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
الإقامة: جدة ــ دمشق
المشاركات: 256
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى أسعد المصري
إفتراضي

في حضرة الفاجعة التي تنزف خناجر الكلمات .. لا أملك سوى الخشوع والصمت ...


طاب جرحك أخي الكريم وطاب يومك .
__________________


الحب في حياتنا

مثلُ المياه

إذا غاضتْ .. هلكنا

وإذا فاضتْ ..

غضبٌ من الله ..!


أسعد المصري


الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م